من خير الكلام


آخر 10 مشاركات
هلا بالجميع (الكاتـب : دغيفل - - الوقت: 20:59 - التاريخ: 14-11-2023)           »          اصعب سؤال (الكاتـب : علي التركي - - الوقت: 14:50 - التاريخ: 26-06-2020)           »          وريثة الغيم (الكاتـب : علي التركي - - الوقت: 10:37 - التاريخ: 21-03-2020)           »          الظِل.......! (الكاتـب : كريم العفيدلي - - الوقت: 23:00 - التاريخ: 26-01-2020)           »          آفـآ وآلله يـآمـجـرآك (الكاتـب : ناعم العنزي - - الوقت: 10:12 - التاريخ: 23-01-2020)           »          ثـقـوب (الكاتـب : عائشة الثبيتي - - الوقت: 10:25 - التاريخ: 17-12-2019)           »          ~{عجباً لك تدللني}~ (الكاتـب : شيخه المرضي - - الوقت: 23:39 - التاريخ: 26-11-2019)           »          تاهت خطاويه (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 08:55 - التاريخ: 14-11-2019)           »          خزامك وشيحك (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 22:43 - التاريخ: 08-11-2019)           »          موسم الصمان (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 14:58 - التاريخ: 08-11-2019)


 
العودة   شعبيات > > ذاكرة العرب
تحديث هذه الصفحة تمّ قبول الرمز!
 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 09-08-2007, 16:54   #1
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

تمّ قبول الرمز!




.

(1)


السعالُ الشديد كتمَ أنفاسه, والعزلةُ التي اختارها لنفسه, صيَّرته غريباً عن العيون التي ألِفت المرور بجانب بيته الصغير. جاره الملاصق له مباشرةً, يجهل الوقت الذي يستطيع أن يمسك بتلابيب الحديث معه. أهل الحي يتهامسون عن اعتكافه الغريب. لا زوجة ولا أهل ولا أصدقاء. جماعة المسجد ترى أهمية أن يستتاب ثلاثًا, بسبب غيابه الدائم عن الصلوات الخمس. ورهبان الكنيسة يحاولون استدراجه من حيث لا يعلم إلى جرن المعمودية. وحده بائع المواد الغذائية يفهم طقوس طلال, ويحب تصرفاته. وحده يعلم أن هذا الرجل جدول نمير متدفق بالحكمة والمنطق.
ذات مساءٍ وموعد, أحضر البائع إلى بيت طلال, بعض متطلبات الحياة. وتضيّف كأساً من الويسكي المعقّم جيدًا برائحة الفواكه. استغل البائع هذه النشوة، وبادر طلال بالسؤال:
ـ لماذا لم تتزوج إلى الآن؟
ـ قدر الخطين المتوازيين ألا يجتمعا يا صديقي الوحيد!
ـ هل هذا تعريفٌ جديد لمفهوم القسمة والنصيب؟
ـ ربما, رغم أني لا أؤمن بهما!
ـ وبماذا تؤمن؟
ـ بالفشل الذي يخبرك بأنك تتقدّم.!
ـ عذرًا؟
ـ الحياة لا تترك الفرص الاختيارية, التجاوز يقضي بأن الفشل كان جسرًا للنجاح, ودرسًا من دروس التعلم الحياتية التي تهذب في النفس أشياء كثيرة!
ـ طلال, لقد ذهب عمرك في هذه الفلسفة المعتزلة؟
ـ «اللّهم اشهد أني قد عشت!».
رنّ الهاتف فجأة. نظر البائع إلى شاشة الجوال, واعتذر عن المقاطعة, قائلاً:
ـ يبدو أن موعد ذهاب أطفالي إلى الملاهي قد حان.
ـ هؤلاء الأطفال حكاية متعبة قليلاً!
ـ ربما, لكنهم أجمل.
ـ نعم, في كلّ شيء أجمل.. في كلّ شيء!
ـ باغته البائع: ثمّ يكبرون يا طلال, أين تتبخر الطفولة؟
ـ عدّاد العمر لا يذهب بالطفولة. هناك أناسٌ يحملون دثار الطفل حتى في شيخوختهم. تجد البراءة الصادقة وحب التعامل الإنساني, تجد المشاركة في الألم والفرح وفي كلّ تقلبات الحياة, كأنهم المساكين الذين يحفظ الله بهم الأرض!
ـ بصحتك أيها الجميل.
ـ بصحة من ذهبتْ باحثةً عن العقل. بصحة من قالت في عزّ اللحظات التي صرنا فيها جسدًا واحدًا: الخمر الذي ترتويه صباح مساء يتكلم عنك كثيرًا. أريدك رجلاً عاقلاً. ومضت. آهٍ يا صديقي آه. بات حالي وحال المفاجآت مع من أحب, أشبه برجل ينام تحت تأثير بنجٍ موضعي, يرى كل ما يفعله الأطباء في غرفة الجراحة, لا هو يستطيع الكلام, ولا الأطباء يفكرون في محادثته.!
ـ عرفتك منذ سنوات وحيدًا في هذا البيت, متى كان هذا الحب؟
ـ لست وحيدًا كما تتخيل ويتخيل أهل الحارة البسطاء. أنا أحب يومي بشكلٍ جيد. هل تعرف ماذا يعني هذا الحب؟ يعني أنني متعلقٌ بالحياة أكثر منكم جميعًا.
ـ هل تسمح لي بأن أشتمك؟
ـ ونحن على ذمة السُكر, لا!
ـ لماذا؟
ـ لأنك حقيرٌ مثلي الآن, وأنا أحب أن يشتمني من هو أفضل مني!
ـ تبقى جميلاً، حتى في أدق المبادئ حقارةً. إلى اللقاء.
ـ ممتلئ بك.

.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 09-08-2007, 16:56   #2
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : تمّ قبول الرمز!



.


(2)


ـ هذه الممثلة لي أنا.
ـ ما الذي تقول يا طلال؟. انظر إلى صديقها بجانب خشبة المسرح.
ـ لا يهمّ. كان محظوظًا في غيابي, والآن أتيت.
ـ وكيف وأنت لا تعرفها, وهي لا تعرفك؟
ـ لا أدري. أجمل الأمور التي تأتي هكذا بلا مقدمات.
كان العرض يحاكي قصة شهريار وشهرزاد, ويتكلم عن السِّرِّ الذي أسكَتَ شهريار عن الكلام المباح؟ الممثلة التي تنضحُ جمالاً وترفاً وأنوثة, أتقنت دور الحاكية التي تفننتْ في مراوغة نزوات الملك حتى طلوع الصباح. صديقها الذي اعتاد متابعة العرض, باتَ يضيق ذرعًا من فراغ المقعد طيلة وقت البروفات. وحده طلال كان يستمتع بمراقبة تفاصيل الموهبة المشتعلة, والجسد البض الطريّ الصالح للاخضرار!
خلف الكواليس, وأثناء تجمّع الطاقم التمثيلي, انتهز طلال فرصة علاقته برئيس المسرح للدخول إلى هناك. هنأ الممثلون على البروفة المتقنة, وتمنَّى لهم مسرحية ناجحة. لم يرَ الممثلة التي خرقت حجب سكينته, وهدّلت بملامحها ستائر عقله. أخبروه أنها في غرفة تبديل الملابس. توجه، خاطفًا باقة وردٍ مستلقيةٍ على طاولةٍ مجاورة. فتح الباب بشكلٍ مواربٍ، يكفي لتقديم الوردة كعربون علاقةٍ ومودة. صاحتْ الفتاة أن انتظر. ألقى الوردة مباشرةً، وأجاب بشكلٍ سريع: أنا طلال, ومضى!
في أحايين كثيرة, تنجح الفوضوية في ترتيب مواعيد صاخبةٍ غير مألوفة, خاصةً حينما يتحمل عِبْأَها من يرفض الالتزام بأي عبء. هكذا نشأت وشيجة الدهشة بين الاثنين. هي تفكر في مفارقات الرجل الغريبة, وتصرفاته الزورباويّة, وهو يفكر في الصدفة التي تعزز ما يسعى إليه بلا فواصل أو نقاط.
سافر طلال لحضور مؤتمرٍ في بروكسل. أثناء عودته, توجه إلى مكتب صديقه المسرحيّ. ومن حسن طالع المفاجآت, أن كانت الفتاة بكامل بهائها هناك. المصادفة شكّلت ارتباكًا على أسارير الفتاة. قال طلال بشكلٍ مباغتٍ يدل على عدم ترتيب الكلام مسبقًا:
ـ ما رأيك في فنجان قهوة خارج هذا المكان الرسميّ؟ إن رفضتِ, فلن تري وجهي بعد الآن، وأنتِ الخاسرة. وإن وافقتِ ـ وهذا ما أتمنى ـ سأعرفكِ بنفسي أكثر!
بدأ الحب بينهما يغزل للفجر ضوءًا مشعاً، يساعده على الشروق، بحبورٍ لم يعرفه فجرٌ آخر. بدأ يحرك في أقاصي القلب فرحاً مديداً، يختال كأنه الربيع الطلق. بدأ يأخذ مكاناً شهياً، يمتهن إثارة البوح وأشياء أخرى.! قال لها ذات لقاء: ممتلئٌ بأنفاسك هذه الليلة, سأحاول ألا أستنشق كثيرًا, حتى صباح الغد. بعدها، سألتصق بكِ كما يلتصق الأكسجين بمريض الربو. أعيش طويلاً أو لا أعيش، إنها مسألة إمدادات هوائية!
إن أجمل الحب هو الذي نعثر عليه أثناء بحثنا عن شيءٍ آخر. تجسّدت هذا المقولة بين طلال والممثلة التي اعتادت على غرائبية حبيبها؛ كأن تستيقظ ذات صباح، لتجد سيارتها الخاصة, مغطاة بكاملها بباقاتٍ من الورود والأكاليل، أو أن تذهب إلى صالة السينما, وتجد جميع المقاعد محجوزة لها ولطلال، أو أن تخلص له فجأة, وتموت فجأة!


.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 09-08-2007, 16:57   #3
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : تمّ قبول الرمز!




.


(3)


قلتِ إنكِ تريدين طفلاً يطبب جرح السنوات التي ذهبت هباءً منثوراً. وتعلمين أني لا أبحث عن الزواج؛ لعدم احترامي للمؤسسة الزوجية. أسمع وأقرأ وأشاهد من القصص الحياتية ما يكفي لتوثيق أواصر المحبة الصادقة والدائمة مع الوحدة والعزوبية.
ـ حسنًا يا طلال, إن لم أحصل على رغبتي منك, سأسافر إلى أوروبا. هناك جمعيات مخصصة لمساعدة النساء اللاتي يُردن إنجاب طفلٍ بدون عقد زواج, بطريقةٍ منظمةٍ تستحق المغامرة. بعدها أعود إلى الوطن. وأجعل من حضن طفلي ملاذاً آمناً, تجاه وساوس العمر التي نهشتني في الكبر؛ حتى وضعتني على حافة سنّ العجز. سأبني من ضحكاته سدًا منيعًا للأحلام المزعجة والكوابيس المتواترة من كلّ أوب كزنابير النحل. سأعيش فيه حياةً أخرى بكل ما تعني الكلمة من معنى!
يا إلهي يا امرأة, لقد قدحتِ زناد الإثارة في داخلي, وأضرمت ناراً لا تشبع من قول: هل من مزيد. ما هذا الكلام الذي «أزاح صخرةً عن باب كهفٍ توارت في أعماقه بلاغة لففها الزمن في محاريبه»؟ ما هذا الكلام الذي يسير على أشواك الزمن الموغل في الألم بأنفةٍ وكبرياء وإرادةٍ صارمة؟ ما هذا الكلام الذي في معناه ما يستحق أن تُنشد الأشعار وتحبّر الدواوين؟
ـ إنه الفقد يا طلال, ذلك الشعور الذي يزداد وجعاً في مطارح القلب والشرايين. إنه الفقد يا طلال, ذلك المنطق الذي ينتصر ـ في لحظةٍ من اللحظات المهزومة ـ على كلّ المبادئ القويمة والأعراف الراشدة والعادات المتوارثة. إنه الفقد الذي تخور أمامه أصعب إرادات الإنسان وقواه.
أؤمن بحقوق الفرد ورغباته التي يجاهد في سبيل تحقيقها ولو لعشيةٍ وضحاها. لكن الغد الذي ينتظر هذا الطفل بائس جدًا. سينسكب على خدِّ الزمن كدمعةٍ حزينة, ويمضي بلا ناعٍ أو باكٍ أو متألم. نحتاج إلى العقل أكثر من القلب, لاسيما في الأمور التي تكفل حقوق الغير, وتضمن مستقبلاً جيدًا على أقل تقدير. ليس من اللائق أن نفكر بميكافيليةٍ مقيتةٍ!
وقبل أن يسترسل في فلسفته, قاطعته بصراخٍ مفاجئ: ـ يكفي.!


.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 09-08-2007, 16:58   #4
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : تمّ قبول الرمز!



.

(4)

تقول الأسطورة القديمة: «إن قلب الإنسان عبارة عن حفرة مليئة بالدم, و على أطراف هذه الحفرة يرتمي الأموات الأحباء على بطنهم، ليلعقوا الدم وتعود الحياة إليهم, وكلما كانوا عزيزين عليك أكثر, شربوا من الدم أكثر».
هناك أشياء لا تفتأ تؤذينا يا طلال, ونحن إذ نبوح, قد نحوّل القلق والاكتئاب إلى لغة استئناس, لكننا لا ننجو من كمائن الصدمات المفاجئة, التي تتلوّى كأفعى تمتهن اللدغ.
قالت له، وهي تتحدث عن حياتها: عصفَ بي الألم والحرمان في كنف الصبا, وأصبحتُ أعيشُ في دوامةٍ ليلها بالليل موصول, دوامة أنتجت قلقًا عصيّا على المهاودة, ناهيك عن سيل العواطف التي جنت انكسارات لا مثيل لها ولا شبيه. أبي تعرّف عليّ في مخفرٍ للشرطة, بعدما ضاق قلب أمي بالنطفة الصغيرة. كان ضابط القسم حينذاك هو المسؤول المناوب عن أسرتي, كان الوحيد الذي ينام ويصحو بجانب مهادي الصغير, كان الوحيد الذي يراقب فرحي وبكائي, ويحتاط بالحليب المجفف عوضًا عن الحليب الطبيعي الذي كان فائضًا في صدر أمي حين غادرت الأمومة, كان هو كلّ شيء, كلّ شيء. لا أدري يا طلال, هل سبق وأن سمعت أو وجدت، بين رفوف وملفات المخافر الجرائمية، قضية بهذه البشاعة؟ عفوًا.. لا تجب, لازلت قيد البوح، أحاول أن أنتهي من نفثات الصدر المثخن بالوجع.
أخذني أبي بعد أسابيع من قسم الشرطة, وذهب إلى امرأة ملائكية الملامح, واسعة الحنان, "لها نفسٌ كالسماء، لا ترضى إلا أن تكون سقفًا للكائنات. رجاها أن تأخذ الطفلة إلى حين عودته من رحلة عملٍ طارئة. رجاها، بما كان بينهم من صداقة عابرة, وبما يعلم من أمومتها التي فطرت عليها منذ الصغر!
أنفقت المرأة أخصب سني عمرها في رعايتي. كانت الملاذ الآمن, والحضن الدافئ, والوطن الذي لا يريد أكثر من الحب. كانت جنتي التي حرمت منها بحق. تلك المرأة التي استحالت معها الأيام الموغلة في الألم حلوى معطرة بالأغاني والفرح!
بعد تسع سنوات هادئة مطمئنة, رخيّة مضيئة, تذكّر أبي ـ لعارضٍ ما ربما ـ أنه ترك طفلة في أحضان مربية, ذات سوادٍ حالك, وأيام عصيبة, تذكّر أن من صلبه طفلة بات يجهل ملامحها وألعابها وأشياءها الصغيرة. تذكر فجأةً أنه أبٌ, فجاء إلى أمي عِشاءً يقول: إنّي لتعروني في فترات وحدةٍ وتأملٍ, سحابة تغشى على جميع جوارحي, فأهيم في لجتها وأغرق في خضمّها. وأجدني أسترجع بكارة الذنوب والأخطاء التي فعلتها بابنتي, حينما أدرت ظهري لها من دون مقدمات. الآن أريد أن أعوضها ما أمكن التعويض, على الأقل لأشعر براحةٍ نفسيةٍ تهبني صباحاً بلا وخزات, ومساءً بلا وجع, ونومًا بلا ذكرياتٍ حادةٍ كنصل!
ألجمتْ المفاجأة أمي الحنون, وكادت أن تقع على الأرض من هول الفاجعة. الآن جئت تريد حياتك التي أعيشها, الآن تذكرت أمانتك التي عاشت في صدري شهيقًا وزفيرًا, الآن وقد تعلّقت روحي بها, وباتت كالدم في الوريد. أرجوك لا تفعل, لقد تجاهلتُ حياتي الشخصية ورغباتي من أجلها. لم أبحث عن زوجٍ وأطفال, لم أفكر في أسرةٍ ومنزل, لم أخرج عن نطاق هذه الطفلة منذ أن جاءتني في ثياب النطفة الأولى!
كان الحل الوحيد والوسط أن يتزوجا. كان الحل الوحيد أن يجتمعا تحت لواء الطفلة البريئة. كان الحل الوحيد أن تكون الطفلة عقد النكاح والزواج. رغم رفض أمي القديم, لهذا المبدأ وبشكلٍ قطعيٍّ نهائي. لكن كيف؟
اليوم هو عيد ميلادي الخامس والعشرين, كلّ أصدقائي حضروا بفرحاتٍ كثيرةٍ جدًا. لم يبقَ إلا أن أبحث عن رجلٍ بأخلاقك, يراقصها على نغمات "هابي بيرث دي تو يو"!


.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 18-08-2007, 15:01   #5
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : تمّ قبول الرمز!





.


(5)

الموسيقى لها طعمٌ لذيذ, هل تراقصني سيدتي قليلاً؟, قد لا أكون جيدًا في ممارسة الخطوات الصاعدة على سلّم النغمات, أو في إتقان عملية الالتواء بشكلٍ مفاجئ, لكني ـ بكل تأكيد ـ أجيد احتضانك إلى صدري, ومشاركة الأضواء الخافتة فتنة التلصص على أدق حركات الخصر المائل ترفًا وأنوثة. هل توافق سيدتي لكي نتحول إلى رذاذ عطرٍ دائخٍ وقنّينةٍ فارهة؟!
لا يمكن أن يكون هناك معنىً للوفاء حتى يؤثر الإنسان على قلبه! همس لها وهو ملتصقٌ بخصلات الشعر المتهدلة على أكتافها, وتابع: الحياة هي الحب, والحب هو الحياة. هذه المعادلة هي أصل وشيجة العلاقات بين البشر. هي النفحة الربانية التي تجعلنا كالملائكة والأرض سماء.
ـ لا أريد أن أتفاجأ بصراحة متأخرة ياطلال؟
ـ التفكير الطويل في أي شيءٍ يأتي بالقلق المركب, ويفتح نافذة الإرهاق الحاد. حذارِ من تضخيم الأشياء.
ـ هل أصمت؟
ـ "يسمعني حين يراقصني, كلمات ليست كالكلمات". أتعرفين ما هي الكلمات التي ليست كالكلمات؟ إنها حروف الصمت الناطقة بكلّ الحروف. كلّ حالات التشنج العشقيّة, تبدأ من هذه اللغة التي استعاضوا بها عن التنويم المغناطيسيّ!
ـ ويكأنّ حديثك يستحيل يدًا حانيةً تربت على صدر أوجاعي بترفّقٍ وأمومة. ويكّأنّه يستحيل وطنًا يبعث الأمان وينتزع من القلب شوائب الوحدة, التي أعيشها في الزواج المجرد من الحب, والأشبه بتكاثرٍ حيوانيٍّ بغيض!
ـ احذري بواعث ألم الوحدة والخلوة يا سيدتي, احذري كثيرًا؛ فما صارع أحدٌ آلامه إلا صرعته.
ـ لا عليك, لقد امتد الوجع حتى عاث, وفاض حتى انسكب. وباتت المواجع كأنها نزيلة القلب المدللة, تتقلب فيه تلقائيًا!


.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 18-08-2007, 15:03   #6
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : تمّ قبول الرمز!


.


(6)

في زمنٍ نعيش على حافته, تجد أن كل ما حولك يثير الحنق والفرح معا. ذاكرة الأماكن التي استنفذت طاقة الأدباء والمفكرين, باتت تغازل طلال أنّى وجهه قلبه. أصبح معلقًا بذكرى المكان الذي شهد خلوته أمام الناس, ومدّ في عمره عمرًا لا يقاس بالأيام والليالي. أصبح معلقًا برائحة الموسيقى ونشوة العزف التي سكنت الحديث ليلة عيد الميلاد. أصبح معلّقًا بعد ممانعةٍ فوضويةٍ طائشة دامت طيلة سنواته العتيقة.
بيته الذي اعتاد مكيدة الفراغ, وشكا الظمأ والعطش, ارتوى ـ أخيرًا ـ من زيارات أميرته المعظّمة, وأثاثه الذي اعتاد مسامرة الدخان والكتب, حظيَ بأردافٍ ناعمةٍ وقوامٍ ممشوق, تسهر الرغبات جرّاها وتحتفل. لحظة أن استوى الكلام بينهم, وتهيأت غواية البوح, قال لها: اجعلي لعيني كلّ يومٍ منك حظًّا, وأعدك أن أتحول صدرًا لا يمل شهيقكِ وزفيرك, أن أتحوّل عريشةً من الحنان والحب, جمرةً محصنةً عن كلّ ما يبعث الانطفاء!
نَظَرت إليه بابتسامةٍ توحي بالاستمتاع, تنفّس الرضا من إيماءاتها, وقال: أحبك في هذه اللحظة فقط! ولا أستطيع تقديم وعودٍ غيبيّة, أو بطاقة ضمانٍ سارية المفعول. أحبك بعنفوانٍ شديد, وأشعر أنّي كلّما قلت هذه الكلمة؛ ينبت الياسمين على شفتي وتسكنني ألف قصيدة! هذه الكلمة مهد الولادة الأولى للحياة, والتي لا تمنحني طريقة مناسبة للتعبير بشكلٍ لائق! رغم أنّ فمي يمتلئ بالكلام!
ـ هل فضحت اللذة هذا الكلام أم هي مشاعر الحب النبيلة؟
ـ إن أردنا دخول الحياة, لابد أن نعرف قيمة التضحية. "الحب لا ينمو مالم يكن شهوانيًا", والشهوة ليست كلّ الحب, إنها الجذوة التي لابد من إشعالها أوقات الحاجة, وإلا متنا بالقلق الحاقن! لا أخفيكِ, فوهة الجسد الخمسينيّ لا تكاد تسيطر ـ الآن ـ على غليان الماء داخل البدن. خاصةً وعزيمة مثلي واهنةٌ أمام كلّ شيءٍ جميل!
في مساءٍ ينضح بالحكايات, والعندليب يردد:" بحياتك ياولدي امرأة, عيناها سبحان المعبود, فمها مرسومٌ كالعنقود, ضحكتها أنغامٌ وورود, والشعر الغجريّ المجنون؛ يسافر في كل الدنيا". فكّر أن يبعث رسالةً مسجية تقول كلّ شيءٍ ولا تقول, فكّر أن يُهيئ شهية الكلام لإثارة المجيء ومعاودة الحضور, فكّر وكتب: في هزيع السكرات الأولى للسهر, تباغتني ضحكاتك وتطرق أجفاني ملامحك, وكأنها تريد أن تمشط الذاكرة وتستدرج الحنين بساديةٍ مؤلمة, وأنا مع كل لحظة استيقاظ أشعر بوابلٍ من الكلام على شفتيّ, لا يلبث أن يعلن ولادته ويموت!
هل من صدقة الزيارة الجارية؟! قبل أن يفضح الحنين أدق النواحي الإنسانية للكلمات!


.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 03-09-2007, 03:01   #7
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : تمّ قبول الرمز!

.

(7)

لنعد للحديث يا عصفورتي, وعذرًا على الانقطاع بسبب مداخلات لا تفهم قدسية الغزل بين اثنين. أتصدقين, أفكر في المخاتلة بشكلٍ جاد, أفكر أن أنتظر لحظة الشرود, لأقفز حتى أقف أمام ملامحك الجذّابة, وأقطف أولى قُبلات البراءة التي لا تنوي على شيء, وتريد كلّ شيء! سأقف متفرسًا العيون السادرة, وامتداد الأنف الأشم, والتفاف الشّفّة العليا, ومقدار سعة الانطباق لحظة السكوت, سأظل في محراب ملامحك, ويكأنّي عالم آثارٍ صينيّ يقف أمام الأهرامات بخشوعٍ وتبتّل. حلقات الأذن الفاتنة لابد أنها تستمع الآن ـ رغم رفضي المغلوب على أمره ـ, فهي على مقربة من أخطر منطقةٍ يطمع أن يلوذَ ويعتصم في حماها رجل؛ بلغ طوفان رغباته حدًا عظيمًا. إن هذا الجمال السماوي أنشأ فيّ صفة ملائكية ترفعني فوق إنسانيتي, حدثني بذلك الرافعيّ؛ لحظة أن احتار كيف يعطي كل هذه القُبلة الصوت واللغة؟ نامي حبيبتي ـ الآن ـ وملء جفنيك أنا, وملء قلبك أنا, ودفء وسادتك أنا. نامي وسأتلو عليكِ قصصًا كثيرة لأحيقار حكيم نينوى ووزير الملك سنحاريب, حتى آخذ هذا النعاس إلى لحظة ترفٍ ضاحكٍ يمتد كشجرة السُمّاق الظليلة الوارفة. قيل:" أبصر أحد الكهنة أسدًا في البادية وهو في طريق عودته إلى المدينة, فتملكه الرعب والهلع. ولما نجا من الأسد وبلغ المدينة, رأى عند بابها تمثال أسد رابض, فهجم عليه ولطمه على وجهه, قائلاً: ماذا كان يفعل أخوك في البادية؟". نامي حبيبتي وكلّ عصافير الطفولة على أهداب عينيك التي تبتسم الآن. نامي, وأنا الحارس الذي لن يخون حرم الأسارير النورانيّة في مخدعها. إلهي, هبني لغة عشقٍ لائقة, تبقى كسحابةِ وحي ٍ دائمة لا تنقطع, فوق لحظاتنا المباركة!
غدًا سنذهب إلى أقرب محل للتصوير, وسنأخذ صورًا متنوعة, وفي أوضاع مختلفة, ستكون أكثر الصور إثارة على مدخل بيتي الذي قضى شطرًا من الحياة لا يتبارك بأحد. أعتقد أنها أقرب للحرز الذي أطمئن به لحظة خروجي كلّ صباح إلى المسرح القوميّ, وأماني الذي يكفيني عن ألف نظرةٍ تريد توطيد مشاريع السهر والليالي الحمراء. لا أريد أن أصل معكِ إلى حدٍّ معيّن, أتفهمين؟!
امتداد التواصل تحكمه لغة القرب التي تنشأ بين عاطفةٍ وقلب. في البداية نملك أساليب المداورة, لكن الشعور بالتوحد, يحتاج أن يفتح نافذةً أكبر من هذه النافذة, البعيدة كل البعد عن الحضانة الطبيعية, يحتاج إلى مساحاتٍ كبيرة من النهم, وآهٍ من هذا النهم الذي أشعر أنّه ـ لا محالة ـ فالقٌ كبدي!. أعلم أنّك ترين ذلك واضحًا على قسمات وجهي الآن, وعلى حديثي وإيماءاتي وكلّ تصرفاتي. إنّه لأمر جيّد؛ أن أُخلق بملامحَ لا تخفى على أحد.
غيّر طلال زاوية الصورة التي كان يرفعها بين أنامله, وعاين القوام الممتد برشاقة عروس مجلّوة من ليلتها. لم يستطع دفع الرؤى الحبيسة التي تهوم على رأسه بسبب الغياب والانقطاع, لم يستطع منع الأرق والتفكير الذي ينخر جدار راحته وطمأنينته, رغم كلّ التصرفات والأحاديث المجنونة التي شيّد بناءها على أساس الصورة الصامتة. الكثير من الظنون تولد تباعًا مع كل لحظة تأخير, الكثير من الظنون تُسكن في نفسه مئة إدانة تستوجب إضرام الغضب, و تخلق في نفسه ـ أيضًا ـ مئة عذرٍ لإطفائها. وكأن قدر من يحب, أن يعيش على أرجوحة القلق المستمر, ما تعاقب الليل والنهار!

.


اخر تعديل كان بواسطة » فوزي المطرفي في يوم » 04-09-2007 عند الساعة » 06:33.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 04-09-2007, 07:17   #8
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : تمّ قبول الرمز!



.

(8)

عندما تموت الحيوانات تتحلل أجسامها وتتحول إلى أسمدة تتغذى بها النباتات. بات يشعر بهذه الخاتمة السعيدة جيدًا, بات يلامسها ويتحسس بواعثها, خاصةً حين يغلبه الحزن وتتضخم داخله الوحدة الموجعة الشرسة. أبعد هذا العمر المتجذّر في الحكايات الطويلة, يصبح رهين بواعث اللوعة وألم الفراق حتى التلاشي؟ أبعد كلّ هذا الزمن المتطاول والمتراخي, تتمزق العضلة الصغيرة وتسقط في كمين التباريح والصبابة؟! ماالذي حلّ بك يا طلال؟ تمتم بعدما ذهب التفكير به كلّ مذهب. لم يجد مايفعل, سوى التعبير بحركاتٍ لا إرادية, تأتي هكذا, كيفما كان لها أن تكون! كأن يضمّ كفيّه بقوةٍ متفاوتة, ويضع إبهامه على آخر سبّابته, أو كأن ينظر من نافذة البيت إلى لاشيء, ويركّز النظر بخيالٍ سارحٍ حول ذلك اللاشيء. أو كأن يلعن بانهزامٍ, ذلك الحب الذي يقرر ـ بكل كبرياءٍ وغطرسةٍ ـ متى يأتي ومتى يغيب, بلا حولٍ له ولا قوّة!.
في لحظةٍ من لحظات الشرود المتواترة, قرّب المنفضة التي لا تحتمل ذرّة رمادٍ صغيرة, شدّ نفسًا عميقًا من سيجارة وحدته المشتعلة, نفث الدخان على حيرةٍ أخذت تتشكّل مع كلّ نَفَس, على هيئة سؤال فاره الحزن: كيف يستطيع الإنسان أن يعيد تدوين الفرحة بعد الفرحة, إذا تناوله الفقد من حينٍ إلى حين؟ باغته سعالٌ مألوف, كاد أن ينشق عنه صدره. اشتد السعال مع كلّ شهيقٍ وزفيرٍ يتردد بين أنفاسه. ابتسم لوجع السعال الذي يشاركه هذه اللحظة الخاصّة, وغازله تعجبٌ ضاحك. لماذا لا يكون السعال هو الحب؟ كلاهما يخلقان الألم الذي يتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى, وكلاهما يجتاحان القلب, على حين وجعٍ, دون أدبٍ أو استئذان, وكلاهما يتركان الأثر الواضح البيّن على تقاسيم الجسد بشكلٍ عامّ؟! ما أرفق السعال ياحبيبتي!
حديقته الصغيرة, تعيش بلا تهذيب أو اهتمام. لحاء الشجر مرميٌّ في كل ّ مكان, وسور الحديقة المتهدم الأطراف, لا يمنع مياه القاذورات والبيارات الطافحة أو المتسربة, أن تتجه نحو الحشائش الصغيرة, ولا يمنع أيضًا عبث الأيدي الصبيانية التي تباغت الزرع في كل فسحة نافذة متهيئة. في كلّ مرةٍ يحاول تفعيل إرادة العناية بالحديقة, لكن عندما يختال هاجس السفر والحب والغياب في جدول أيامه, يجد فيه مالا يجد في منظرٍ لا يسمن ولا يغني من جوع!
ذات مساءٍ معبأٍ بالغياب, جلس أمام التلفاز لحاجة يجهل كنهها, تفاجأ ببرنامج يحكي عن الانكسارات العاطفية, ويعلن سؤالاً عامًا للمشاهدين: لماذا تكون المرأة أشد انتقامًا وتشفيًا من الرجل عند انتهاء العلاقة؟. حَمل سماعة الهاتف بيدٍ موهنةٍ متعبة, اتصل برقم البرنامج المعروض على الشاشة, انتظر قليلاً, وبعد أن نُقل على الهواء مباشرةً, أجاب بهدوءٍ, وقال: ـ سلاح انتقام المرأة مصنوع من الرجل! فلا غرو أن تكون هي الأشد والأقوى, لأنها تفعل ذلك بامتياز العاطفة التي تفوق سواءً في الحب أو الكره!. تعجّب مقدم البرنامج من طريقة الإجابة التي تضيق وضوحًا وتتسع تأويلاً, فاستدرك طلال بإيجاز حكمةٍ محفورة في ذاكرته, وتمتم: لقد كانت لي كالشجرة التي قالت لقاطعها: لو لم يكن بأيديكم مني لما هاجمتموني. وأغلق الهاتف!

.

فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
إضافة رد


عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1
 

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح

الإنتقال السريع