من خير الكلام


آخر 10 مشاركات
هلا بالجميع (الكاتـب : دغيفل - - الوقت: 20:59 - التاريخ: 14-11-2023)           »          اصعب سؤال (الكاتـب : علي التركي - - الوقت: 14:50 - التاريخ: 26-06-2020)           »          وريثة الغيم (الكاتـب : علي التركي - - الوقت: 10:37 - التاريخ: 21-03-2020)           »          الظِل.......! (الكاتـب : كريم العفيدلي - - الوقت: 23:00 - التاريخ: 26-01-2020)           »          آفـآ وآلله يـآمـجـرآك (الكاتـب : ناعم العنزي - - الوقت: 10:12 - التاريخ: 23-01-2020)           »          ثـقـوب (الكاتـب : عائشة الثبيتي - - الوقت: 10:25 - التاريخ: 17-12-2019)           »          ~{عجباً لك تدللني}~ (الكاتـب : شيخه المرضي - - الوقت: 23:39 - التاريخ: 26-11-2019)           »          تاهت خطاويه (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 08:55 - التاريخ: 14-11-2019)           »          خزامك وشيحك (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 22:43 - التاريخ: 08-11-2019)           »          موسم الصمان (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 14:58 - التاريخ: 08-11-2019)


 
العودة   شعبيات > > ذاكرة العرب
تحديث هذه الصفحة حَـكَـايـا
 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 16-10-2006, 14:44   #16
تراثٌ وشخصيات
 

رد : حَـكَـايـا رمَـضَـانِـيِّة



.
(5)
حديث المرأة التي سكنت البادية قريباً من قبور أهلها
قال أبو علي: وحدثنا ابو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: دُفعت يوماً في تلمسي بالبادية إلى وادٍ خلاء لا أنيس به إلا بيتٌ معتنزٌ بفنائه أعنزٌ وقد ظمئت فيممته فسلمت، فإذا عجوز قد برزت كأنها نعامةٌ راخم، فقلت: هل من ماء؟
فقالت: أو لبن؟ فقلت: ما كانت بغيتي إلا الماء، فإذا يسر الله اللبن فإني إليه فقير، فقامت إلى قعب فأفرغت فيه ماء ونظفت غسله ثم جاءت إلى الأعنز فتغبّرتهن حتى احتلبت قراب ملء القعب، ثم أفرغت عليه ماء حتى رغا وطفت ثُمالته كأنها غمامة بيضاء، ثم ناولتني إياه فشربت حتى تحببت رياً، واطمأننت فقلت: إني أراك معتنزة في هذا الوادي الموحش والحلة منك قريب، فلو انضممت إلى جنابهم فأنست بهم! فقالت: يابن اخي، إني لآنس بالوحشة، وأستريح إلى الوحدة، ويطمئن قلبي إلى هذا الوادي الموحش، فأتذكر من عهدت، فكأني أخاطب أعيانهم، وأتراءى أشباحهم، وتتخيل لي أندية رجالهم، وملاعب ولدانهم، ومندى أموالهم؛ والله يابن أخي، لقد رأيت هذا الوادي بشع اللديدين، بأهل أدواح وقباب، ونعمٍ كالهضاب، وخيل كالذئاب، وفتيان كالرماح، يبارون الرياح، ويحمون الصباح؛ فأحال عليهم الجلاء قماً بغرفةٍ، فأصبحت الآثار دارسة، والمحال طامسة، وكذلك سيرة الدهر فيمن وثق به. ثم قالت: ارم بعينك في هذا الملا المتباطن؛ فنظرت، فإذا قبورٌ
نحو أربعين أو خمسين، فقالت: ألا ترى تلك الأجداث؟ قلت: نعم! قالت: ما انطوت إلا على أخ أو ابن أخ، أو عم أو ابن عم، فأصبحوا قد ألمأت عليهم الأرض، وأنا أترقب ما غالهم؛ انصرف راشداً رحمك الله.

.

تراثٌ وشخصيات غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 20:32   #17
ثامر الشعيفان
شـــاعر
 

رد : حَـكَـايـا رمَـضَـانِـيِّة




أكد المحققون والباحثون العرب بأن منهج الرومان في الشعر هو " أعذب الشعر أكذبه " أما منهج العرب فـ " أعذبه أصدقه " اخترتُ لـ نفسي ولكم من أصدق الشعر أعذبه

من روائع المراثي
جزءٌ من محاضرة ( من أعذب الشعر ) للشيخ : ( عائض القرني )

التهامي شاعر عجيب، مات ابنه وهو في الرابعة عشرة من عمره، وهذا السن عجيب الرابعة عشرة والعاشرة وما حولها، أحسن سن للشباب، ولذلك تجد أهل المصائب إذا أصيب بابن في هذا السن، يبلغ ببعضهم -إن لم يمده الله بالصبر- أن ينهار.

رثاء التهامي لابنه

هذا لما مات ابنه نظم قصيدة رائعة من أروع القصائد، بديعة، يقول فيها:

حكم المنية في البرية جاري......ما هذه الدنيا بدار قرار
إني وترت بصارم في رونق.......أعددته لصلابة الأوتار
جاورت أعدائي وجاور ربه.......شتان بين جواره وجواري



يقول: أما أنا فبقيت مع أهل الدنيا وأهل النكد، وأما هو فأخذه الله إلى جواره:
جاورت أعدائي وجاور ربه.......شتان بين جواره وجواري
يقولون: رئي التهامي في المنام فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، فقالوا: بماذا؟ قال: بقولي:
جاورت أعدائي وجاور ربه.......شتان بين جواره وجواري

يقول ابن القيم : لله در آسية عليها السلام امرأة فرعون يوم قالت: إِذْ قَاَلت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] قال: فقدمت الجار قبل الدار؛ إِذْ قَاَلت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] لم تقل: ابن لي بيتاً في الجنة عندك، وإنما قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] فقدمت الجار قبل الدار، وهو جوار الله عز وجل، ونسأل الله عز وجل أن نكون من جيرانه في دار النعيم.


رثاء زوجة لـ جرير

رثاء الزوجات وارد، وهذا لمن يكون بينه وبين أهله ألفة، توفيت زوجة جرير فرثاها بمرثية، يقول:
لولا الحياء لهاجني استعبـار.......ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولقد نظرت وما تمتع نظرة.......في القبر حيث تمكن المحسار
صلى عليك الله ما سنح الدجى.......والصالحون عليك والأبرار
أبيات طويلة، لكنها من أعظم ما قيل في رثاء الزوجات.



متمم بن نويرة

دخل متمم بن نويرة على عمر رضي الله عنه، ومتمم شاعر من شعراء العرب، فقال عمر : يا ليتني يا متمم كنت شاعراً، فأرثي أخي زيداً ، وزيد أسلم قبل عمر واسمه زيد بن الخطاب ، أسلم قبل عمر ، وهاجر قبل عمر ، واستشهد قبل عمر في اليمامة ، وكان عمر كلما ذكر زيداً يقول: [[والله ما هبت الصبا من نجد إلا جاءتني بريح زيد ]] والصبا الريح، التي تهب من المشرق وزيد قتل في اليمامة في جهة نجد ، فكان عمر يبكي دائماً يقول: يا ليتني كنت شاعراً، فأرثي زيداً .

ومتمم هذا قتل أخوه مالك بن نويرة ، قتله خالد بن الوليد ، فلما قتله بكى متمم على أخيه حتى ذهبت إحدى عينيه، يقول:

وكنا كندماني جذيمة برهةً.......من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا.......أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً.......لطول اجتماع لم نبت ليلة معا


يقول: ما كأنا عشنا ليلة.

الفراق عند العرب من أعظم ما يكون، وأشد شيء على النفس الفراق، قيل لـجعفر الصادق رضي الله عنه وأرضاه: لماذا لا تصاحب إخوانك؟ قال: خوف الفراق؛ كأنه يقول: أستوحش إذا فارقتهم، ولذلك أتركهم من أول الطريق، وكان الحسن البصري إذا ودع إخوانه يبكى حتى يخاف عليه.

ويقول:
وخفف وجدي أن فرقة واحد.......فراق حياة لا فراق ممات

وكان المتنبي يوم فارق سيف الدولة وهو غضبان عليه يقول:
فراق ومن فارقت غير مذمم....... وأم ومن يممت خير ميمم
رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى.......هوى كاسر كفى وقوسي وأسهمي



يقول متمم في أخيه مالك وكان إذا رأى قبراً بكى:
لقد لامني عند القبور على البكا ....... رفيقي لتذراف الدموع السوافك
فقال أتبكي كل قبر رأيته ....... لقبر ثوى بين اللوى بالدكادك


كلما مر بقبر بكى لتذكره قبر أخيه، والله المستعان، أخوه قبره كان بعيداً في بادية من بوادي العرب، لكن إذا رأى أي قبر بكى، قال:
فقال أتبكي كل قبر رأيته....... لقبر ثوى بين اللوى بالدكادك
فقلت له إن الشجى يبعث الشجى.......فدعني فهذا كله قبر مالك



رثاء أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي

والرثاء عند العرب جميل، كان أحد قواد العرب واسمه محمد بن حميد الطوسي في عهد المعتصم العباسي يقاتل الكفار من صلاة الصبح حتى غربت الشمس ثم قتل، أتدرون كم كان عمره؟ يقولون: ما يقارب السادسة والثلاثين، فكان شاباً قوياً، وكان مؤمناً بالله، لبس أكفانه من الصباح، وأخذ يقاتل بالسيف حتى تكسرت سيوفه، فقتل مع الغروب، فلما قتل قال فيه أبو تمام الشاعر قصيدة يرثيه بها، فلما سمعها الخليفة قال: والله الذي لا إله إلا هو لوددت أني قتلت وأنها قيلت في.

وكان كلما كسروا سيفه أخذ سيفاً آخر، فيكسرونه، فيأخذ ثالثاً حتى وصل الغروب، وقد كسرت يده فقتلوه، يقول أبو تمام :

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر....... فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
توفيت الآمال بعد محمد ....... وأصبح في شغل عن السفر السفر
فتى كلما فاضت عيون قبيلة ....... دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر
تردى ثياب الموت حمراً فما دجا ....... لها الليل إلا وهي من سندس خضر
ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة ........ غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر


يقول: حتى الأرض كانت تتمنى أنها كلها قبر لك
وما مات حتى مات مضرب سيفه ....... من الضرب واعتلت عليه القنا السمر

يقول: لم تمت حتى تكسرت السيوف وتقصفت عليك الرماح:
وقد كان فوت الموت صعباً فرده.......عليه الحفاظ المر والخلق الوعر
ونفس تعاف الذل حتى كأنه ....... هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
عليك سلام الله وقفاً فإنني ....... رأيت الكريم الحر ليس له عمر


إلى آخر ما قال، وهي من أبدع ما قيل.



جرير يرثي بشر بن مروان

يقول الحسن البصري : دخلت على بشر بن مروان أخي عبد الملك بن مروان ، والي العراق ، يقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق........من غير سيف ودم مهراق


قال: فدخلت عليه فوجدته غضاً سميناً، عنده الأطباء، وعنده الحشم، وعنده المغنون، وعنده الشعراء، قال: ثم خرجت وجئته في اليوم الثاني، وإذا هو مريض في سكرات الموت، قد نزل من سريره، وكشف فراشه، وهو يتقلب على التراب، ويبكي ويقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29].

انظر بالأمس كيف كان، وكيف هو اليوم، أمس على سريره وعنده الوزراء والأمراء والشعراء والأدباء والمغنون، والآن على التراب يقول: ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانيه، قال: والله ماخرجت من قصره حتى مات، قال: فحملناه إلى المقبرة، فأتى الفرزدق الشاعر فقال:
أعيناي إن لم تسعفاني ألمكما.......فما بعد بشر من عزاء ولا صبر
ألم تر أن الأرض بعدك أظلمت ........ وأن نجوم الليل بعدك لا تسري



ذكر الذهبي أن محدثاً من المحدثين رحمه الله كان في سكرات الموت، فسمع أحد طلاب الحديث يقول: حدثنا فلان، عن فلان، وهذا المحدث على حافة عالم الآخرة، ولكن تذكر مجالس الحديث ومجالس العلم، فبكى كثيراً ثم قال: أجلسوني، قالوا: أنت في وضع خطير، قال: أجلسوني، فأجلسوه، قال للطالب: أعد قول حدثنا، فأعاد فقال:

سقوني وقالوا لا تغن ولو سقوا ........ جبال سلمى ما سقيت لغنت


البيت هذا لرجل من العرب أسروه، ثم شرب الخمر فغنى ورفع صوته، قالوا: لا تغن تسمع الأعداء، قال: تسقوني الخمر ولا أغني، ولذلك الخمر والغناء شريكان، وهما طريقان إلى النار، وإنما ذاك يقول: أسمع الحديث ولا أجلس، وأنا روحي في الحديث.
أحد المحدثين يقول في الرسول صلى الله عليه وسلم:
من زار بابك لم تبرح جوارحه........ تروي أحاديث ما أوليت من منن
فالعين عن قرة والكف عن صلة ........ والقلب عن جابر والسمع عن حسن


هؤلاء الرواة ولكن هو حولها إلى أسماء، يقول:
يا رسول الله من أتى إلى بابك أصبحت جوارحه تروي ما أمليت من هذا العلم، وقرة العين توافق اسم قرة بن شريك من المحدثين، والصلة توافق اسم صلة بن أشيم المحدث، وجابر القلب توافق اسم جابر بن عبد الله ، وحسن السمع يوافق اسم الحسن البصري ففي البيت تورية، فالكلمات كأنها أسماء الرواة وهو يقصد معاني أخرى.



المصدر : تسجيلات الشبكة الإسلامية
http://audio.islamweb.net


اخر تعديل كان بواسطة » ثامر الشعيفان في يوم » 18-10-2006 عند الساعة » 20:37.
ثامر الشعيفان غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 20-10-2006, 03:14   #18
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

119 ربما تابع.



.

ومن عظيم صبر النساء وعجيبه:
ما كان من أمر أم سليم امرأة أبي طلحة الأنصاري: مرض ابنها منه فمات، فسجته في المخدع ثم قامت فهيأت لأبي طلحة إفطاره، كما كانت تهيئ له كل ليلة، فدخل أبو طلحة وقال لها: كيف الصبي؟ قالت: بأحسن حال بحمد الله، ثم قامت فقربت إلى أبي طلحة إفطاره، ثم قامت إلى ما تقوم إليه النساء، فأصاب أبو طلحة من أهله، فلما كان في السحر قالت: يا أبا طلحة ألم تر آل فلانٍ استعاروا عارية فلما طلبت منهم شق عليهم، فقال: ما أنصفوا، قالت: فإن ابنك كان عاريةً من الله وإن الله قد
قبضه إليه، فحمد الله واسترجع، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا أبا طلحة بارك الله لكما في ليلتكما.
*
ومن التأسي العجيب والاحتساب الجميل:
ما فعلته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما في حرب ابنها عبد الله بن الزبير: دخل عليها في اليوم الذي قتل فيه فقال: يا أمه، خذلني الناس حتى أهلي وولدي ولم يبق إلا اليسير ومن لا دفع عنده أكثر من صبر ساعة من النهار، وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا فما رأيك؟ قالت: إن كنت على الحق وتدعو إليه فامض عليه فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية فيتلعبوا بك، وإن قلت إني كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي ليس هذا فعل الأحرار، ولا فعل من فيه خير. كم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن ما نقع به يا ابن الزبير. والله لضربة بالسيف في عز أحب إلي من ضربة بسوط في ذل. قال لها: هذا والله رأيي الذي قمت به داعياً إلى الله، والله ما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله تعالى، أن تهتك محارمه. ولكني أحببت أن أطلع رأيك فزدتني قوة وبصيرة مع قوتي وبصيرتي. والله ما
تعمدت إتيان منكر، ولا عملاً بفاحشة، ولم أجر في حكم، ولم أغدر في أمان، ولم يبلغني عن عمالي ظلم فرضيت به، بل أنكرت ذلك، ولم أغدر في أمان، ولم يبلغني عن عمالي ظلم فرضيت به، بل أنكرت ذلك، ولم يكن شيء عندي آثر من رضى ربي سبحانه وتعالى، اللهم إني لا أقول ذلك تزكية لنفسي ولكن أقوله تعزية لأمي لتسلو عني. قالت له: والله إني
لأرجو أن يكون عزائي فيك حسناً بعد أن تقدمتني، فإن في نفسي منك حوجاء حتى أنظر إلى ما يصير أمرك. ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة وبره بأمه. اللهم إني قد سلمت فيه لأمرك، ورضيت منك بقضائك، فأثبني في عبد الله ثواب الشاكرين. فودعها فوجدت مس الدرع تحت ثوبه. فقالت: ما هذا فعل من يريد
ما تريد. فقال: إنما لبسته لأشد منك. قالت: فإنه لا يشد مني. وقال لها فيما خاطبها به: إني ما أخاف القتل وإنما أخاف المثلة، فقالت: يا بني إن الشاة لا تبالي بالسلخ بعد الموت.

*

ولما حَضرت الإسكندرَ الوفاةُ كَتب إلى أمِّه:
أن اصنَعي طعاماً يحضُره الناسُ، ثم تَقدّمي إليهم أن لا يَأكل منه مَحْزون، ففَعلت. فلم يبْسُط إليه أحدٌ يده، فقالت: ما لكم لا تَأكلون؟ فقالوا: إنك تقَدّمت إلينا أن لا يأكلَ منه مَحْزون، وليس منَّا إلا من قد أصيب بِحَميم أو قرِيب؛ فقالت: مات واللّه ابني وما أَوْصى إِليّ بهذا إلا ليُعَزِّينَى به.


.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 21-10-2006, 00:54   #19
تراثٌ وشخصيات
 

رد : حَـكَـايـا رمَـضَـانِـيِّة


.
"دعاء أعرابي عشية عرفة بالموقف"
قال أبو علي رحمه اللّه وحدثنا أبو بكر بن البستنبان قال حدّثنا أبو يعلى عن الأصمعي قال: شهدت أعرابياً عشية عرفة بالموقف فسمعته يقول: اللهم إن هذه العشّية من عشايا منحتك، وأحد أيام زلفتك؛ فيها يقضّ إليك بالهمم، بكل لسان تدعى، وكلُّ خيرك فيها يبغى؛ أتتك الضّوامر من الفجّ العميق، وجابت إليك المهارق من شعب المضيق؛ ترجو ما لا خلف له من وعدك، ولا متّرك له من عظيم أجرك، أبرزت إليك وجوهها المصونة صابرةً على لفح السّمائم، وبرد ليل التمائم، ليدركوا بذلك رضوانك؛ ثم انتخب وبكى ورفع يدبه وطرفه إلى السماء، ثم أنشأ يقول: إلهي إن كنت مددت يدي إليك داعياً، فطالما كفيتني ساهياً، نعمتك تظاهرها علىّ عند القفلة، فكيف أياس منها عند الرّجعة؛ ولا أترك رجاءك لما قدّمت من اقتراف آثامك، وإن كنت لا أصل إليك إلا بك؛ فهب لي يا ربّ الصّلاح في الولد، والأمن في البلد، وعافني من شرّ الحسد، ومن شرّ الدّهر النّكد.
.

تراثٌ وشخصيات غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 27-10-2006, 19:38   #20
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : حَـكَـايـا رمَـضَـانِـيِّة



.

مِنْ صَمِيم الحَيَاة

هذه قصة شاب مدرس في ثانوية البنات حديث السن لم يجاوز الرابعة والعشرين حتى الآن، معتزل متفرّد عاكف على كتبه ودفاتره، لا يخالف الناس، وليس ممن يبتغي الظهور فيهم والحظوة لديهم، فلا يحاول أحد من القراء أن يبحث عنه أو يسعى إلى معرفته، وليكتفوا من قصته التي قصها عليّ بمكان العبرة منها، إذا كان قد بقي في القارئين من يحرص على العبرة أو يسعى إلى الاعتبار…
وهذا الشاب ابن صديق من أدنى أصدقائي إلى قلبي، وكان في صباه تلميذا لي، وكان من أذكى الطلاب قلبا وأطهرهم نفسا، وأمتنهم خلقا، وأتقاهم لله في سر وفي علن، وكان في صغره جادا بعيدا عن المزاح، مجتنبا للهزل، بارا بأمه وأبيه، لا يعرف إلا مدرسته وبيته، لم ير قد واقفا في طريق، أو ماشيا إلى لهو، وثبت على ذلك حتى شب وأكمل الدراسة، وفارق المدرس، وهو لم يدخل قهوة ولا سينما، ولم يصاحب أحدا أبدا، ولم يجالس امرأة غير أمه ولم يكلمها..
وكان لذلك بمنزلة الأخ الأصغر مني، أحبه محبة الابن، ويُجلّني إجلال الوالد، وكان ينفض إلي دخيلته، ويكشف لي سريرته، وكان من مزاياه أنه صادق اللهجة، لم أجرب عليه في هذه المدة الطويلة كذبا قط…
وانقطع عني مدة طويلة، ثم رأيته فأخبرني أن والديه قد توفيا بالتيفوئيد في شهر واحد، وأنه غدا وحيدا فاحترف التعليم، وبعثت به الوزارة لما تعلم من عظم أخلاقه إلى مدرسة ثانوية للبنات، فثار وأبى وطلب نقله إلى غيرها من مدارس البنين، فما زالوا به يداورونه ويقنعونه بأنه إن كان معلم البنات رجل مثله، فذلك خير لهن من أن يدخل عليهن فاسق خبيث، وإن قبوله التدريس في هذه المدرسة قربة إلى الله فخدع المسكين وقبل!
قال: وبتّ ليلة افتتاح المدرسة بليلة نابغيّة لم ينطبق فيها جفناي، من الفكر والوساوس والمخاوف، فلما أصبح الصباح ذهبت أقدم رجلا وأؤخر أخرى، حتى دخلت المدرسة، فما راعني عند الباب إلا أن فتاتين كاملتي الأنوثة ليستا بالصغيرتين ولا القاصرتين قد دخلتا أمامي، فلما صارتا من داخل ألقتا عنهما الخمار، فعادتا كأنهما في دارهما، وتلفت حولي فإذا ملء الساحة فتيات نواهد نواضج الأجساد، قد حسرن ورحن يلعبن ويمشين، شعورهن مهدلات على الأكتاف، فأحسست كأنما قد صبّ عليّ دلو من الماء الحامي، فاحترقت منه أعصابي، فاستدرت راجعا ونفضت يدي من الوظيفة، وقلت: الرزق على الله!
وقصدت بيتي فما وسعني والله البيت، ووسوس إليّ (لا أكتمك) الشيطان، وزيّن لي تلك المتعة بمعاشرة أولئك الفتيات، والحياة بينهن، فاستعذت بالله، وأعرضت عنه، وذهبت أفتش عن عمل غير هذا، فسدّت في وجهي الأبواب إلا هذا الباب، ولاحقتني الوزارة وإدارة المدرسة حتى عدت مكرها..
وأنا رجل رُضْت نفسي على العفاف، وأخذتها بضروب الرياضات حتى سكنت شرّتها، ولكنها مع ذلك كانت تثور بي كلما سبقت عيني وأنا غافل إلى فتاة في الشارع كاشفة، أو سمعت أذني حديثا من أحاديث الشبان سقط إليّ وأنا لا أطلبه، أو قرأت (وقلما أقرأ) قصة خليعة، أو نظرت (ونادر أن أنظر) مجلة من المجلات الداعرة الخبيثة وما المرأة التي يفتش عنها الشبان ويتحدثون عنها إلا هذه النَّصَف التي تصلح ما أبلى الدهر منها بالثياب والأصباغ وما عند العطار، والتي تقاذفتها الأيدي حتى صارت كالغصن الذاوي وكالثوب الخرق، فما بالك بشاب كتب عليه أن يعاشر النهار كله فتيات كزهرة الفلّ، أو كالغلالة الجديدة، لم تمسسهن يد بشر، ولم يعرفن من تجارب الحياة ما يتّقين به شباكها، ويطلب منه أن يكون عفيفا شريفا، وأن يكنّ هن أيضا عفيفات شريفات، وله في نفوسهن مثل الذي لهن في نفسه؟
يا أستاذ! إن الخطر أشد مما تتوهمون أنتم معشر الكتاب المعتزلين في بيوتهم أو في أبراجهم العاجيّة –كما يقولون عن أنفسهم- الخطر أشد بكثير… شباب وشابات، يُصبي كلاً منهما أن يشم ريح الآخر من مسيرة فرسخ، يجتمعون على دروس الأدب وقراءة أشعار الغزل… تصور (يا أستاذ) المدرس يلقي على طالباته حديث ولادة وابن زيدون، وأنها كتبت كما رووا (كذبا أو صدقا) على حاشية ثوبها
أمكن عاشقي من صحن خدي
وأمنح قبلتي من يشتهيها

ويمضي يشرح لهن ذلك ويفسره لهن.. حالة فظيعة جدا يا أستاذ… ولو كنّ كبيرات مسنات، أو كنّ مستورات محجبات، أو لو كن صائمات مصليات يخفن الله، لهان الأمر، ولكنهم يجتمعون بهن على سفور وحسور وتكشف، وتنطلق البنت حرّة تزور معلمها في داره، وتمشي معه إن دعاها للسينما، أو المنتزّه، كذلك يرى الآباء اليوم بناتهم فلا ينكرون ذلك عليهم!
أنا لا أقول أن الآباء كلهم لا يهمهم أعراض بناتهم، وأن كل أب قَرْنان، معاذ الله أن أقول ذلك، ولكن في الآباء قوما مغفلين، أعمى أبصارهم بريق الحضارة الغربية فحسبوا كل شيء يجيء من الغرب هو خير وأعظم أجرا، ولو كان ذهاب الأعراض والأديان والأبدان! إن هؤلاء كالنعامة يلحقها الصياد فتفر منه حتى إذا عجزت أغمضت عينيها ودسّت رأسها في التراب لظنها أنها لم تبصر الصياد، فإن الصياد لا يراها! إن هذا الأب يحسب أن كل رجل ينظر إلى ابنته بعينه هو، وطبيعي منه ألا ينظر هو إليها بعين الشهوة، فلذلك يطلقها في الشارع، ويبعث بها إلى المدرسة على شكل يفتن العابد، ويحرّك الشيخ الفاني!
دخلت يا سيدي ودرّست، وكنت أغض بصري ما استطعت وأحافظ على وقاري، ولا أنظر في وجوه الطالبات إلا عابسا، وكنت مع ذلك أداري من أثرهن في أعصابي مثل شفرة السيف الحديد، وإذا قرع الجرس خرجت قبلهن مهرولا حتى لا أماشيهن ولا أدنو منهن، فذهبت مسرعا إلى داري أصلي وأسأل الله أن يصرف عني هذه المحنة، وان يجعل رزقي في غير هذا المكان، وكنت أصوم وأقلل الطعام لأطفئ هذه النار، فإذا مشيت إلى الفصل وسمعت كلامهن، وسبقت عيني إلى بعض ما يبدين من أعضائهن وزينتهن زادت ضراما واشتعالا!
وكان فيهن طالبة هي… لا.. لست أصفها ولا ينفعك وصفها، وحسبك أن تعلم أنها ذكية ومتقدمة في رفيقاتها، وأنها من أسرة من أنبل الأسر، وأنها فوق ذلك جميلة جدا.. جدا.. إنها تمثال، وهل رأيت مرة تماثيل الجمال والفتنة…؟ وكانت كلما نظرتْ إليّ قرأت في عينيها كتابا مفتوحا، رسالة صريحة لي أنا وحدي، وأحسست منها بمثل شرارات الكهرباء تخرق قلبي… فكنت أزداد عبوسا وإعراضا، فلا يردها عبوسي ولا يثنيها إعراضي، وأسرعت مرة ورائي وأنا خارج وهي تناديني: ((سؤال يا أستاذ))… ولها في صوتها رنّة… يا لطيف..! فوقفت لها فجعلتْ تدنو مني حتى شعرت كأني ألامس… ألامس ماذا؟ لا أجد والله شيئا أشبهها به، لأنه ليس في الدنيا شيء آخر له مثل هذا التأثير… فهربت منها وأسرعت إلى الدار، وحرصت على ألا أدعها أو أدع غيرها تفعل مثل هذا!
وعقدت العزم عقدا مبرما على ترك التدريس، وخرجت من الفصل بهذه العزيمة، وكان في الساحة تلميذات فرقة أخرى في درس الرياضة، وقد اصطففن بالشّلْحات، كاشفات الأفخاذ والأذرع، راسخات النهود، يقفن كذلك بين الرجال (والمعلمون كلهم رجال)… فكبر رأسي وأسرعت إلى الشارع، وقد حلفت ألا أعود ولو متّ جوعا، وبعثت بكتاب الاستقالة!
ومرت أيام وكنت وحدي في الدار –وأنا وحدي دائما ليس لي زوجة ولا قريب- فإذا بالباب يقرع، فقمت ففتحت وإذا بها تدخل عليّ، وتغلق الباب وراءها، وترفع الغشاء عن وجهها، وتلقي المعطف عن منكبيها، تحدثني تطلب درسا خصوصيا، وعيناها تحدثانني تطلبان أو لقد خيّلت لي أعصابي أنهما تطلبان غير الدرس… ولست يا أستاذي رجل سوء ولا أليف دعارة، ولكني رجل على كل حال… فلما رأيتها في داري… وتحت يدي… والباب مغلق… وهي تريد… ملكني الشيطان… ورأيت الدنيا تدور بي، ولما حاولت أن أتكلم اختنق صوتي ثم خرج وفيه بحّة غريبة كأني أسمع معها صوت إنسان آخر غيري، وهممت يا أستاذ… ولكن صوت الدين رنّ في أذني، ينادي لآخر مرة كما يصرخ الغريق آخر صرخاته… فاستجبت له… ولو أعرضت عنه لحظة لضاعت هذه الفرصة إلى الأبد، ولخسرت أنا والبنت الدنيا والآخرة من أجل لذة لحظة واحدة… ولم أتردد بل قلت لها بصوت بارد كالثلج، قاطع كالسيف، خشن كالمبرد: ((يا آنسة، أنا آسف، إن هذه الزيارة لا تليق بطالبة شريفة، فاخرجي حالا!))… وفتحت لها الباب وأغلقته خلفها، وتم ذلك كله في دقيقة!
ولما خرجتْ ندمت… نعم ندمت… وعاد الشيطان يوسوس لي، وضاق بي المنزل حتى كأني فيه محبوس في صندوق مقفل، ولم أعد أدري ماذا أصنع، وأحسست أني أضعت كنزا وقع إليّ، وتغلّبت غريزتي، فأخفت صوت الدين والعقل، وأحسست توترا في أعصابي، حتى وجدت الرغبة في أن أعضّ يدي بأسناني، أو أضرب رأسي بالجدار، وعدت أتمثل حركاتها ونظراتها… فأراها أجمل مما هي عليه، وأحس بها في نفسي، فكأني لا أزال أشم عطرها، وأرى جمالها، بل لقد مددت يدي لأمسك بها، فإذا أنا أقبض على الهواء، وخيّل لي الشيطان أن هذه البنت لم تعد تستطيع الصبر بعد أن أذكى هذا النظام المدرسي نار غريزتها، وأنها ستمنح هذه الـ … هذه النعمة رجلا غيري… فصرت كالمجنون حقا، وحاولت أن أقرأ ففتحت كتابا فلم أبصر فيه شيئا إلا صورتها، وأردت الخروج فرأيتني أنفر من لقاء أيّ من أصحابي كان ولا أريد إلا إياها، وحسدت إخوتي المدرسين الذين لم يتربوا مثل تربيتي الصالحة، فتمنعهم من الانطلاق في هذه اللذائذ انطلاق الذئب في لحم القطيع الطريّ!
والعفو يا أستاذ إذا صدقت في تصوير ما وجدت، فأنت أستاذي أشكو إليك، وأنت الرجل الأديب قبل أن تكون الشيخ القاضي، فقل الآن ماذا أصنع؟ إني تركت التدريس واشتغلت بغيره، ولكني لم أستطع أن أنساها، ولو أنا أردت وصالها لقدرت عليه ولكني لا أريد، فماذا أصنع يا أستاذ؟ لقد حاولت الزواج، فرأيت الأب الذي لا يكاد يمنع ابنته حراما لا يمنحها حلالا إلا بمهر وتكاليف يستحيل دفعها على مثلي، فأيِسْتُ من الزواج، فماذا أصنع؟

*
ماذا يصنع يا أيها القراء؟ قولوا، فإني لم أجد والله ما أقول!


ـــ
بقلم فقيد الأدب الشيخ / علي الطنطاوي رحمه الله.



فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 16-11-2006, 17:28   #21
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : حَـكَـايـا





.

المُوْسِيْقِي العَاشِقْ
قال لي أمس صديقي حسني: إني لأعلم شغفك بالموسيقى، وحبك الفن القديم، فهل لك في سماع رجل وهو أحد أعمدة هذا الفن في دمشق ومن أساطينه، وهو هامة اليوم أو غد، فإذا انهار أوشك ألا يقوم مثله أبدا؟
قلت ما أحوجني إلى ذلك، فمن هو هذا الموسيقي الذي لا أعرفه إلى اليوم؟
قال: هو شوقي بك رجل تركي، كان من موسيقيي القسطنطينية أيام السلطان عبد الحميد، وانتهت إليه رياسة (العود) فيها، وله أسطوانات هي عند الموسيقيين، كرسائل الجاحظ عند جماعة الأدباء، واسمع فعندي واحدة منها.
وقام إلى (الحاكي) فأداره، ووضع أسطوانة عتيقة، فسمعت شيئا ما حسبت مثله يكون، وبدا لي كل ما سمعت إلى اليوم من ضرب الموسيقيين كأنه إلى جانبه لعب أطفال، وخربشة مبتدئين.
قلت: ويحك قم بنا إليه الآن.
فقمنا وأخذنا معنا شيخ الموشحات في دمشق الشيخ صبحي واثنين من مجودي المغنين، وذهبنا إليه.
**********
ضربنا في الجبل حتى جاوزنا الدور الفخمة والقصور العامرة، ووصلنا إلى طائفة من المساكن هي أشبه بأكواخ، قد بنيت من الطين وقامت دوين الصخر، فوقفنا عند واحد منها، وقرع الباب دليلنا الأستاذ حسني كنعان، ففتح لنا رجل طويل، عريض الألواح، حليق الوجه محمره، ولكن الكبر ظاهر عليه، قد جعد وجهه وإن لم يحن ظهره، ولم يهصر عوده، ورحب بنا على الطريقة التركية، وبالغ في الترحيب بنا ودعانا إلى الدخول فدخلنا، فإذا رحبة نظيفة خالية من الأثاث، ما فيها إلا أشباه كراسي، وسدة من الخشب مفروشة ببساط هي السرير وهي المجلس، وإذا الفقر باد، ولكن مع الفقر ذوقا ونظافة… فقعدنا، وحلفنا عليه أن لا يصنع لنا شيئا، فما نريد إكراما منه إلا بإسماعنا ضربه.
أخذ قيثارته (كمانه) وقسم (تقاسيم) هزت حبة قلبي، فأحسست بلذة ما عرفتها من قبل، ومع اللذة شيء من السحر، يجعلك تتطلع إلى المجهول، وتسمو إلى عالم الروح، ويوقظ فيك ذكرياتك وآمالك كلها دفعة واحدة.
فلما انتهى، عرض عليه حسني العود، فأبى واعتذر وقال: إنه لا يضرب عليه.
قال حسني: كيف وأنت إمام الضاربين.
قال: إنني لا أستطيع.
فلما حلفنا عليه وألححنا قال: إن لذلك قصة ما قصصتها على أحد، فاسمعوها، ولو أني وجدت ما أكرمكم به لما قصصتها عليكم، ولكني لا أملك شيئا، ولن أجمع عليكم حرمان السماع وكتمان السبب.
**********
وهذه هي القصة مترجمة إلى لغة القلم:
قال: كان ذلك منذ أمد بعيد نسيه الناس وأدخلوه في منطقة التاريخ المظلمة، فلا يرون منه إلا نقطا مضيئة مثلما يرى راكب الطيارة من مدينة يمر بها ليلا. أما أنا فلا أزال أحس به بجوارحي كلها، ولا يزال حيا في نفسي، بل أنا لا أزال أحيا فيه، وما عشت بعده قد إلا بذكراه. ولقد مر على قصتي زمن طويل عندكم لأنكم تقدرونه بعدد السنين، نصف قرن… أما أنا فأقدره بذكراه الحية في نفسي فأجده ساعة واحدة… لحظة… إني أنظر الآن إلى عينيها، وأشم عطرها، وأجلس في مجلسها. إن ما أراه حولي ظلال، وتلك المشاهد هي الحقيقة. أفعلمتم من قبل أن ذكرى قد تضح وتظهر حتى تطمس المرئيات، وتغطي على الحقائق، هذه هي ذكرياتي.
كان أبي من الباشوات الكبار المقربين من السلطان، فلما علم أني اشتغلت بالموسيقى، كره ذلك مني، وصرفني عنه، وعاقبني عليه، فلما أصررت عليه، أهملني واطرحني، وطردني من داره، فلبثت أتنقل في بيوت أقربائي وأصدقاء أبي، أمارس تعليم الموسيقى لأبناء الأسر الكبيرة، وكان (فلان) باشا من الآخذين بأسباب الحياة الجديدة، يحب أن يقبس عن أوروبا طرائقها في معيشتها ويقلدها في السير عليها لا يدري أنه لا يأخذ عاداتها لحياته، بل سمومها لدينه وخلقه، فدعاني لأعلم ابنته، وكنت يومئذ في الثلاثين، ولكنهم كانوا يقولون عني: ((إنه أجمل شاب في حاضرة الخلافة))… وأحسب أني كنت كذلك، ولكني -ولست أكذبكم- ما عرفت طريق الحرام، والحلال ما استطعت سلوك طريقه.
قابلت الباشا، فأدخلني على ابنته لأعلمها، فنظرت إليها، فإذا هي ملتفة بـ (يمشق) من الحرير الأبيض، لا يبدو منه إلا وجهها، وإنه لأشد بياضا ولينا من هذا الحرير، لا البياض الذي تعرفونه من النساء، بل بياض النور، لا، لم أستطع الإبانة عما في نفسي، إنه ليس كذلك، هو شيء ثمين عذب مقدس، يملأ نفسك عاطفة لا شهوة، وإكبارا لا ميلا، وتقديسا لا رغبة، وكانت عيناها مسبلتين حياء وخفرا، تظهر على خديها ظلال أهدابها الطويلة فلم أر لونها، وكانت في نحو السادسة عشرة من عمرها، مثل الفلة الأرجة إبان تفتحها.
وانصرف أبوها بعدما عرفني بها وعرفها بي، وبدأ الدرس على استحياء مني ومنها. ورفعت عينيها مرة، فمشى بي منهما مثل الكهرباء إن لمست سلكتها… عينين واسعتين، فيهما شيء لا يوصف أبدا، ولكنك تنسى إن رأيتهما أن وراءك دنيا… إنها تصغر دنياك حتى تنحصر فيهما، فلا تأمل إن رأيتهما في شيء بعدهما… العفو يا سادة* أنا لست أديبا، ولا أحسن رصف الكلام، ففسروا أنتم كلامي، وترجموه إلى لسان الأدب، وأين الأديب الذي يملك من الكلام ما يحيط بأسرار العيون؟ إنه العلم أوسع وأعمق من الفلسفة والكيمياء والفلك… أعندكم في وصفها إلا أن تقولوا: عينان سوداوان أو زرقاوان، واسعتان أو ضيقتان، حوراوان دعجاوان، وتخلطوا ذلك بشيء من تشبيهاتكم؟ اعرضوا عيون الفتيات تروا أنكم لم تصفوا شيئا، هاتان عينان متشابهتان في سعتهما ولونهما وأهدابهما، ولكن في هذه، الجمال الوادع الحالم، وفي تلك الجمال الشرس الأخاذ، وفي أخرى العمق والرهبة، وفي هذه الأمل، وعين فيها فتنة، وعين فيها خشوع، وعيون فيها شيء لا تعرف ما هو على التحقيق، ولكنه يبدل حياتك، ويقلب عليك دنياك باللمحة الخاطفة.
ولما تكلمت سمعت صوتها كأنما هو… مالي وللتشبيهات التي لا أحسنها؟ وأين ما يشبه به صوتها، وفيه الخفر وفيه الرقة وفيه فتنة وفيه رفاهية؟ لا تعجبوا فإن من الأصوات الصوت المهذب والصوت الوقح، والصوت المرفه، والصوت البائس، وصوتا خليعا وآخر صينا. إن الصوت لينطلق من غير حروف. ورب ناطقة بلا إله إلا الله، وصوتها يدعو إلى الفحشاء*، وقائلة كلمة الفجور وصوتها ينهى عنه، وإنك لتستطيع أن تتخيل المرأة من صوتها. ولم يكن في زماننا هذا الهاتف (التلفون) ولكني أعذر من أسمع عنهم أنهم يعشقون بالتلفون. فالأذن تعشق قبل العين أحيانا.
لم أجاوز الدرس ولم أقل فوقه كلمة واحدة. وكنت أشد منها حياء وخجلا، ولم يكن أبناء زماننا أولي وقاحة وجرأة كهذه الجرأة التي نراها اليوم، وندر فيهم من كان مثل (الباشا) يسمح لابنته الناهد أن تتلقى العلم عن الرجال - وهو يعلم أن الشاب والشابة في الطريق أو المدرسة يتخاطبان بلغة العيون خطاب الرجل والمرأة، قبل أن يتحرك اللسانان بحديث المعلم والتلميذة. وانقضى الدرس بسلام، ولكني لما فارقتها رأيت كل شيء قد تبدل، فقد تعلقت بالحياة وكنت بها زاهدا، ورأيت ضوء الشمس أشد نورا وأحسست بالوجود من حولي وقد كنت أنظر إليه غافلا، وكان لي أصحاب لم أكن أعدل بمجلسهم وصحبتهم شيئا ففارقتهم تلك الليلة وهربت منهم، وذهبت إلى غرفتي لم أطق فيها قرارا، ولا اشتهيت طعاما ولا شرابا، ووجدتني أخرج على الرغم مني، فأؤم دارها، فيردني بابها فأهيم حولها، أوغل السير في التلال الشجراء عند (بيوغلي) لا أستطيع النأي عن دارها.
صارت هي كوني ودنياي، قد تبدلت قيم الأشياء في نظري، فعز ما كان منها يمت بصلة إليها، وهان كل شيء سواه، وانطويت على نفسي أفكر فيها وأتصور أدق حركة أو سكنة منها. وكلما ذكرتها يهز شيء قلبي فيخفق كجناح طائر علقت رجله بالفخ، ثم يندفع الشيء إلى عيني فيفيضان بالدمع. ولا أدري كيف أمضيت ليلتي، حتى أزف موعد الدرس الثاني شعرت كأني عدت إلى جنتي التي خرجت منها، وعشت ساعة في لذة لو جمعت لذاذات الأرض كلها ما بلغت نقطة من بحرها. وعندما ودعتها نظرت إلي نظرة شكت كبدي وزلزلتني زلزالا، وكدت من سروري بها أطير فوق رؤوس الناس خفة وفرحا، فقد علمت أن لي عندها مثل الذي لها عندي، على أني ما كلمتها في غير موضوع الدرس كلمة ولا لمست لها طرف ثوبها، وما هي إلا نظرة واحدة ولكنها قالت فأبلغت، وحدثت فأفهمت.
**********
وسكت الموسيقي وجال الدمع في عينيه، ثم قال وهو يكاد يشرق بدمعه وقد ضاع في رنة البكاء صوته:
أتدرون ما عمري اليوم؟ أنا فوق الثمانين، وقد مر على هذا الحب دهر، ولكني أراه كأنه كان أمس، وكأني لا أزال شابا ينطوي صدره على قلب صبي. ولقد حسبت أني أستطيع أن أتحدث عنه كما يتحدث الشيوخ عن ماضيات لياليهم فوجدتني لا أستطيع، لا أستطيع فاعذروني. إن هذه الذكرى قد خالطت شغاف قلبي، ومازجت لحمي وعظمي، وإني لأحس وأنا أحدثكم أني أمزق جسدي لأستل منه هذه الذكريات.
قلت: فأخبرنا ماذا كان بعد ذلك؟
قال: كان ما أخشى التحدث عنه، إني لا أحب أن أهيج الذكرى وأثيرها، إنكم لا تدرون ماذا تصنع بي؟ إنها تحرقني، تنتزع روحي.
كان يا سادة، أني تدلهت بحبها، وهمت بها، وجعلتها هي كل شيء إن كنت معها لم أذكر غيرها، وإن فارقتها ذكرتها وفكرت فيها. فهي ماضي وحاضري ومستقبلي، وهي ذكرياتي كلها وآمالي، أراها طالعة علي من كل طريق أسير فيه، وأرى صورتها في صفحة البدر إن طلع علي البدر، وفي صحيفة (النوطة) إن جلست إلى (البيان)، ومن سطور الكتاب إن عمدت إلى القراءة في كتاب، فإذا جلست إليها والعود في حجري، وعيناها في عيني، وأذناها إلى عودي، تخيلت أني معانقها هي، لا العود، وغبت عني، وسمت روحي إلى عالم أعرفه ولا أعرف ما اسمه، فرجعت منه بالسحر فجرت به يدي على العود، فمن هناك تلك (الأسطوانات) التي كنتم تعرفونها لي.
لا، لا تلحفوا علي (سألتكم بالله)، لن أذكر لكم هذه التفاصيل، إنني انتزعتها من لحمي ودمي، فدعوها لي، إنها حظي من حياتي أتعلل بها وحدي. لا أحب أن تلوكها الأفواه ويلتهي بها قراء المجلات. لقد كانت الخاتمة أن أصدقاء أبي عطفوا علي، فخطبوها لي وكان العقد وصارت زوجتي، ولكن الله لم يشأ أن تتم سعادتي فمرضت ثم …
وغلب عليه البكاء، فلم يستطع أن يخرج الكلمة، فأداها بإشارة مبتلة بالدمع، محروقة بأنفاس الألم.
وسكتنا - فقال بعد هنية:
وقد ذهبت أودعها، فأخذت يدها بيدي، كأني أنازع الموت إياها، وأسحبها منه، فقالت لي:
- إنك غدا، تحب غيري، وتضرب لها على عودك.
قلت: لكِ علي عهد الحب، لا نظرت بعدك إلى امرأة، ولا أجريت يدي على عود.
**********
وسكت، ونظر إلى العود كأنه يريد أن يعتنقه لينطقه بالمعجزات، ويترجم به لواعجه، ثم غلبه البكاء مرة ثانية فقام، وانسللنا واحدا بعد واحد، وأغلقنا الباب ونحن نسمع نشيجه.

.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 20-11-2006, 01:39   #22
محسن سبعان
شـــاعــر
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ محسن سبعان
 

إقتباس:
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة عنود مشاهدة المشاركة


كان ضمن رجال الملك عبد العزيزجلال الفرم الذين ساهموا في فتوحات جنوب المملكه ويقول
بعد ان عادوا من فتح نجران وهم في طريقهم الى الرياض مروا بوادي الدواسر وكان عددهم كثير جداً
فوزعوا انفسهم على بيوت حيث كان كل اهل عشر ركايب ضيوفا عند صاحب بيت
فقام اهل الوادي بإكرامهم غايه الاكرام وقطعوا عذوق النخيل لهم ولهجنهم لان الارض مجدبه من النبات
والهجن قد بلغ بها الهزال والجوع مبلغه
وبقوا في ضيافه اهل الوادي عده ايام وهم في احسن حال حتى استردت ركابهم احوالها وتجدد نشاطها
ومن الاكرام الذي وجدوه عند اهل الوادي ايضاً ان اهل الوادي بدلوا القريه القديمه بقريه جديده
والمزهب وهو وعاء زاد المسافرالقديم التالف بمزهب جديد وملأوه بالزاد والقهوه البريه والهيل
وعندما رحلوا عن وادي الدواسر قال الشاعر جلال هذه الابيات :


يااهل النضا اللي عليهن كيف
***************** اللي مواركهـن جـدادي
اثنوا على مكرمين الضيف
*************** على ((الدواسر)) هل الوادي
عسى الحيا في ليال الصيف
**************** يمطر علـى دار الاجـوادي
دواسـر ماتبـي تعـريـف
*************** بالمرجـلـه فعلـهـم زادي

وهذه القصة تدل على كرم الدواسر
انتظر نوره تجيب قصة عن العجمان

نجران لم يكن بها فتح ، وحرب لكي تبايع الملك عبدالعزيز آل سعود طيّب الله ثراه بالمـُلك ! بل كان هنالك مبايعة وولاء على أساس عهد بين الملك وأهالي المنطقة بعدم المساس بمذهبهم !!

هنا كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه يذكر فيها ، ويسترجع هذا العهد بشكل سريع بليغ في زيارته الكريمة لمنطقة نجران قبل عدّة أسابيع :
http://www.okhdood.com/?act=artc&id=1021

محسن سبعان غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 01-03-2007, 10:56   #23
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : حَـكَـايـا


.


"قدم النعمان بن منذر على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين فذكروا من ملوكهم \ وبلادهم فافتخر النعمان بالعرب وفضلهم على جميع الأمم لا يستثنى فارس ولا غيرها فقال كسرى واخذته عزة الملك : يانعمان لقد فكرت في أمر العرب وغيرهم من الأمم ونظرت في حالة من يقدم علي من وفود الأمم فوجدت للروم حظا في اجتماع ألفتها وعظم سلطانها
وكثرة مدائنها ووثيق بنيانها وان لها دينا يبين حلالها وحرامها ويرد سفيهها ويقيم جاهلها ورأيت الهند نحوا من ذلك في حكمتها وطبها مع كثرة انهار بلادها وثمارها وعجيب صناعتها وطيب أشجارها وقيق حسابها وكثرة عددها وكذلك الصين في اجتماعها وكثرة صناعات ايديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد وان لها ملكا يجمعها والترك والخزر علة ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون وماهو رأس عمارة الدنيا من المساكن والملابس لهم ملوك تضم قواصيهم وتدبر امرهم ولم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا ولا حزم ولا قوة ومع ان مما يدل على مهانتها وذلها وصغر همتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة
يقتلون أولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضا من الحاجة قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتها فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها وان قرى أحدهم ضيفا عدها مكرمة.وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم ما خلا هذه التنوخية التي أسس جدي اجتماعها وشد مملكتها ومنعها من عدوها فجرى لها ذلك إلى يومنا هذا وان لها مع ذلك آثارا ولبوسا وقرى وحصونا وامورا تشبه بعض امور الناس يعني اليمن ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس حتى
تفتخروا وتريدوا ان تنزلوا فوق مراتب الناس.
قال : النعمان اصلح الله الملك حق لأمة الملك منها أن يسمو أفضلها ويعظم خطبها وتعلو درجتها الا ان عندي جوابا في كل ما نطق به الملك في غير رد عليه ولا تكذيب له فان أمنني من غضبه نطقت به قال : كسرى قل فأنت آمن.
خطبة النعمان بن المنذر:
قال النعمان: اما امتك أيها الملك فليست تنازع في الفضل لموضعها الذي هي به من عقولها واحلامها وبسطة محلها وبحبوحة عزها وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك واما الأمم التي ذكرت فاي أمة تقرنها بالعرب الا فضلتها قال كسرى : بماذا قال النعمان بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وشدة عقولها
وأنفتها ووفائها فأما عزها ومنعتها فانها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد ووطدوا الملك وقادوا الجند لم يطمع فيهم طامع ولم ينلهم نائل حصونهم ظهور خيلهم ومهادهم الارض وسقوفهم السماء وجنتهم السيوف وعدتهم الصبر اذ غيرها من الأمم إنما عزها من الحجارة والطين وجزائر البحور واما حسن وجوهها وألوانها فقد يعرف فضلهم في
ذلك على غيرهم من الهند المنحرفة والصين المنحفة والروم والترك المشوهة المقشرة.وأما أنسابها وأحسابها فليست أمة من الأمم الا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أولها حتى إن احدهم ليسأل عمن وراء أبيه ذنيا فلا ينسبه ولا يعرفه وليس أحد من العرب الا يسمى آباءه ابا فأبا حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينتسب الى غير نسبه ولا يدعى الى غير أبيه واما سخاؤها فإن ادناهم رجلا الذي تكون عنده البكرة والناب عليها بلاغه في حموله وشبعه وريه فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزي بالشربة فيعقرها له ويرضى ان يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الاحدوثة وطيب الذكر واما حكمة ألسنتهم فان الله تعالى أعطاهم في اشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم الأشياء وضربهم للأمثال وابلاغهم في الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس ثم خيلهم افضل الخيل ونساؤهم اعف النساء ولباسهم افضل اللباس ومعادنهم الذهب والفضة وحجارة جبالهم الجزع ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر وأما دينها وشريعتها فانهم متمسكون به حتى يبلغ احدهم من نسكه بدينه ان لهم اشهر حرما وبلدا محرما وبيتا محجوجا ينسكون فيه مناسكهم ويذبحون فيه ذبائحهم فيلقى الرجل قاتل ابيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثاره وادراك رغمه منه فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله بأذى.وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومي الايماءة فهي ولث وعقدة لا يحلها الا خروج نفسه وان احدهم يرفع عودا من الارض فيكون رهنا بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وان احدهم ليبلغه ان رجلا استجار به وعسى ان يكون نائيا عن داره فيصاب فلا يرضى حتى
يفنى تلك القبيلة التي اصابته او تفنى قبيلته لما اخفر من جواره وانه ليلجأ اليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون انفسهم دون نفسه واموالهم دون ماله واما قولك ايها الملك يئدون اولادهم فانما يفعله من يفعله منهم بالاناث انفة من العار وغيرة من الأزواج واما قولك ان افضل طعامهم لحوم الابل على ما وصفت منها فما تركوا مادونها الا احتقارا لها فعمدوا الى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم مع انها اكثر البهائم شحوما وأطيبها لحوما وارقها ألبانا واقلها غائلة واحلاها مضغة وانه لا شيء من اللحمان يعالج ما يعالج به لحمها الا استبان فضلها عليه واما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم فانما يفعل ذلك من يفعله من الأمم اذا أنست من نفسها ضعفا وتخوفت نهوض عدوها اليها بالزحف وانه انما يكون في المملكة العظيمة اهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم فيلقون اليهم
امورهم وينقادون لهم بأزمتهم واما العرب فان ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا ان يكونوا ملوكا أجمعين مع أنفتهم من اداء الخراج والوطث بالعسف.وأما اليمن التي وصفها الملك فانما أتى جد الملك اليها الذي أتاه عند غلبة الجبش له على ملك متسق وامر مجتمع فأتاه مسلوبا طريدا مستصرخا ولولا ما وتر به من يليه من العرب لمال الى مجال ولوجد من يجيد الطعان ويغضب للأحرار منغلبة العبيد الأشرار.
فعجب كسرى لما أجابه النعمان به وقال انك لأهل لموضعك من الرياسة في أهل إقليمك ثم كساه من كسوته وسرحه الى موضعه من الحيرة.

.


اخر تعديل كان بواسطة » فوزي المطرفي في يوم » 01-03-2007 عند الساعة » 11:01.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 18-03-2007, 19:12   #24
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : حَـكَـايـا




.

ألف ليلة و ليلة: -

ومما يحكى: (1) انه كان في بني عذره رجل ظريف لا يخلو من العشق يوما واحداً، فاتفق له أنّه أحبّ امرأة جميلة من الحيّ، فراسلها أياما وهي لا تزال تجفوه وتصدّ عنه، إلى أن أضرّ به الغرام والوجد والهيام، فمرض مرضا شديدا، واشتهر بالعشق ذكره، ولزم الوساد وجفا الرقاد، وازداد سقمه، وعظم ألمه حتى كاد أن يموت، ولم تزل أهلها و أهله يسألونها أن تزوره، وهي تأبى، إلى أن أشرف على الموت، فأخبروها بذلك فرقّت له، وأنعمت عليه بالزيارة، فلما نظرها تحدرت عيناه بالدموع، و أنشد عن قلب مصدوع:-
بعيشك إن مرّت عليك جنـازتي
وقد رفعت من فوق أعناق أربع
أما تتبعين النعش حتى تسلـمي
على قبر ميت في الحفيرة مودع


فلما سمعت كلامه بكت بكاءً شديداً، وقالت له: والله ما كنت أظن أنه بلغ بك الغرام إلى أن يلقيك بين أيدي الحمام، ولو علمت بذلك لساعدتك على حالك وتمتّعت بوصالك، فلما سمع كلامها صارت دموعه كالسحاب الماطر، وأنشد قول الشاعر:-
دنت حين حال الموت بيني وبينها
وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل


ثمّ شهق شهقة فمات، فوقعت عليه تلثمه وتبكي، ولم تزل تبكي حتى وقعت مغشياً عليها عنده، فلما أفاقت أوصت أهلها أنهم يدفنونها في قبره إذا ماتت، ثم أجرت دمع العينين، و أنشدت هذين البيتين:-
كنا على ظهرها والعيش في رغد
والحيّ يزهو بنا والدار والوطن
ففرق الدهر والتصـريف ألفـتنا
وصار يجمعنا في بطنها الكفن


فلما فرغت من شعرها بكت بكاء شديداً، ولم تزل تبكي وتنوح حتى وقعت مغشياً عليها، واستمرت في غشيتها ثلاثة أيام، ودفنت في قبره، وهذا من عجيب الاتفاق في المحبة.




.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 26-03-2007, 02:31   #25
ابوغانم
عضو شعبيات
 

رد : حَـكَـايـا

بسم الله الرحمن الرحيم
كان هدفي المشاركة معكم فلم اجد في الوقت اللي هذه المشاركة امال ان تنال اعجابكم وان لا سبقني احد لها وان كانت معروفة

هذه الحكاية بفصولها وتفاصيلها من أروع الحكايات التي حصلت بتاريخ البادية كلها , ولا شك أن الغالبية قد سمعت عن المهادي , لأن القصة بالغة التأثير على السامع والراوي بنفس الوقت
يقول الراوي
مهمل المهادي من عبيدة من قحطان , وكان معروفاً في قبيلته , وذا رياسة فيها . . . شاعر وفارس نشأ ميسور الحال رفيع الجاه . . . خرج المهادي للغزو بالصحراء ومعه مجموعة من بني قومه , وفي هذه الرحلة تصادف أن مر على قبيلة ((سبيع)) القبيلة العربية الأصيلة . . . المهم أن المهادي صادف في مروره في مرابع قبيلة الدواسر التي نزل بها مرور فتاة بالغة الجمال لدرجة أن المهادي تأثر بها من أول نظرة . . . ولم يستطع أن يفارق مضارب قبيلتها
أخفى المهادي ما أصابه عن رفاقه , واختلق عذراً تخلص به من مرافقتهم , وأقنعهم بمواصلة المسير بدونه وبقائه هو في مضارب تلك القبيلة وحيداً . . . وبهذا العذر تخلص من رفاقه حيث رحلوا وتركوه , وبقي هو وحيداً . . . فبحث عن أكبر بيت في بيوت القبيلة لأنه عادة ما تكون البيوت الكبار لرؤساء العشائر أو فرسانها أو شخصياتها المعروفة , ونزل ضيفاً على صاحب هذا البيت فأكرمه الإكرام الذي يليق بهذا الضيف وبقي عنده فترة يفكر بالطريقة التي توصله لمعرفة تلك الفتاة التي أسرته من النظرة الأولى وملكت فؤاده . . . وهذا المهادي يصارع الأفكار وهو ضيف عند هذا الرجل الكريم . . . فلا يستطيع التكلم مع أحد . . . ولا هو بصائر حتى يعرفها , فقد رمته بسهم وابتعدت . . . فكان لا بد وأن يستعين بأحد من نفس هذه القبيلة , فأهل مكة أدرى بشعارها هكذا يقول المثل . . . ولكن كيف يهتدي إلى الشخص الثقة الذي إن أفضى إليه بسره حفظه وأعانه . . . خصوصاً وهو غريب عن هذه القبيلة ولا يعرف رجالها , والسجايا الحميدة بالرجال لا يستطيع أن يكتشفها الإنسان بالنظر , فكما يقولون الرجال مخابر وليست مناظر . . . فكر المهادي طويلاً واهتدى إلى رأي . . . هو بالأصح حيلة جهنمية يستكشف بها الرجال حتى يهتدي إلى أوثقهم فيحكي له . . . قرر أن يجرب صبرهم فالصبور بلا شك يملك صفات أخرى غير الصبر
فادعى أنه مصاب بمرض التشنج أو الصرع حيث يأتيه الصرع ويرتمي على من يجلس قربه . . . ولأنهم لا يعرفونه صدقوا روايته وهذا المهادي يتنقل من واحد إلى واحد ويرتمي عليه وكأنه مصروع , ويتكئ عليه بكوعيه حتى يؤلمه ليختبر صبره . . . فكان بعضهم يبتعد عنه من يجلس بجواره والبعض الآخر يصبر قليلاً ثم يغير مجلسه , وهكذا حتى جلس ذات مره بجوار شاب توسم به الخير وتحرى معالم الرجولة بوجهه فاصطنع الصرع وارتمى عليه واتكأ علية بكوعيه بشدة . . . وهذا الشاب صابر وساكن لا تصدر منه شكاة , وكلما حاول البعض إزاحته عنه نهرهم قائلاً . . . هذا ضيف والضيف مدلل فاتركوه
أما المهادي فقد عرف أنه وجد ضالته . . . وحينما أفاق المهادي من صرعه المصنع , وهذأ القوم . . . وقام الشاب متجهاً إلى بيته فتبعه المهادي واستوقفه بمكان خال من الناس واستحلفه بالله ثم أفضى إليه بسره . . . وشكا له ما جرى بالتفصيل وأعلمه من هو ووصف له الفتاة الوصف الدقيق الذي جعل الشاب يعرفها . . . ولما انتهى من حديثه قال له الشاب أتعرف تلك الفتاة لو رأيتها مرة ثانيه ؟ . . فأكد له المهادي معرفته لها وحفظه لتقاسيم وجهها
فقال له الشاب : هانت ! أي سهلت . . . واصطحبه معه إلى بيته ووقفا بوسط البيت . . . وصاح الشاب . . . فلانة احضري بالحال !!! فدخلت وإذا هي ضالة المهادي . . . فوقع من طوله لشدة تأثره . . . أما الفتاة فقد عادت لخدرها مسرعة بعد أن رأت أن هناك رجلاً غريباً كما هي عادة بنات البدو . . . أما صاحب المهادي فهدأ من روعه وأسقاه ماء . . . وسأله . . . أهي ضالتك . . . قال المهادي : نعم . . . قال الشاب هي أختي وقد زوجتك إياها . . . فكاد المهادي أن يجن لوقع الخبر عليه لأنه لم يتوقع أن يحصل عليها بتلك السهولة . . . ترك الشاب المهادي في بيته وذهب لوالده وأخبره بالقصة كاملة وكان من الرجال المعروفين بحكمتهم وإبائهم ورجولتهم . . . فلما فرغ الابن من سرد الحكاية . . . قال الأب لولده أسرع واعقد له عليها لا يفتك به الهيام . . . وبالفعل عقد له عليها . . . وبالليلة التالية كان زواجهما , والمهادي يكاد لا يصدق أن تتم العملية بهذه السهولة واليسر والسرعة وقد كانت شبه مستحيلة قبل أيام
المهم أنه دخل عليها وخلا البيت إلا من العروسين وأخذ يتقرب منها ويخبرها من هو ويعلمها بمكانته بقبيلته وأنه زعيمها ويعرفها بنفسه ويحاول أن يهدئ من روعها ليستميل قلبها . . . وأفضى لها بسره أنه رآها وأسرته . . . كل هذا والعروس تسمع ولا تجيب . . . والمهادي يتكلم ويتقرب وتزداد نفوراً منه . . . وكان المهادي فطناً شديد الذكاء , فقد لمس أن زوجته تضع حاجزاً بينها وبينه . . . وتأكد من صدق حدسه حينما لمح دموعها تنهمر من عينيها وهي لا تتكلم . . . عرف أن ورائها قصة . . . فتقرب منها واستحلفها بالله ألاَّ تخفي عنه شيئاً . . . ووعدها ألاَّ يمسوها بسوء . . . وأقنعها بأن تحكي له . . . فقالت . . . أنا فتاة يتيمة كفلني عمي وربيت مع ابن عمي وابن عمي معي . . . كنا صغيرين نلهو مع بعضنا وكبرنا وكبرت محبتنا معنا وقبل حضورك كنت مخطوبة لابن عمي الذي لا أستطيع البعد عنه لحظة ولا يستطيع البعد عني برهة . . . ولما حضرت انتهى كل شيء وزوجني إياك . . . طار صواب المهادي . . . فقال لها وأين ابن عمك قالت له هو ((مفرج السبيعي)) الذي عقد لي عليك وأفهمك أنني أخته وآثرك على نفسه لأنك التجأت له ولأنك ضيفنا
كاد المهادي أن يفقد عقله لحسن صنيع ذلك الشاب الذي اتكأ عليه وسكت لفترة طويلة وهو يستعرض ما حصل ولا يكاد يصدق أن تبلغ المروءة في شاب كما بلغت بمفرج . . . وبعد فترة صمت وقال لها : أنت من هذه اللحظة حرم علي كما تحرم أمي عليّ . . . ولكن أرجوك أن تخفي الأمر حتى أخبرك فيما بعد فصنيعهم لي لا ينسى لذا لا أريد الآن أن تقولي شيئاً
هدأ روع الفتاة ونامت ونام هو في مكان آخر . . . وبقي زوجاً لها أمام الناس لعدة أيام وبعدها استسمح أصهاره بالرحيل إلى قبيلته لتدبير شؤونه ومن ثم يعود ليأخذ زوجته . . . ورحل ولما وصل قبيلته أرسل رسولاً من قبيلته يخبر مفرج بطلاق زوجة المهادي وأنه لما عرف قصتهما آثر طلاقها وأن مروءته قد غسلت تأثير الغرام عليه وأنه سيبقى أسيراً للمعروف طالما هو حي
وتم زواج مفرج من ابنة عمه وعاشا برغد فترة طويلة من الزمن . . . ولكن الزمان لا يترك أحداً . . . فقد شح الدهر على مفرج وأصاب أراضي قبيلته القحط والجفاف فهلك الحلال وتبدلت الأحوال , ومسه الجوع . . . فلم يجد سبيلاً من اللجوء إلى صديقه المهادي خصوصاً وأنه ميسور الحال . . . وبالفعل ذهب هو وزوجته ابنة عمه وأولاده الثلاثة ونزل عليه ليلاً . . . وكان المهادي يتمنى هذه اللحظة وينتظرها بفارغ الصبر لكي يرد الجميل
فلما نظر حالته عرف فقره . . . وكان للمهادي زوجتان فأمر صاحبة البيت الكبير من زوجاته أن تخرج من البيت وتترك كل ما فيه لمفرج وزوجته وأولاده ولا تأخذ من البيت شيئاً أبداً . . . وبالفعل خرجت من البيت فقط بما عليها من ملابس وتركت كل شيء لزوجة مفرج وقبل خروجها أفهمت زوجة مفرج أن لها ولداً يلعب مع رفاقه وإذا غلبه النوم جاء قرب والدته ونام ورجتها أن تنتظره حتى يحضر وتخبره بخروج أمه من البيت ليذهب لها
وبالفعل انتظرت زوجة مفرج ولد المهادي ولكن انتظارها طال بعض الشيء خصوصاً وأنها متعبة مجهدة من طول السفر وعناء الجوع وقد وجدت المكان المريح فغفت بالنوم بعد أن طال انتظارها وحضر ولد المهادي كالعادة ورفع غطاء أمه ونام معها وتلحف معها بلحافها كعادته ظناً منه أنها والدته . . . في هذه الأثناء كان مفرج يتسامر مع صديقه القديم المهادي ولما غلب عليه النعاس استأذنه لينام فسمح له . . . وسار معه حتى دله على بيته الذي أصبح ملكاً له
دخل مفرج بيته وإذا بالفراش شخصان رفع الغطاء فإذا زوجته نائمة وبجانبها شاب يافع فلم يتمالك نفسه فضرب الفتى الضربة التي شهق بعدها وفارق الحياة . . . نهضت الزوجة مذعورة فإذا الشاب مصروع . . . فقالت لزوجها قتلت ولد المهادي . . . فقال وما الذي جاء به إليك . . . فأعلمته بالقصة فرجع إلى رشده . . . وأسقط في يديه فماذا يفعل ! ؟
كان لا بد أن يخبر المهادي . . . فهرول مسرعاً إلى حيث المهادي جالس وأخبره بالحكاية . . . وهو يكاد يموت حزناً . . . هذا والمهادي هادئ ممسك لأعصابه . . . ولما انتهى من كلامه قال له المهادي هو قضاء الله وقدره ولا مفر من ذلك كل ما أرجوه منك أن لا تخير أحداً وتوصي زوجتك بأن تكتم الخير حتى عن أم الولد . . . وحمل المهادي ولده ورماه في مكان اللعب حيث كان يلعب مع أقرانه . . . وفي الصباح انتشر خبر مصرع ابن الأمير فقد كان المهادي أمير قومه والكل لا يجرؤ أن يخبر الأمير خوفاً من اتهامه له بالقتل . . . ولما وصل الخبر للأمير اصطنع الغضب وشاط وتوعد وطالب القبيلة كلها بالبحث عن القاتل دون جدوى وبالمساء جمع القوم حوله وقال عليكم أن تدفعوا كلكم دية ولدي . . . من كل واحد بعير , وبالفعل جمع الدية حوالي سبعمائة بعير أدخلها المهادي ضمن حلاله وأعطى أم الولد منها مائة بعير وقال لمفرج البقية هي لك ولكن اتركها مع حلالي حتى ينسى الناس القصة . . . وبالفعل بعد مرور مدة عزل الإبل ووهبها لمفرج فنقلته النقلة الكبيرة في حياته من فقير لا يملك قوت يومه إلى أكبر أغنياء القبيلة . . . ومضت السنون والصديقان مع بعضهما لا يفترقان فإذا دخلت مجلس المهادي حسبت أن مفرج هو صاحب المجلس والمهادي ضيفه والعكس صحيح . . . مرت السنون على هذه الحال الكل منهم يؤثر صديقه على نفسه . . . ولكن لا بد أن يحصل ما يغير صفاء الحال , وكما يقال دوام الحال من المحال
كان للمهادي بنت بارعة الجمال أولع بها ولد مفرج وقد كان هناك سبب يحول بينهما فأخذ يحاولها ويتعرض لها بالغدو والرواح ويحرضها على مواقعته بالحرام . . . والفتاة نقية , فأخبرت والدتها التي أخبرت بدورها المهادي فأمر المهادي بالسكوت إكراماً لوالد الشاب مفرج وأمرها أن تجتنبه قدر استطاعتها فنفذت وصية والدها , وها هو يطاردها أربع سنوات متتالية وفي السنة الرابعة عيل صبرها فقالت لوالدها إن لم تجد لي حلاًّ , فقد يفترسني في أحد الأيام
هذا والمهادي لا يستطيع أن يعمل شيئاً إكراماً لصديقه مفرج . . . والشاب يزداد رعونة . . . فكان لا بد من فراق جاره وصديقه لكي يمنع جريمة ابنه ولكن كيف يصارحه . . . وهو الداهية كما عرفنا بالسابق . . . فاقترح على مفرج أن يلعبا لعبة بالحصى ما يسمى الآن ((الدامة)) وكان كلما نقل حجراً قال لمفرج ارحلوا وإلا رحلنا . . . حتى انتبه مفرج لمقولة جارة . . . فأسرها . . . ولما عاد لزوجته أخبرها بكلمة المهادي . . . ارحلوا وإلا رحلنا . . . فقالت له أن هناك أمراً خطيراً حصل لا بد لنا من الرحيل . . . فاذهب واستأذنه . . . فذهب واستأذنه ولم يمانع المهادي مع العلم أنه كان في كل سنه يطلب الرحيل ويرفض المهادي . . . إلا هذه المرة قبل بسرعة وكان يريدها . . . رحل مفرج وهو يبحث عن السر الخطير الذي من أجله قال المهادي كلمته
وبعد أن ابتعد عن منازل قبيلة المهادي نزل ليستريح ويفكر بالسبب . . . ولكنه لم يهتدي لشيء . . . لذا سرق نفسه ليلاً وامتطى فرسه وقصد المهادي ولما دخل مضارب القبيلة ربط فرسه وتلثم واندس في مكان قريب من مجلس المهادي لعله يعرف سبباً لرغبته برحيله . . . وجلس يرقب المهادي . . . فلما انفض المجلس من حوله وجلس وحيداً . . . هذا كله ومفرج يراه وهو لا يرى مفرج ومفرج ينتظره حتى يدخل عند زوجته ليسترق السمع لعله يسمع شيئاً من حديثه مع زوجته . . . إلا أن المهادي لما جلس في مجلسه وحيداً تناول ربابته وأخذ يغني ويقول:


يقـول المهـادي والمهـادي مهمـل
بي علتن كل العـرب مـا درى بهـا
أنـا وجعـي مـن علتـن باطنـيـة
بأقصى الضماير ما درى وين بابهـا
تقـد الحشـا قـد ولا تنثـر الدمـا
ولا يدري الهلبـاج عمـا لجـا بهـا
وإن أبديتهـا بانـت لرماقـة العـدا
وإن أخفيتها ضاق الحشـا بالتهابهـا
أربـع سنيـن وجارنـا مجـرم بنـا
وهو مثل واطي جمرتين ما درى بها
وطاها بفرش الرجـل ليمـا تمكنـت
بقى حرها ما يبـرد المـاء التهابهـا
ترى جارنا الماضي على كل طلبـه
لو كان مـا يلقـى شهـودن غدابهـا
ويا ما حضينا جارنـا مـن كرامـه
بليلن ولو نبغي الغبـا مـا ذرى بهـا
ويا مـا عطينـا جارنـا مـن سبيـة
لا قادهـا قوادهـم مـا انثنـى بهـا
ونرفى خمال الجار ولـو داس زلـة
كما ترفي البيـض العـذارى ثيابهـا
ترى عندنا شاة القصيـر بهـا أربـع
يحلف بهـا عقارهـا مـا درى بهـا
تنـال يالمهـادي ثمـانـن كـوامـل
تراقى وتشدي بالعـلا مـن أصابهـا
لا قـال منـا خيّـرن فـرد كلـمـة
بحضرات خوفن للرزايا وفـى بهـا
الأجـواد وإن قاربتهـا مـا تملـهـا
والأنذال وإن قاربتها عفت مـا بهـا
الأجواد وإن قالـوا حديثـن وفوابـه
والأنـذال منطـوق الحكايـا كذابهـا
الأجواد مثل العد مـن ورده ارتـوى
والأنذال لا تسقـى ولا ينسقـا بهـا
الأجواد تجعل نيلهـا دون عرضهـا
والأنذال تجعـل نيلهـا فـي رقابهـا
الأجواد مثل الزمل للشيـل يرتكـي
والأنذال مثل الحشور كثير الرغابهـا
الأجواد لو ضعفو وراهـم عراشـه
والأنذال لو سمنـو معايـا صلابهـا
الأجواد يطرد همهم طـول عزمهـم
والأنذال يصبح همهـم فـي رقابهـا
الأجـواد تشبـه قارتـن مطلحـبـة
لا دارهـا البـردان يلقـى الذرابهـا
الأجواد تشبـه للجبـال الـذي بهـا
شـرب وظـل والـذي ينهقـا بهـا
الأجواد صندوقيـن مسـك وعنبـر
لافتحـن أبوابهـا جــاك مابـهـا
الأجواد مثل البدر في ليلـة الدجـى
والأنذال ظلما تايهـن مـن سرابهـا
الأجواد مثل الدر في شامـخ الـذرا
والأنذال مثل الشري مـرن شرابهـا
الأجـواد وأن حايلتهـم مـا تحايلـو
وأنـذال أدنـى حيلتـن ثـم جابهـا
الأنذال لو غسلـوا يديهـم تنجسـت
نجاسة قلوبـن مـا يسـر الدوابهـا
يـا رب لا تجعـل الأجـواد نكبـة
من حيث لا ضعف الضعيف التجابها
أنا أحب نفسي يرخص الزاد عندهـا
يقطعـك يـا نفـس جزاهـا هبابهـا
يا عل نفسـن مـا للأجـواد عندهـا
وقارن عسى ما تهتني فـي شبابهـا
عليك بعيـن الشيـح لا جـت وارد
خـل الخبـاري فـإن ماهـا هبابهـا
ترى ظبـي رمـان برمـان راغـب
والأرزاق بالدنيا وهو مـا درى بهـا
سقا الحيا مـا بيـن تيمـا وغربـت
يمين عميق الجـزع ملفـا هضابهـا
سقـا الولـي مـن مزنتـن عقربيـة
تنشر أدقـاق وبلهـا مـن سحابهـا
اليا أمطرت هذي ورعد ذي ساق ذي
سناذي وذي بالوبـل غـرق ربابهـا
نسف الغثا سيبان ما ها اليا أصبحـت
يحيل الحول والما ناقعن في شعابهـا
دار لنـا مـا هـي بـدران لغيرنـا
والأجناب لـو حنـا بعيـدن تهابهـا
يذلـون مـن دهمـا دهـوم نجرهـا
نفجي بها غـزات مـن لا درى بهـا
ترى الدار كالعذرى إلى عاد ما بـه
ا حزن غيورن كل من جـاز نابهـا
فيا ما وطت سمحات الأيدي من الوطا
نصد عنها مـا غـدا مـن هضابهـا
تهاميـة الرجليـن نجديـة الحـشـا
عذابي مـن الخـلان وأنـا عذابهـا
أريتك إلى ما مسنا الجوع والضمـا
واحترمـن الجـوزا علينـا التهابهـا
وحمى علينا الرمل و استاقد الحصـا
وحمى على روس المبادي هضابهـا
وطلن عذرن من ورانـا و شارفـن
عماليـق مطـوي العبـايـا ثيابـهـا
سقانـي بكـأس الحـب دومنهـنـه
عندل من البيض العـذارى أطنابهـا
وإلى سرت منا يا سعود بـن راشـد
على حرتن نسل الجديعـي ضرابهـا
سرهـا وتلفـي مـن سبيـع قبيلـة
كرام اللحا في طوع الأيـدي لبابهـا
فلا بـد مـا نرمـي سبيـع بغـارة
على جرد الأيدي دروعهـا زهابهـا
وأنـا زبـون الجـاذيـات مهـمـل
إلى عزبـوا ذود المصاليـح جابهـا
عليهـا مـن أولاد المهـادي غلمـه
اليا طعنوا مـا ثمنـوا فـي أعقابهـا
محا الله عجوزن من سبيع بن عامـر
مـا علمـت قرانهـا فـي شبابـهـا
لها ولدن مـا حـاش يومـن غنيمـة
سوى كلمتين عجفـة تمـزا وجابهـا
يعنونها عسمان الأيدي عـن العضـا
محا الله دنيا ما خذينـا القضـا بهـا
عيون العدا كـم نوخـن مـن قبيلـة
لا قـام بـذاخ إلا جاعـر يهابـهـا
وأنا أظـن دار شـد عنهـا مفـرج
حقيق يـا دار الخنـا فـي خرابهـا
وأنا أظـن دار نـزل فيهـا مفـرج
لا بـد ينبـت زعفـرانـن ترابـهـا
فتـى مـا يظـم المـال إلا وداعـة
و لو يملك الدنيـا جميعـن صخابهـا
رحل جارنا مـا جـاه منـا رزيـة
وإن جتنا منه ما جـاه منـا عتابهـا
وصلوا علـى سيـد البرايـا محمـد
ما لعلع الجمـري بعالـي هضابهـا




كان المهادي يغني على ربابته هذه القصيدة ومفرج يسترق السمع حتى فهم بالضبط ما الذي جعله يقول لجاره إما ارحلوا وإلا رحلنا . . . ولما أتم المهادي قصيدته توجه إلى أهله وعاد مفرج وركب فرسه باتجاه أهله خارج حدود القبيلة
تأكد مفرج أن السبب يكمن في أولاده ولكنهم ثلاثة فأي الثلاثة صاحب الخطيئة , وإلى أين وصلت . . . فلجأ إلى الحيلة وبدأهم واحداً تلو الواحد . . . يقول لهم لما كنا في جيرة المهادي كان لديه ابنه جميلة ولم تتعرضوا لها لو كنت مكانك وفي شبابك لما تركتها خصوصاً وهي بهذا الجمال وأنت بهذا الشباب . . . وأخذ يستدرجهم . . . أما اثنان منهم فلم يجد ورائهما شيئاً وخصوصاً وهما يعرفان ماذا عمل المهادي مع والدهما
أما الصغير منهم فأجابه . . . والله يا والدي لو لم نرحل في ذلك اليوم لأتيتك بخبرها , عرف أنه هو . . . فقال مفرج . . . وهل كان ذلك برضاها !!! فقال ولده لا بل غصباً عنها . . . فقال له وكيف كنت سوف تغتصبها !!! فقال كنت أنتظرها حتى تخرج وحيدة . . . وأتربص لها , ثم أهجم عليها , يد فيها خنجري ويد فيها حبل أربطها بالحبل وأهددها بالخنجر ولن تتكلم حتى أنتهي منها
وما إن انتهى الشاب من قصته حتى قام مفرج مسرعاً وسحب سيفه وقطع رأس ولده وفصله عن جثته التي تركها في مكانها . . . وعاد لأهله بالرأس ووضعه بخرج وأمر أحد أبنائه أن يحمله إلى المهادي ويسلم ويرمي الرأس بحجره ويعود دون كلام
وبالفعل دخل الولد مجلس المهادي وسلم ورمى الرأس في حجره وعاد دون كلام ولحق أهله . . . تعجب المهادي أيضاً لحسن صنيع مفرج فهذه المرة الثانية التي يغلبه فيها . . . فلحق به وأقسم عليه أن يعود وأعاده إلى مكانه السابق وبقيا متجاورين ومتحابين إلى النهاية.

التوقيع: ودنا بالطيب بس الدهر جحـاد طيـب
كل ما تخلص مع الناس كنـك تغشهـا

يدك لامدت وفاء لاتحرى وش تجيـب

كان جاتك سالمه حب يـدك وخشهـا

كل ماشبيت نار المحبـه مـع حبيـب

قام يسحـل فـي مشاهيبهـا ويرشهـا

وكل ما واجهت لك فالزمن وجه غريب

مثل ماقال المثـل دام تمشـي مشهـا

وذمةٍ ماهيب تنـدار للحـق المصيـب

جعل قشاش الحطب لاسـرح يقتشهـا



سعد بن جدلان
ابوغانم غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 07-05-2007, 20:29   #26
ابوفيصل العلاني
عضو شعبيات
 

رد : حَـكَـايـا

بسم الله الرحمن الرحيم

قصــة وقصيدة حجرف الذويبــي
________________________________________
هذي قصة الشيخ حجرف بن عياد الذويبي واضن هذا الاسم غني عن التعريف

المهم القصه بختصااااااااااار هي ان حجرف الذويبي كان مشهوووووووور بالكرم الزايد وكان اذا اقبل

عليه ضيف يكرمه كعادة العرب في اكرام الضيف ولكنه كان يبالغ في اكرام ضيوفه وكان في كل مره

يجمع له جماعته المواشي الي يكرم ضيوفه منها المهم استمر حجرف على هذى الحال حتى

في احد المرات عندما اراد جماعته كالعاده يجمعون له مواشي قال بعضهم هذي المره لانعطيه شيء

من المواشي لعل وعسى يخفف من كرمه الزايد فاستقر راي القبيله على هذى الراي بل ذهبو

وتركووووه وحيد لياخذ درسا المهم جائت امراته وقعدت تلوومه ولو انه اقتصد في كرمه كان صار عنده

خيل ومواشي ويستطيع يلحق بجماعته عليها المهم ان حجرف مانام اليل قاعد يفكر وخرج في الصباح فرى حيه

عمياء تقف على الرمضاء وياتي الطير فيقع على راسها فتاكله واستمرت على هذي الطريقه فعلم حجرف

ان رب هذي الحيه لن يتركه فقال هذي القصيده

وهي

يقول بن عيّاد وان بات ليله
رزقي على اللي ماتحاصى فعايله
قال الذويبي والذويبي حجرف
مثايلٍ من لبّة القلب قايله
ماني بولد هدلاٍ ليا قلّ كيله
جرف باهل بيته وضاقت محايله
انا ليا ضاقت عليّه تفرجت
ماني بهلباجٍ همومه تكايله
يرزقني رزاق الهوايش بجحرها
لاخايلت برقٍ ولاهي بحايله
يارزق غيري ياملا مايجيني
لاجم هيافا معتلينٍ رحايله
ولاني على رزقي بخبلٍ لغيري
ورزقي يجي لو كل حيٍ يحايله
تشب نارٍ يجذب الضيف ضوها
وان خبتت زدنا حطبها سقايله
والله مانكره ضيوفٍ ليا لفوا
صعلوك والا من معالي حمايله
وحلّيت في داري خلاوي لحالي
وترى الفرج مضمون والرب قايله
وذبحت انا سبع الركايب لاهلها
في حزةٍ عيّا على الزاد كايله
ربعي قبايل حرب ياقل مالي
لاركبت غبر السنين وشحايله
اللي وقد بمراح تسعين عاقر
وشكرت انا منها جزايل فعايله
وربعي قبايل حرب حرابة الدول
كم دولةٍ راحت فخرها فشايله
طهمان ياشه يوم شاف الحرايب
رماح وسيوف تلظى فتايله
وياشة طيره قام تسعين ليله
ثم انهزم للترك يشكي بلايله
وهذي قبايل حرب ياجاهلٍ بها
كم دولةٍ راحت توقّد غلايله
وفضنا على نجدٍ وناسٍ ونيسه
الى انتحى جنوب والا شمايله
يشهد لنا وادي الرمه مع جوانبه
هذي عدوده باقياتٍ مثايله
نوبٍ نحدّ الغير ونوبٍ يحدّنا
واللي خذوا منّا خذينا بدايله
تسعين قريه ماخذيناه بالثمن
كسبٍ بالايدي يوم الايدين طايله
لي لابةٍ فرسان تدري بها العدا
ندبها قومٍ على الدرب عايله
ويومٍ بوادي الدوم لاعاد ماجرى
اليوم يجري من معالي مسايله
وعينيك يازادي الرمه علك الحيا
حوراً ترّزم شربها من ثمايله
ترعى بامان وكنّ ابازيد قدمها
السيف باليمنى وبها الغيض شايله

وعندما رجع لامراته وجد غنم و ابل فلحق بقومه فلما سمعو صوت نجره
قالو هذا نجر حجرف وكان عنده نجره معروفه فسالوه عن سر هذي المواشي
فاخبرهم بقصته فتلازمو الايعودو لما فعلوه به

ابوفيصل العلاني غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 11-05-2007, 10:08   #27
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : حَـكَـايـا




.


ذكر طه حسين في كتابه الأيام, حادثة الإضراب ضد أستاذهم المستشرق الكبير ناليننو, وكان ذلك بسبب اعتداء ايطاليا على ليبيا, وكان الإضراب نوعًا من الاحتجاج, وقد امتنع الطلاب عن الحضور, فلما دخل ناليننو القاعة وجدها فارغة إلا من الكراسي الصامتة, وعندها خرج مارًا على الطلبة الغاضبين في فناء الجامعة وخاطبهم بصوتٍ عربيّ فصيح قائلاً:"مثلكم ـ أيها السادة ـ مثل من أراد أن يغيض امرأته فخصى نفسه".!!


.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 26-08-2007, 20:29   #28
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : حَـكَـايـا




.

بأمـر أميـر المؤمنــين.!

‏ صعد خالد بن عبد الله القسري المِنْـبَرَ في يوم جمعة، وهو إذ ذاك على مكة، فذكر الحجـّاج بن يوسف فأثنى عليه ثناءً عظيماً وحمد طاعته للخليفة عبد الملك بن مروان، وترحّم عليه.‏ ‏ فلما كان في الجمعة الثانية ورد عليه كتاب أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك يأمره فيه بشتـْم الحجاج ونشر عيوبه وإظهار البراءة منه. فصعد خالد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:‏ ‏ "أيها الناس، إن إبليس كان مَلـَكاً من الملائكة، وكان يُظْهـِر من طاعة الله ما كانت الملائكة ترى له به فضلاً. وكان الله قد علم من غـِشّه وخـُبثه ما خَفـِيَ على ملائكته. فلما أراد الله فضيحته أمره بالسجود لآدم، فظهر لهم ما كان يـُخفيه عنهم، فلعنوه.‏ ‏ "وإن الحجاج كان يـُظهر من طاعة أمير المؤمنين ما كُنـّا نرى له به فضلاً، وكأنّ الله أَطـْلـَعَ أمير المؤمنين من غشه وخبثه على ما خفي علينا، فلما أراد الله فضيحته أجرى ذلك على يديْ أمير المؤمنين فلعنه. فالعنوه لعنه الله.‏ ‏ ثم نزل. ‏

من كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه.


.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 13-09-2007, 20:53   #29
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

119 حَـكَـايـا رمضانية



.

أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف
مرض أبو يوسف مرضًا شديدًا، فعاده أستاذه أبو حنيفة مرارًا. فلما صار إليه آخر مرة، رآه ثقيلاً، فاسترجع، ثم قال: لقد كنتُ أُؤَمّله بعدي للمسلمين، ولئن أُصيبَ الناسُ به ليموتَنّ علمٌ كثير. ‏ ‏ ثم رُزق أبو يوسف العافية، وخرج من العِلَّة. فلما أُخبِر بقول أبي حنيفة فيه، ارتفعت نفسُه، وانصرفت وجوه الناس إليه، فعقد لنفسه مجلسـًا في الفقه، وقصـَّر عن لُزوم مجلس أبي حنيفة. ‏ ‏ وسأل أبو حنيفة عنه فأُخبر أنه عقد لنفسه مجلسًا بعد أن بلغه كلام أستاذه فيه. فدعا أبو حنيفة رجلاً وقال له: ‏ صـِرْ إلى مجلس أبي يوسف، فقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قَصَّار ثوبًا ليصبغه بدرهم، فصار إليه بعد أيام في طلب الثوب، فقال له القصار: ما لك عندي شيء، وأنكره. ثم إن صاحب الثوب رجع إليه، فدفع إليه الثوب مصبوغًا، أَلَه أجرُه؟ فإن قال أبو يوسف: له أجره، فقل له: أخطأت. وإن قال: لا أجرَ له فقل له: أخطأت! ‏ ‏ فصار الرجل إلى أبي يوسف وسأله، فقال أبو يوسف: ‏ ‏ له الأجرة. ‏ ‏ قال الرجل: أخطأت. ‏ ‏ ففكر ساعة، ثم قال: ‏ ‏ لا أجرة له. ‏ ‏ فقال له: أخطأت! ‏ ‏ فقام أبو يوسف من ساعته، فأتى أبا حنيفة. فقال له: ‏ ‏ ما جاء بك إلا مسألةُ القصَّار. ‏ ‏ قال: أجل. ‏ ‏ فقال أبو حنيفة: ‏ ‏ سبحان اللّه! من قعد يُفتي الناس، وعقد مجلسًا يتكلم في دين اللّه، لا يُحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات؟! ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ يا أبا حنيفة، علِّمني. ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ إنْ صبغه القصار بعدما غَصَبه فلا أجرة له، لأنه صبغ لنفسه، وإن كان صبغه قبل أن يغصبه، فله الأجرة، لأنه صبغه لصاحبه. ‏ ‏ ثم قال: مَن ظن أن يستغني عن التعلُّم فَلْيَبكِ على نفسه. ‏



فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 14-09-2007, 15:17   #30
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : حَـكَـايـا




.


أُخرج بالتي هي أحسن

نزل أبو الأغر، وهو شيخ أعرابي من بني نهشل، ضيفا على بنت أختٍ له تسكن البصرة، وذلك في شهر رمضان. فخرج الناس إلى ضياعهم، وخرج النساء يصلِّين في المسجد، ولم يبقَ في الدار غير الإماء وأبي الأغرّ. ودخل كلب من الطريق إلى الدار، ثم إلى حجرة فيها، فانصفق باب الحجرة ولم يتمكن من الخروج. ‏ ‏ وسمع الإماءُ الحركة في الحجرة فَظَنَنَّ لصّا دخلها، فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فأخذ عصا ووقف على باب الحجرة وقال: ‏ ‏ يا هذا إنك بي لعارف. أنت من لصوص بني مازن، وشربتَ نبيذًا حامضا خبيئا حتى إذا دارت الأقداح في رأسك مَنَّتْكَ نفسُك الأماني، فقلتَ: أَطْرُقُ دُورَ بني عمرو والرجال في ضياعهم والنساء يصلين في المسجد فأسرِقهن. سَوْءةً لك! والله ما يفعل هذا رجلٌ حر! وبِئْسَمَا مَنَّتْك نفسُك! فاخرج بالتي هي أحسن وأنا أعفو عنك وأسامحك وإلا دخلتُ بالعقوبة عليك. وأيم الله لتخرجنّ أو لأهتفن هَتْفَةً فيجيء بنو عمرو بعدد الحصى، وتسأل عليك الرجال من ها هنا، وها هنا ولئن فعلتُ لتكوننَّ أشأم مولود في بني مازن. ‏ ‏ فلما رأى أنه لا يجيبه أخذ باللين فقال: ‏ ‏ أخرج بأبي أنت منصورا مستورا. إني والله ما أراك تعرفني، ولئن عرفتني لوثقت بقولي، واطمأننت إليّ. أنا أبو الأغر النهشلي، وأنا خالُ القوم وقُرّة أعينهم، لا يعصون لي رأيا، وأنا كفيلٌ بأن أحميك منهم وأن أدافع عنك. فاخرج وأنت في ذمتي، وعندي فطيرتان أهداهما إليّ ابن أختي البار، فخذ إحداهما حلالا من الله ورسوله، بل وأعطيك بعض الدراهم تستعين بها على قضاء حوائجك. ‏ ‏ وكان الكلبُ إذا سمع الكلام أطرق، فإذا سكت أبو الأغرّ وثب الكلب وتحرّك يريد الخروج. فلما لم يسمع أبو الأغرّ ردّا قال: ‏ ‏ يا ألأم الناس! أراني في وادٍ وأنت في آخر. والله لتخرجن أو لأدخلن عليك. ‏ ‏ فلما طال وقوفه جاءت جاريةٌ وقالت لأبي الأغرّ: ‏ ‏ أعرابي جبان! والله لأدخلنَّ أنا عليه! ‏ ‏ ودفعت الباب، فوقع أبو الأغر على الأرض من فرط خوفه، وخرج الكلبُ مبادرا فهرب من الدار. ‏ ‏ واجتمعت الجواري حول أبي الأغرّ فقُلْن له: ‏ ‏ قم ويحك! فإنه كلب! ‏ ‏ فقام وهو يقول: ‏ ‏ الحمد لله الذي مسخه كلبا وكفى العربَ شرَّ القتال! ‏

.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
إضافة رد


عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1
 

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح

الإنتقال السريع