شعبيات - مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة

عبدالواحد اليحيائي · 07-09-2005, 13:38

.
.
جملة أخرى عن الكلاب حفظها تاريخنا الادبي غير جملة ابي العلاء الشهيرة في مجلس الشريف المرتضى حين قال لبعض الحمقى: الكلب فينا من لم يعرف للكلب سبعين إسما، في قصة مشهورة بدأت بشتيمة وانتهت بطرد من المجلس.

الجملة الثانية قالتها جنان جارية الثقفيين، وحبيبة الشاعر الكبير الحسن بن هانئ (أبو نواس)، ذكرتها إحداهن بحب ابي نواس فصرخت قائلة: واضيعتاه!!.. لم يبق لي غير أن أحب هذا الكلب!!..

وكان من نصيب هذا الذي أسمته بـ(الكلب) أن يحفظ اسمها على مر الأجيال، وكان من قدرها أن تبقى في التاريخ لأن شاعرا عظيما اسمته بالكلب ذكرها في أبيات من شعره، ولولاه لكانت جارية مهملة على هامش الحياة والتاريخ…

لكنها جناية الحب..
وجناية التاريخ..
جناية حب تحول فيه ابونواس الى كلب، فهرب من ذكراه الى الخمر والغلمان..
وجناية تاريخ حين يكون لمثل هذه المرأة أثر فيه!!…
لكن يبقى سؤال: ترى ما الذي كان سيبقى من ابي نواس لو لم تقل هي قولتها هذه؟!!
هل الألم العظيم يولد الفن العظيم كما يقولون؟!!…
ربما.

فديتك قد جُبلت على هواكا =فنفسي لا تنازعني سواكـا
فليت الناس أعموا عنك غيري=فآمن أن يروك كما أراكــا
وليتك كلما كلمت غيري =رُميت بخرسة ، ومنعت فاكا
أحبك لا ببعضي بل بكلي=وإن لم يبق حبك بي حراكا
ويسمج من سواك الشيء عندي =فتفعلهُ، فيحسن منك ذاكا

ثم هجر ابونواس جنان والبصرة كلها إلى بغداد، هربا من حبه، وهربا من خزيه، وهربا من المرأة التي ما قبلت به على ظرفه ووسامته وأدبه وعلو شأنه بين اترابه..هجرها مرددا بينه وبين نفسه البائسة:

لأن نطق اللسان ببعض حبي=لأعظم منه مالك في الضمير

هجرها حين خابت الرسل بينه وبين من يحب وباء بالخذلان المبين:

قد جاء الرسول له انكسار =وحال ما عليها من قبول
ولو ردت جنان مرد خير=لتبين ذاك في وجه الرسول

ثم انصرف الى الخمر بكل قواه، والى الملاهي بكل عزيمته، حتى تحولت الخمر معه الى روح في روح، وذات اخرى لا غنى عنها ولا سبيل الى التوبة منها:

اربعة يحيا بها قلب وروح وبدنْ =الماء والبستان والخمرة والوجة الحسنْ

الخمر تفاح جرى ذائبا=كذلك التفاح في خمر جمدْ
فاشرب على جامد ذا ذوب ذا =ولا تدع لذة يوم لغد

مازلت استل روح الدن في لطفٍ=واستقي دمه من جوف مجروحِ
حتى انثنيت ولي روحان في جسدٍ=والدن منطرحٌ جسما بلا روحِ

لكن هيهات السلو وجنان في القلب، وهيهات نسيان الهموم بالخمر كما شاء وأراد، وهيهات أن يخلف الدهر عليه بمثلها:

لن يخلف الدهر مثلهم ابدا =عليّ، هيهات..شأنهم عجبُ
لما تيقنت أن روحتهم =ليس لها ما حييت منقلبُ
أبليت صبرا لم يبله أحدا=وأقتسمتني مآرب شعبُ

لا أمل، ولا رجاء..فليكن مزيد انغماس ومزيد ضلال:

وزعم الزاعمون انه تاب في آخر ايامه في أبيات قالها..فكذبهم هو قبل غيره:

أعاذلتي اقصري عن بعض لومي=فراجي توبتي عندي يخيبُ
تعيبين الذنوب وأي حرٍ =من الفتيان ليس له ذنوبُ
غُررتِ بتوبتي ولججت فيها =فشقي اليوم ثوبك…لا اتوبُ

ثم مات ولم يتزوج..وبقيت جنان في قلبه وخلدها بشعره، وكانت وصيته :

خليلي بالله لا تحفرا =لي القبر الا بقطربلِ
خلال المعاصر بين الكروم=ولا تدنياني الى السنبلِ
لعلي اسمع في حفرتي =إذا عصرت ضجة الأرجلِ

رحمه الله وغفر له، ما كان كلبا…
لكن استكلبه الحب.
.

07-09-2005, 13:38	#3
عبدالواحد اليحيائي كــاتـب	رد : مع شعراء الفصحى.. . . جملة أخرى عن الكلاب حفظها تاريخنا الادبي غير جملة ابي العلاء الشهيرة في مجلس الشريف المرتضى حين قال لبعض الحمقى: الكلب فينا من لم يعرف للكلب سبعين إسما، في قصة مشهورة بدأت بشتيمة وانتهت بطرد من المجلس. الجملة الثانية قالتها جنان جارية الثقفيين، وحبيبة الشاعر الكبير الحسن بن هانئ (أبو نواس)، ذكرتها إحداهن بحب ابي نواس فصرخت قائلة: واضيعتاه!!.. لم يبق لي غير أن أحب هذا الكلب!!.. وكان من نصيب هذا الذي أسمته بـ(الكلب) أن يحفظ اسمها على مر الأجيال، وكان من قدرها أن تبقى في التاريخ لأن شاعرا عظيما اسمته بالكلب ذكرها في أبيات من شعره، ولولاه لكانت جارية مهملة على هامش الحياة والتاريخ… لكنها جناية الحب.. وجناية التاريخ.. جناية حب تحول فيه ابونواس الى كلب، فهرب من ذكراه الى الخمر والغلمان.. وجناية تاريخ حين يكون لمثل هذه المرأة أثر فيه!!… لكن يبقى سؤال: ترى ما الذي كان سيبقى من ابي نواس لو لم تقل هي قولتها هذه؟!! هل الألم العظيم يولد الفن العظيم كما يقولون؟!!… ربما. فديتك قد جُبلت على هواكا =فنفسي لا تنازعني سواكـا فليت الناس أعموا عنك غيري=فآمن أن يروك كما أراكــا وليتك كلما كلمت غيري =رُميت بخرسة ، ومنعت فاكا أحبك لا ببعضي بل بكلي=وإن لم يبق حبك بي حراكا ويسمج من سواك الشيء عندي =فتفعلهُ، فيحسن منك ذاكا ثم هجر ابونواس جنان والبصرة كلها إلى بغداد، هربا من حبه، وهربا من خزيه، وهربا من المرأة التي ما قبلت به على ظرفه ووسامته وأدبه وعلو شأنه بين اترابه..هجرها مرددا بينه وبين نفسه البائسة: لأن نطق اللسان ببعض حبي=لأعظم منه مالك في الضمير هجرها حين خابت الرسل بينه وبين من يحب وباء بالخذلان المبين: قد جاء الرسول له انكسار =وحال ما عليها من قبول ولو ردت جنان مرد خير=لتبين ذاك في وجه الرسول ثم انصرف الى الخمر بكل قواه، والى الملاهي بكل عزيمته، حتى تحولت الخمر معه الى روح في روح، وذات اخرى لا غنى عنها ولا سبيل الى التوبة منها: اربعة يحيا بها قلب وروح وبدنْ =الماء والبستان والخمرة والوجة الحسنْ الخمر تفاح جرى ذائبا=كذلك التفاح في خمر جمدْ فاشرب على جامد ذا ذوب ذا =ولا تدع لذة يوم لغد مازلت استل روح الدن في لطفٍ=واستقي دمه من جوف مجروحِ حتى انثنيت ولي روحان في جسدٍ=والدن منطرحٌ جسما بلا روحِ لكن هيهات السلو وجنان في القلب، وهيهات نسيان الهموم بالخمر كما شاء وأراد، وهيهات أن يخلف الدهر عليه بمثلها: لن يخلف الدهر مثلهم ابدا =عليّ، هيهات..شأنهم عجبُ لما تيقنت أن روحتهم =ليس لها ما حييت منقلبُ أبليت صبرا لم يبله أحدا=وأقتسمتني مآرب شعبُ لا أمل، ولا رجاء..فليكن مزيد انغماس ومزيد ضلال: وزعم الزاعمون انه تاب في آخر ايامه في أبيات قالها..فكذبهم هو قبل غيره: أعاذلتي اقصري عن بعض لومي=فراجي توبتي عندي يخيبُ تعيبين الذنوب وأي حرٍ =من الفتيان ليس له ذنوبُ غُررتِ بتوبتي ولججت فيها =فشقي اليوم ثوبك…لا اتوبُ ثم مات ولم يتزوج..وبقيت جنان في قلبه وخلدها بشعره، وكانت وصيته : خليلي بالله لا تحفرا =لي القبر الا بقطربلِ خلال المعاصر بين الكروم=ولا تدنياني الى السنبلِ لعلي اسمع في حفرتي =إذا عصرت ضجة الأرجلِ رحمه الله وغفر له، ما كان كلبا… لكن استكلبه الحب. .