مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 17-12-2005, 13:04   #1
إبراهيم الوافي
وريث الرمل / شــاعــر وأديب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ إبراهيم الوافي
 

قراءة في نص هنيّك يا النجوم .. للشاعرة نورة العجمي ...!

صدورٍ ما تبوح الاّ الونين بفقدها الـغــالين
.................... وعينٍ ما تشوف الاّ هــــواها اللي معذبها

ليالٍ عذبتني بالفراق وضحكة الـســالين
.................... على دمع العيون وحسبةٍ من وين احسبّها

اسامر كل ليله فالــسما يا عاذلي نـجـمين
.................... هنيك يالـنـجوم الدالـهـه عن من يراقـبها

واقول الله يعدل مايل الدنيا على الحـيين
........................يحل المشكله ومسامحتكم يا سبايبهــا

واقــول اثر الـغـرام الـشين مــا يرحم وله حـدين
..................... يصيب العين لين تهل من فرقا حبايبهــا

بعد حلو الــسـنين وعـذبـة الايــام صرنا ويـن ؟
..................... نراجع ذكريات الماضي الحلوه ونكتبهـا

تعال اكتب شعر والاّ تعال اقره مع الــغـــاويـن
..................... تعال وشتت افكاري على كيفك ورتبها

نعم لك حق لـــكن حـقـي الغيره مـن الـباقـيـن
.................... أخاف يحل غيري في مداراتي وينهبهـا

على غصن الحمامة خايفه يـــاقع غراب الـبيـن
..................... ولا ذم السنين السود غير اللي مجربـهــــا

عسى عقب القسى والضيق ياهجر الزمان تلين
................. وعسى عيني توالف نومها من عقب حاربها


حين ..تنفتح على تجربة شعرية كتجربة الأخت الشاعرة نورة العجمي .. ستتجاذبك مؤثرات شعرية متعددة ..ليس أولها ( سموّ المفردة ) وانتقائها من بساتين البهاء الشعري .. ولا تلقائية الشعر وفطرية الصورة آخرها .. فأنت دائما ماتقف أمام هذه الـ نورة في مساحة شعرٍ تلقائي ، لتنكشف حينها على الشعر الحقيقي وما ينبغي له ...
وقد كان من حسن حظي كأصدقاء آخرين هنا أن اطّلعتُ على تجربتها المتمرحلة عبر تتبع نصوصها في المتصفح الخاص بها في دواوين الشعراء .. لكنني في المقابل أخالني أوفر حظا حين انفتحت على هذا النص ( هنيّك يالنجوم ) بكْرًا كأول الصباح فور نشره في باب قوافي البوح ..قبل ما يقارب الشهرين .. بل وتعالقتُ معه إعجابًا به وتقديرا للكثافة الشعرية فيه ...
نص هنيك يالنجوم للشاعرة نورة العجمي ... ينطلق من حالة النص إلى خلق عوالمه الشعرية الخاصة به .. أي أن اختيار الصور فيه اختيار نتائجي لايستهدف الصورة بذاتها ..بل بما تفترضه الحالة الشعرية فيها .. وهذا هو مكمن التلقائية فيه وأبرز الملامح الشعرية الخاصة بتجربة الأخت الشاعرة بصورة عامة ...
يبدأ نص ( هنيك يالنجوم ) بتوسيع دائرة الشجن من خلال تنكير المفردة الاستهلالية فيه ..فيتمَّ من خلالها جرِّ المتلقي بطريقة تلقائية لدائرة الشجن هكذا :
( صدورٍ) ما تبوح الاّ الونين بفقدها الـغــالين
.................... و( عينٍ ) ما تشوف الاّ هــــواها اللي معذبها ...
وفي تنكير كل من ( صدور ) و( عين ) ثم إكسابها خاصية التعريف من خلال الجمل الوصفية لها ( ماتبوح إلا ... ) و ( ماتشوف إلا ) مع استخدام أداة الحصر ( إلا ) في كلا الجملتين تقنية شعرية عالية الجودة والحبكة الشعرية ...
وعلى هذا اعتمد البيت الأول أو مدخل النص أي على بسط الحالة الشعرية عن طريق التعميم .. من خلال إقرارها و تجسيدها ومن ثم نثرها في وجه المتلقي واعتمادها في داخله بل وإدخاله دائرتها ليكون كل ذلك توطئة ( حالية ) تجعل من ورود الضمير الخاص بالمتكلم في البيت الثاني :
ليالٍ عذبتني بالفراق وضحكة الـســالين
.................... على دمع العيون وحسبةٍ من وين احسبّها
تطويرًا ذهنيّا لحالة التلقِّي .. بحيث يتفاعل المتلقِّي مع ( الشكوى ) فيه حينما استطاعت الشاعرة أن تجعل منها شكوى عامة ... وهذا بالفعل أعلى مراتب المفاعلة والاستدراج من قبل شعراء الشعر الوجداني أو الهم الخاص ، وهو بصدق ملمح متميز جدا لدى شاعرتنا نورة العجمي وتكاد تختصُّ به في تجربتها الشعرية بشكل عام ...
على أن الشاعرة بالفعل تتميز بفطرة شعرية متكاملة ... حيث تتجلى عندها عملية الترابط الفني الإبداعي في القصيدة بشكل كامل .. فإذا كانت التوطئة الفنية الخاصة بتعميم الشجن وتوسيع دائرة الهم في البيت الأول مدخلا للولوج بالهم الخاص فإن انصرافها لهمِّها الخاص لم ينسها تقنيتها الشعرية ومشاغلة المتلقي باجتذابه الدائم لدائرة الشجن العام ..كما نلاحظ هنا :
اسامر كل ليله فالــسما يا عاذلي نـجـمين
.................... هنيك يالـنـجوم الدالـهـه عن من يراقـبها

واقول الله يعدل مايل الدنيا على الحـيين
........................يحل المشكله ومسامحتكم يا سبايبهــا
فالملاحظ انصراف الشاعرة لهمِّها الخاص من خلال استخدام الفعل المضارع المستمر ..بضميره المستتر وجوبا.. هكذا ( أسامر ) ، إلا أنها استثمرت خاصية التأثير وهي في أشد حالاتها توحّدا ..من خلال تعميم الدعاء في قولها :
(واقول الله يعدل مايل الدنيا على الحـيين ) حيث مزجت بين العام والخاص بطريقة إبداعية تلقائية تنمُّ عن قدرة شعرية خاصة ...
على أن كل مامضى إنما كان متعلّقا بمستوى حالة النص الشعرية أو تقنية الفكرة فيه ، في حين أن مستوى اللغة والصور الشعرية يجيء عند شاعرتنا وفق رؤى إبداعية خاصة لعل أهمها تضمين التشبيه بعدم ذكر المشبه به بل استنتاجه من خلال وجه الشبه كما في قولها :
( واقــول اثر الـغـرام الـشين مــا يرحم وله حـدين ) ، فالمشبه به هنا آلة حادة لعلها السيف أو السكين أوماشابههما حينما تجيء بحدين اثنين .. وفي إغفال ذكره على وجه التخصيص توسيع لأفق التلقّي ، أو في كما في قولها : ( أخاف يحل غيري في مداراتي وينهبهـا ) حينما شبّهت ذاتها بالنجمة من خلال ذكر هوامش المشبه به وأعني بها المدارات ... أو عملية استخدام التشبيه المركّب كما في قولها :
على غصن الحمامة خايفه يـــاقع غراب الـبيـن
..................... ولا ذم السنين السود غير اللي مجربـهــــا ...
وهذا البعد البلاغي كله من خلال استخدام المجاز ( المعقّد ) نسبيا في الشعر الحديث إنما يكشف لنا أصالة إبداعية وتمكنا فطريا من أدواتها الشعرية ، وإضافة لكل هذا تبدوأكثر الملامح تميزا في تجربة الأخت الشاعرة نورة العجمي سواء في هذا النص أو في نصوصها الأخرى سعة معجمها اللغوي التلقائي بحيث يشكل انسياب المفردة في قصائدها ملمحا إبداعيا متفرّدا ..حتى كأن نصوصها تخترع اللغة حين تتشكّل بها وليس العكس ...
والنص بشكل عام يحتوي على الكثير من الرؤى النقدية التي يمكن من خلالها التعرف على تجربة شعرية ( أصيلة ) وواثقة .. ومتمرّسة .. وآمل بالفعل أن تتاح لي مجددا مقاربة نص شعري آخر لشاعرة أقول بكل مصداقية وثقة أن تحتلّ مرتبة طليعة في ذائقتنا الشعرية لهذا النوع من الشعر الأصيل ..

مودتي للجميع




التوقيع:


أنا لم أصفعِ الهواء..
كنتُ أصفّقُ فقط ..!
https://twitter.com/#!/ialwafi



إبراهيم الوافي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس