الموضوع: شخصيات
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 17-12-2010, 21:35   #31
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : شخصيات

.







القمة التي عرفت ولم تكتشف

حمزة شحاتة
( 1908م - 1972م)


- يمثّل “ حمزة شحاتة ” قمة فكرية كان يقول عنها عزيز ضياء : إنـها عرفت ولم تكتشف. وعدم اكتشاف خبايا هذه القمة مع شموخها مردّه “ إلى غرابة الجوهر ونفاسته ”. فحمزة شحاتة غرائبي في كل شيء، غرائبيٌ وجوهري في حياته، وفي فقهه للواقع، وإدراكه لكنه الحياة والأشياء والكائنات، وبحثه عن الجوهر النادر في الأفكار والأشياء، وفي شعريته الخلاّقة، وفلسفته العميقة، فقد اجتمع له من الخصائص مالم يجتمع لغيره من روّادنا، وصُـنّاع شهودنا الثقافي، من عبقرية الفنان، وعظمة الفيلسوف، ونقاء الإنسان، وشرف المثقف العضوي.

سيرة ومسيرة:
أديب مكة وشاعر الحجاز وفيلسوف الحرية في الجزيرة العربية والصرخة الأخلاقية التي سبقت زمانها، وناثرٌ بمضامين عميقة، وخطيب مفوّه بانطلاقات أخلاقية وأفكار نهضوية. وعازف على العود وملحن وموسيقي بارع, وإرهاصة الشعر الحديث في ثوبها الريادي على مستوى الحجاز والسعودية، والجزيرة العربية أجمع.
يعتبر من فرسان الكلمة شعرًا ونثرًا, وأحد أهمّ روّاد الأدب السعوديّ المعاصر, ولد بمكة المكرمة (مشرق النور ومهبط الوحي), عام 1328هـ/1910 م.. ونشأ بجدة, ودخل بها مدرسة الفلاح ( كانت أشهر وأكبر مدارس الحجاز), وتخرج منها. سافر إلى الهند موظفًا ببيت زينل التجاري, وأقام أربع سنوات.. تعلّم خلالها الإنجليزية وطرفًا من الأوردية والفارسية, ثمّ عاد إلى الحجاز, وتنقل بين العديد من الوظائف, لعلّ من أهمها: سكرتيرًا للمجلس التجاريّ بجدة, ثمّ مديرًا لإدارة سيارات الحكومة والنقليات العامّة, ثمّ رُقيّ إلى وظيفة مساعد لرئيس ديوان المحاسبات العمومية بوزارة المالية السعودية, ثمّ عاد إلى الأعمال الحرة, وأخيرًا حلّت به نكبة فهجر بلده واستوطن مصر سنة 1944م وهو ذات التاريخ الذي توقف فيه توقفا تاماً عن نشر أي إنتاج أو أدب، كما لم يشأ قط التواصل مع أدباء مصر على رغم عز الأدب في مصر في تلك الفترة، ورغم كل المحاولات التي قام بها عبد الله عبد الجبار وعبد المنعم خفاجي من تقديمه لأدباء مصر. إلا أن الإباء كان سمة من سمات الشحاتة الواضحة. عاش في مصر منعزلاً في شقته صارفا اهتمامه في آخر سنواته إلى تربية بناته الخمسة وتعليمهم، والكتابة والتلحين دون نشر أو تسجيل. فقد البصر قبل وفاته. توفي في الثاني عشر من شهر ذي الحجة سنة 1392هـ/ 1972م في القاهرة، ودفن في مكة المكرمة في مقبرة المعلاة، عن عمر يناهز الـ64 عاما, رحمه الله رحمةً واسعة.
ذاع صيت الشحاتة في المشهد الثقافي بالحجاز في محاضرة مطولة وشهيرة ألقاها في خمس ساعات متواصلة في جمعية الإسعاف الخيري بمكة المكرمة في عام 1938م، حيث عنونها بـ(الرجولة عماد الخلق الفاضل) بدلا من (الخلق الفاضل عماد الرجولة) الذي اختارته الجمعية عنوانا لمحاضرته ولم يتقيد به، في مشهد أثار به فتى الثلاثين ربيعا فضول واندهاش شيوخ ومثقفي مكة من بلاغته ونمط تفكيره، حتى أن الحضور كانوا قد صفقوا له أكثر من 30 مرة دلالة على ما حمله خطاب الشحاتة من أبعاد فكرية ومضامين فلسفية وإجادات لغوية جاءت باكرة.
كان شديد النفور من الشهرة وحريص على العزلة من المشهد الثقافي على الرغم من إجماع أقرانه على ريادته وعبقريته وتقديمهم له. عُد شعره ونثره -من قبل النقاد- كطليعة الأدب الحجازي، ضمن الرعيل الذي ضم إلى جانبه إبراهيم فلالي، وحسين عرب، وآخرون.
قال عنه الدكتور: بكري شيخ أمين: كان حمزة شحاتة يملأ الساحة الأدبية في أيامه, يصاول ويجادل, يصالح ويخاصم, ويقف كالطود في كثير من القضايا وأمام عديد من الناس, حتى ليصدق فيه قول القدماء عن أبي الطيّب :" مَلأ الدّنيا وشغل الناس".
وكَتب رفيق دربه الأديب: عزيز ضياء, بحثًا في المؤتمر الأول للأدباء السعوديين المنعقد في مكة المكرمة في الفترة مابين 1ـ5 من ربيع الأول عام 1394ه عنوانه:" في أدبنا قمة عرفت ولم تكتشف", تناول فيه فكر وفلسفة حمزة شحاتة العميقة, وبعد نظراته وتأملاته, وطلاوة حديثه, وسرعة خاطره, وقال: شخصيًا لم أعرف له نظيرًا حتى اليوم, على كثرة من عرفت في المملكة العربية السعودية وفي غيرها من نبغاء, ولا أقول أنّه ولد عبقريًا, إذ خصيصة العبقري أن يولد بطاقة قد تبكّر في الظهور وقد تتأخر إلى أن يتاح لها التفجر أو الاندفاع, بينما حمزة, قد بدا منذ عرفه عشاق الحرف والكلمة قمّة, لا تدري كيف تكونت".!
كما امتلأت المكتبة النقدية بالدراسات النقدية حول شعره وخصائصه، مثل كتاب الدكتور عبدالله الغذامي (الخطيئة والتكفير) والمنشور عام 1983م، إضافة إلى كتاب الدكتور عاصم حمدان ((قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري)) والذي كتب مقدمته رائد النقد الحديث بالسعودية الأديب عبد الله عبد الجبار، إضافة إلى العديد من الدراسات والمقالات النقدية. كما كرمه مؤخراً (عام 2006) الملتقى السادس لقراءة النص بنادي جدة الأدبي الثقافي تحت رعاية وزير الثقافة والإعلام السعودي السابق إياد مدني، في احتفالية وظاهرة نقدية كبيرة امتدت إلى خمسة أيام. وتتجه الجهات الثقافية الرسمية إلى إعادة طباعة منتوجه الفكري والأدبي.









بعضٌ من أجواء ديوانه الشعري:



] مُنَاجَاة [


هيهات لا أملٌ أجدى ولا لهف


وهل يفيدك في عُقبى المُنى أسفُ؟


ما لا تبلغك الأفعال جاهدةً


فكيف تضمنه الآمال والصدفُ؟


قلبي! وهل كنت قلبي يوم تحملني


على أمانيك يحدو زُورَها السّرَفُ؟


غرّرت بي فأضعت الحزم مندفعًا


على ضياء خيالٍ تحته السدّفُ



]يا فتنة النهر[


أُلهمت والحب وحيٌّ يوم لقياكِ


رسالةَ الحُسنِ فاضت من مُحيّاكِ


يابنت حواء! إن أبعدت غادرةً


وفّى الخيالُ على بعدٍ فأدناكِ


وما الخيال بمغنِ عنك نائيةً


لكنّها نفثة المحرور ناداكِ


ما كنت يا قَدَري العاتي سوى امرأةٍ


ممّن عَبَرنَ بقلبي لو توَقّاكِ!





]جدّة[


النُّهى بين شاطئيك غريقُ


والهوى فيكِ حالمٍ ما يُفيقُ


ورُؤى الحُبِّ في رحابك شتّى


يستفز الأسيرَ منها الطليقُ


ومغانيك في النفوس الصديّات


إلى ريِّها المنيعِ, رحيقُ


إيهِ, يا فتنةَ الحياةِ لصبٍّ


عَهدهُ في هواكِ عهدٌ وثيقُ




من أقوال حمزة شحاتة من خطبته الشهيرة «الرجولة عماد الخلق الفاضل» :

- الرذيلة لا تنتصر إلا متى كان صوتها قويا، وصوتها لا يكون قويا إلا إذا نفخت
في بوق الفضيلة.
- كانت القوة في الرجل مصدر الإعجاب والتقديس، والقوة ما تعرف الهوادة في
تأمين سبيل حياتها ومطالبها.
ـ عندما يكون الإقدام على المخاطرة ضرورة, لا يعد شجاعة, ومعنى هذا أن النسبية تدخل في حساب الحقائق الفكرية.
والضرورة هي التي تدفعني اليوم أن أقف منكم هذا الموقف على إيماني بضآلة شأني في ميزان الفهم العام.. فما كان يسعني أن أرد لجمعيتكم المخلصة طلبين في عامٍ واحد.!
ـ لا تكون النظرة إلى حقائق الحياة والفكر خالصة إلا من أناس يرون أنفسهم فوق قيودها وقوالبها, وهؤلاء يدعون بالمجانين تارة, وبالفلاسفة وقادة الفكر تارة, لأن حظ الصفات والمبادئ والنزعات يرتبط دائمًا بحظ الداعين إليها والمتصفين بها, من النجاح والفشل.
هذه حقيقة فطن لها الناس منذ القدم, فقالوا كثيرًا ما معناه:
الناس من يلق خيرًا قائلون له
ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل
ليس هذا حظ الأحياء فحسب, بل حظ المبادئ والنظريات والفضائل, وحظ موقفي بينكم الليلة أيضًا.
ـ ما دام التغير الدائم دأب الحياة وسبيل ما فيها, فهل نقول إن شيئًا كمل, قبل أن يوفي على غايته, ويبلغ تمامه؟
ـ إدمان النظرة إلى صورة جميلة, يفقدها شيئًا من تأثيرها القويّ كلّما تجدد إليها النظر المشغوف, وارتوى منها الحس المنهوم, حتى تفقد مقدرتها على التأثير والأداء.
ـ ولقد يواجه المرء خطرًا لا معدى له عن مواجهته, فتكتب له النجاة. فيقول الخليون: إنه شجاع, فإن أسلم روحه قالوا إنه الجهل والتهور واختلال القياس, أو ذهبوا يعددون منادح الخلاص التي يرون أنه كان خليقًا بأن يتفطن لها.
ـ معنى الحياء في الرجل أنه الرجل الذي لا يقتنصه القانون ولا تقتنصه القوة ولكن يقتنصه ضميره ويغلبه حياؤه.
ـ ومعناه في المرأة أنها المرأة تهزم الشيطان وتطرد المجرم الخطر وتجعل من جسدها حرمًا لا يتدنس وفيها حياة مادامت لها طاقة!
ـ لا تحيا أمة إلا بالتربية الصالحة ومانراه من الفروق بين الأمم الناهضة إنما مرده تفاوت أساليبها في التربية.
ـ سادتي ـ إخواني:
رددوا معي: أين التربية؟ أين المدرسة؟ أين الرجولة؟ لتعرفوا لماذا يقيم تاريخنا مأتمه الباكي!

من أقوال حمزة في كتابه رُفات عقل:

ـ كان يقول بانفعال:
لقد سرقت وكذبت وغررت بالآخرين ولكنّي لم أخن من ائتمنني.. ولم أكذب على من وثق بي..نعم أنا مجرم.. ولست نذلاً.!
ـ الداعون لمبدأ الاختلاط بين الجنسين؛ كالداعين لإلغاء التسعيرة, كلاهما يريد تصفيةالسوق السوداء بجعلها حرة!
ـ العقل كإشارة المرور؛ يرشد, ويحذر, وينبّه, ولكنّه لا يمنع الحوادث!
ـ إن أوّل من استعمل كلمتي "الصالح العام" بمعناها المعروف, إمّا أن يكون "خيّرًا" إلى حد الغفلة, أو مخادعًا إلى حد الإجرام, وهو في الحالتين يجب أن يعد منعباقرة المخترعين, تمامًا كالذين وضعوا أسماء الفضائل!
ـ من دعوات البدو:
"جعل الله ولدك من ظهرك"
وهيدعوة تدل على دقة الفطنة, لحرج مركز الرجل تجاه زوجته؛ إذا قدّر له أن يتلقىأبناءها, باعتبارهم أبناءه!
ـ حتى العفريت الذي يركب المرأة, يتعذر عليه الخلاص منها وفيه رمق
ـ من الصعب أن تثبت براءتك, عندما تكون بجانبك امرأة تصرخ.!
ـ كلّ الأشياء قد تبدو صغيرة عن بعد, وتكبر كلّما دنونا منها.. إلاّ الرجالالكبار.
ـ لابد أن تتقبل الهزيمة في هدوء ،وإذعانعندما لايبقى هناك من يفهمك.
ـ المؤمن دائماً مايلوم نفسه على فوات المواسم لا ضير الفرح عبادة أيضاً ..
ـ إن المعارك الأدبية التي خضتها, كما يسميها البعض بالمعارك؛ لم تكن في رأيي سوى مشاجرات يغلب عليها صبيانية الفكر قبل أن يذبل.. وكانت أسبابها في غاية التفاهة وكذلك موضوعاتها .. ولأني مجرد من الذكاء؛ كانت تفرض على المثقفين في صورة دفاع عن حرماتهم الأدبيّة.
والذي يضحك إنّي لم أكن أتقبلها بدافع المروءة.. بل ودائمًا بسبب التورط الذي لا أعرف كيف يحدث,وكيف يتكرر برغم الحيطة والحذر والتحرز؟
ـ عمومًا ما يفرضه الشعور بالغباء أنّها القصة الكاملة .. قصة المشاجرات التي زودتني بعديد من الهزائم يحمل كلٌ منها اسم انتصار .. تفيض نفسي احتقارًا له؛ كلّما ذكرته!!



.

التوقيع:
ما أشدَّ فِطام الكبير!
مالك بن دينار


:
:
الموقع الشخصيّ

.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس