الموضوع: أمنية ميّت ..!
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 31-07-2009, 01:19   #1
يعرُب
 

أمنية ميّت ..!




إهداء لـ روح رجل جعلني أعرف الدمع
رحمك الله يا ابا فهد



" عندما مُتَّ اتصل والدك يطلب مني أن أغسلك ، أخبرني أن هذه وصيتك " .. هكذا يقول صديقي .

مضغتُ حيرة الموت وقتها لكن طعمها يختلف عن تلك التي أعرفها في الحياة الدنيا ، مسميات الأشياء في الموت تشابه تلك التي نعيشها على الأرض غير أن ذائقتها تختلف ، قد تحزن على موتك أثناء موتك , وتضحك على حياتك في موتك .


يقول ..
وقد انتشرت بقع حمراء صغيرة في جسدك تكاد أن تغطيه ، لم يخبرني والدك سببها ، كانت ظاهرة لهم في المناطق المكشوفة من جسدك أما أنا فقد رأيت ما تحت ملابسك بعد خلعها منك ، لا أعلم ما فعلت في دنياك ؟
ثق يا صديقي أنها لم تكن آثار خطيئة ، كل ما في الأمر أنه في تلك الليلة انتشر البقّ في فراشي ونال من جسدي العاري قبل أن ينال منه ملك الموت ، حتى أنه لم يترك لي فرصة للتمتع بلذة الحك ، وأنت تعلم أن أحد ملذات هذه الدنيا حكّ الجرب ، لكني لم أحصل على آخرة لذة في حياتي .. هذه هو قدري .


لكن ..
خبّرني هل كنتُ خفيفاً بين يديك ، وهل شعرت بدفء جسدي ؟، كما هو الحال مع يديك وهي تلامس كل جزء منّي ، هل تصدق أني أشعر ببرودة الغرفة وأسمع حديثك مع المرافق لك ، لكني لا أفهم ما تقولون فقط أصوات تصدرونها تلتقطها أذني ، صدمني عندما نظرت لملامح وجهه أنه ليس من أهلي ، بحثت بنظري في أرجاء الغرفة فلم أجد منهم أحد يرافقني بين أخر جدران تحتضنني ، يا تُرى أين ذهبوا ؟ . ربما ينتظرون أن تنتهي حتى يدخلوا ويقبلوا جبيني ، ليتك تحقق لي أمنية ميّت يا صديقي وهي أن تحضر ابنتي معهم ، أريد أن أهمس لها ببعض الكلمات ، لم أجد فرصة من قبل ، كان الوقت ضيقاً وسريعاُ ، لاسيما وأنها البارحة كانت في بيت جدتها ، الوقت عندنا يمشي ببطء شديد ، أشعر بحياتي كلها معك في هذه الغرفة الباردة في كل شيء ، حتى جدرانها بدأت أكرهها ، ليتك تعجل وتخرجني منها .

ليتك مُتَّ من قبل ، حتى تخبرني كيف وجدت الموت ، وقتها استطيع أن أعرف هل موتنا يتشابه ؟ ليت لي فرصة للعودة فترة وجيزة فقط كي أتمكن من كتابة وصية تختلف عن سابقتها ، لو كتبتها لك الآن على قطعة من ذلك القماش الأبيض الموجود على الطاولة ، هل سيصدقون أنها وصيتي ، حتى لو تأكدوا أنها بخط يدي ، لن تجد سوى تهمة بالجنون والشعوذة .

في السماء سمعتهم يتهامسون أن ابن مريم سوف يُغسّلني ، فرحت كثيراً ، أن نبياً سوف يلفّني بالرداء الأبيض ، سردت سيرتي حتى أعرف كرامتي ، غير أني لم أجد سوى ذنوب متراكمة فوق بعضها البعض ، ولم أتوقع أنك تخجل من معرفتنا باسم أمك الحقيقي ، استطعت أن تخدعنا طول تلك السنين باسم " مزنة " لكن السماء فضحت أمرك .


يا ابن مريم ..

أشعر بنبض في قلبي ودماء تتدفق برفق ، تزداد نحو أطرافي التي بدأت أحركها قليلاً ، أنظر لها هل تشاهدها تتحرك ؟ صمتك يقتلني والدماء في عروقي تُحيني ، استطيع الآن أن أتخلص من سجن الجسد الذي بين يديك وأتوجه نحو الباب وأتركك تقتات حيرة الحياة مع جثة لن تفيدك في جواب لسؤالي ... هل تعلم لماذا اخترتك أن تغسلني دون العالمين ؟






التوقيع:
مرحبا ان كان ديني جاهلية



يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس