مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 23-05-2005, 10:35   #1
عبدالله الوهيبي
نــــاقد
 

قراءة في قصيدة .. نــورة العجـــمي .. حنيـــــن

مااوحيت فالدنـيا على كثر ما اوحيت .. . مثل الجروح اللي تداوي بعضها
جَرّحْتِني في صـد الايام واقفيت .. . وسبّبت للروح الحـزينة مرضــها
وليتك بعد جرح اقرب الناس داويت ... جرح النفوس اللي جفاكم غمــضها
بالله قـلي ويش أنا فـــيك سـويت... غير السـلوم اللي حيانا فرضها
انا لو اني كل ما ضــقت حـطيت ....قصــيدةٍ من سَمْع فيها حفـظها
يمـــدي كتبت من الــدواوين وأبليت ... حبرالقـلم والروح ماانهت غرضها
مالي ومال الشعر.. بيــتٍ ورى بيت... لا صـارهجـران الحبايب نقضها
تقـــول ما صديت .. وآقول صديت... نفسك وش اللي عن غلاناعرضها
مـسموح لو صديت يا ذايع الصــيت.... ماكل حاجـه لازم القــى عوضها
مادمت في رد الصدى عني أبطيت ... ودست العهود اللي لسانك لفـظها
ياليتي أنسى ذيـك الايام يــاليت ...لا صار ماداوت جـروحي بعــضها

يقول الأقدمون : ( ما من رجل ٍ إلا وحاول الشعر) .

من هنا يخطئ الكثير منا بالتقدير عندما يعتقد أن باستطاعته كتابة الشعر وترجمة ما يختلج في نفسه،فيعتقد أن معالجة النص معالجة شكلية، و رصف الكلمات ونحت التراكيب اللفظية يكفي .. وهذا غير صحيح .
بل سجد أنفسنا أمام مقطوعة تصلح أن تكون خاطرة، أو فكرة قصيدة لم يكتمل نموها ، ولكنها لا تصلح بحال من الأحوال أن تكون قصيدة ذات بال إذا أخرجناها من قالبها الشكلي ( الصدر والعجز) ؛ وهناك فرق يجهله الكثيرمنا بين ما يعرف بالإحساس الفني والتعبيرالفني .

فالأول ( الإحساس الفني / الشعري)
وهو ما نشعر به حين سماعنا أومشاهدتنا لعمل فني فينتج عنه تفاعلنا مع العمل وتأثرنا به (رفضا أو قبولا ) وهوا لذائقة الفنية ، ولكن البعض حين يروقه عمل ما وتحت تأثيرسطوة جمال ذلك العمل يطلق لنفسه العنان حتى يعتقد أن باستطاعته الإتيان بمثل ذلك ، فيبدأ بإقحام نفسه وإقحامنا معه في موضوع لا يحسن الدخول إليه ولا الخروج منه .
مثلما قال أبو العتاهية : (حسب ما ذكر أصحاب السير) أن أبو العتاهية أيام مجونه قال : ( .... قرأت البارحة (( عم يتساءلون )) وكتبت قصيدة أحسن منها .. )
فهذا أبو العتاهية يقول مايقول بدافع من إحساسه الفني العالي وتأثرة المفرط بكلام الله جل في علاه وليس ثمة ابلغ ولا أروع من كلام الله سبحانه وتعالى، ولكن صاحبنا من فرط تأثره ضن انه سيكتب قصيدة أحسن من (( عم يتساءلون )) تعالى الله عن مايقول علو كبيرا ..
وأبو العتاهية هوا لذي يقول عن نفسه : ( لو أردت أن اجعل كلامي كله شعراً لفعلت ) لن يستطيع أن يأتي ولو بآية من مثل القران .
لذلك( بالغالب ) يكتب الكثير من الشعراء على اثر سماع أو قراءة عمل فني . أو تحت تأثير ذلك العمل وهو ما يسمى بالانفاعل الشعري / الفني والذي بالغالب تنتج عنه قصائد المعارضات أو المجارات أو تقليد بعض الأعمال والاقتباسات .

أما الثاني ( التعبير الفني/ الشعري )
فهي قدرتنا على صياغة ما نجد في نفوسنا ابتناءاً تبع لمواقف مستقلة ننشئ لها من عدنيا تنا وحسب امكاناتنا الثقافية والفكريه ما يناسبها وهي تختلف من شاعرلآخر حسب مخزون كل شاعر،الثقافي اللفظي وحسب قدرته الذهنية على الإبداع والاختراع والصياغة والتخييل والنحت واختيار زوايا الالتقاط والتناول الفني والسرد والايجاز والاستطراد بمواضعه ودواعيه للتأثير بالمتلقي ، وحسب قدرته على التأثر بالاحداث من حوله والتفاعل معها ، وكما يقول الدكتور/ غازي القصيبي : أن الشاعر يحتاج لشرارة ليشب ذلك الحريق الفني .


بعد هذه المقدمة
التي كان لابد منها حيث بينها وبين حديثي عن الشاعرة / نورةالعجمي علاقة وثيقة فالقدرة على التعبير الفني جلية ، فلقد أتتها القصيدة منقادة فلم يشاغلها عن تدفقها الوجداني شيء . فهي شاعرة مطبوعة وهذا واضح جدا في أسلوبها السلس .. تكتب وهي مطمئنة أن إمكاناتها لن تخذلها.. ولن تقف بها عند منتصف ألقصيده أو قبل ذلك أو بعده ، لتبحث عن مفردات أو أخيله أو تراكيب لفظيه لتكمل لنا النصاب ، بل أنا متيقن تماما انه لا يزال لديها في هذا الموضوع تحديدا (( الحنين )) ما يكفي لعشرات الأبيات مثلما أفصحت هي بذلك ، وهذا واضح ولا نريد أن نقلب مواجع الشاعرة .. وان كنا سنستفيد شعرا رقراقا دافئا .. بل إنها بدأت القصيدة وانتهت منها بنفس التدفق الوجداني الرائق الدافئ ... فالقصيدة ليس فيها صخب ولا ضجيج ، بل عتاب .. ووجد محتشم .. وحيرة.. وحنين وقور ..( وهذا النوع من الحنين هو الحنين القاتل / بزعمي) ..
فقد قدمت لنا مشهدا دراميا وجدانيا بدأته بهدوء وشموخ وانتهت بهدوء وحب .
والمشهد عبارة عن لوحه درامية واحدة . تعتب بها على ذلك( الغائب ) ذائع الصيت وكانت عواطفها تترقرق أمام أعيننا في بداية المشهد .

ما أوحيت بالدنيا على كثر ماوحيت ......
هكذا استهلت قصيدتها استهلالا فخما تتحدث به عن نفسها اولا كإعلان منها ( ربما لاشعوري) عن اعتدادها بنفسها وشموخها وتعرّف بنفسها بأنها صاحبة تجربة وخبرة بهذه الحياة وليست غريرة جاهلة أو سفيهة فلقد سمعت الكثير ورأت الكثير وهي بهذا إنما أرادت من ذلك (الغائب) ان لا يلهيه أو يغريه..( صيته الذائع) وان يقدر لها ذلك ويأخذه بالاعتبار ، وهي للتو خرجت مجروحة من اقرب الناس أيضا !!!

ماأوحيت بالدنيا على كثرماوحيت ..مثل الجروح اللي تدواي بعضها

إن المبادرة بالحديث عن ( الجروح اللي تداوي بعضها ) في مقدمة القصيدة لدى شاعرتنا ليست للتسلية أو للتندر .. فإن كانت ارادت ان تدخل في صلب الموضوع مباشرة فهي ايضاً ارادت ان تخبره ضمنيا بصلابتها واستعدادها لتحمل الأسوأ وان الجروح يداوي بعضها بعضا.. بمعنى أن المصيبة تنسي المصيبة ( لا أرى الله شاعرتنا ماتكره)
وكما ورد في الحديث الشريف (( ان الفتن يرقق بعضها بعضا )) .

وهو حسبما تذكر ، صاحب سوابق في تجريحها ،
كما اشعر بان الشاعرة استهلت قصيدتها هكذا لتضمن لفت نظر ذلك الغائب ولتضمن تعاطفنا كجمهور مع قضيتها .
حيث تقول في بيت لاحق جرحتني( بتشديد الراء) مع صد الأيام أي أن المشكلة لدى شاعرتنا مركبة .. تجريح + صد الأيام + جرح جديد+ حيرة
وان كنت ارى ان ثمة خلل وارتباك بسيط في السياق الاانه يستكثر من شاعرة مثل الشاعرة نورة
فانا للحق لم افهم المقصود بصدرالبيت الثالث ولم اجد له موقعا في بنية القصيده واشعر كأن البيت ينبغي ان يكون اما مسبوقا او متبوعا بابيات توضحه وتضعه ضمن مبنى القصيده في موقعه المناسب.
فانالا اعلم من هو المخاطب ؟؟ !! ولامن هو المجروح ؟؟
ولا من هو الجارح ؟؟ ولا من هو اقرب الناس ؟؟!!

ثم تعود بنا الشاعرة / نوره العجمي في مشهد آخربمحاولة للاستعطاف
ولكنها تشعرانه لابد ان تعود إلى صلابتها في البداية ولكنها تفاجأني انها تعتذر عن صلابتها وتنهار سريعا حين تقف امام ذلك الحنين للغائب وامام محاولتها الامساك بمظهرها اللائق بها امامنا ومن هنا بدئت بالاضطراب

بالله قـــلي ويش أنا فـــيك ســــويت... غير الســــــلوم اللي حيانا فرضها

وقدكان لزاما على ا لشاعرة أن تتخذ موقفا ( على الأقل لوقدامنا ) ..
الا انها لم تفعل بل اكتفت بان السلوم والحياء والحشمة والوقار يمنعانها فهي تتأرجح في موقفها في القصيده بين الاستعطاف ومحاولة تفخيم الذات والاسقاط على السلوم تاره والحياء تارة اخرى ومقاومة سطوة الحنين
ثم تقفز بنا قفزة ذكية فيها من الفنتازيا الشيء الكثير وما ذلك الا لتبتعد بنا عن ضعفها . ثم تستطرد هنا وتتحدث عن نفسها وعن شعرها وعن قدراتها الشعريه قد يعتبره البعض استطرادا لا ضرورة له وحشوا كلاميا خارج عن الوحده الموضوعيه للقصيدة ولكني ارى انها منذ شعرت بتضعضعها حين قالت: ( بالله قلي وش انا فيك سويت ) ارادات من هنا ان تبتعد بنا عن ضعفها وبنفسها عن تلك المنطقه منطقة الاستجداء لتشاغلنا بامكاناتها الشعرية وأنها لو أنها كل ما تضايقت كتبت قصيدة

انا لو اني كل ما ضقت حطيت
........................................ قصيدةٍ من سَمْع فيها حفظها

يمدي كتبت من الدواوين وأبليت
................................... حبر القلم والروح ما انهت غرضها

الشاعرة هنا تعترف ضمنيا بكثرة مشاكلها العاطفية اللتي تقتضي الكتابة شعرا والبيت الاخير هنا فيه الايضاح على ان استطرادها لم يكن حشوا
بل هو تبرم من كثرة الاشكالات مع ذلك الحنين ودواعي االشعر
ثم تعود مرة اخرى للمشكلة الاخيرة التي اوجبت هذا النهرمن الشعر

(تقول ما صديت واقول صديت .................... )
(تقول ما صديت واقول صديت .................... )
(تقول ما صديت واقول صديت .................... )

هذا نموذج لحوارهما وما يدور بينهما فهما لا يتفقان .
اذا المحبوب .. مشغول .. ذائع الصيت .. عنيد .. لا مبالي ...
والشاعرة متردده رقيقة لا تستطيع ان تتخذ موقفا حازما بالرغم من محاولاتها ولا تجادل كثير بل تتسامح تسامح اليائس وتعزي نفسها

(........ ماكل حاجة لازم القى عوضها )

لكنها عند نها ية المشهد تعلن انسحابها بهدوء

( مادامت في رد الصدى عني ابطيت ..............
ياليتي انسى ذيك الايام ياليت ..... لاصارماداوت جروحي بعضها

نعم هذا اعتراف من الشاعرة ان التجربة ( مداواة الجروح بالجروح لم تنجح هذه المرة ) لتعاود الانهيارالوجداني وهو ذروة المشهد في نهاية القصيدة لتقفل الستار والجميع في حالة تعاطف مع بطلة المشهد/ الشاعرة / نورة العجمي

اخيرا لااملك إلا أن أتعاطف مع الشاعرة الرقيقة / نورة العجمي
وانحاز إليها فنيا بعد قرائني لهذه القصيدة الرقراقة .

وفنيا يعتبر من أهم منجزات الشاعر أن يجبرك على الانحيازإليه ..
فإذا انتهيت من قراءة القصيدة ولم تتخذ موقفا فأنت لم تقرأ شيئا .


والى اللقاء

التوقيع:
العام .. عام الود .. عام المحبين ....... لو فيه نيرانٍ على القلب جنه
واليوم اهل مضنون عيني بعدين ....... سود الليالي عن دياري حدنه
سود الليالي تلحق البين ..بالبين ....... ومابيضنه ..بالموده ..محـنه
( الله لحد ) .. مافيه حيٍ يعزين ....... وعلى زمان فات جريت ونه

اخر تعديل كان بواسطة » عبدالله الوهيبي في يوم » 23-05-2005 عند الساعة » 11:06.
عبدالله الوهيبي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس