مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 23-09-2007, 22:09   #9
سرد الرواة
Guest
 

رد : مختارات قصصية (بصوتٍ عالٍ).!



- ....
- طفلتي ؟
- أشعر أنّي كنتُ ميتة من قبل .
كانت تقف أمامي بارهاق وتعبث بحمّالة الفستان الأحمر, بوجه داكن أو جبين مقطب أو جسد منسكب ,دققتُ النظر بانزعاج وحاولتُ إعادة الوردة التي قطفتها إلى مكانها مُجدداً, والآن ,خلاف البارحة أو لنقل أسابيع مضتْ , لم تعد الورود تلتحم بالعنق بعد قطفها.
- تسمعني ؟؟!!
سقطتْ الوردة على الأرض فـ امتدتْ يدّي لتلامس خدّها برفق.
- أحسُ أنّي كنتُ ميّتة من قبل .
اليوم كان يجب أن أمضي بها إلى غرفتها ,كان هذا يحدث حتماً من حين لآخر, (بياترس) تموت لنجتمع جميعاً ونحييها مُجدداً, مرة فـ مرة , نبذل مجهوداً أكبر في ذلك, وكانت تستيقظ أشدّ شراسة وقوّة لكن بعمر أقصر كثيراً, وبحساسية أكبر , بحيث تُميتها أقل فكرة تخطر لنا.
لوّحتْ لي مبتسمة وأغلقتْ الباب, كنّا –جميعاً- موتي , وكانت (بياترس) ميتة كذلك, وكيلا نظل أشباح البيت, اخترنا أحدنا لـ يعود إلى الحياة, (بياترس), لأنها سمراء ونحيلة, وشعرها أسود وطويل ,وعنقها كذلك. ولأنّ من يراها سيرغب في محادثتها.
كان يجب أن تحيى (بياترس) , تنزل إلى الشارع وتذهب إلى السوق وتضحك مع الجيران , وتعود آخر النهار إلى البيت لتملأه برائحة السماء والأرض وما بينهما .
حين تبتسم (بياترس) لطفل كانت ألعابه الملوّنة اللامعة تملأ حجراتنا , حين تتكلّم مع صديقاتها كنّا نركض معاً , وحين تركض كنّا نطير . (بياترس) تسافر حوْل العالم كي تحوّل أيادينا ما تلمسه إلى بلدان .
حين جلسنا جميعاً, أمضينا ليلة كاملة في تكوينها , كنّا بحاجة لأفكار كل واحد منّا كي تخرج كأبهى ما يكون.
في هذه المرّة , كانت تقف عند ركن الغرفة وتنظر لنا.
(بياترس) هي طفلتي ,شعرنا جميعاً بضرورة هذا, حين ولدتْ (بياترس) كنتُ أنا الذي عاد شاباً .
في الواقع, لم تكن تنظر لنا , كانت تنظر لي تحديداً , وتتقدم ناحيتي وتضحك لاهثة.
لم نعد موتى , ولم نعد أشباح المنزل, نزولها إلى الشارع وذهابها للأماكن كان يكفي كي نتنقّلُ جميعاً كيفما نشاء .منزلنا يمتلئ بالصديقات والأصدقاء , بحيث لم يعد مخيفاً أو مهجوراً طالما أن (بياترس) موجودة.
في الحديقة قطفتُ الورود ورصصتها في آنية, كنتُ أستمع لضحكاتها بينما تكلّمها جارتنا.
- إنّه يعقوب .
مددتُ ذراعي للمصافحة.
- أشعر أنّي كنتُ ميتة من قبل.
كانت تعبث بحمّالة الفستان الأحمر , أقطب جبيني وأحاول إرجاع بقية الورود إلى أعناقها, آخر النهار. كفّت الورود عن الالتحام ما أن أتت (بياترس).
ضممتها إلى صدري . لـ تنهنه بألم .
جلدي يتجعّد وعنقي يترهّل وظهري ينحني , كأنني أتلاشى من الكبر ,بصعوبة اصطحبتها إلى غرفتها .
وحين نظرتُ ورائي , كانت الورود كلّها قد عادت إلى أفرعها.
(بياترس) كانت تموت من حين لآخر .
كنتُ جالساً حين دخل فجأة وقال : الباب كان موصداً طيلة اليوم ,لم يدخل أو يخرج أحد يا يعقوب , المنطقة نائية ولا جيران على بعد أميال .
تعرف أن(بياترس) ليسـ...
- اخرس !
ماتت مباشرة , في البداية سقطت على الأرض ثم تحلّلتْ بينما نركض إليها.
تبادلنا النظرات , كدت أجن لكنّه هرع لجلب الجميع.
جلسنا وبدأنا نفكّر فيها بعمق ونتذكّرها كاملة. كنا نمضي وقتاً أطول ونتخيّل أكثر كي تستيقظ .في لحظة تصل تخيّلاتنا إلى ذروتها لتظهر (بياترس) .
مؤخراً كانت تأتي من الموت مُتكوّمة على الأرض, أو مرتجفة , هذه المرّة , كانت ممددة والكدمات على ذراعيها ووجهها .
أتأمّلها بقلق بينما تجلس على السرير .
- لماذا أرتدي قميصك؟
قالت بمرح .
ثم ماتت , كان ذلك حين دخل أحد الملاعين وقال: لماذا تجلس وحيداً يا يعقوب ؟ تكلّم نفسك ؟
وما أن قالها حتّى ماتت (بياترس) في فراشها ثم تحللت.
في مرّة قتلتُها بالخطأ , حين فكّرتُ لثوانٍ أن الورود لا يمكن أن تعود إلى أعناقها . ماتت في الحديقة .
البارحة , نجحنا منهكين في إعادتها إلى الحياة , لكنّ الحياة لم تعد , بدأت حركاتنا تعود بطيئة , كأننا نرجع كما كنّا قبل (بياترس) , تفقد الفاكهة طعمها تدريجياً, مرّة أخرى , نعود مكبّلين وغير واضحين, وغير قادرين على الذهاب إلى الأماكن. ونشعر بقوّة مواتنا .
كانت تمضي وقتاً أطول في غرفتها , باكية , أو متشنجة في الركن .
- نحن أموات وأشباحنا تسكن هذا المنزل .
يمطّوا جميعاً شفاههم , كأنّما هذه الفكرة ماتت أيضاً .
كانت في الممر , تحت الإضاءة الصفراء القميئة , يمكنني أن أرى هيئتها المرتجفة .
- لقد كنتُ ميّتة من قبل !
تصرخ باكية, حاولتُ أن أقطع الممر ركضاً لكنّه استطال تحت قدميّ , كالأبد.
- لقد كنتُ ميّتة من قبل , لقد كنتُ ميّتة من قبل! لقد كنتُ ميّتة من قبل , ! لقد كنتُ ..
بدأت تنشج بجنون , ثم أخرجتْ مسدساً وألصقته بصدغها.
في البداية حلّ ظلام مفاجيء, بدا كانقطاع التيار عن المصباح فوق رأسي , لكنّي اكتشفتُ أنّ الظلام ينزف من رأس (بياترس), بغزارة بحيث يفيض ويغرقني , الظلام يغمر الممر كلّه عدا طرفه الأخير المُضاء بشيء أصفر كـ عفن .
بدأتُ ألهث بهلع , (بياترس) تموت هذه المرّة .
- ما بك يا يعقوب ؟ ناولني هذه المنشفة ,ماذا تريد أن تجفف؟هل نسيت تناول علاجك ؟
أدخَلَنِي إلى غرفةٍ بجدران بيضاء , مهزوماً .
كان موْت (بياترس) مؤلماً لي تماماً. ويعني أسوأ شيء , كـ عودتي إلى الحياة.


إنليل

  اضافة رد مع اقتباس