الموضوع: كمائن لا تُرى
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 21-08-2006, 20:51   #6
كوثر
شموس لا تحدها سماء
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ كوثر
 

فن أفخاخ الضجر

أعب الهواء ، رئتيّ تعب الهواء، لا ترتويان، لا أرتوي، الهواء خدعة المدى وليس لدي أجنحة تاج بالطيران أن خانني الوقت وأسلم ظهري لغدر الضجر، لا أكاد أسحب هذه الزرقة مني، للأزرق ألوانه المتحولة، بحري وهائم، مختنق ٌ ومؤلم، من يعرف لغة اللون، كيف أفسر التدرج اللعين لإختناقاتٍ تتوائم وقتلي مرة بعد مرة، أموت وأحيا بما يشبه العذاب الأزلي المألوف منذ صخرة سيزيف وحتى الإحتراق وعودة الجسد في جحيم ٍ موعود للخاطئين.
سأسقط اليوم على ارض رخاميةٍ باردة..وأزحف راجيةً خلاصي من انغلاق الكون على صدري الأرحب..أنادي وأستمع للصمت الهائل يبتلع صوت أنيني بلا رحمة، بلا جدوى، أنزف مائي كله زحفاً الى بابٍ أقفلته بيدي، أُتقن العزلة حتى الموت، هكذا حدثتني نفسي:
أيتها البائسة ..تتمكنين من شراسات العزلة الصخرية..تأولين أحلام الصعود الى سلمٍ لا نهاية له، تحتالين على الظلام الموشى ببرقٍ متقطع، وتقعين في غيبوبةٍ رحيمة كموتٍ مؤقت، كنتِ على حافته تماماً، مر وجه أبيك غاضباً، ووجه أمكِ قانطاً، ووجه من تحبين ضجراً كأنتِ، ووجه ألف شخصٍ لم تحفلي بقراءة تعابيرهم، لم تعرفي حقيقةً أين كنتِ، ما بين اللحظة التي انقطع فيها الهواء الى الللحظة الداكنة واليقظة المسروقة بماء ورد مُلقى الى طاسةٍ فضية محفورٌ عليها آية الكرسي ، شربتِ، عببتِ من الورد وماءِه وما ارتويتِ، ثم أخذتِ تحدقين بصنعة الحداد وتعامله مع الفضة والآية ..فكرتِ أكان خاشعاً لفكرة التعاويذ ودرء ما يُمكن درئه من شر، أم أنه كان يُغني لعابرةٍ تميل اليه بغنجٍ معطر، هل تمكن من الفضة أم أن الفضة أهدته غوايته بها فأخذ يحفر كل المعادن لتكون فضة على يديه ان أراد وبعثها لي أنا لعلةٍ أجهلها.
يقولون أن الطاسة وحلقي الوردي قد فقدا منذ زمنٍ بعيد قبل ان نسكن الى هذا المكان وأن الطفلة المليئة بالسنين-أنا- تكفلت بالبحث كل العمر عنهما, وأنهم لا يذكرون انه قد عبر بي وقت من دون هاجس التقاءي بهما وان ذهبا الى ضياعٍ ثانيةً..وتقول اختي أنها ين احست بأنيني الخافت يتسرب عبر عوازل الصوت الى الطبقة المحيطة بقلبها ، طرقت بابي، هاتفتني، حاولت أن تطرق النافذة، خرجت الى شرفتي ودخلت من الشق الذي لا افتأ أتركه للأرواح العابرة، ثم وجدتني ميتة تماماً وزرقاء داكنة، كأن ألف جنيةٍ أجهضوا في عروقي جنين الحياة الأولية، فولولت كما يليق وصرخت ثم نادت امها منتحبةً ، وفي عبور أمها من الباب المغلق دون أن يلتف فيه المفتاح ، لمحت بريقاً ساطعاً تحت يدي اليمنى وكانت الطاسة المنقوشة هناك وقارورة ماء وردٍ جوري تفور بعطرها، فحدث ما كان وأنتبهت أنا، اليوم وأنا مغلولة الى كمين الضجر وعند عودتي الى هنا بحثت عن الطاسة والقارورة ولم أجدهما.

التوقيع:
هو نهر الفردوس.. أو هو اسمي.. أو هو أنا.. كوثر.
أرفلُ في نعمةِ الغفران،
مُحلقةٌ في غيمةِ ود.
كوثر غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس