مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 19-09-2008, 04:40   #1
ماجد سليمان
شــاعر
 

00 صداعُ معاليه 00

صُداعُ معاليه..

تَزَاحَمَ الممرضين أمام باب سيارة الإسعاف الخلفي، والأجهزة الطبيَّة تُحيط بالمريض كشبكة العنكبوت، واضطرابٌ كبيرٌ ينتشر في قسم الطوارئ المنكوب بنقص الكوادر، والمتطلبات الخاصة.

شابٌ صدمته سيارة أحد أبناء كبار المجتمع بسرعة مُخيفة فَولَّى سائقها هارباً.

في الجهة المقابلة، اتصالاتٌ هاتفية أفقدت الأجهزة الهاتفية صوابها، وأربكت مسيرة إنقاذ المريض الحَرج، رَفَعَ أحد الممرضين أقرب السماعات الصدئة قائلاً:
- نعم.
أتاه الصوت المزعج:
- شَرَّعوا جميع أبواب المستشفى، وأفرغوا أفضل الأقسام، وأهدئها.
صادمه الممرض:
- من أنت؟.
فارتفع صوت المتصل:
- لا تطل الكلام يا صبي، سيارة معاليه تقترب من البوابة الرئيسية للمستشفى،استعجلوا.
أردف الممرض على كلام المتصل:
- ولكن هناك مريض أدخلناه للتو!.
فصاح به المتصل:
- لا تلقي بنفسك للتهلكة يا أحمق، السيارة تقل معاليه .

ثم أغلق الخط بوجه الممرض الذي حاصره الأمر بواقعه المرير.

وحين أُدخل المريضُ غرفة الطوارئ، ما هي إلا ثواني حتى توقفت سيارة من الموديلات الفخمة، وأنزلوا من مقعدها الخلفي كَهْلاً حليقاً تكسو الذنوب هامته العريضة، وأتى صوت مدير عام المستشفى من آخر الممر المؤدي إلى غرفة الطوارئ:
- أخلوا الغرفة.. أخلوا الغرفة.

فارتجف الممرضون، ودفعوا بالسرير المتحرك الملقى على صفيحته ذلك الشاب الذي اختلفت عظامه من شدة الصدمة إلى جانب الممر خارج غرفة الطوارئ ليدخل معاليه.

تجمهر جميع الأطباء لمسابقة الوقت الهارب، واستنفار يجوب ممرات المستشفى، وتعميمٌ عاجلٌ يصدر من الإدارة العامة بالمستشفى بسرعة تواجد جميع الممرضين والممرضات حول غرفة معاليه، بينما هناك شابٌ تتصاعد صرخاته من وقع الألم عليه.

قال مدير عام المستشفى مخاطباً الوزير:
- لا بأس عليكم، طهورٌ إن شاء الله.
فرمقه ذاك الكهل:
- هناك صداعٌ قد وَثَبَ على دماغي من صباح هذا اليوم، فرأيت أنه لا بد من الذهاب إليكم .

فانهال الأطباء يأخذون بكل عضوٍ هزيلٍ في هذا الهَرِم، فتأكد أنه يعاني من صداع متوسط الدرجة، فمدَّ له أحدهم قصديرة يتقافز اللمعان من أطرافها:
- هذه ستساعدك إن شاء الله.

ابتلعها العجوز، فهمَّ بالوقوف، فصار الكل عصاه المساندة حتى أوصلوه إلى سيارته الفارهة، مودعينه بباقات الورد الطبيعي، بينما ما زال الشابٌ مُلقى في قارعة طريق المارين داخل المستشفى، تتصاعد أنفاسه الحزينة متعلقةً في سقف المكان.
وفي إحدى مراكز شرطة المدينة، يخرج السائق الجاني ببراءته من تهمة الهروب من حادث الدهس الذي حصل في أول الأمر، لا لدليل دامغَ على براءته، بل لأنه ابن معاليه.

ماجد سليمان

التوقيع: وَفِي الأرضِ مَنأىً للكَريمِ عَن الأذَى
..................وَفِيـهَا لِمَنْ خَافَ القِــلَى مُتَعـزَّلُ‏
..............................................الشَـنفَرَى
ماجد سليمان غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس