مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 17-09-2005, 10:21   #7
عبدالواحد اليحيائي
كــاتـب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ عبدالواحد اليحيائي
 

رد : مع شعراء الفصحى..

.
.
مثّل الشاعر عمر بن أبى ربيعه المخزومي القرشي ظاهرة أدبية في زمنه وبعد زمنه، قال عنه جرير بعد أن سمع شيئا من شعره: مازال هذا القرشي يهذي حتى قال شعرا..!!، ظاهرة يمكن أن نسميها بتعابيرنا الحديثة: النرجسية، ظاهرت اصابته وأبا نواس من القدماء وألمت بعض الإلمام بنزار من المعاصرين رحمهم الله جميعا.

كان ابن ابي ربيعة اقرب الى المرأة بتكوينه الجسدي والنفسي وإليكم هذه الملاحظات العامة:

- وصفه أحد أبناء عمومته فقال عنه أنه (قد فرعهم – أي بني عمه – طولا، وجهرهم جمالا، وبهرهم شارة وعارضة وبيانا) وهي صفات تبين لنا أن ملامحه الجسدية كانت أقرب إلى الانوثة الناعمة منها الى الرجولة الجافية، فهو رجل شغل نفسه ليبهر بني عمه بلبسه وشارته وجماله، وليجمع حوله أكبر قدر ممكن من المعجبات بهيئته، ولا شك أن التعطر والتزين والاهتمام المبالغ فيه بالزي والشارة وإبراز الجمال من دلائل النرجسية.

- وكان يكثر في شعره الكلام باسم المرأة وتمثل مشاعرها في المواقف المختلفة، وكان مجيدا في وصف هذه المشاعر لقرب أحاسيسه من أحاسيس النساء، ومن ذلك وصفه لشعور امرأة أبلغت بزواج من تحب فقال يصف شعورها بلسانها:

ما لقلبي كأنه ليس مني=وعظامي أخال فيهن فترا
من حديث نمى إلي فضيع=خلت في القلب من تلظيه جمرا


- والولع بالمصطلحات والكلمات النسائية، وكثرة ترددها في شعر ابن أبي ربيعه واضح، ومن ذلك قوله على لسان إحدى المعجبات به بزعمه:

قومي تصدي له ليبصرنا=ثم اغمزيه يا أخت في خفري
قالت لها قد غمزته فأبى =ثم اسبطرت تمشي على أثري


- وعشق الذات من علامات النرجسية التي امتلأ بها ديوانه، فلنسمعه وهو يقول بنرجسية واضحة:

وأنها حلفت بالله جاهدة=وما أهل له الحجاج واعتمروا
ما وافق النفس شيء تسر به =وأعجب العين إلا فوقه (عمرُ)
…………………يقصد نفسه.

- والشعور الدائم الخدّاع بإعجاب الآخرين خصلة نرجسية اخرى نستشفها من مثل قوله:

قُلتُ من هذا؟!! فقالت بعض من=فتن الله بكم فيمن فتن
…………….فهو الفاتن وليست المحبوبة…

- وضعف القدرة على كتمان المشاعر الإنسانية المختلفة وسرعة التصريح بها بلسان الحال أو المقال خصلة عمرية أخرى عبر عنها بقوله:

بنفسي من شفني حبه=ومن حبه باطن ظاهر
ومن لست أصبر عن ذكره=ولا هو عن ذكرنا صابر
ومن إن ذكرنا جرى دمعه=ودمعي لذكري له مائر
ومن أعرف الود في وجهه=ويعرف ودي له الناظر

- وله أبيات جميلة منثورة في ديوانه، كمثل قوله يصف اقصى صور الحب ويلاحظ التأنث في التعبير:

حبكم يا آل ليلى قاتلي=ظهر الحب بجسمي وبَطَنْ
ليس حب فوق ما احببتكم=غير أن أقتل نفسي أو أجَنْ

أو قوله يصف المشتاق القديم:

وذو الشوق القديم وإن تعزى=مشوق حين يلقى العاشقينا
.
.
ويقول أخيرا:

بينما يذكرنني أبصرنني=دون قيد الميل يعدو بي الأغر
قالت الكبرى أتعرفن الفتى=قالت الوسطى: نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمتها=قد عرفناه وهل يخفى القمر

في قوله: نعم هذا عمر، وفي قولها: قد عرفناه وهل يخفى القمر؟!! فلسفة حياته كلها...هو عمر مشغول بعمر...

ويبقى أن جودة الشعر حكما على الشاعرية لا تقاس بالبيت والبيتين والثلاثة ابيات، بل تقاس بمجموع الشعر الممتاز في مجمل إبداع الشاعر، ونحن مع ابن أبي ربيعه أمام مبدع كان أقرب إلى المرأة في تكوينه الجسدي والنفسي، وقد أدى به تكوينه الذي فرضته عليه سنة الوراثة والبيئة أن يكون دون أقرانه من الشعراء في زمنه إبداعا وقدرة على الصناعة الشعرية، ويدرك ذلك كل من يقارن شعره وغالبه في الغزل القصصي بشعر معاصريه كجرير بل ومن هم اقل منزلة فنية من جرير كجميل وكثير، وتلك هي غلبة الطبع النرجسي على الشاعر المصنوع لا المطبوع.
.
.

عبدالواحد اليحيائي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس