مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 30-11-2005, 20:26   #1
إبراهيم الوافي
وريث الرمل / شــاعــر وأديب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ إبراهيم الوافي
 

قراءة في نص للشاعر سالم بن جلعان

النص :
صلي لحالش وانا بصلي لحالي / للشاعر سالم بن جلعان

يا بنت ليجيت اصلي مـا لـش ومالـي
............................... لا اجيب لـي عيـد لا بعـده ولا قبلـه
صلي لحالـش وانـا باصلـي لحالـي
............................... اخاف قلبي هدب عينـش يوجِّـب لـه
واضيِّـع اللـي نويتـه بـاول وتالـي
............................... وتصير عيني الامـام وعينـش القبلـه
وش عاد تنفع صلاتـي وانتـي قبالـي
............................... لا قلت بـدل الله اكبـر حـي ذا القبلـه
واعيد فرضي عشر مرات لـو جالـي
............................... وفي كل مره هدب عينش يعرقـب لـه
اللي لقتـل الشجـاع يسيـر مختالـي
............................... وان قيل له كم بتاخذ ؟ قال وش هبله !!
ما انلام لو قيل جـن وصابـه هبالـي
............................... وانتي جميع الخلايـق فيـش منهبلـه
تدرين وانتـي بعيـده / كنـش ظلالـي
............................... طيف ش يدورج وعيني بس ترقـب لـه
ان قلت بنساش واعقد دونـش حبالـي
............................... أقبل وقطـع حبالـي ثـم عقـد حبلـه
كنه حلف ويـن مـا الـد يتهيـا لـي
............................... و لا حلف قال طرفك والله لانشـب لـه
اجلس مع الناس لكـن دالـه ٍ سالـي
............................... و لي عين كنها على السلهـام منجبلـه
وجيه تمـلا المكـان وناظـري خالـي
............................... وان سولفوا تحلف ان اذني بـلا طبلـه
الا لما جابوا اسمـش لحـت بعقالـي
............................... وفزيت فـز بـدوي ْ لسارقيـن إبلـه
وليشفت نظراتهم تبحث خفـى احوالـي
............................... وكنها مـن الشـك والتنغيـز معتبلـه
سويت كنـي ازبـط وضـع دسمالـي
............................... وان قالوا اشفيك قمت الـف واستبلـه


أجمل النصوص ..نص يفاجئكَ .. يداهمكَ .. فيذوب في شفتيكَ كقطعة شوكولاة .. هذا النص للشاعر ( الأصيل ) سالم بن جلعان .. أثارني أولا بخصوصته ( المحكية ) من خلال ( الشين الياميّة ) العذبة جدا على لسان أهلها .. وانتهى بي باستدراجي .. أو استدراجه لنكون هنا على هذه الصفحة معا ..
أجمل مافي هذا النص هو قدرته الفائقة على ( احتكار اللحظة الشعرية ) وتوسيع دائرتها بمهارة شاعر عفويُّ المزاج .. تراثي المعرفة بالفطرة ..
ولعلَّ أول مانقف به أو أول ما يغربل الذاكرة فينا هو قوله :

يا بنت ليجيت اصلي مـا لـش ومالـي
.........................................لا اجيب لـي عيـد لا بعـده ولا قبلـه
صلي لحالـش وانـا باصلـي لحالـي
.........................................اخاف قلبي هدب عينـش يوجِّـب لـه
واضيِّـع اللـي نويتـه بـاول وتالـي
...........................................وتصير عيني الامـام وعينـش القبلـه
وش عاد تنفع صلاتـي وانتـي قبالـي
..............................................لا قلت بـدل الله اكبـر حـي ذا القبلـه
واعيد فرضي عشر مرات لـو جالـي
.............................................وفي كل مره هدب عينش يعرقـب لـه


خمسة أبياتٍ متتالية جاءت ربما بعفويَّة شاعر كنتاجٍ .. أو تلخيص موضوعي ومنطقي لحالة شعرية طُرِقت كثيرا ومن جوانب متعدّدة ، جمعها شاعرنا هنا ( حقيقة ) لتبدو أكثر مصداقية ، وأقرب تصديقا .. وأعني بها حالة ( الهاجس بالحبيبة ) أثناء الصلاة ..
بدأ الخوض في هذه الحالة بــ..ـجدِّ العشاق جميعهم .. ( قيس بن الملوَّح .. أو قيس ليلى كما يعرفه الجميع بها ) حين قال :

فوالله ما أدري إذا ماذكرتها
أثنتين صلَّيتُ الضحى أم ثمانيا

ثم جاءت بالسامريِّ الشهير الذي شدا به الفنان محمد عبده ( ماهقيت إن البراقع يفتنني ) .. والذي جاء فيه :
( ماتركني هاجسي لو بالصلاة )
والحقيقة أن تكثيف الحالة في قصيدة الشاعر بن جلعان مع ( تقريبها أكثر للمكن ) من خلال الطابع السردي واستغلال عملية التواشج اللغوي بين مفردتي ( القبلة والقبلة ) بكسر القاف وفتحها جعلها ذات مشهد سردي حكاياتي مدهش .. وبأبعاد منطقية أخذت من الشعر عذوبته ومن الحدث سهولة تحققه ، وعدم الاكتفاء بظاهرة المبالغة الشعرية ، وفي هذا منهج ذكي بطابع عفوي من الشعر جاء بالعاطفة هنا بوجهٍ أكثر مصداقية وجعلت من الحدث الشعري ذاته أقرب تحققا ..
هذا من حيث الفكرة العامة التي حملها عنوان النص وجسّدتها بوضوح الأبيات الخمسة الأولى منها .. على أن في الأبيات الخمسة ذاتها تضمين شفيف وعذب لقوالب لغوية متعارفة .. قد يبدو للبعض منا عدم صلاحيتها للشعر .. إلا حينما يستخدمها شاعر بقدرات هذا الجلعان المبدع أكثرها وضوحا ماجاء في البيت الأول (لا اجيب لـي عيـد ) وهو تعبير عفوي قد يصعب كثيرا استخدامه شعريا إن لم يوضع في المكان الخاص به وبمهارة شعرية فائقة كالتي جاء بها هذا الصديق الشجي ...
النص بكل مافيه .. شهي .. ومحرُّض جدا للكتابة القرائية .. والمعاودة ..فما أن تنتقل لبيتٍ جديد إلا وتعود لماقبله ..اكتشافا لسمة جمالية لم تستوفها القراءة الأولى .. ويبدو لي بصدق أنه من النماذج الثرية جدا جدا على مستوى الشعر المحكي من حيث انتساب الشعر للحكي وانتساب الحكي ذاته للمكان أو المجتمع الخاص به .. ولعل هذا بصدق أحد الدوافع المهمة لبعث هذا النص من جديد والتهويم في مداراته الكثيفة ...
النص بكل مافيه يكشف أبعادًا جمالية متعددة .. منها تشريح اللغة من خلال المفردة الواحدة ثم توزيعها بين الصدر والعجز كما في قوله :

انلام لو قيل جـن وصابـه ( هبالـي )
............................................وانتي جميع الخلايـق فيـش ( منهبلـه )
فتوسيع دائرة المعنى من خلال السياق وبمفردة ذات اشتقاق واحد استغلال ذكي جدا للدلالة الخاصة للمفردة لابذاتها فحسب بل من خلال السياق التركيبي .. فإذا كان الــ ( هبال ) في صدر البيت بأبعاد حقيقية .. فإنَّ ( منهبلة ) في عجز البيت جاءت بأبعاد مجازية .. فنحنُ في لغتنا الدارجة نعبر عن إعجابنا الكبير بالشيء بقولنا ( يهبِّل ) بصورة شائعة جدا لكننا حتما لانستخدم كلمة ( هبال ) للتعبير عن الإعجاب إلا في حدود ضيقة جدا وتبعا لمساق لغوي معبر .. لايمثله صدر البيت هنا .. وهذا ما عنيته بمقولة تشريح المفردة وتوسيع دائرة المعنى تبعًا للسياق اللغوي ..
وفي النص جوانب إبداعية متعددة بالفعل لعل أهمها انعكاس الأفق البيئي فيه من خلال التشبيهات التقريبية من مثل قوله :
الا لما جابوا اسمـش لحـت بعقالـي
.............................................وفزيت فـز بـدوي ْ لسارقيـن إبلـه


وأخيرا .. سعدتُ كثيرا بهذه السياحة القرائية الخاصة في نص أكثر مايدهشنا فيه خصوصيته المتكاملة .. وعفويته ( الذكية ) ، وأعترف أن هناك ملامح جمالية كثيرة أخرى ..لم تتعرض لها هذه القراءة .. ربما لشيوعها عند شعراء آخرين وعدم اختصاص هذا النص بها من ناحية ، وربما لعدم الرغبة في الإطالة المملة هنا ..
سعيدٌ جدا بمزاملة شاعر بهي كـ سالم بن جلعان ... وممتنٌ كثيرا لموقع يجمعني بمبدعين من أمثاله ..

مودتي وتقديري للجميع


التوقيع:


أنا لم أصفعِ الهواء..
كنتُ أصفّقُ فقط ..!
https://twitter.com/#!/ialwafi



إبراهيم الوافي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس