مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 09-04-2006, 13:49   #1
إبراهيم الوافي
وريث الرمل / شــاعــر وأديب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ إبراهيم الوافي
 

قراءة في نص صبر ساعة ل نوف بنت محمد

صبر ساعة ..!

شعر / نجدية


تضيق و أضيق من ضيقك و من ضيقي‎
..................‎بين القضا والرجا‎ ‎و النفس جزّاعه‏‎
لو في يدي‎ .. ‎كان ما ضاق‎ ‎المخاليقي‎
................‎وإلا تُشـوفَ الولايف .. دُوم‎ ‎مِلتاعه‎
الله يجيب ‎الفرج .. مع يَبسة‎ ‎الريقي‎
..................‎والأرض مسرح وكلّن يلبس قناعه‎
أحدٍ يعدّ ‎الحقايق .. دون تحقيقي
................... ‏‎ ‎مايرتجي من مدايح ناس سمّاعه
وأحدٍ على كلمته ... لازم‎ ‎مواثيقي
...................‎يَكتِب و يَختِم و يَبصِم كَامل ذراعه‎
دام انت‎ ‎طيب .. و حنا لك‎ ‎مشافيقي‎
..................فالآمر هيّن .. بدنيا كلها .. باعه
يفداك عمري و قلبي مع‏‎ ‎معاليقي‎
.................‎والضيق مثل‎ ‎الشجاعه في صبر ساعه



ماقرأتُ هذه الـ (نجدية ) إلا وكانت الأرض مرآة السماء .. والكتابة جديلة الضوء التي تبدأ بالفكرة وتنتهي باللغة ...
هذا نص توافرت له مواطن الإبداع بدءا برؤياه وانتهاء بلغته .. هكذا جاء بعفوية شاعرة مفطورة على التناغم .. بين الرؤيا الإنسانية .. واللغة الحاملة لها ، فجاءت بمفردات ذات جزالة وعمق .. تكشف ملامحها لنا بوضوح قافية الصدر في الأبيات حينما اعتمدت على صوت ( القاف ) ذو البعد الصوتي العميق نتيجة مخرجه صوتيا .. مع محطّة الاسترخاء الصوتي المتمثلة بقافية العجز حيث ( العين المفتوحة والتاء الساكنة حد الهاء ) ..!
وهذه الإحاطة الشاملة بهوامش النص لايمكن إغفالها مطلقا حينما يكون الشعر بصوت ( نجدية ) وهي التي اعتدنا منها الرزانة في الكتابة .. والعمق في التحليل .. والإحاطة الدائمة بما تبدي الألسن وما تخفي السطور ...

يبدأ النص بتوحيد الحالة الشعورية .. توطئة للتنظير حولها .. وهو أسلوب إقناعي متطور في الشعر حينما يجيء سنة في الحياة .. فرصد الحالة لايمكن أن يجيء مقنعا مالم تتوحد الظروف هكذا ( تضيق وأضيق ) ثم يجيء الناتج واحدا ( من ضيقك ومن ضيقي ) .. وهو بعد استشرافي .. ابتعد في النص عن التخييل واقترب كثيرا من ملامسة الواقع بصورة تقريرية تعميقا للغاية منه .. وتنغيمًا للحالة الشجنية التي تبدّى عليها الموقف ..حينما لايحتمل الواقع التخييل ولا يعالج الموقف إلا بمباشرته ومواجهته .. وهذا ما جاء عليه الاستهلال في النص ..هكذا :
تضيق و أضيق من ضيقك و من ضيقي‎
..................‎بين القضا والرجا‎ ‎و النفس جزّاعه‏‎
لو في يدي‎ .. ‎كان ما ضاق‎ ‎المخاليقي‎
................‎وإلا تُشـوفَ الولايف .. دُوم‎ ‎مِلتاعه‎
والحقيقة أن التقريرية فيه اعتمدت على روح تجلّى عمقها ورؤياها للحياة بمباشرة الواقع والاستسلام له .. مع رسم صورة خلفية لما يمكن أن يكون عليه استشرافا .. عن طريق استخدام مفتاح لغوي ( لو ) وهو كما يعرفه اللغويون ( حرف امتناع لامتناع ) .. وهو كما أشرت مرآة أخرى ينعكس عليها الواقع حينما نضع الحلم والأمنيات كضفةٍ أخرى مقابلة للموقف المعني بالنص ...
والحقيقة أنني أكره دائما مباشرة النصوص ( معجميا ) بتشريح معانيها ، حينما يعنينا فيها الرؤيا الحياتية عامة .. لكن أختنا النبيلة هنا في ( صبر ساعة ) اعتمدت بشكل مباشر على اللغة المعجمية الموحية .. حيث انتقت لرؤياها لغة جزلة عميقة متماهية مع طبيعة النص وأفقه النفسي العام .. مع ضرورة التأكيد على مايسمى بخصوصية الدلالة للمفردة فيه .. فلوأخذنا مفردة ( الولايف ) كنموذج في البيت الثاني مع الصفة الحالية التي جاءت بها لها ( ملتاعة ) لتلمسنا قدرة المفردة الموحية على التعبير الخاص .. فالمعنى العام لمفردة ( الولايف ) يعني التلازم والتلاصق الدائم .. ووصفها بـ ( ملتاعة ) تأكيد على حدث لاإرادي داهمهم ، وهو ما استهدفته الشاعرة في البيت المذكور بدون مباشرة لفظية ..معتمدة في ذلك على الدلالات الخاصة للمفردة .. ويتتابع هذا الملمح التكاملي بين الرؤيا الإبداعية ووسيلة إيصالها ( اللغة ) في الأبيات المتبقية في محطات متعددة من مثل قولها :
أحدٍ يعدّ ‎الحقايق .. دون تحقيقي
................... ‏‎ ‎مايرتجي من مدايح ناس سمّاعه
وأحدٍ على كلمته ... لازم‎ ‎مواثيقي
...................‎يَكتِب و يَختِم و يَبصِم كَامل ذراعه‎ ..
فالتنويع في الوصف هنا اعتمد على التكامل اللغوي الرؤيوي المدهش ( الحقائق .. دون تحقيق ) ( الكلمة .. بتوثيق ) .. وذلك بالاكتفاء بـ ( الحقائق ) بذاتها .. واستعانة ( الكلمة ) بالتوثيق ومثل هذا البعد اللغوي واحد من أهم ملامح النص فنيا ..

والحقيقة أن مثل هذا النص قد يبدو للبعض مباشرا وذا طابع تقليدي وعائظي .. أو موقفي اعتمد في نكهته على الحكمة والتجريب الحياتي .. لكنني بالفعل رأيت فيها تكاملا مثيرا بين الرؤيا الإبداعية .. واللغة الناقلة لها .. وهذا تحديدًا واحدًا من أهم مسوغات وجوده هنا .. إضافة لرغبتي الكبيرة في تأطير المنهج الكتابي لدى أختنا الفاضلة نجدية .. حينما تجيء دائما برؤيا عميقة ورزانة ..تقف لها السطور احتراما وتقديرا ...

مودتي للجميع


التوقيع:


أنا لم أصفعِ الهواء..
كنتُ أصفّقُ فقط ..!
https://twitter.com/#!/ialwafi



إبراهيم الوافي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس