الموضوع: رع ـشة خلخال ـي
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 10-04-2011, 21:20   #10
قرّة العَينْ
عضو شعبيات
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ قرّة العَينْ
 

وكــــان حـلـمــــاً

( وكــان حـلـمــــاً )



بخُطى مثقلةٍ بالألم، وبنظراتٍ لم تخلو من الانكسار، غادرتْ المكانَ على عجل كي لا يلحظَ وجودَها. في تلك الليلةِ تحديداً لم تعد للحياةِ قيمة، ولم يعد الوجودُ ذا معنى، لم يتبقى لها سوى رفاتٍ من مشاعر خائبة وآهاتٍ تتلوى بين الحنايا.

تبدو المسافةُ إلى حيث أوقفت السيارةَ أبديةً لا نهاية لها. لم تكترث لقساوة البرد التي جرحت نداوةَ وجنتيها، ولم تكترث لتلك الرياح المشاغبة التي بعثرت بإلحاح خصلات شعرها، فارتخت حول وجهها القمري كشلالاتٍ من خيوطٍ عسجدية. كانت ليلةً مُعتمة، باردة، تناثرت فيها دموعُها، وتبعثرت كما النجوم في الظلام، فحملتها النسائمُ بعيدا،ً وتوارت خلف ذلك الضباب الثقيل.

اصطدمت بأحدِ المارة فصاحَ بوجهها حانقاً ، لكنها لم تأبه.. واستمرت تتقدم بخطواتٍ سريعة وبكثيرٍ من اللامبالاة.. خطواتِ امرأةٍ تائهة بين صدمةٍ وزحام. طوال الطريق استعادت ذكرياتٍ من الماضي القريب، فلم تعد تبصرُ أمامها سوى بقايا صُورٍ بالية لامرأةٍ وهبت قلبَها وروحها دون هوادة.. إمرأةٍ عشقت بجنون ذاكَ الرجل النرجسي وعاهدت نفسَها أن تصون حبَه رغم كل الظروف.

تجاوزت الشارع بيأسٍ بالغ، وبلغتْ دكةَ الطريق حيث صعدت إلى سيارتها بهدوء، وسادت لحظةُ صمتٍ حينئذ.. صمتٍ صارعَ دوي صرخةٍ عاجزةٍ لروحٍ تستغيث ولا تستكين في أعماقها. لم تستطع أن تتحرر من هول الصدمة والخذلان، كانت الخيبةُ قاتلة والألمُ لا يُحتمَل.. فأجهشت بالبكاء.

التفتتْ إلى المقعدِ المجاور حيث وضعتْ نهارَ اليوم العلبةَ الأرجوانية والوردةَ الحمراء.. هديتها له بمناسبة مرور عامٍ على حبهما. تأملتهما بفيضٍ من الحسرة والمرارة .. ودون تردد قامت بتمزيق البطاقةِ المرفقة حيث كتبتْ له " كـل عـامٍ وأنت حبـي". بعد حين.. مسحت الدموعَ بيدينِ ترتجفان، وتذكرت كيف كان ذات يومٍ يمسحها بأنامله، ويردد لها (أحبــكِ.. أحبــك) فتنسى حزنَها فوراً حين احتضان. ثم استدارت نحو المقهى الذي غادرته توّاً متأوهةً مخدوعة.. تترقبُ خروجَه منه لتراه مجدداً ولكن للمرةِ الأخيرة.

مضت دقائقُ بغيضة ببطءٍ شديد، كانت كفيلةً لتشعلَ نيرانَ الغيرة والغضب في قلبها النازف. فجأةً.. لمحت ذلك الطيف .. ما أن خرجَ إلى النور حتى تيقنت أنه هو لا سواه.. حبيبُها.. يحملُ بيدٍ باقةً من التوليب الأحمر، ويده الأخرى محآطةٌ بتلك المرأة.. يقرّبها نحوه.. يضمها إليه بحرصٍ شديد ليحميها من البرد.. يتشاركان ذات المعطف.. ويغادران معاً مبتسمَين.. يتهامسان بلهفة، وعيناهما تتبادلان نظرات الوله والغرام. أطبقت جفنيها، وكتمت ونات الغدر والهزيمة بشجاعة، لكن دموعها أبت إلا أن تكشفَ عن مقدار الألم والفاجعة. كانت تلك اللحظات لا تتعدى خفقتي قلب بَيدَ إنها هوت بها سبعين خريفاً في جحيمٍ هالك. حبستْ أنفاسَها، ورجَت لهنيهة لو أن الأرضَ تنشقُ رأفةً.. فتختفي بها ولا تعود. تلاشت أحلامُها تحت ذلك المعطف اللعين وبين زهور التوليب المقيتة في تلك الباقة، ودُفِن حبُها في ليلةٍ غابَ عنها القمر بعد أن تجلّت الحقيقة التي فضحتْ زيفَ حبِه وكذبَ مشاعره. إن الباطلَ لا يدوم والأوهام مهما كانت حُلوة لا بد أن تُواجَه بالواقع.

التقطت العلبةَ الأرجوانية كذلك الوردة .. تأملتهما بعينِ الأسى والحُرقة.. ورمت بهما خارجاً بهدوء. أمسكت المقود بيدين باردتين تتأهبُ للرحيل، وألقت نظرةً أخيرةً على هداياها.. كانت الريحُ تتلاعب وتعبث بها مثلما عبثَ هو بمشاعرها، وأوهمها بحبـه، ومثّل إخلاصه حتى سقط القناع فخان العهد وطعنها حيثُ النبض.

جمَعت بقايا إرادتها.. ولملمت شتاتَ قلبها.. أدارت مفتاح السيارة، فودّعت ما كان حلمـاً.. ورحـلت.


. . .

( )


.
.
.

التوقيع:
[.. قرّة العَينْ ..]
قرّة العَينْ غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس