أضغاث مدينة ..!
.
.
.
.
بجوار أستاد الملك فهد الدولي.. هناك حيث يتكاثر المكان بالخيال، ويتفاعل الحلم مع سعة البشر وتوافد الجماهير وازدحام الدوّارات، كنت أسأل صديقي. الساخر دائماً من فوضي المادة في شوارع المدينة - عن حي المبدعين في عاصمة المال والثقافة، قال لعل أفلاطون أدركه قبلنا..!
قلت له: وكيف لا يكون هنا في فراغاتها المزدحمة بالانتظار.. هنا حيث تُنشأ فلل سكنية مثقفة ثم تؤجر على مثقفي المدينة بأجور رمزية، يقيمون فيها مسرحاً كبيراً للاحتفالات والمظاهر الثقافية، وبمقاه الكترونية تتمدد عبر أرصفة الحي الأنيقة، تفوح منها رائحة القهوة والقصائد وحوارات الأجيال، أو هناك آخر الغد، فينشئون مسجداً كبيراً يتسع للجميع، وداراً للسينما، ومنابر للرواة، وقناة تلفزيونية للحي، وصحيفة لاتلف بها الخضار المبللة في المحلات المتناثرة في شوارع المدينة، حي بسوق مركزي واحد، بلا إشارات حمراء، ولا أزقة مشبوهة، ولا كتابات على الجدران...
كنت منحازاً لأضغاث المدينة في صدري حتى قاطعتني ضحكة طويلة من صديقي قائلاً: يا صاحب الظل الطويل تتحدث بمشيئتك.. بشاعريتك.. بهمك وحدك والمدينة مشغولة بذاتها، مزدحمة بشؤونها الخاصة، بالمخابز الآلية، بأرصفة التسول وبعمالة التنمية، وبسوق الأسهم..!
قلت له برغم كل هذا.. نحن في بلد ينحاز حكامه للتنوير منذ فجره الأول، وليس على قطاعاتها الخاصة إلا الانحياز لمشيئة حكامها ورؤاهم التنويرية في المجتمع، عليهم أن يقوموا برعاية الثقافة والإبداع كما قام كثير منهم برعاية الرياضة، فشركة الاتصالات السعودية على سبيل المثال بلغت استثماراتها ورعايتها لعدد من الأندية الرياضية السعودية ما يقارب العشرة مليارات ريال سعودي لخمس سنوات قادمة، وفي دخولها مجالات الاستثمارات الثقافية ترويج مزدوج، لا سيما وهي شركة مختصة بالاستثمار الإعلاني والترويجي وتحقق نجاحات مذهلة ومكتسبات مادية واضحة، وبمقدورها الارتقاء بعطائها من جهة، وإدخال الجوانب الثقافية ضمن منظومتها الاستثمارية، وفي هذا توفيق تاريخي بين المال والثقافة، وما أشرت لشركة الاتصالات إلا كنموذج حي لشركة تساهم أو تجتهد في المساهمة الوطنية ثم إنه مشروع استثماري حضاري، وإعلاني، حين يشكل مثل هذا الحي مثلاً معلماً ستختص به الرياض ليكون ضمن منظومة اختصاصاتها التي جعلت منها المدينة الأنثى التي لايتزوجها مقيم ولا يطلقها عابر...!
الرياض يا صديقي مدينة الشروق وعليها أن تهب جسدها الشمس، وليلها الضوء وأهلها وثيقة المدينة الفاضلة.. فالمسكوت عنه فيها وإن كثر، أقل من فضائح المدن البعيدة في كتب التاريخ والوقائع، عليها أن تكون ذاتها، وأن تشيع قدراتها.. وأن تختط لها حياً لا يفوح إلا بخزامى الثقافة..!
.
.
.
.
حين يطيل الموت في غفوته ..
غدًا يوم آخر ..!
.
.
.
http://www.alriyadh.com/2009/05/21/article431308.html
|