الموضوع: ذكريات ..!!
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 25-06-2005, 02:52   #74
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

ذكريات ..!!




شِعْب الخمّارة


قال وهوَ يحاور قلبه:
تطاول الناس في البنيان كثيرًا, وبدأت حضارة الحفاة الرعاة تتمدّد! ثمّ سرت رعشة صمتٍ تائهةٍ أمام عواميد الإسمنت الضاربة في العلوّ, وانثالت الذكريات كأنها خيوط الفجر!!!
ما أجمل ملامح الطين على وجوه المنازل القديمة, وعتبات الأبواب العتيقة, والتي تكشف حسن منبت الرجل الطبقي, ومن أي الحارات هوَ!!
هناك في "شِعْب الخمّارة" ـ تسمية عربيدٍ سادرٍ في غيّه على أرجح الأقوال ـ رأى أن يستعيد ملامح الأيام المدوّنة على الجدران, وأن يحكي عن مبادئ العضو الذي يتداعى له سائر البدن, في وقتٍ بات فيه الجسد يجهل هويته! تأمل ذلك التجمّع لأهل الشِّعْب من أجل إزالة ما علق وترسّب في أذهان الجميع عن مسمّى الحارة, ومحاولتهم المستميتة في ترك الصورة الحقيقية عن استقامة "الأزقة المهجورة"!! تأمل مجلسهم العاجل عند قدوم نازلٍ جديد, ولسان حالهم يوصي بما قاله ابن عباس رضي الله عنه :" إن لكل داخلٍ دهشة, فآنسوه بالتحيّة"! تأمل ضحكاتهم لطقوس زواج الرجل الحضريّ, حين أحضر ( المجسّ) بصوته الجهور, وأحضروا العصيّ لمساعدة المستغيث!!
هناك في "شعب الخمّارة" استطاع أن يفهم الحياة؛ وهو لا يزال في غضارة الصِّبا, هناك تعلّم كلمات, لم يتعلمها في مدارس الساعة؛ حتى كبر ولم يكبر!

بعد عمرٍ من الوجع والأيام الخوالي, استوقف "تاكسي أصفر" يقوده رجلٌ نحيل, شديد السّمرة, ناصع الجبين, مهيب الطلعة, يبدو أنّه تجاوز الخمسين "ببضع حسرات", بعد أن ذاق من لأواء الدهر وشدّته ما ذاق!
قال: إلى أين؟
أجاب : شارع الحج ـ التسمية الجديدة ـ لو سمحت.
وأثناء السير بدأ يسأل: وأين من شارع الحج ؟!
أجاب: أمام جسر المشاة!
قال: أين؟
أجاب: المجاور للمدرسة المتوسطة.
حاول أن يستعيد ذاكرةً صيرتها الليالي مصفاة.. وحملق بعينيه تجاهه وسكت! لحظتها تذكر(هو) أن هناك أكثر من جسر مشاة في الطريق, وأيضاً أكثر من مدرسة!, وقال على الارتباك: يا والد.. الحيّ أمام البنك الأهلي التجاري مباشرةً !!
وعند اقترابه تكلم بهدوءٍ وخجل: على يمينك, لقد وصلنا!
رد السائق وهو يستعيد أنفاسه, والذكريات تنهال عليه كالمطر: الله يهديك, لو قلت من البداية:" شعب الخمّارة وريّحتنا "!!!

*
\
/
\
/
*

قال له قلبه وهو يحاوره: أرأيت كيف يعيد التاريخ نفسه؟؟!

*


"كلّهم قد كبروا .. أهلنا والزهر ُ!"

التوقيع:
ما أشدَّ فِطام الكبير!
مالك بن دينار


:
:
الموقع الشخصيّ

.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس