مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 25-07-2006, 08:04   #1
إبراهيم الوافي
وريث الرمل / شــاعــر وأديب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ إبراهيم الوافي
 

قراءة غير ممنهجة ، للنص الأخير لصديقنا الراحل عبد الهادي الخليوي

باغيب وان غبت لاتسال عن غيابي ""
العالم الله تطـول او تقصـر المـده

وان طااااال ليل الغياب ولا انفتح بابي""
فالعمر لابد وقف في السمـاء حـده

الهم زاد العنا والحظ زرررررررابـي""
ولابد مـن وقفـةٍ ابنيـة او اهـده

على المعزه نشيت ورفـت اشنابـي""
ماهين نفسي ولو الوقت مـن جـده

مايصلح الحـال وهمومـه تلوابـي ""
مايثمر العمر واياااااااامه مشت ضده

كيف اتهنا وانا داااايم على اعصابـي""
اشد مـن شـدةٍ واحـل فـي شـده

الشعر عذر الجروح ونزفهـا الغابـي""
والصدق روح الجسد واتلافه الصده

آخررررر قصيدة وآخر لوعة اسبابي""
ماقالـت اللـي يريحنـي وانـا وده

طااااال الامد والكمد متسربل اثيابـي""
ولاشفت باخر دروبـي يـد ممتـده




للشعر نكهة الحقيقة ، وذاكرة اللحظة ، ورؤيا الغد .. قلت في بحث أكاديمي سابق .. إن ثمة علاقة نفسية بين الموت المبكر الذي داهم الشعراء الذين اشتهروا بولعهم الشعري بظاهرة الموت ، وهذا حتما لايتعارض مع ماكتبه الله لنا .. لكنها خاصية الاستشعار التي يتميز بها الإنسان ذو الإحساس العالي، وهي على كل حال ظاهرة اجتماعية نتلمسها حتى لدى العامة ... وقد أردت من خلال هذه المقدمة التوطئة لهذه القراءة التأبينية الخاصة بصديقنا الراحل ( غفر الله له وتغمده بواسع رحمته ) عبد الهادي الخليوي الذي وافته المنية إثر حادث مروري أليم .. تاركا وراءه الصدى وما يخبئه الحدس الشعري بهذا النص الصادق في رؤاه والمؤمن بما كتبه الله .. وحسبنا أن نتذاكره حزنا .. ويقينا .. ونحن نقرأ قوله :
باغيب وان غبت لاتسال عن غيابي ""
العالم الله تطـول او تقصـر المـده

وان طااااال ليل الغياب ولا انفتح بابي""
فالعمر لابد وقف في السمـاء حـده


لندرك أن المؤمن الحق لايحقق سعادته في الحياة إلا بالطمأنينة .. والطمأنينة الحقة لايزعزعها حتى الموت ، حين يكون الاستسلام لما كتبه الله عمادها وأركانها التي تقوم عليها ...
أصدقكم والله أيها الأحبة .. لم يبق من النقد والبلاغة والقراءات النقدية هنا إلا فجيعتنا بدليلنا إليها في هذا المتصفح ، ولهذا قد أبدو مؤبنا أكثر مني ناقدا .. ومحبا حزينا أكثر مني قارئا عابرًا ، لكنني سأحاول جاهدًا أن أستدلَّ على ما خلفه لنا صديقنا الراحل الخليوي من جمال آسر في شعره وأتلمّس معكم فجيعتنا برحيله .. .
يبدأ النص بتنهيدة استسلام صادقة .. لتدبير الله في الخلق ، وفتحا نفسيًا لأبواب الاحتمالات ، واستسلامًا إيمانيا مدهشا لحتمية الغياب القدري يتمثل في قوله : ( ... وإن غبت لاتسأل عن غيابي ) ، فالمألوف دائما رغبتنا بالسؤال عنا حينما نغيب على المستوى الحياتي .. لكن حينما يكون الاستشعار بقدرة الله على تنفيذ الغياب حد الاستسلام الذاتي ، والاستسلام المطلوب في النص .. فذاك ما أشرت له من أن ثمة علاقة نفسية بين الموت والشعور به لدى الشعراء ...
والحقيقة أن ما أدهشني في النص هو تلك الروح الهادئة المطمئنة التي تتلو علينا كلام النهايات عبر إيقاع شعري يتميز بالسكينة والهدوء مع اختيار قافيتين متباينتين من خلال الاحتمال وقيده .. فجاء الصدر بقافية ( الباء المسبوقة بمد والمنتهية بمد على أن ماقبلها ممدود للارتفاع ومابعدها ممدود بالانكسار .. وقافية العجز المختومة بدال مشددة وتاء ساكنة .. والإيقاع الشعري .. مع قافيتي العجز والصدر بتفصيلاتهما النفسية جزء لا يتجزأ من رؤيا النص الفنية ، ولا أجزم حتما بتعمّد اختيارها من قبل الشاعر ، لكن ما أجزم به هو الحالة الشعرية التي تتظافر بها القدرات الشاعرة ساعة الكتابة ، لخلق نص متكامل فنيّا ، وعائد في الأصل لما يختزله الشاعر من قدرات خاصة به ، وهذا ما يجعلنا نجزم على أن صديقنا الراحل خلف وراءه تجربة ناضجة ومتكاملة على المستوى الإبداعي .. أليس هو القائل :

الشعر عذر الجروح ونزفهـا الغابـي""
والصدق روح الجسد واتلافه الصده

آخررررر قصيدة وآخر لوعة اسبابي""
ماقالـت اللـي يريحنـي وانـا وده


والنص بهيئته واستعراضه للحياة ..حد الختام .. إنما يعكس في أفقه العام تجربة ثرية على المستويين ( الوعي الحياتي ، والغيبوبة الشعرية ) معًا .. تتمثل الأولى بالرسم اللغوي للمواقف الحياتية ، والاستسلام فيها لماقدره الله لنا في هذه الحياة الزائلة ، والثانية بهذا التظافر الإبداعي على مستوى الإيقاع والمفردة الموحية ...

كان هذا كله إطلالة سريعة على نص أخير لشاعرنا الراحل عبد الهادي الخليوي .. منعني من المتابعة في قراءته .. مجرد محاولة ربطه بصاحبه الراحل حين يكون الشعر أكبر من صورة وأعمق من تاريخ ، وأوفى من صديق ..لنزاور ديوان صديقنا الراحل ونواصل الدعاء له بالرحمة والمغفره ، فو الله إن من فقدناه لهو أكثر من شاعر وأعمق من إنسان ...
رحمه الله وغفر له



التوقيع:


أنا لم أصفعِ الهواء..
كنتُ أصفّقُ فقط ..!
https://twitter.com/#!/ialwafi




اخر تعديل كان بواسطة » إبراهيم الوافي في يوم » 25-07-2006 عند الساعة » 08:15.
إبراهيم الوافي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس