مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 04-12-2003, 15:44   #1
محمد علي العمري
شـــاعــر
 

قرائح شيطانية .. !!

في كتاب ( عن قبيلتي أحدثكم ) للدكتور الشاعر / غازي القصيبي ، كان المدخل للكتاب يتحدث عن الشعر ومفهومة لدى الباحثين المعاصرين للشعر العربي القديم واستطرد الكاتب ليتحدث في نهاية المدخل عن علاقة الشعر بالجن .
سأترككم الآن مع ماقاله الدكتور غازي القصيبي في مدخل الكتاب وأعود بعدها لطرح بعض الأسئلة :



يظلم بعض الباحثين المعاصرين الشعر العربيَّ القديم حين يعتبرونه مجرد ( كلام موزون ومقفى يدل على معنى ) .
صحيح أن هذا كان هو التعريف التقليدي الشائع ، إلا ان هذا التعريف ، كأي تعريف ، لا بد ان يعمّم على نحو تتعذر معه التفرقة بين الظواهر المختلفة المندرجة تحت مظلة التعميم .
القول بأن ( الأنسان حيوان ناطق ) قول صحيح بلا شك ، ولكنه لا يقول لنا شيئاً عن الفروق الكبيرة بين البشر ، تلك الفروق التي تجعل من بعضهم ، رغم القدرة على النطق ، مخلوقات أقرب الى الحيوان من الانسان .

والحقيقة التي لا مراء فيها أن العرب ، منذ أن بدأت علاقتهم بالشعر ، كانوا يدركون أن هناك ( شيئاً ما ) غير الوزن والقافية يفرّق بين الشعر الجدير بالبقاء والنظم الذي يموت بمجرد ولادته .
وفي محاولة نقدية لاصطياد هذا الشيء يقول ابن قتيبة :
( وليس كل الشعر يختار ويحفظ على جودة اللفظ والمعنى ، ولكنه قد يختار ويحفظ على اسباب ) .
ويمضي ابن قتيبة محاولاً تلمّس هذه الأسباب فيذكر ، ضمن مايذكر ، الإصابة في التشبيه وخفة الروي .
إلاّ أن ابن قتيبة يضع أصبعه على الجرح وهو يقول معلقاً على بيت لبيد ابن ربيعة :


ما عاتب المرء الكريم كنفسه
............. والمرء يصلحه الجليس الصالح



( وهذا وإن كان جيد المعنى والسبك فانه قليل الماء والرونق )

( الماء والرونق ) ! لا بد أن نعود قليلاً إلى الوراء بحثاً عن السر .

قال الصحابي الشاعر عبدالله بن رواحة ان الشعر ( شيء يختلج في الصدر ويقذف به اللسان ) .

غني عن الذكر ان هذا الشيء ( المختلج في الصدر ) أمر اساسي ضروري لا تغني عنه فصاحة اللسان .

هذا الأحساس العفوي تطور ، فيما بعد فتحدث النقاد العرب عن ( المعنى ) ( او مانسميه اليوم التجربة والمعاناة ) وعن ( المبنى ) ( أو ما نسميه اليوم الشكل الفني ) .
انعقد الاجماع النقدي ، وإجماع القرّاء المتذوقين ، ان الشعر الحقيقي لا ينهض إلاّ على جناحين : الروح ( التجربة ) والجسد ( التعبير الفني عن التجربة ) .

إلاّ ان العرب الذين اكتشفوا ، بالغريزة ، ان هناك ( شيئاً ما ) يفرّق بين الشعر والنثر لم يعرفوا ، من أين يجيء هذا الشيء .
إعتقد شعراء الجاهلية ، كما إعتقد شعراء الإغريق قبلهم ، ان هذا الشيء يجيء من مصدر من وراء الطبيعة .
وكما كانت آلهة الشعر تلهم شعراء الاغريق ملاحمهم . كانت شياطين الشعر تلهم شعراء الجاهلية معلقاتهم .
هذا المصدر السحري غير البشري مسؤول ، الى حد كبير ، عن تلك المكانة الهائلة التي ميّزت شعراء الجاهلية عن البشر العاديين :


( الشاعر هو الانسان ذو المعرفة الخارقة الذي يفهم الأشياء الخافية عن اعين الناس ، وكان يستلهم القوى الخفية ، وله شيطان يأنس به ، ويظهر ذلك أجلى ما يكون في فن الهجاء ، وكان هذا الفن في نشأته هجوماً روحياً على الأعداء يؤازر الهجوم المادي بالسيوف ومحاولة إهلاكهم بقوى خارقة )

( ذكر الكاتب في الحاشية أن هذا المقطع من ( دائرة المعارف الاسلامية ، المجلد الثالث عشر ) .

ربما كان هذا الجانب المخيف المرعب للهجاء هو الذي دفع النعمان الى الانتقام الفظيع من كل شاعر هجاه ، أو توهم أنه هجاه .
كان الشعراء أول المروجين للوهم القائل أن لديهم علاقة وثيقة بالقوى غير المرئية .
يقول امرؤ القيس ببساطة متناهية وكأنه يصف حادثاً يومياً روتينياً :


تخيرني الجن اشعارها
...... فما شئت من شعرهن اصطفيت


وحذا كل شاعر جاهلي حذو كبير الشعراء .
سرعان ما تكونت قائمة طويلة ظريفة باسماء شياطين الشعراء ، أو اصحابهم .

صاحب امرىء القيس يدعى ( لافظ بن لاحظ ) ، وصاحب الأعشى ( مسحل بن أوثاثة ) وصاحب النابغة ( هاذر بن ماذر ) .

ولنا أن نتساءل ، اليوم ، عن السبب الذي جعل الشياطين التي تلهم أجمل الكلام تتسمى بهذه الاسماء القبيحة المنكرة .

ولنا ان نفترض انها من قبيل الاسماء الحركية المعلنة للناس ، ويبقى الاسم الحقيقي معروفاً للشاعر وحده .

هل كان الشعراء الجاهليون ضحية هستيريا جماعية جعلتهم يتصورون ما تصوروه عن اصحابهم ؟

هل كان بعضهم بالفعل ، لأسباب نفسية وعقلية ، يتحدث مع اشباح ؟
لا نعرف الجواب ، وان كنا نعرف ان الشعر ارتبط بالسحر ارتباطاً وثيقاً لم تفصم عراه ، نهائياً ، حتى هذه اللحظة .


كان هذا الجزء من الحديث الخاص بعلاقة الشياطين بالشعر للدكتور غازي القصيبي في المدخل الذي سطره لكتابة القيّم ، انبرى بعدها للحديث عن اشياء اخرى حول الشعر والشعراء .

ما اوده الآن هو النقاش حول هذا الموضوع الكل يأتي ويتحدث عن ما يعلمه وما سمعه وما قرأه عن هذا الموضوع ، بالنسبة لي انا فأنا اتساءل كما تساءل الدكتور غازي في نهاية الحديث ، خصوصا فيما يتعلق بالهستيريا الجماعية والأسباب النفسية والعقلية وهو مجرد تساؤل ، على الرغم من أني اؤمن ايمان كامل بمقولة طريفة قالها لي الزميل خالد التميمي :

( اكذب الناس شاعر !! )


ولكن لايمنع ايماني الكامل بهذه المقولة وما قرأته سابقا ولاحقا عن هذا الموضوع و ما اعتقد اني املكه من عقل يميز ويفكر ، اقول لايمنع من أخذ الأراء حول الموضوع فقد اجد من يقنعني بأنه حقيقة لا مراء فيها .
كذلك الموضوع فرصة جيدة لإيراد ما سمعناه وما قرأناه عن قصص الشياطين والشعراء .

فمثلاً اذكر ان احد الزملاء يقول عن الشاعر الكبير ( لويحان ) أنه يقول :
اثناء المحاورة تُعرض امام عيني ابيات عدة اختار منها ما اريد توجيهه لخصمي !!
وهو هنا يقصد أن الجان تعرض الابيات عليه ليختار منها ماشاء !!
وانا في الحقيقة لا اعلم عن صحة نسب الرواية للويحان ولكنها منتشرة بين محبيه .

واذكر ايضاً حين لمع اسم الشاعر ( سعيد بن هضبان ) وهو شاعر العرضة الجنوبية ، اذكر انه كان هناك من يروج لرواية مقابلة الجن لسعيد في بطن أحد اودية ( بلحارث ) وما جرى من حوار انتهى ( بالسقوى ) التي اصبح بعدها سعيد بن هضبان احد اشهر شعراء العرضة الجنوبية على الاطلاق .

جدير بالذكر أن الجميع يجمعون على ان سعيد لم يخرج من بيت عرف اهله بالشعر ، وأنه لم يكن يعرف الشعر حتى قيّض الله له الجن في بطن وادي ترج !!

الحادثة الثالثة والأخيرة هي الأغرب فيما سمعت :
يروى عن الشاعر الشاب الذي اعتزل الشعر لأسباب ثقافية ودينية الشاعر :
محمد بن ظافر الشمراني أنه تقابل في يوم من الأيام مع الشاعر الكبير ابن طوير المالكي ، والشاعر ابن طوير من اساطير الشعر فهو يحفظ القرآن الكريم كاملاً ويحفظ المعلقات السبع رغم انه لم ينل ( لكبر سنه ) التعليم الكافي ، يقول بن ظافر :
كنا في حفل في بلاد بني مالك ( على ما اعتقد ) وكان ابن طوير يخرج الشعراء واحداً تلو الآخر وحين وصل الدور اليًّ ، جابهت ابن طوير واستطعت ان اصمد امامه واثناء وقوفي امام المكرفون اريد ان القي قصيدة الرد على ابن طوير ، نظرت الى وجه ابن طوير فهالني ما رأيت واعدت النظر لأتأكد فارتعبت وتركت المكرفون ، ولم ارد عليه ، وحين سُئل عما شاهده قال :
رايت حيّة من نوع الكوبرا تنتصب فوق رأس ابن طوير وفغرت فاها بإتجاهي !!!

هذا ما سمعت من كلام العامة ورواياتهم حول الشعر والشياطين ، وأنا هنا لا أثبت ما سبق قوله من روايات ولا اقول أن هؤلاء الشعراء روجوا لها فعلاً .
لكنها تروى عنهم ولا اعلم عن مدى صدقها .
ما اعلمه ان هناك الكثير من الشعراء ومن محبي الشعر ممن يؤمنون بوجود قوى خفيّة لدى الشعراء وان هناك علاقة فعليّة بين الشعر والشياطين .

تحياتي

التوقيع:
أسهل الحزن دمعٍ لا رمشنا هما
............... وأصعب الحزن دمعٍ نرمش وما يطيح
ليتني في الفراق ابكم واصم وعمى
................. وانتهي معك قبل مفارقك واستريح
محمد علي العمري
محمد علي العمري غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس