مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 24-08-2006, 02:08   #12
عبدالواحد اليحيائي
كــاتـب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ عبدالواحد اليحيائي
 

رد : حكايا الصباح والمساء..

.
.
من حوار قصير معي..

لماذا ؟ لماذا هذا الفقد الفادح للأدباء و المثقفين؟

بسببنا (المتلقين) حين نتلقى بسلبية شديدة..
وبسببه (أي المبدع) حين يتأثر بسلبيتنا..
وبسبب البيئة نفسها: المجتمع، البيئة الثقافية، موقفنا من الآخر..الخ.
والقضية أكبر من أن يحتملها جواب واحد:

- لأننا لا نقرأ..
- لأن مثقفنا مضطر للمجاملة والنفاق..
- لأن نقادنا موتى..
- لأن مبدعينا غير مثابرين..
- لأن العلاقة (الاتصال) بين المبدع والمتلقي مقطوعة: موزع سيء، وصحافة عاجزة، وشللية قاهرة، وناقد لا يهتم، وتعاون ثقافي مقطوع الجذور...
- لأننا نعيش حالة فصام بين واقع يرفض الثقافة وخيال يمجدها وبالتالي فكل نتاجنا الثقافي ليس أكثر من مجموعات من حصص مادة: الإنشاء.
- لأننا مشغولون عن تراثنا ومنفصلين عن حاضرنا، فلا عرفنا برناردشو ولا فهمنا عبدالقاهر.
- ولأننا ولأننا ولأننا..
مشغولون بالشكوى عن العمل، وكما قال الدكتور طه حسين يوما: لا نعمل ويضايقنا أن يعمل الآخرون.

ما الذي يقف بين المبدع و المتلقي ؟

تقف ثلاثة أشياء وعنها يتفرع كل شيء:

النص..
في قيمته..
وبين وضوحه وغموضه..
وبين عمقه وسطحيته..
وبين صدقه وكذبه..
وبين وحيه وإقصائه..
وبين كونه مما ينفع الناس، أو مما يذهب جفاءً.

والمتلقي..
ذوقه..
فهمه..
ثقافته..
موقفه من الأفكار والأشياء والأشخاص..
بيئته بين الزمان والمكان.

والمبدع..
غايته ووسيلته..
أسلوبه وأداته..
هو والنص..
وهو والآخر.

تلك ثغرات بين المبدع والنص والمتلقي..
كلما فهمناها أكثر استطعنا أن نفهم موقف المثقف: مبدعا ومتلقيا، وقضية النص: موحيا وباعثا وشارحا.

هل ثمة رفض لأي الطرفين للآخرين ؟ ما أشكال هذا الرفض ؟ من الذي يرفض ؟

قد يرفض المتلقي المبدع..
(ولا يجب أن يفوتنا أن المبدع متلق آخر..)
يرفضه فلا يقرأ له أو يسمعه أو يراه أو يستوحيه..
يرفض فكره، أو شخصه، أو مكانه وزمانه فيمحوه من دائرة القبول في ذائقته الفكرية.

هل هو محق في رفضه ؟
هل هو مصيب ؟
تلك قضية أخرى..
تتفاوت وتتقاطع..
لكن الأشكال أن يرفض بالكلية ويقبل بالكلية..
فكأنه يحيل رفض فكرة إلى أفكار..
ورفض مكان أو زمان إلى أزمنة وأمكنة..
ورفض شخص إلى أشخاص..
ورفض شيء إلى أشياء أخرى ولا علاقة إلا صدورها من ذات واحدة..
وتلك من عمايات الثقافة العربية..
الرؤية من زاوية واحدة..
لكن ليس هذا موضوعنا فلن نستطرد..


هل غياب المبدع بسبب تعرضه للإقصاء و التهميش في ظل ثقافة تلهث وراء التسطح الفكري ؟ هل غيابُ المبدع رفضٌ من قبله لواقعٍ ما ؟ هل سلبية المبدع هي موقفه مما يحدث على الصعيد الاجتماعي و السياسي ؟ أم أنه نخبوية فجة تقصي الإنسان عن الفن الذي يفترض أن يكون موجهاً إليه ؟

ربما..
لكن من الذي أقصاه؟
نفسه أم الآخرين.. أم هما معا ؟
أحيانا يقصيه شعوره بالعبث بسبب واقع اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو فكري..
وأحيانا يقصيه كسله فقط..
واحيانا يقصيه تقديره المبالغ فيه لنفسه..
وأحيانا يقصيه عدم فهمه لنفسيات الجماهير من حوله..
وهذا يقود إلى سؤال آخر هنا لم تسأله السائلة الكريمة:
وهل من واجبات المبدع (المثقف) أن يستجيب لرغبات الجماهير حتى ترضى عنه..
وحتى لا توجه له تهمة البرج العاجي السخيفة ؟

ويبقى أن الشعور بالعبث ضعف..
والغربة الشعورية هاجس لا بد منه لأن المبدع بطبيعته مختلف..
واختلافه هو سر توحده وجماله..
واختلافه أيضا هو مأساته وملهاته معا.

هل المثقف سلبي ؟

أحيانا.. لكن قبل أن نجيب لنسأل أنفسنا وما المطلوب من المثقف ليكون إيجابيا في مواجهة المجتمع؟

هو لا يملك إلا وعيه وثقافته وأسلوبه..
المثقفون (المبدعون) لا ينفذون حلولا في الغالب..
لأن الحلول ليست بأيديهم..
هم يطرحون المشكلة..
يكبرونها، يبرزونها في قالب: خطر، محزن، مضحك.. ألخ..
وقد يقدمون حلا..
لكن الجهات التنفيذية ليست المثقف بل هي: المال والسلطة..
وحين تخذل السلطة المثقف..
وحين يفتقد المال ليحل به المشكل الذي يراه، يشعر بالغبن والعبث..
وتقع الفرقة بينه وبين مجتمعه..
ليس لأنه اختار أن يقاطع..
بل لأنه يشعر أن حلوله لا تتجاوز الكلمات..
بعضهم يواصل كلماته وموسيقاه ورؤاه وهؤلاء مصيبون..
وبعضهم تشغله النتائج التي يتوقع خيبتها عن العمل الإبداعي الآني وهؤلاء أخشى أنهم مخطئون.

هل أصبح الأدب بعيداً عن هم الإنسان ، بعيداً عن إدراكه ؟ هل يمكننا أن نقول بأن ثمة قطبية قارسة في المجتمع على الصعيد الثقافي ؟

حين يصبح الأدب بعيدا عن هم الإنسان لا يكون أدبا..
وحين يبتعد الفن عن مدارك الإنسان يصبح دجلا..
ولم أفهم المقصود بالقطبية القارسة على الصعيد الثقافي.

هل يمكننا أن نلوم المجتمع عموماً ، أن ندّعي بأنه ليس ذنب المبدع بأي شكل أن يرفض مواكبة موجة التسطح الرائجة ؟ هل تغيرت الذائقة ؟

موجة التسطح الرائجة..!!
ألا يساهم فيها مثقفون؟..
ثم ما المقياس الذي يقاس به العمق والتسطح ؟
بعض الرائج مفيد..
ولا بد من شيء من التسطح أحيانا..
التغيير هو رسالة المبدع الأهم..
أن يخلق الموقف في ذهن المتلقي..
أن يدفعه إلى حركة إيجابية..

الذائقة لم تتغير..
والإنسان حتى المثقف يفضل ما يفهمه على مالا يفهمه..
والأفضل للمثقف أن يستثمر فيما يفهمه الناس..
عليه أن ينزل لهم ليرتقي بهم..
وتلك هي المعادلة الصعبة.

هل حاول المبدع على أي حال أن ينصت للناس ، أن يقترب منهم ، أن يرتاد الأماكن التي يريدون و أن يكون منهم ؟ هل بذل المبدع أي مجهود لمد جسر ما ؟!

هم يفعلون..
ويصيبون ويخطئون..
وابداع المثقف هو: كتابه، لوحته، موسيقاه، حواره، مقاله.. هي جسوره للناس..
وبعض الجسور أقوى من بعض..
وبعضها اشد تأثيرا من بعض..
وبعضها ثرى وبعضها ثريا..
وفي بعضها ما ينفع الناس وفي كثير منها الزبد.

أشكرك..
.

عبدالواحد اليحيائي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس