13-11-2007, 00:34 | #1 |
خارج الزمن
|
( حفلة شاي ) .. ، .. حكاية نورة
كان كلُ شيءٍ على ما يرام .. قامت نورة بإعداد الـ الشاي والـ قهوة وقطع الـ بيتيفور ومكعبات الـ الشوكولا ، استعداداً لاستقبال صديقاتها الثلاث .. أمل وهدى ونوال .. طالما اشتاقت لرؤيتهن ، فمنذ تزوجت كل واحدة منهن وانشعلت بحياتها وزوجها وأولادها ، ودارت بهن جميعاً عجلة الحياة لم يتسنى لهن أن يلتقين ، ولم تكن الصلة بينهن إلا عبرَ المكالمات الهاتفية - مرة كل ثلاثة أشهر أو أربع - الليلة سـ يسعدنَ بلقاءٍ لم يتكرر منذ سبع سنوات عندما كُنّ زميلات على مقاعد الدراسة الجامعية .. صرخت نورة بزوجها الذي نظرَ إليها مبتسماً وهو يهم بالخروج : ( بسرعة ، الحريم جايين وأنت للحين ما طلعت ) .. خرجَ زوجها ، فأدخلت أولادها إلى غرفتهم ليلعبوا وجلست على الأريكة في الصالة تنتظر ضيفاتها ، لـ تستدعها الذكريات وقد أسندت رأسها إلى ذراعها : " كم كانت أياماً جميلة .. الصداقة الحميمة التي جمعتنا .. كنا نتعامل مع كل الأمور ببساطة .. لا مسؤليات .. ولا أعباء .. ضحك .. ولعب .. وانطلاق .. لو كنتُ أعرف أن الزواج سيحرمني سعادتي ما كنت تزوجت .. حظي كان الأسوء بينهن .. دائماً كانت صديقاتي أوفر حظاً مني في كل شيء حتى في الزواج .. أمل .. تزوجت سليمان .. الرجل الثري الذي أمهرها بـ مئتي ألف ريال .. كم كانت سعيدة وهي تتباها بيننا أيام خطوبتها وزواجها .. وكم كنا نحسدها .. هدى .. تزوجت أحمد .. ذلكَ الإعلامي اللبق الوسيم الذي كنا نتغزل بأناقته وذوقه ووسامته .. وكم فاجأنا خبر تلك الخطوبة .. كانت هى كالفراشة يومها تكاد لا تلامس الأرض فرحا .. أما نوال .. أه من نوال .. لا أصدق أنها تزوجت ابن خالتي .. ابن خالتي فهد .. ذلك الظابط الذي طالما أردته وتمنيته زوجاً لي .. كم كان يعجبني ببدلته العسكرية ووجاهته في العائلة .. أما أنا .. المغلوبة على أمري أنا .. قليلة الحيلة أنا ، فكان نصيبي عبدالعزيز هذا الموظف البسيط الذي لا يملكُ مالاً ولا جمالاً ولا أدنى وجاهة .. حظي هو الأسواء دائماً .. صديقاتي الثلاث يعشن اليوم في ألوان من السعادة .. وأنا محرومة وبائسة " لم تزل نورة تتصفح تلكَ الأيام من ذاكرتها حتى أفزعها جرس الباب .. هبّتْ إلى المرآة في غرفتها لتلقي نظرة أخيرة على مكياجها وتسريحتها ، مالت بكتفيها ميلتين سريعتين تتفحصُ مظهرها ، وانطلقت إلى الباب .. كانت هدى أول القادمات ، أخذا بعضهما بالأحضان وسط سيل من القبلات ، ودلفا إلى الداخل بينما كانت هدى تقول : ( اتصلت بـ أمل ، قالت إنها مواعدة نوال بـ تمر عليها مع السواق وبـ يجون ) .. لم تكد هدى تخلع خمارها وعباءتها وتستوي جالسة حتى رن الجرس مرة أخرى ، وانطلقت نورة لتستقبل ضيفتيها وتباشير الفرح على وجهها : ( طيب .. طيب .. جاية ) .. دخلت أمل ونوال وأولادهما إلى المجلس ملتقيتان بـ هدى بينما أخذت نورة الأولاد ليلعبوا مع أولادها وعادت بالقهوة بعد ذلكَ وبما أعدتهُ لإكرام ضيفاتها الغوالي عليها .. أخذنَ يتجاذبنَ أطرافَ الحديث والنكات والذكريات ويتضاحكن في سمر شائقٍ بديع حينما انطلقت نغماتُ هاتفِ أمل الجوال ، فقالت نوال ممازحة : (يا عيني عـ الحب اللي مولع .. مو قادر على فراقك) .. كان المتصل هو زوجُ أمل التي سلطت نظرها إلى نوال متبسمة وهيَ تضغط على شفتها السفلى بأسنانها - مشيرةً لها بالصمت - وهي تفتح الخط .. أنهتْ أمل المكالمة مطلقةً زفرةً ساخنة وتلاشت من وجهها معالم الفرح وسط تأففٍ واستغفار .. ثم وجهت كلامها لـ نوال : (بلا حب بلا هم .. روقينا يا شيخة) .. قالت هدى : (يكفيكِ - ما شاء الله - قصر وفلوس ومجوهرات وسفرات كل سنة) .. أجابتها أمل : ( إيه .. خليها على الله .. ما تدرين عن لعنة هـ الثراء .. !!) .. وأردفتْ تقول بعد أن استرخت على الـ كنبة : (من تزوجت هـ الرجال ما شفت يوم زي العالم والناس ، هواش وصراخ ومشاكل ، عنده زوجه قبلي وطليقة ، وتزوج بعدي مرتين وطلق ، طهقني فـ عيشتي هـ المخلوق ، كل يومين ثلاثة وأنا وعيالي عند أهلي ، مليت منه ومن هـ الوضع المقرف) .. كانت نورة تنصت مندهشة .. قالت هدى : (وش أقول أنا .. !! .. حياتي شقا وتعب وإحباط .. ما صار عندنا عيال .. طيب ما خربت الدنيا .. هذي إرادة ربنا .. أنا كشفت وطلعت سليمة .. وطلع العيب منه هو .. أنا وش ذنبي .. مسوّد عيشتي بنفسيته اللي زي الزفت طول الوقت بسبب هـ الموضوع .. نرفزة وتحطيم وإهانات .. هذا جزاي اللي صابرة عليه كال هـ السنين .. ؟ !!) .. ولم تزل نورة تنصت بدهشة .. قالت نوال وهي تَصْفِق بكفيها وتفركهما : (أجل وش أقول أنا عن السيد فهد اللي قارفني بـ دنيتي ، ما عنده إلا أوامر ونواهي كأنه بـ معسكر ما هو فـ بيت ، والله ما أذكر إنه يوم جاب لي هدية أو قال لي كلمة حلوة ، لا يحس ولا يرحم ، لو أتعب أو أمرض أو أموت ما يهتز ، ولا يبين فيه أي معروف ولا يرضيه شي ، حياتي معه هم وزهق ، جفاف بـ جفاف) .. صرنَ يتضاحكنَ والحسرات تطغى على وجوههن بينما كانت الضحكة مخنوقة في وجهِ نورة التي أخذت تتأمل أنين قلوبهن من لِحَاظِ أعينهن .. وتفكر : " نصيبي أنا هو الأفضل .. عبدالعزيز ليسَ فقيراً فهو يملك ما يكفينا من المال ويزيد .. عبدالعزيز لم يكن وسيماً لكنه ليسَ دميماً هو جميل ، وجميل في عينيَّ أكثر من أي أحد .. عبدالعزيز لا يملك وجاهة أمام الناس .. !! .. جهلٌ والنقصٌ في الناس لأنهم لا يعرفون عبدالعزيز المهم بـ أخلاقه بـ حبه بـ طيبته لا يعرفون عبدالعزيز الإنسان كما عرفته أنا .. كثيراً ما كان يأتيني بالهدايا والورود بمنتهى الرومنسية والحب .. لن أنسى ذلك اليوم الذي رأيتُ الدموع في عينية حينما كنتُ أعاني من ألم الولادة .. مرات عديدة كنتُ أغضب من أمور تافهة وليسَ له ذنبٌ فيها ، فأصرخ في وجهه وأتجاوز في كلامي معه وربما أجرح مشاعره ، فكان يجلس هادئاً أو يخرج من البيت بهدوء ، .. فأندم .. لكني لا أرتدع .. كم هو حنون وطيب ومحب وصادق ونقي .. زوجي وحبيبي" أخذت جوالها وركضت إلى غرفتها ونوال تناديها : (اسم الله عليها وش فيها ذي .. تعالي .. وين رايحة .. ؟ .. تعالي صبي الشاهي) .. - (شوي .. شوي .. الحين أجي) .. اتصلت بزوجها : (عبدالعزيز .. اشتقت لك .. اشلونك يا أبو محمد .. عسى ما تضايقت لما طلبت منك تطلع .. ؟ .. ضيوفي طولوا الله يهديهم .. ودي يروحوا عشان تجي لي ولبيتك يا بعد الدنيا .. يمكن نص ساعة ويروحوا ، تعال بسرعة ، لا تتأخر - وقبلَ أن ينهيَ المكالمة من طرفه - عبدالعزيز أنا أحبك .. أحبك .. أحبك .. أنتظرك .. ترجع بالسلامة حبيبي) . |
16-11-2007, 13:06 | #2 |
بقـايا حُلـم
|
رد : ( حفلة شاي ) .. ، .. حكاية نورة
القاص الجميل والشاعر الرائع عبدالله الخميس وانا أقرأ حكاية نورة تذكرت المثل العامي الدارج ( من عرف مصايب الناس هانت عليه مصيبته ) أسلوب بسيط وسهل ووعظي غير متكلف ويسّرب الرساله بكل بساطه تواصلك رائع وانا سعيده ومستمتعه به اثراء لهذا القسم الجميل الذي يكتمل بالمبدعين امثالكم سأنتظرك دائماً |
17-11-2007, 15:30 | #3 | |
شـــاعرة
|
رد : ( حفلة شاي ) .. ، .. حكاية نورة
إقتباس:
الله على الوهج ماتعرف قدري الي ماتجرّب غيري وهذا مثل آخر قريب جداً ولو وضعنا المقارنه بالسمع وليست التجربه . التفكر في الحال وحال الأقل حظ فعلاً يجعل العقل في صحو , وادراك عبدالله الخميس كاتب بحرفنه عن الحياة الاجتماعيه بأسلوب رائع لا عدمنا تواصلك كل الود والورد |
|
20-11-2007, 11:07 | #4 |
شـــاعـر
|
رد : ( حفلة شاي ) .. ، .. حكاية نورة
عبدالله الخميس.. ياسلام على هالرائعه الجميله.. فعلا الدنيا هي في الجوهر وليس في المظهر ... فالجوهر هو الأهم ,,, والأهم من كل ذلك هو القناعه والكنز الذي لا يفني.. أستمتعت بالقصه الجميله ،، والله يعطيك العافيه.. تحياتي |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1 | |
|
|
|