مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 18-12-2006, 13:05   #22
عبدالواحد اليحيائي
كــاتـب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ عبدالواحد اليحيائي
 

رد : حكايا الصباح والمساء..

.
.
- ألا ترغب في أن تخرج من عقلك أحيانا ؟
- لا، إن خرجت من عقلي سأتحول إلى مجنون، ويبقى بقاء العقل أفضل، ليست كل تصرفات المجانين تدل على عبقرية..
- ما فهمت قصدي..
- ؟!
- قصدت أن تنظر إلى الأشياء بطريقة مختلفة عن مألوفات عقلك.
- كيف؟
- يعني بإثارة الخيال أكثر، أو لنقل بخلق أوضاع مختلفة، أو تركيب شيء على شيء لا يتواءم معه، أو دمج فكره في أخرى مع إلغاء عنصري الزمان والمكان، أو الدخول في الماضي والحديث بلغة المستقبل....
- أو التساؤل عما إذا كان (الانترنت) متاح في الجنة، أو رفع اليد بالدعاء ليجعلك نبيا في كوكب آخر لم تختم فيه النبوة بعد، أو يتحول الحمار إلى الحكمة والإنسان إلى البلادة والحمارية المتبلدة، أو تحدثنا أشيائنا الصغيرة والكبيرة مثل يوم القيامة (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )، لكن تنطق وتحدثنا وتحذرنا قبل يوم القيامة.
- نعم، أشياء من هذا القبيل، لذا سألتك ألا ترغب في أن تخرج من عقلك؟
- إذن أجيبك ليس دائما، لأن الحياة تسير بواقعها ومألوفاتها أكثر مما تسير بخيالاتها وغير المألوف فيها.
- لكن أليس الغيب هو من يتحكم في الشهادة؟ ألست تؤمن بإله وملائكة وشياطين وجن...
- أؤمن بها لتكون سندا في واقع وليس إمعانا في غيب.
- لن تكون سندا حتى تتخيلها ما استطعت.
- ولم علي أن أفعل ذلك، في الحياة الكثير من غير المألوفات، يكفي أن تفتح عينيك وعقلك وقلبك كل صباح، وتستشعر شعور الطفل الذي يرى الأشياء لأول مرة، حينها سيتحول الكون كله إلى غير مألوف، الواقع أن ما تسميه غير مألوف في الأمثلة السابقة هو تغيير للألفة لا يغير شيئا من غرابة ما نألفه حين نراه أول مرة.
- وما ميزة من يفعل ذلك دائما.
- هو الأقدر على أن يكون حالما وبالتالي مبدعا وعبقريا إن أسعفته الموهبة وصقله التعلم.
- أو إنسانا مثلنا أقصد بلا إبداع ولا موهبة لكن بشاعرية ورومانسية أكثر، أرى من أحب فأشعر أنه ورده، وأرى من أكره فأصنفه على أنه قرد مشاغب، وأسمع... وأشم.. مع بعض التغييرات..
- نعم، لكن للمبدع قدرته التي تختلف هنا أيضا، هو لا يكرر التشبيهات حتى لتتحول عند الناس إلى شيء مبتذل، وحتى لتفقد معانيها مع كثرة تكرارها، هو مميز بقدرته على الإتيان بالجديد أو بقدرته على وصف القديم بأسلوب جديد، أو هما معا.
- مثلا ؟!
- يعني: هو لن يقول لك أن حبيبته تشبه الوردة، لأن كل الناس حبيباتهم تشبه الوردة.
- وماذا سيقول إذن.
- مثلا: قد يرى أنك أنت تحبه وتعظمه فيقول لك باختصار شديد: حبيبتي هي أنا، ليستمد من تعظيمك له تعظيما لها.
- ألا ترى أننا دخلنا في الابتذال حين قررنا أن يكون مثلنا مكررا عن الحب والحبيب والوردة...؟
- ربما، لأنه المثل الأقرب والأكثر غلوا في ماديته، لكن لنجرب فلنعمم ذلك على الفنون كلها.
- ؟
- أبدا، لكني أعتقد أن الخيال يتبلد إن لم نمارس معه لعبة التخيل العميق، لعبة تقلب الأفكار والأشياء والأشخاص، بل وتقلب الكون كله رأسا على عقب، وتنظر ضمن ذلك إلى الفنون والأدبيات بل والإنسانيات كلها بنظرة مختلفة عن المعتاد.
- نصبح مجانين، ومهلوسين، وكمعاقري الحشيشة إذن؟!
- نعم، لكن بدون حشيشة.. ، ودون أن نعتقد صواب ما تخيلناه وما غيرناه.
- ومن الذي يقرر الصواب من الخطأ هنا؟
- الناس (الجمهور) يلتقطون الجمال بحسهم الجمعي، ثم يصوغه ناقد عبقري، ثم يعيد بناءه فنان مبدع.
- حتى يبتذل المعنى الجميل بعد حين وتزهق روحه بالتكرار.
- نعم، ويتجدد بحضور مبدع آخر يتخيل ويبدع من جديد، ويلقي على الناس.
- مجنون آخر؟!
- أو عبقري أخر...
.
.

عبدالواحد اليحيائي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس