الموضوع: شخصيات
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 06-11-2010, 02:32   #29
لينـا
مشرفة التصوير والتصميم
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ لينـا
 

رد : شخصيات


( سيرة : الضوء الأزرق ) ترجمه إلى اللغة الفرنسية ماريان فايس ، هو سيرة ذاتية لكن ليس للأديب نفسه بقدر ما هو سيرة للعقل البشري ولنمط التفكير الجديد المتجدد وسيرة للذهن الإنساني وسيرة للدهشة والإبداع ويمكن أن نقول هو سيرة للجنون . يدهش القاريء فينجذب نحوه ، من خلاله نلمس إغراقه في التأمل وفي الرؤيا إلى أبعد حد كالمتصوفين ، مغرق في التساؤل عن أنظمة الكون والطبيعة والإنسان وأسئلة إنسانية كونية وأخرى تتعلق بالهوية الإنسانية وبالحرية والإبداع وهموم الإنسان المهمش وعذاباته . يرسم صورة سينمائية شاعرية أحيانا رومنسية وأخرى واقعية للمكان فيجبر القاريء على العيش فيه عيشا ذهنيا ومعايشا لشخصياته . من خلال سيرته الذاتية أو روايته أو أي نوع من الأدب نريده ينطبق على كتابه ( سيرة الضوء الأزرق ) نرى حجراته الذهنية ملآنة بألوان مختلفة من الكتب الفلسفية والفكرية والأدبية والنقدية والفنية وكتب علم الاجتماع وعلم النفس .
ينأى الكاتب بنفسه عن الثبات والجمود والتحجر الفكري وعلى العكس من ذلك يسعى إلى المتغيروالمتحول دائما، فيقوم بإفراغ فنجان ذهنه من محتواه ليصب فيه محتوى جديدا آخرا وبضاعته الأدبية دائما مميزة ولا يتعامل مع البضاعة الرائجة المعروفة في السوق بل لديه بضاعة جديدة غير مألوفة، بضاعة تدهش مشتريها وتجلبه إليها وتخلب لبه وتسبب له الإندهاش فتجبره على التحديق وإمعان النظر بها لرؤية تفاصيلها .
القاريءالذي لا يقرأ هذا الكاتب في عالمنا العربي قد ينقصه شيء أو أشياء . كاتبه يفكر بجنون ويكتب بجنون وعلى القاريء أن يقرأه بجنون حتى يفهمه وإلا سيكون بعيدا عنه . أن يكون الإنسان مجنونا يعني أن يكون غير مألوف وأن يبتعد عن العالم العادي المألوف إلى العالم اللاعادي واللامألوف. يقول الكاتب: المجنون صفة نطلقها على من لا نفهمهم . يعني ذلك أنه حتى تفهم المجنون عليك أن تكون مجنونا مثله . من يعش بنمط تفكيره المألوف يعش على سطح المكان وسطح الحياة ، ومن يعش بنمط تفكير مختلف إلى حد الجنون يعش في عمق المكان وعمق الحياة وجوهرها .من يعتبر نفسه من العقلاء عليه أن لا يقرأ هذا الكتاب سيرة الضوء الأزرق ، ومن يعترف بجنونه فليقرأه ، ومن شفي من مرض العقل فليقترب منه ومن لا يزال مريضا به فليتجنبه .من يجلس وسط مجموعة تعتبر نفسها من العقلا ء ويعتبر نفسه مجنونا سيبقى مجنونا في نظرهم ، ومن يجلس وسط مجموعة تعتبر نفسها من المجانين ويعتبر نفسه عاقلا فهو مجنون أيضا في نظرهم . و لينظر الإنسان إلى داخله ويستفتي قلبه ليعرف نفسه ولا يشغل نفسه بنظرة الناس إليه وتقييمهم له فهذا لن يفيد بشيء ، فليعرف ما يريد ويفعل ما يريد لا ما يعرفه غيره وما يريده غيره وعليه أن يعرف كيف يسبر أغوار نفسه . يقول : كنت أبحث عن نفسي ليس في الكتب ، سئمت كل الكتب ،بل في المقاهي بين المشبوهين بالجنون . فماذا يقول عن جنونه ؟في الصفحة الأولى من الكتاب يقول : كنت على حافة الجنون ، أعني يهيمن علي رعب ما من أنني سأفقد عقلي . وفي الصفحة الثانية : منذ زمن وأنا أعتقد بأنني سأجن . وفي صفحات أخرى : شعرت برعب من فقدان العقل لم أشعر به من قبل . . . كل ما أدعوه عقلا وكل أسماء الأشياء وكل ذاكرتي بدا في خلفية رأسي لملف لا فائدة منه . . . كنت مضطربا لأن الجنون الشامل في بدأ يستيقظ . . . كنت على حافة الجنون يهيمن علي رعب ما من أنني سأفقد عقلي . . . وصلت في الحياة إلى منطقة حرام وأنا مرتعب من فقدان عقلي من الجنون . . . أدركت أن خوفي كان من أن تنفصم شخصيتي الثانية باقتراف جريمة لا تعرف عنها شخصيتي الأولى . . . وصلت الحالة حد أخذ حبوب منومة وأدوية لتهدئة الأعصاب . . . لم أكن أدرك كم يوجد من الرعب تحت التظاهر بأنني عاقل . يتحدث عن مجانين عرفهم في أميركا فيقول عن امرأة أميركية : تعتقد اعتقادا جازما بأنها مجنونة والبرهان على ذلك عندها اعتقادها بأنها عاقلة . . . الفرق بيني وبينها أنني خائف من الجنون وأتشبث بالعقلانية وهي عاقلة تتشبث بالجنون وكلانا يريد النجاة من شيء خفي . يريد أن يقول أنه لا يوجد سياج فاصل بين العقل والجنون وكلاهما من نسيج واحد . ويقول عن العقل : العقل دولاب وكلما دار الدولاب تغيرت طريقتنا في النظر إلى الدنيا والحياة وأنفسنا وتغيرنا . . . كنت أعتقد أن العقل موجود في أنسجة الدماغ في داخلي فعثرت عليه في الشوارع ومصابيح النيون ،شعرت بعظمة العقل وطفحه . يتحدث عن اندهاشه و جنونه بالمكان فيقول : حاولت تخيل الليل وحيدا هنا في الغابة والجزيرة وهدير المحيط ، هذا مقدمة لفقدان عقلي . . . طاقة المكان وأنا واقف ليلا عند الشلال جعلتني أشعر بأن إقامة ليلة واحدة في عرق هذا الجبل تكفي لكي أبدأ الصلاة لقوى لا أعرفها . . . لا منأى لمن يتظاهر بأنه عاقل مثلي من عقلنة الجنون من أن يتشبث بأقوى ما فيه وهو عقله . أخيرا يقول : من اللطيف أن الجنون مغر ، كم كان يجذبني وكم كنت أرغب فيه ، كنت أحاول أن أتعلم شيئا من تاريخ الجنون العالمي هذا . يقول عن أحد أصدقائه الأميركيين : يعتقدون بأنه مجرد مجنون أو منفصم الشخصية كأغلبية رواد المقهى ، ولا أدري لماذا شعرت أنا أيضا بجنونه وبأكثر من كونه جنونا عاديا وجذبني عالمه . قال صديقه العاقل المجنون له :سمكتك الذهبية من طبيعتها أن تسبح في كل نظرية ، كل تجربة ، كل رأي ، كل نوع من المعرفة ، كل ماء ، وتبقى هي هي سمكة ذهبية . راقب الماء وهو يتدفق كي تفهم شيئا لم يفهمه أحد حتى الآن يدعى التغير . راقب الماء لتفهم الجنون . يعلق الكاتب فيقول : شعرت في لحظة أنني مع مجنون رسمي وفي أخرى أنني مع عبقري مجنون . يقول شكسبير : (هناك عقل في الجنون ) . ويربط الفن بالجنون فيقول : في الفن يجب أن تلامس الجنون دون أن توقظه .
من يقرأ سيرة الضوء الأزرق سيرى نفسه برادة حديد تلتصق بالمغناطيس بعد انجذابها به ، فيتأثر به فهو لكاتب ملتزم بإنسانيته ملتزم بعمق ثقافته ، ملتزم ببساطته وتواضعه و تجربته غنية في الحياة وفي عمقها ، فالوطن مثلا يعني له أكبر بكثير من الأرض والشعب والذكريات بل هو الحرية والتسامح والسلام هو الإنطلاق في فضاء الكون ، بل هو عظمة الكون وعظمة الحياة وعظمة الوجود وعظمة الإنسان . الوطن ليس هو الذكريات عن الحياة بل الإحساس العميق بالحياة والإحساس الشديد بالوجود والإحساس بالطبيعة والإحساس بالكون . الوطن ليس له حدود جغرافية بل يمتد بامتداد الكون . الوطن هو إحساس الفرد بآمال وآلام أبعد إنسان في الكرة الأرضية على صعيدي المكان والزمان .
في سيرته الذاتية يرسم لنا ملامح بشرية أميركية ليس من الخارج بل من داخلها ليسبر غور المجتمع الأميركي ، مجتمع اللاهوية ، مجتمع بلا جذور حقيقية ، مجتمع قائم على الوهم العظيم أكثر منه على الواقع لأنه واقع أليم إلى حد بعيد جدا ، مجتمع أفراده مشتتي الذهن ، كل واحد فيه عالم خاص به لا يربطه بغيره رابط ولا يجمع به جامع . يعيش الفرد فيه في عالم الجريمة والمخدرات والقتل ، في نفس الوقت له مطلق الحرية، حرية أن يفكر الإنسان كما يشاء ويفعل ما يشاء لكن تبقى القوانين سيف ديموقليس مسلطة فوق رقبته ، وأحيانا سيفا سعوديا ينحره .
الكثيرون من المبدعين يعترفون بمرح بجنونهم حين يشطح العقل بمحتواه خارج الذهن العادي فيحلقون بعيدا في الآفاق الفكرية لكن المجتمع ينعت أصحاب هذه العقول بالجنون . ذ كرمن من العباقرة المشاهير الذين انتابتهم حالات صرع أو جنون أو كآبة الكاتبان الروسيان المبدعان دوستويفسكي وغوغول والرسام الهولندي المبدع فان كوخ لكن هناك العديد العديد غيرهم على مر التاريخ .
أما عن العقل فيقول : ما أتعس ذهنا لا يصغي لما هو خارجه ولا يهدأ ويشتبك مع نفسه . . الذهن عقرب قادرة على لدغ نفسها . . العقل دولاب كلما دار تغيرت طريقتنا في النظر إلى الدنيا والحياة وأنفسنا وتغيرنا . . العقل لغز لا يراه أحد . . ويستشهد بمقولة الفيلسوف الإغريقي هيريقليطس( اللوغس ـ العقل ـ خزان يتسع)
وحكمة شرقية مقدسة : ( الذهن المتنور كالشمعة تنقل نورها لأية شمعة أخرى وليس ينقص رغم ذلك نورها ) . أخيرا ما المقصود بالضوء الأزرق ؟ كل قاريء يستطيع أن يستنتج ما يحلو له . قد يعني الكاتب الضوء الأزرق كوكب الأرض وما يعيش عليه من بشر فهو جزء من مجموعة شمسية هي جزء من مجرة كونية هي جزء من الكون الكلي الممتد مكانا وزمانا ،فعقل الإنسان يرتبط بالضرورة بالعقل الكوني فحيرة الإنسان من نفسه هي نفس حيرته من الكون واندهاش الإنسان من هندسة الأرض هو نفس اندهاشه من هندسة الكون . يقول الكاتب : من المحتمل أن الأزرق لون يرتبط بالأزرقين البحر والسماء . إن فراغ الإنسان وقلقه وضياعه وغربته وهويته الفردية وذاكرته وبحثه عن جذوره الحقيقية وبحثه عن الحقيقة الضائعة في أرجاء الكون وبالتالي حاجته إلى التأمل في الكون ، كل هذه الأمور تلتقي في الضوء الأزرق .
إن البعد الفلسفي واضح في سيرته الذاتية أو سيرة الضوء الأزرق وله رسالة فلسفية واضحة فيها تحريض للقاريء على تجديد معرفته والبحث دوما عن معرفة جديدة متجدة .
حسين جميل البرغوثي كاتب لم ينل حقه بعد من القراء أو النقاد ..انه أديب متميز في أفكاره وأسلوبه ومنهج كتاباته ومتميز بصدقية نادرة لا نعهدها في الكتاب وحياته الشخصية كانت أشبه بحياة الشاعر العباسي أبي العلاء المعري في زهده وتقشفه وبساطته وتواضعه فهو فريد عصره بين الأدباء الفلسطينيين

التوقيع: ياشيطنة فكرته .. يامقلقه باله
يامشرّده سجته .. يامضنيه صبره
لدي بنظرتك يا ام عيون قتاله
شاعر عيونك .. ترى خبرك على خبره

الدحيمي/محمد
لينـا غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس