مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 29-12-2005, 16:42   #1
إبراهيم الوافي
وريث الرمل / شــاعــر وأديب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ إبراهيم الوافي
 

قراءة في نص بنعيد للشاعرة نوف بنت محمد

نعيّد .. قالوا العيد الصغير .. و قلت يا ستار
‏ .......................أعيّد؟‎ ‎و‎ ‎الفرح دمعة يتيمٍ ضــــــاق بأفكاره ؟

أعيّد ؟ و الوطن حكوة مناضل مصلح أو غدار ؟
.........................‏ أعيّد ؟ و الثعل يهتك حدود الليث وأسواره ؟

أعيّد ؟ و الوهن يكسر علينا بـــاقي الفخار ؟
.......................‏ أعيّد‎ ‎؟ و الوفا أفلـس و بإيده صــك بإعساره‎ ‎؟

أعيّد ؟ و الخطا سِمّي عباطه لعــبة الأقدار ؟
........................أعيّد ؟ و القهر يفرض عليــنا نشـــرة أخباره‎ ‎؟

الا يا عيد منتاب عيد أظنك .. دورة الأقمار
.........................‏ ثلاث أيــــام يفرح بك .. غـــريرٍ طــف بأسفاره ‏

الا يا عيد منتاب عيد أظنك .. فرحة التجّار
........................‏ لقى مجناك شـــهـبندر .. رصيده كثرت أصفاره‏

الا يا عيد منتاب عيد أظنك هـدنة الفجار
.......................‏ و ما بين الذنــوب و مغـــفرتها حمـــله و غاره

الا يا عيد منتاب عيد أظنك حكـمة الجبار
‏ ......................علينا تِعـــــزَف أحــزون الزمان و نصقل أوتاره‏

أعيّد ؟ مير مالي عيد معكم ياهلي بالدار
‏ ......................أنا عيدي بدارٍ مــــا وزرت أوزار نــكّـاره

أنا عيـــدي إلا شفت الحرار تعايد الصقار ‏
.......................‏ أعيّد مثـل خــــــلق الله .. وعيدي حــق وأختاره


كنا ..كلما بحثنا عن قلم الأخت الرائعة ( نجدية ) وجدناه يختبئ عادة تحت غيمة نقدية عقلانية تعكس أبعادا قرائية معرفية ..تبلغ ذروتها حينما تمتزج بأبعاد رؤيوية خاصة كما هي في مقطوعتها الرائعة ( وساد السكون ) .. لكنني عثرتُ عليه هنا بنص جدير برسم صورة أخرى للمساق الإبداعي عند أختنا الفاضلة نجدية حينما تجيئنا بحلّة ( بنـ...عيد ) الجديدة لترسم لنا وجها إبداعيا آخر ..جدير بالوقوف والتأمل ..
وأول مايثير اهتمام المتلقي .. لنص بنعيد .. هو الغرض الاستفهامي الانكاري الذي يتكئ عليه النص مصحوبا بأداة الاستفهام ( كيف ) محذوفة مقدّرة .. وهو أول ملمحٍ إبداعي معرفي ، لم يكن لولا تلك الأبعاد المعرفية والحس اللغوي الإبداعي ..حينما تنعكس الرؤيا القرائية لدى الفاضلة نجدية عليها حينما تكتب .. ناهيك عن البعد العقلاني الذي اعتدناه منها في رؤاها الإلحاقية على نصوصنا جميعا هنا ..من خلال تحميل كل بيتٍ في النص وجهًا ( تصويريا ) لزاوية الاحتجاج على قبول العيد بـ ( الوراثة ) دون تحقُّق الحدّ الأدنى من مسوّغات الإحساس به .. وهو في هذا النص ( وأعني الاحتجاج على قبول العيد بالوراثة ) تطويرٌ لذلك الإحساس أو الهم حينما شغل قبلها جدُّنا الأكبر المتنبي حيث وقف ليلة عيد الأضحى قائلا :
عيدٌ بأية حالٍ عدتَ ياعيدُ
لما مضى أم لأمر منك تجديد

أما الأحبة فالبيداء دونهمُ
فليتَ دونكَ بيدٌ دونها بيدُ

وحين أقول تطوير كبير لهذه الرؤيا تجاه الإحساس بالعيد .. فذلك أن المتنبي وقف محتجّا على العيد ذاته حينما حل عليه وهو غير مهيئ له ، بينما كان وقوف أختنا الفاضلة نجدية أكثر صدقًا حينما تركت للعيد احتفالاته وانشغلت بنا نحن حينما لم نفعل لأنفسنا مايجعلنا أهلا لاستقباله ... وهذا بصدق امتدادٌ أيضا لأبعادٍ معرفية أدركت أن المعنى المسبوق إن لم يتم تطويره ..كان للسابق فيه الفضل على اللاحق ، ومن هنا كذلك بدا لنا تميز أختنا نجدية بتطوير الموقف الشعري بصورة عامة ..
إذن .. بمثل هذه الرؤيا أو( البنية التحتية ) التي يقوم عليها النص بهيئته الإجمالية ..تنطلق الشاعرة بتعرية الواقع أو زوايا الاحتجاج .. وتبدأ عبر ( مدخل خبري ) ذو غرض بلاغي يرمي إلى الإنكار قابل للتوالد في المواقف الإنسانية الحالية التي تتعدّد في النص مع توالد أبياته بشكل مستقل ربط بينها حلول العيد كحدث وأبعده عنا حالنا هكذا :
( نعيّد .. قالوا العيد الصغير .. )

لايلبث أن ينتهي ببعد إنشائي عبر نوعين منه أولها النداء بحرف نداء للبعيد معنويا بهدف الاحتجاج .. ( و قلت يا ستار)
.. وثانيهما الاستفهام (..أعيّد؟‎ ) ثم تقدير أداة الاستفهام الحالية المحذوفه هكذا .. ( كيف ) ‎و‎ ‎الفرح دمعة يتيمٍ ضــــــاق بأفكاره ؟
وهكذا يسير النص بوحدة موضوعية ضمنية .. وبرؤى مستقلة بعدد المواقف الإنسانية الحالية .. وفي هذا بصدق عمق فني حينما جعلت الشاعرة من حالة النص وحدة موضوعية له ..ثم جعلت من تعدد المواقف وحدات مستقلة تمثلت في كل بيت من النص .. ليشكّل الواحد منها مسوّغا للاحتجاج .. فكيف بها حين نجمعها جميعا في حالة جماعيّة واحدة...؟!
هذه بالتفصيل الرؤيا ( الأعمق ) لهذا النص العميق .. وهي أهم الجوانب أو الملامح الإبداعية عند أختنا نجدية في مسيرتها الكتابية سواء على مستوى الفعل الأدبي المتمثل بنصوصها المكتوبة أو على مستوى المفاعلة من قبلها والمتمثلة بما تتركه خلفها من بصمات نقدية مؤثرة في النصوص المختلفة التي تمر عليها ...
على أن نص ( بنعيّد ) يعكس جوانب شعرية خالصة في مواطن كثيرة جدا لعل أهمها وأكثرها براعة .. هو إدراك أهمية الصورة المرئية المتخيلة لتحلَّ محل الإقرار في الشعر .. من خلال الاستعارات التصريحية والمكنية التي جاء بها النص :
أعيّد ؟ و الوطن حكوة مناضل مصلح أو غدار ؟
.........................‏ أعيّد ؟ و الثعل يهتك حدود الليث وأسواره ؟

أعيّد ؟ و الوهن يكسر علينا بـــاقي الفخار ؟
.......................‏ أعيّد‎ ‎؟ و الوفا أفلـس و بإيده صــك بإعساره‎ ‎؟

وهذان نموذجان فقط يعكسان هذا البعد الفني ..حينما تقوم بعملية خلق وتوليد وتشخيص للموقف الإنساني ( الوطن حكوة مناضل مصلح وغدار ) فكيف نعيش فرحة العيد .. ثم تحتج برسم صورة أخرى من باب الاستعارة ( الثعل يهتك حدود الليث وأسواره ) وهكذا .. وكل صورة من هذه الصور أو لنقل كل استعارة منها .. تكشف بالفعل تكاملا إبداعيا نموذجيا من خلال استتباع الصورة وملاحقتها ثم تأطيرها بإطار لغوي متكامل ..كما نلاحظ هنا مثلا :
(علينا تِعـــــزَف أحــزون الزمان و نصقل أوتاره‏ ) ..فبين العزف .. والأوتار ..تناغم لغوي لايبلغه إلا شاعر يدرك الشعر وماينبغي له بصدق ...
.. والحقيقة أن نص الأخت الفاضلة نجدية ( بنعيّد ) بكل ( تركيبته ) الفريدة من حيث ( الوحدة الموضوعية المتفرّقة ) إن صح التعبير .. تظافر فيه بناؤه ( الاستقلالي ) بحالته الشعرية العامة ..حينما يغمر العيد الجميع بطقوسه الموحدة ..ثم يتفاوت الإحساس به عند البشر جميعا ..فالنص بطريقته البنائية ( انعكاس خفي ) جدا لمثل هذه الحالة الشعرية .. وهي التفاتة نقدية .. لايشير إلينا بها إلا شاعر متمرّس وقادر على أن يدفعنا دائما بفعل الدهشة إلى المزيد من الإبحار في كتاباته ...



التوقيع:


أنا لم أصفعِ الهواء..
كنتُ أصفّقُ فقط ..!
https://twitter.com/#!/ialwafi




اخر تعديل كان بواسطة » إبراهيم الوافي في يوم » 29-12-2005 عند الساعة » 16:49.
إبراهيم الوافي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس