الموضوع: رع ـشة خلخال ـي
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 26-03-2011, 00:09   #4
قرّة العَينْ
عضو شعبيات
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ قرّة العَينْ
 

جـنـون العـاشـقـيـن - الجزء 2

جنون العاشقين - الجزء 2

في مثل هذه اللحظات المريرة من الاعترافات المكشوفة والإرادة المسلوبة تتسارع دقات قلبه معلنةً ميلاد ثورةٍ حتمية تتعدى كل الاحتمالات، وتؤجج مشاعره المتصاعدة بحرقة لم يعهدها من قبل. وإنها لخطيئة كبرى أن تتلاعب به هذه المذنبة دون أن يبادر برد صارم يثنيها عن التحرش السافر بعواطفه الجياشة. من الآن فصاعداً سينتهج نظام الطواغيت والجبابرة، وسيلقنها درساً تاريخياً حتى يحقق طموحه في القضاء عليها ليس بفارق النقاط ولكن بالضربة القاضية! لن يتردد خلال هذه الأثناء من المراجعات الذاتية، التي جعلت عقله يطفح بالأفكار الشيطانية، في التقدم نحوها ليسحقها ويهشمها بطبع قبلة كاسحة على شفتيها حتى يتشرب من رحيقها وأنفاسها عنوة.. سيطوقها بذراعيه ويعصرها بين يديه لينتزع منها اعترافاً بقوته آملاً أن يستعيد مجده. ولن يكترث للتبعات المحتملة لمثل هذه المغامرة الجريئة، ولن يفكر ولو لبرهة فيما ستؤول إليه الأمور بعد هذه اللحظات الفاصلة، لأنه لم يعد يعبأ لسلوك طريق العقل والحكمة، وسيضرب بعرض الحائط جميع موازين القوة والمبادئ المألوفة. سيحرر شوقه المتوحش، لينطلق إليها بلا رأفة، ولن يبالي بمدى الدمار والآلام التي قد يتسبب بها. أو ليست هي البادئة؟ أليست من أرسلت له أولى الإشارات التي تدعوه لها وتحرضه على المبادرة، متسترةً بخبث تحت غطاء البراءة والسذاجة؟ فلتتحمل عواقب تلك الأفعال الطائشة واللامسئولة. فلن ينخدع بعد اليوم بمكرها الذي تمرّسته بفن بالغ في المهارة، ولن يصغي لرفضها، ولن يعير تمنعها اهتماماً. وكم هو معذور هذا الرجل! فحبها مزق قلبه الى أشلاء، رغم ما يبديه من تعنت وتماسك مزيف، لكنها تدرك جيداً حقيقة حاله. انها فطنة بدرجة مذهلة لتكتشف خبايا نفسه، وتعرّي أفكاره ومشاعره، فينتهي به المطاف إلى أن يكون الطرف الخاسر في معادلة جائرة. لكن ليس بعد اليوم! فقد استفاق من غيبوبة المتيّم الذي جره هيامه نحو مصير المتخاذلين، وأدرك أن لا بد من قتل إرادتها ليحظى هو بالحياة. لا مزيد من التقاعس والتراخي أمام عبثها المتعمد واستهتارها. سيزعزع نفسها الآمنة الأبية، ويبتر أركان عزتها دون هوادة. سيجبرها على الانصياع والتمهل في اطلاق الأحكام، فهو ليس ضعيفاً أمامها وليس متهاوناً أبداً كما يتراءى لها. ستدرك في هذه اللحظات قيمة التروي، واحترام الرجولة، نعم احترام الرجولة وعدم الاسراف في الثقة والغرور. فلتتمعن في قدرات الرجل جلياً، لأنها مهما بلغت من سطوة وموهبة كأنثى، سيلوي ذراعها رجلاً نفد صبره بالقدر الكافي الذي سيعوضه عن حنقه وغيظه. فكم من مرة عمدت إثارته بدهاء، من خلال أحمر شفاه أو خط كحلٍ ترسمه بمهارة لا تتقنها سوى مشعوذة متمرسة؟ وكم من مرة أقبلت نحوه على حياء خادع واكتفت بالصمت، فلا تترك له خياراً سوى تأمل ثغرها المغري كثمرة العليق أواخر الصيف، تتآكله من الأعماق رغبة متمردة في قطفها بشفتيه دون تردد؟ ان الوعيد بالثأر هو أمر حتمي، والواقع انه سيلقن هذه الآثمة درساً سيستمر أثره على المدى البعيد. لن يقضي ما تبقى من الوقت في التفكير أو التخطيط للواقعة المترقبة. سينفذها دون ترتيب مسبق. فالأحداث المباغتة لها وقع أشد وأكبر. سيحرص على أن تتفاجئ وتتألم، ولن يهنأ حتى ترجوه بأن يعفو عنها ويغفر لها خطاياها. لكنه لن يفعل! وسيستمر مقتنعاً بضرورة تأديب هذه الأنثى المسرفة اللعوب. حاصرها في زاوية لا مناص منها وأغرقها بسيل من القبل. لم تتمكن من احتواء ثورته أو تهدئته. ليس بيدها حيلة بعد الآن، فقد خرج هذا الجواد الجامح عن سيطرتها وحسم الموقف لصالحه. إنه رجل ثائر، وملك فذ، وقائد شرس أعلن الحرب على جبروتها، وتخطى حدود مملكتها، فبلغ قصرها، واقتحم مهجعها بثقة وشموخ. إنه الآن هنا، حيث هي متربعة على عرشها، في بلاط لا يطأه سوى من تأذن له، محاطةً بجيوش من الغرور والمثالية التي ما لبثت أن انهزمت ورفعت الراية البيضاء إزاء تقدمه الجبار نحوها، عاكساً بانتصاره تعنتاً نازياً ودهاءً فرعونياً، ممزوجين بصلابة قياصرة بيزنطة. ورغم تعديه الفاضح والمستنكر فقد تملكتها رغبة غريبة لأن تكون في عهدة هذا الرجل أبد الدهر، مجرّدة، خاضعة لسلطته وإمرته. جذبها نحوه بعنجهية لا يألفها سوى رجل البادية، فشعرت يقيناً بأنها لن تصمد أمام إصراره وعزيمته، فمزيد من المقاومة يعني مزيد من الخذلان والخيبة، بالرغم من إن أنثى بمثل حماستها وعنفوانها لن تقبل بإذلال مفروض عليها بهمجية من قبل رجل متعالي ومتعجرف، لكنه الوحيد القادر على نزع خمارها، وكشف حُجبها، والولوج إلى ذاتها العذراء، من دون أن تقاوم إغرائه أو تضع حداً لغطرسته، فإما أن تتلوى بين يديه منكسرةً مهزومة وإما أن تثبت بوقار وأنفة في صراعها معه مهما كانت النتيجة، فهو بكل تأكيد حينما يقرر حسم المسائل فما من رادع له لأنه ببساطة رجل يقهر من تعبث بمشاعره ورجولته ويجعلها تقبل بولايته برضا أو على مضض. في حضرته يصبح كل نقيض مرادفا، وكل عدو صديقا ً، وكل ضد حليفا. إنه ببساطة يعيد صياغتها بأسلوب عباقرة الكتابة، ويمحيها ثم يرسمها بريشة أمهر الرسامين. هكذا عشقته، متفرداً ، متميزاً ، ثائرا ً، يقلب موازينها، فيحق الباطلَ ويبطل الحقَ، يؤخر المتقدمَ ويقدم المتأخرَ، ولا يلتزم بقوانين الحضارة الحديثة، بل يسلك نهجه الخاص، ويفرض قانونه المستوحى من عبق الصحاري، وروح البداوة، وأدبيات الأبطال. إنه مزيجٌ نادر من جنون العاشقين، وفلسفة المفكرين، ونفوذ الأباطرة.

مع الدقائق الأولى لشروق الشمس، ودع الطير شرفتها. أفرد جناحيه وانطلق. ألقت نظرة أخيرة عليه، ثم توجهت نحو فراشها، وانزلقت تحت الأغطية فتلاشى شعورها بالبرد شيئا ً فشيئا، مثلما تلاشى شعورها بالعزلة والفراغ في أحضان فارسها الذي جمع بين تعنت الساديين ولين المحبين في ملحمة أسطورية بطلها فارس عربي استأثر بقلبها الذي خضع لأمره طوعاً وجبراً وأقر له بهيمنته وتأثيره، واختارت أن توليه أمرها لكونها على يقين بأنه الوحيد القادر على إسعادها بثنائية رائعة تقترن فيها رغبة التملك بسحر الحب لتبلغ كامرأة أقصى درجات الرضا والكمال. لقد التقت به بعد هجرات وأسفار متوالية، لكن تلك القافلة من الأشواق التي رفضت الاستقرار، استسلمت أخيراً لسطوة الرياح النجدية، فها هي تعلن نهاية رحلتها الطويلة لتستقر في أرض نجد، وتفرغ حمولتها من الأنفة والكبرياء في هذه البيداء وتستظل بعاطفة فارسها الذي أبهرها بحزمه وشموخه وتوجها حباً أزلياً.

قرّة العَينْ غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس