مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 06-07-2010, 02:29   #1
اللمَىّ
متميـّزة
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ اللمَىّ
 

صباح الموت، يا أمي .

من أجل المسابقة ..


.
.


إلى .. أمي ،، وكل من تعلّق بي ، وأحبنّي كثيراً ذات يوم .

أشعر بأن صباحي هذا مُختلف عن تلك الصباحات ، أشعر بأنني لست أنا ، وكأنني أصبحت امرأة أخرى
مع أنني على سريري الأبيض ، وفي غرفتي البيضاء ، أراقب كل التفاصيل ، وكأنها جديدة عليّ
رغم أنها هذه المرة الثانية بعد المئة ، التي أراقب فيها ، وفي كل صباح أنظر إلى الأشياء بعين أخرى
وكأنني لم أراها بالأمس وقبل الأمس وقبل قبل الأمس !
أتعلمون لماذا ؟
صباح هذا اليوم ، تكللت نجاحات المرض ، ونهش الخليّة الأخيرة ، بعد مصارعة أربعة أشهر
وأنا أبتسم ، أقسم بأنني لا أشعر بالحزن على نفسي ، جلّ مايحزنني ، أمي التي بكت كثيراً من أجلي ،
وصلّت ودعت كثيراً ، كنتُ أواسيها مع أنني أنا الراحلة ، أعلم جيداً بأنني ابنتها الوحيدة ،
التي ما أنجبت قبلها ولا بعدها أحداً ، فأنا بكرها ، تلك التي حلمت بها أيام مراهقتها ، فهي ستحمل بها تسعة أشهر ، ثم سترعاها مثل رعاية جدتي لها ، وأيضاً ستتحاشى أخطاء جدتّي ، من أجل أن أحظى بأفضل رعاية من أم ، تمنتني كثيراً ، وقضت الأيام تفكيراً فيني !

وهاهي الشعرة الأخيرة ، أحتظنها بكلتا يديّ ، تلك التي واجهت كل الصعوبات ، ولكنها لم تستطع التحمل أكثر
هاهي سقطت مثل من سبقنّها ، لقد قاومت الكيماوي بأكثر مما تستطيع ، ولكنّه الأقوى ،
فقد قتلهن جميعاً ، وأصبحت بفضل قوته امرأة فاقدة لكل معاني الأنوثة !
ولكننّي أبتسم أيضاً ، لا أشعر بالأسى أبداً ، ها أنا أرى شعري الطويل والجميل بنعومته ،
ذهب إلى تلك الحورية الساكنة في السماء ، في جنة الله سبحانه وتعالى ، وأصبح أطول وأجمل

أتعلمون؟ ، منذ أن أصبت بالسرطان ، وأنا أشعر بأن ربي أنزل عليّ راحة من السماء
أقسم بأنني لم أشعر بهذه الراحة فيما سبق ، تلك الراحة التي طهرتني ، رفعت الذنوب عنيّ
رحماك يا الله .. كم أنت رحيم ، هوّنت علي مصابي ، فأرجوك هون رحيلي على أمي

أمي الحبيبة ..
كل الحروف من أجلكُ جندتها ، مثلما يجنّد الملوك جنودهم من أجل الدفاع عن وطنهم
ها أنا سأكتب لكِ ، حتى تنتهي الأيام المعدودة التي سأعيش فيها على متن الحياة الدنيا
أرجوك أمي ، لاتحزني إذا فقدتني ، انظري إلى أين سأذهب وابتسمي ، ألا تعلمين بأنني
سأذهب إلى من هو أرحم منكِ عليّ ؟
جوريّتي الحمراء .. إذا مررتي بغرفتي ذات يوم ، وتذكرتني عندما كنت أحكي لكِ ، عن حلاوة الأيام
ومرارتها معي ، ابتسمي ، ها أنا أعيش ولا يوجد أي معنى للمرارة ، فقط الفرح
فربي وربُك ، أكرمني على صبري حيما مرضت ، وإن شاء الله جعلني ممن يدخلون الجنّة بغير حساب
ألم تكوني تدعين ليّ ، بأن أسكن في أعلى مراتب الفردوس ، وأنتِ تشاركينني الفرح العظيم؟
إذا لماذا البكاء ، وإرهاق الروح ، من أجل من رحلت إلى مكانٍ لايعلم أحد عن حلاوتُه .

أمي ال ال ال .. لا أعلم ماذا سألقبك هنا ، لايوجد لقب أشعر بأنه سيرضيني من أجلك ..
ابنتك ذات العشرين عاماً ، هاهي تودع عامها العشرين ، لن تخوض في تفاصيل العشرين
مثل الواحد وعشرين ، واثنين وعشرين ..
هنا اكتفت ، هنا تلذذت بالكثير ، أشعر بأنني أملك خبرة سبعينة ، تعلمت الكثير ، وبدأت تسرد خبراتها
شيءٌ جميل ، هاهم يستمدون مني براءة الروح ، يستشيرونني في أمورهم الحياتيّة
مع أنني لم أتعدى العشرين عاماً ، ولكنّها عشرين عام بالعمر الميلادي ، وسبعين عام بالعمر الروحي
والعمر الروحي يختلف عن العمر الميلادي ، بأشياءً عديدة ، العمر الروحي هو الذي يبيّن
عقلانيّة الشخص وبعد مداه وصحة أفكاره وحياته .

أحبائي الذين عرفتُهم طيلة عشرون عام ..
أرجوكم مع كل صباح ، حينما يردد المؤذن : حي على الفلاح
تذكروا تلك التي كنتم تحبونّها لأنها هي ، لأنها تحبكُم وتراكُم كطيور غردت في سمائها
أرجوكم في كل ليل ، حينما ينام الناس ، وتهدأ الأرواح ، بشهيق تأخذه وزفيرٌ تخرجه
أفيقوا من نومكُم ، أشعروا بأن جنة الله قريبة ، ثم صلوا صلاة الليل وكبروا ،
رددوا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
ثم أسجدوا سجدة طويلة ، أدعوني فيها بظهر الغيب ، أخبروني ماذا فعلتُم منذ أن رحلت !
أخبروني كيف الحياة معكُم ، ولأنني في جنّة الله ، ستصلني الأخبار بإذن الله

إليكُم يامن كنتُم دخوناً رفّه حياتي ، واستنشقتُ فيهم طوال سنيني العشرين تلك الرائحة العميقة
المفعمة بالجمال والفخامة ، أذكروني كلمّا رأيتم امرأة سبعينية تجسّدت فيها الحياة بأشكالها المختلفة !

وأخيراً .. إلى أمي ، لن أختم الحروف الأخيرة إلا بكِ .
أنا مترفة يا أمي ، هل سبق ورأيتِ شخصاً مترفاً بالحزن؟
نعم ، أشعر بالترف ، أشعر بأن الحزن تغلغل إلى نخاع العظم بعد أن كسر حواجز العظم
ولكنني سعيدة رغم حُزني فأنا مؤمنة يا أمي ، علمتني في كل الأحوال أن أكون راضية بجميع مؤن العيش
وها أنا اليوم طبقتُ درسك في الإيمان ، صليتُ صلاة الصبح ، وقضيتُ وقتاً كثيراً بالصلاة
لا أعلم لماذا كان حدسي يخبرني بأنها آخر صلاة ، آخر ماسيكتب في ميزان الأعمال
أتعلمين لماذا أنا حزينة ، وسعيدة في الوقت ذاته ..
حزينة لأنني لن أنام ويدي تحتظن يدكِ ، وسعيدة لأنني سأرتاح بعد عناءٍ طويل .
أدعي لي يا أمي ، فأنا راحلة لحياة البرزخ ، أحتاجُ إليكِ ، فأدعي لي
مع كُل صلاة ، وبين كل آذانٍ وإقامة ، وإذا نزل الله إلى السماء السابعة

( جُزء من النص مفقود )

.
.


وضعتُ نفسي في مكان تلك الطاهرة ، ولكنّها رحلت وبقيتُ أنا !

اللمَىّ ... 5 / يوليو / 2010

يمنع النقل بذكر مصدر أو بدون .


اخر تعديل كان بواسطة » اللمَىّ في يوم » 06-07-2010 عند الساعة » 02:35.
اللمَىّ غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس