مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 12-12-2005, 12:25   #1
إبراهيم الوافي
وريث الرمل / شــاعــر وأديب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ إبراهيم الوافي
 

قراءة في نص للشاعر صالح السبيل ( ابونوت )

نّوارة من سحاب الغيث مخلوقه
للشاعر صالح السبيّل .. أبونوت


مادمت تطلب يجيك القلب خفاقي
................... وابشر بهاحاضره مهيب مفهوقه

اعطيك مادام بالي للغنى راقي
..................... ماوافق القلب من طبعه الى ذوقه

تقرير مبداواهيجن عقبه الباقي
....................... اول بيانٍ عن المحبوب واحقوقه

واشوي واعلن لكم بيانٍ لحاقي
................. بغرامي اللي لو ازعل مانكسر طوقه

ابا اخفي اوراقها وابين اوراقي
..................... دعوى غرامي مع الاوراق مرفوقه

لي صاحبٍ من عرفته مابعد ضاقي
.....................منه الوفاء والنقاء والطيب بعروقه

اشتاق له موت والمحبوب يشتاقي
.....................شوقٍ يعادل جروح الوقت وافتوقه

يستاهل الشوق سوق لذوقه الراقي
......................... يا حظ من راس ماله ود معشوقه

لمه جذبني سحاب ولمع برّاقي
........................... نّوارة من سحاب الغيث مخلوقه

قبله مااعرف ان فيه دموع وافراقي
.........................وعقبه تقطّع بوسط القلب معلوقه

الرجم اشوفه ولكن وش لقى الراقي ؟
.................... الارض تحته وقرص الشمس من فوقه

لي كم ساعه وانا واقف على ساقي
..................... واعزّي القلب كود يجوز عن شوقه

وارجع واغنّي ودمع العين حرّاقي
.................... ((الشمعه اللي تجيب النّور محروقه ))

حين تتعثّر بنصٍ كهذا .. ستسقط فوق سلّةٍ من ورد الكلام ، و ستحاول جاهدًا فهم سرّ الروعة التي يمثّلها مثل هذا النص الملتقط من نصوص الدواوين .. لنعيد نشره هنا والتحليق معه وبه عبر كل تلك الأنواء التي يحملها .. بدءا بالأبعاد النتائجية للمواقف والمتمثلة بقوله ( مادمت تطلب ) التي يستهل بها النص .. وانتهاء بإعادة الحكمة أو الرؤيا الخاصة باحتراق الشمعة إلى مجرى الكلام في قوله المنصص بقوسين ((الشمعه اللي تجيب النّور محروقه )) ...
الشاعر الرائع صالح السبيّل أو ( أبو نوت ) كما هو معروف هنا ..كأني به عبر هذا النص يدخلنا في أفقه العام بدون مقدمات ولا توطئة ، حين ينشغل بصدق النص عن التعريف به ، وحين يتوجه بالحديث فيه إلى ( المحبوبة ) ..وكأنها كلُّ المتلقّين .. وهذا تحديدا أهم مسوّغات أو حيثيات وجود مثل هذا النص في هذه الصفحة .. وأكثر ما أثارني فيه .. ناهيك عما اشتمل عليه من انعكاس شجي وشهيٍّ معا للبيئة والعادات والتقاليد المتسمة بالعفّة في الغزل والصدق في الاحتواء والحميمية ...
يبدأ النص كما أشرت بأبعاد نتائجية وعبر فعلٍ ناسخ يفيد الاستمرار في اللغة الفصحى .. والتعليل أو التبرير أو الفعل الشرطي في لغتنا الدارجة هكذا : ( مادمت تطلب ...) .. ثم ينطلق النص كله بأفعال استجابة .. ( يجيك القلب خفاقي ) والتهويم في حالات العطاء عبر بعدٍ فني عميق جعلت من عملية العطاء ذاته فعلا مشابهًا لأفعال الطلب .. وهو بعد معنوي تراثي قديم كأنما هو صدى لقول الشاعر العربي القديم زهير بن أبي سلمى :
تراه إذا ماجئته متهللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وهذا بحد ذاته انعكاسٌ جليّ لشحنة صدق عالية جدا يحملها النص بلغت ذروتها الفنّية عبر هذه التوطئات القادمة من فجر الصدق ونبل الصدّيقين :

اعطيك مادام بالي للغنى راقي
..................... ماوافق القلب من طبعه الى ذوقه

تقرير مبداواهيجن عقبه الباقي
....................... اول بيانٍ عن المحبوب واحقوقه

واشوي واعلن لكم بيانٍ لحاقي
................. بغرامي اللي لو ازعل مانكسر طوقه

ابا اخفي اوراقها وابين اوراقي
..................... دعوى غرامي مع الاوراق مرفوقه

على أنَّ في هذه الأبيات الأربعة تسريب فنِّي عميق وغير مباشر لمساحة التقدير التي تحتلها المحبوبة في نفس الشاعر ..من خلال ( صورة الالتماس ) أو الطلب المتمثله في تقديم مايشبه ( المعروض ) لها ... ونحن اعتدنا غالبا تقديم مطالبنا أو التماساتنا لمن هو أقدر منا على المنْحِ والمنْع ، وعلى القبول والرفض .. وهذا تحديدًا ما أشرتُ إليه من تمثّل راقٍ لجانب العفّة والاحتواء في النص ، من خلال تقدير المحبوبة وبيان علوّشأنها في نفس الشاعر ...
وإذا كان كل ماذكرتُ أعلاه متعلقا مباشرة بالجو العام للنص من خلال الفكرة .. فإن الفكرة ذاتها جاءت بالنص عبر أساليب لغوية تنمُّ عن شاعرية قادرة ومتمرّسة .. لعل أولها اختيار صوت رويِّ القافية في الصدر والعجز ..حينما اعتمدت على حرف ( القاف ) صوتا .. وإن ارتبط بها الياء في الصدر والهاء في العجز دون وضوح صوتي إلا للقاف وهو كما نعلم حرف جوفيٌ عميق .. أضفى على صوت النص أبعادًا وجدانية تتسم بالصدق ، وتحملنا جميعا وبشكل خفي على التصديق والمصادقة على كل الشحنات العاطفية فيه ...
كذلك لايمكن لنا في هذا القراءة الخاطفة أن نغفل التنويع الجميل والشهي في الصور الشعرية فيه بين الأصالة والمعاصرة .. وبين ثقافة البيئة من جهة وثقافة الثقافة ذاتها من جهة أخرى .. فإذا كان في قوله :
لمه جذبني سحاب ولمع برّاقي
........................... نّوارة من سحاب الغيث مخلوقه
أبعادًا بيئية تتعلق بانشغال العربي دائما بمواسم المطر وأنوائه واستحضارها في رؤاه دائما حينما تفرض علينا الحياة التراثية أن تتعلق أبصارنا بالسماء دائما منتظرين للمطر .. أو ( الحياة ) بالنسبة لنا التي يقوم عليها الزرع والضرع .. فإنَّ في قوله : ( نوّارة من سحاب الغيث مخلوقة ) أبعادًا ثقافية ومعرفيَّة تتجاوز البدائية إلى المعرفة من خلال شكل الصورة وتركيبتها السريالية المتطورة ...

والحقيقة .. أن في النص الكثير .. الكثير مما لم تتعرض له مثل هذه القراءة الخاطفة .. لكنني آثرتُ الوقوف دائما بزاوية فنية واحدة أو أكثر من نصوص رائعة هنا عبر هذا الملتقى ، حينما لايتسع لي الوقت دائما لقراءة مستفيضة بشكل أكبر ...

مودتي للجميع



التوقيع:


أنا لم أصفعِ الهواء..
كنتُ أصفّقُ فقط ..!
https://twitter.com/#!/ialwafi




اخر تعديل كان بواسطة » إبراهيم الوافي في يوم » 12-12-2005 عند الساعة » 14:19.
إبراهيم الوافي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس