الموضوع: خارطة الطريق!
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 22-05-2010, 21:28   #8
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : خارطة الطريق!


.

الشاة المعلّقة

مربي أثناء مطالعة كتاب البيان والتبيين في جزئه الأول, مانقله الجاحظ عن وكيع بن سلمة الإيادي الذي ولي أمر البيت بعد جرهم وبنى صرحًا بأسفل مكة وجعل في الصرح سلمًا يرقاه كي يناجي ربه وينطق بالكثير من الأمثال والحكم, التي كان من أشهرها تدوينًا وبقاءً: كلّ شاةٍ برجلها معلقة.
هذا المثل أيقظ في داخلي مولاً شجيًا كأنه صوت شاعر المحاورة حين يكرر في آخر أشواط الفتل والنقض جملته الشهيرة: والنتيجة كل شاة معلقة بكراعها! وما أعنيه تحديدًا من هذا اللحن هو ما يستقر في فكرة الأمثال والحكم التي تحولت ـ مع عوامل التعرية الطبيعية ـ إلى أبيات شعرٍ تسير بها الذائقة (المتحولة) من جيلٍ إلى جيل, حتى وإن غلب عليها طابع الرّصف الذي لا فضل فيه إلا الوزن والقافية.
هذه الفكرة ـ برمّتها ـ امتهنها الكثير من الشعراء والأدباء والمفكرين, لغايات مختلفة متباينة كالنصح العام والتوجيه أو حيازة قصب السبق في ابتكار معنًى جديدًا دوّر أو نقل ـ أساًسًا ـ من مثلٍ مغمور لم ينل حظ الانتشار والشهرة. يقول الفيلسوف الكبير ابن سينا:
أسيرك سرّك إن صنته
وأنت أسيرٌ له إن ظهر

وقد أُخذ هذا القول من المثل الدائر دوران الأفلاك في عليائها: سرّك أسيرك فإن نطقت به فأنت أسيره! أيضًا ومن أقوال العرب الشائعة الشهيرة: أحذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة. وقد أدار هذا المعنى الكثير من الشعراء القدماء والمعاصرين, يهمني منهم ـ من باب لذاذة الإمتاع في التنوع ـ شاعر الوطن الكبير خلف بن هذال, إذ يقول:
احذر عدوك دبّة العمر مرة
واخذ الحذر من صاحبك عشر مرات!

وأُثر عن السلف قولهم: لو كان للذنوب روائح لما جالسنا أحد. وهذا الأثر صاغه الشاعر النجفيّ الكبير أحمد الصافي, بقوله:
لو يلبس الناس ما تخفي سرائرهم
غطّت على الكل أدناس وأرجاس

ومما لا شك فيه أن المخيلة الشعبية تعرف أكثر من ذلك, بيد أن التكرار الذي يتم تحويره بالأمثال والحكم الدارجة (قديمًا وحديثًا) يشبه تمامًا إعادة الأبيات الشعرية ذات الفكرة الواحدة والمضمون الواحد, حيث لا فضل إلا الوزن والقافية!


.

التوقيع:
ما أشدَّ فِطام الكبير!
مالك بن دينار


:
:
الموقع الشخصيّ

.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس