من أجل المسابقة .. . . إلى .. أمي ،، وكل من تعلّق بي ، وأحبنّي كثيراً ذات يوم . أشعر بأن صباحي هذا مُختلف عن تلك الصباحات ، أشعر بأنني لست أنا ، وكأنني أصبحت امرأة أخرى مع أنني على سريري الأبيض ، وفي غرفتي البيضاء ، أراقب كل التفاصيل ، وكأنها جديدة عليّ رغم أنها هذه المرة الثانية بعد المئة ، التي أراقب فيها ، وفي كل صباح أنظر إلى الأشياء بعين أخرى وكأنني لم أراها بالأمس وقبل الأمس وقبل قبل الأمس ! أتعلمون لماذا ؟ صباح هذا اليوم ، تكللت نجاحات المرض ، ونهش الخليّة الأخيرة ، بعد مصارعة أربعة أشهر وأنا أبتسم ، أقسم بأنني لا أشعر بالحزن على نفسي ، جلّ مايحزنني ، أمي التي بكت كثيراً من أجلي ، وصلّت ودعت كثيراً ، كنتُ أواسيها مع أنني أنا الراحلة ، أعلم جيداً بأنني ابنتها الوحيدة ، التي ما أنجبت قبلها ولا بعدها أحداً ، فأنا بكرها ، تلك التي حلمت بها أيام مراهقتها ، فهي ستحمل بها تسعة أشهر ، ثم سترعاها مثل رعاية جدتي لها ، وأيضاً ستتحاشى أخطاء جدتّي ، من أجل أن أحظى بأفضل رعاية من أم ، تمنتني كثيراً ، وقضت الأيام تفكيراً فيني ! وهاهي الشعرة الأخيرة ، أحتظنها بكلتا يديّ ، تلك التي واجهت كل الصعوبات ، ولكنها لم تستطع التحمل أكثر هاهي سقطت مثل من سبقنّها ، لقد قاومت الكيماوي بأكثر مما تستطيع ، ولكنّه الأقوى ، فقد قتلهن جميعاً ، وأصبحت بفضل قوته امرأة فاقدة لكل معاني الأنوثة ! ولكننّي أبتسم أيضاً ، لا أشعر بالأسى أبداً ، ها أنا أرى شعري الطويل والجميل بنعومته ، ذهب إلى تلك الحورية الساكنة في السماء ، في جنة الله سبحانه وتعالى ، وأصبح أطول وأجمل أتعلمون؟ ، منذ أن أصبت بالسرطان ، وأنا أشعر بأن ربي أنزل عليّ راحة من السماء أقسم بأنني لم أشعر بهذه الراحة فيما سبق ، تلك الراحة التي طهرتني ، رفعت الذنوب عنيّ رحماك يا الله .. كم أنت رحيم ، هوّنت علي مصابي ، فأرجوك هون رحيلي على أمي أمي الحبيبة .. كل الحروف من أجلكُ جندتها ، مثلما يجنّد الملوك جنودهم من أجل الدفاع عن وطنهم ها أنا سأكتب لكِ ، حتى تنتهي الأيام المعدودة التي سأعيش فيها على متن الحياة الدنيا أرجوك أمي ، لاتحزني إذا فقدتني ، انظري إلى أين سأذهب وابتسمي ، ألا تعلمين بأنني سأذهب إلى من هو أرحم منكِ عليّ ؟ جوريّتي الحمراء .. إذا مررتي بغرفتي ذات يوم ، وتذكرتني عندما كنت أحكي لكِ ، عن حلاوة الأيام ومرارتها معي ، ابتسمي ، ها أنا أعيش ولا يوجد أي معنى للمرارة ، فقط الفرح فربي وربُك ، أكرمني على صبري حيما مرضت ، وإن شاء الله جعلني ممن يدخلون الجنّة بغير حساب ألم تكوني تدعين ليّ ، بأن أسكن في أعلى مراتب الفردوس ، وأنتِ تشاركينني الفرح العظيم؟ إذا لماذا البكاء ، وإرهاق الروح ، من أجل من رحلت إلى مكانٍ لايعلم أحد عن حلاوتُه . أمي ال ال ال .. لا أعلم ماذا سألقبك هنا ، لايوجد لقب أشعر بأنه سيرضيني من أجلك .. ابنتك ذات العشرين عاماً ، هاهي تودع عامها العشرين ، لن تخوض في تفاصيل العشرين مثل الواحد وعشرين ، واثنين وعشرين .. هنا اكتفت ، هنا تلذذت بالكثير ، أشعر بأنني أملك خبرة سبعينة ، تعلمت الكثير ، وبدأت تسرد خبراتها شيءٌ جميل ، هاهم يستمدون مني براءة الروح ، يستشيرونني في أمورهم الحياتيّة مع أنني لم أتعدى العشرين عاماً ، ولكنّها عشرين عام بالعمر الميلادي ، وسبعين عام بالعمر الروحي والعمر الروحي يختلف عن العمر الميلادي ، بأشياءً عديدة ، العمر الروحي هو الذي يبيّن عقلانيّة الشخص وبعد مداه وصحة أفكاره وحياته . أحبائي الذين عرفتُهم طيلة عشرون عام .. أرجوكم مع كل صباح ، حينما يردد المؤذن : حي على الفلاح تذكروا تلك التي كنتم تحبونّها لأنها هي ، لأنها تحبكُم وتراكُم كطيور غردت في سمائها أرجوكم في كل ليل ، حينما ينام الناس ، وتهدأ الأرواح ، بشهيق تأخذه وزفيرٌ تخرجه أفيقوا من نومكُم ، أشعروا بأن جنة الله قريبة ، ثم صلوا صلاة الليل وكبروا ، رددوا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم أسجدوا سجدة طويلة ، أدعوني فيها بظهر الغيب ، أخبروني ماذا فعلتُم منذ أن رحلت ! أخبروني كيف الحياة معكُم ، ولأنني في جنّة الله ، ستصلني الأخبار بإذن الله إليكُم يامن كنتُم دخوناً رفّه حياتي ، واستنشقتُ فيهم طوال سنيني العشرين تلك الرائحة العميقة المفعمة بالجمال والفخامة ، أذكروني كلمّا رأيتم امرأة سبعينية تجسّدت فيها الحياة بأشكالها المختلفة ! وأخيراً .. إلى أمي ، لن أختم الحروف الأخيرة إلا بكِ . أنا مترفة يا أمي ، هل سبق ورأيتِ شخصاً مترفاً بالحزن؟ نعم ، أشعر بالترف ، أشعر بأن الحزن تغلغل إلى نخاع العظم بعد أن كسر حواجز العظم ولكنني سعيدة رغم حُزني فأنا مؤمنة يا أمي ، علمتني في كل الأحوال أن أكون راضية بجميع مؤن العيش وها أنا اليوم طبقتُ درسك في الإيمان ، صليتُ صلاة الصبح ، وقضيتُ وقتاً كثيراً بالصلاة لا أعلم لماذا كان حدسي يخبرني بأنها آخر صلاة ، آخر ماسيكتب في ميزان الأعمال أتعلمين لماذا أنا حزينة ، وسعيدة في الوقت ذاته .. حزينة لأنني لن أنام ويدي تحتظن يدكِ ، وسعيدة لأنني سأرتاح بعد عناءٍ طويل . أدعي لي يا أمي ، فأنا راحلة لحياة البرزخ ، أحتاجُ إليكِ ، فأدعي لي مع كُل صلاة ، وبين كل آذانٍ وإقامة ، وإذا نزل الله إلى السماء السابعة ( جُزء من النص مفقود ) . . وضعتُ نفسي في مكان تلك الطاهرة ، ولكنّها رحلت وبقيتُ أنا ! اللمَىّ ... 5 / يوليو / 2010 يمنع النقل بذكر مصدر أو بدون .