مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 18-10-2003, 23:37   #62
الجازي
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ الجازي
 

ومن رسائل جبران ..

ياصديقتي مي

لم يكن سكوتي في الآونه الأخيره سوى سكوت الحيره والالتباس ولقد جلست مرات بين حيرتي والتباسي في هذا الوادي لأحدثك وأعاتبك ولكنني لم اجد مااقوله يامي لأنني كنت اشعر بانك لم تتركي سبيلاً للكلام , ولأنني احسست بأنك تريدين قطع تلك الاسلاك الخفيه التي تغزها وتمدّها بين فكره وفكره وروح وروح ,

جلست مرات عديده في هذه الغرفه تخيلت ونظرت طويلاً الى وجهك ولكني لم اتلفظ بكلمه , اما انتِ فكنت تحدقين بي وتهزين رأسك وتبتسمين ابتسامه من يجد لذة في تلبّك وتشويش جليسه .

وماذا اقول لكش الآن ورسالتك العذبه امامي ؟ ان هذه الرساله ا لعلّويه قد حولّت حيرتي الى خجل , انا مخجول من سكوتي , وخجول من ألمي ,ومخجول من الكبرياء التي جعلتني اضع اصابعي على شفتي وأصمت . كنت بالأمس احسبك المذنبه اما اليوم وقد رأيت حلمك وعطفك يتعانقان كملا كين فقد صرت احسب نفسي المذنب .

ولكن اسمعي ياصديقتي سأخبرك عن اسباب سكوتي وألمي ..

حياتي حياتان , حياة اصرفها بالعمل والبحث ومخالطة الناس ومصارعة الناس وأستقصاء الّسر الخفي في اعماق الناس ,وحياة اخرى أصرفها في مكان قصيّ هادىء مهيب مسحور لايحده مكان ولا زمان , ففي العام الغابر كنت إن بلغت ذلك المكان البعيد ألتفت فأرى روحاً ثانيه جالسه بجانب روحي تبادلها ماهو أدق من الأفكار وتشاركها بما هو اعمق من العواطف , فعوزت هذا الأمر في البدايه الى أوليات بسيطه اعتياديه .إلى أن تقرّر لدي ان هناك سرّاً أبعد من الأوليات وأدق من الأعتياديات أشعر بيد شبيهه بالضباب تلامس وجهي , واحياناً صوتاً دقيقاً ناعماً كلهاث الطفل متموجاً في أذني .

يقول بعض الناس انني من الخياليين وأنا لاأعرف ماذا يعنون بهذه الكلمه ولكنني أعرف انني لست بخيالي الى درجة الكذب على نفسي . ولو حاولت الكذب على نفسي فنفسي لاتصدقني , الناس يامي لاترى في الحياة الا مابها , ولا تؤمن الا بأختباراتها الخصوصيه , وأذا ماأختبرت أمراً صار غصناً في شجرتها .

القنوط يامي عاطفه خرساء , لذلك كنت اجلس أمامك في الشهور الأخيره وأنظر طويلاً الى وجهك في الصوره بدون أن أنبت ببنت شفه .

في قلب كل شتاء ربيع يختلج , ووراء نقاب كل ليل صباح يبتسم , وها قد تحوّل قنوطي الى شكل من الأمل .

ماأبهى ياميّ ذلك النور الذي يتكلم في اعماقنا , ماأبهى ذلك النور ياميّ !

ماذا اقول عن رجل اوقفه الله بين امرأتين , امرأه تحوك من احلامه اليقظه وأمرأه تحوك من يقظته الأحلام ..

أخبريني ياميّ هل في هذا العالم كثيرون يفهمون لغة نفسك ؟ كم ياتُرىلقيتِ من يسمعك وأنتِ ساكته , ويفهمك وانتِ ساكته .؟

تقولين لي " أنت فنّي و أنت شاعر ويجب عليك أنت تكون سعيداً مقتنعاً لنك فنّي وشاعر "

انا ضباب ياميّ , يغمر الأشياء ولكن لايتحد معها , أنا ضباب لم ينعقد قطرا . في الضباب وحدتي وفيه وحشتي وانفرادي وفيه جوعي وعطشي ,ومصيبتي ان هذا الضباب وهوحقيقتي , يشوق الى لقاء ضباب آخر في الفضاء

أنتِ تريدين أن أبتسم و " أعفو "

لقد ابتسمت كثيراً منذا هذا الصباح وقد ابتسمت كثيراً في أعماقي , وأبتسم وكأنني لم أخلق الاّ للأبتسام . أما " العفو " فكلمه هائله فتاكه جارحه أوقفتني مخجولاً متهيباً امام الروح النبيله التي تتواضع الى هذا الحد , وجعلني أحني رأسي طالباً منه العفو , أنا وحدي المسيء , قد أسأت في سكوتي وفي قنوطي لذلك استعطفك ان تغتفري مافرط مني وتسامحيني .

الآن عليّ أن أجيب عن كل سؤا من سؤالاتك اللذيذه , عليّ ان لاانسى شيئاً .

اولاً ( كيف أنا ) لم أفكر في الآونه الأخيره بكيفية أنا , بيد انني أرجح انني في حالة حسنه برغم حياتي المختلفه بالصوره والحجم .
( ماذا اكتب ) اكتب سطراً أو سطرين بين كل مساء وصباح لأنني في الوقت الحاضر مهموكاً برسوم زيتيه كبيره علّي أتمامها قبل نهاية هذا الشتاء .
( هل اشتغل كثيراً ) شغلي ياميّ الحقيقي ليس بالكتابه او التصوير , بل في اعماقي ياميّ , حركه لاعلاقه لها بالكلام ولا بالخطوط والألوان ,فالعمل الذي ولدت له لايتناول الريشه والقلم .

قد أجبت على جميع سؤالاتك ولم أنس شيئاً , وقد بلغت الحد من هذه الصفحه قبل ان اقول كلمة مما أردت قوله ..

لم ينعقد ضبابي قطراً ياميّ وتلك السكينه المجنحه المضطربه لم تتحول إلى الفاظ , ولكن هل ّ ملأت يدك من هذا الضباب ؟ هل أغمضت عينيك وسمعت السكينه متكلمه ؟ وهل مررت بوادي حيث الوحشه تسير كالقطعان وترفرف كأسراب للطيور وتتراكض كالسواقي وتتعالى كأشجار السنديان ؟ هل مررت ثانيه ياميّ ؟

الله يحفظك ويحرسك
جبران


اخر تعديل كان بواسطة » الجازي في يوم » 19-10-2003 عند الساعة » 00:40.
الجازي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس