مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 11-02-2004, 18:25   #1
ابونوت
شـــــاعــــــر
 

ذكرياااااات فقط

أعزّائي
كتاب ومرتادي مواسم اشعر تجاه هذا القسم بتقصير وان كان غير متعمّد إلا أنه مؤلم ، أعرف أنني لا أجيد كتابة الخواطر المؤثرة والعواطف الجيّاشة ، ومع ذلك أحاول أن اقرأ ما يكتب بين الفينة والفينة .
ما دعاني لكتابة هذه المقدمة أن ما سأكتبه اليوم لا يعدو أن يكون تباريح مضن أمضه الشوق والحنين إلى ساعةٍ مضت ولن تعود وإليكم الحكاية من البداية .

كان لي معه جلساتٍ حميميّةٍ اعتدنا على تكرارها كلما حضر من المدينة .
كان كثير الشكوى من المدينة
كانت أسعد لحظات حياته هي تلك التي يقضيها في قريته الوادعة ،، نعم إنّه حضاري المظهر والتفكير ، ولكنّه لا يحب صخب المدينة وضجيج الحياة فيها ، ثقافته خليط من الذكريات والتجارب وشيئٍ من القراءة والتحليل المنطقي للأشياء .
أسلوبه الجميل يجبر السامع له على متابعة حديثه متشوقاً إلى المزيد منه .
ليّن المعشر هادى الطباع بهي الطلعة يتمتع بروح الشباب رغم وميض الشيب المسيطر على اغلب شعره .
يحبه أبي كثيراً
لهذه الأشياء مجتمعة تولد لديّ حباً شديداً وإعجاباً فريداً بشخصيّته السحريّة الرائعة .
أجد متعةً بمتابعة حركاته ، وسكناته ، ينتابني شيء lمن الإعجاب بالنّفس حين أشاركه الحديث ، وإن كان يحدث الجميع بنفس اللغة الودودة والروح الرفيعة والشفافيّة المطلقة .
باختصار كان عالماً من الإثارةِ والبهجة لمن هوَ مثلي .
لم تغيره السنون فرغم معرفتي به منذ نعومة أظفاري ،، هاهوَ بحركته الرتيبة يمر بأطراف أنامله على حاجبيه النحيلين وأطراف أكمامه الناصعة البياض وكأنه يطمئن على هندامه ...
هذه الليلة لم يختلف منه شيء رغم اختلاف المكان والزمان .
فقد كنّا في رحلة برية والليل بارد والنار يغالبها النعاس والهدوء يخيّم على المكان والمسيرةُ كانت طويلة .
رفاقنا أضناهم التعب وأوَو إلى فرشهم حال وصولنا .
أنا وهوَ بقينا نتحدث عن الصحارى والمناخ والنباتات ،، حدثني عن الطريق والمكان ، هوَ يجذبه حب الطبيعة وأنا يسحرني أسلوبه الجميل وحياته الحالمة ،،
وأخيرا تكلم عن النجوم ،، للوهلة الأولى ظننت أن لدي الكثير لأقوله ،، فاكتشفت أن لديه الكثير لأتعلمه .
تحدث عن النجوم حديث العاشق
عرّفها فلكياِ ، ثم مناجيا ، ثم استعرض أجمل الأشعار فيها
كيف تغنّى الشعراء وسامروا وباحوا وحذروا واشتكوا منها واشتكوا إليها
المعري يصورها قلائد عروس
وأبي تمام يحذر منها
وهذا يسألها عن الحبيب حين أطلت ذات مساء وهذا يستدل بها طريقه وموعد زراعته أو اقتراب النزول على الموارد ولقيا ألأحبه
قال الكثير وشرّق وغرّب ،، وددت أن الليل يطول ،، ونسيت أنه تجاوز الستين وتلزمه راحة بعد تعب
قلت بلا وعي : هل آتي بفراشك ؟
ابتسم ونظر إليّ وقال : لي سبعة عشر عاماً لم اقض ليلة مثل هذه الليلة
قالها وكأنه يعاتبني على رغبتي حرمانه من ذلك
شعرت بغرور لا أدري من أين أتى ، قلت متلهفاً هل اصنع مزيداً من القهوة إذاً ؟
أجاب لا بأس
بدأت أعمل بهدوء محاولاً أن لا أشتت ذهنه ، وأن أكون معه
اعتدل في جلسته وروى أبياتا جميله من قصيدة لشاعر العشق العذري ، قيس بن الملوّح قال :
اسمه قيس من بني عذره عشق بجنون وضحّى بجنون إليه ينسب الحبّ الشريف فيقال حبٌ عذري
ثمّ أردف قائلاً ويأتي الفلاسفة ليقولوا (( العشق أنانيّة ورغبة تملك للآخر ))
لم ينظروا لتلك التضحيات وكيف عاش هائما على وجهه هاجرا الحياة التي يعيشها أقرانه بين الملذات
فقلت معجبا بما يقول : صدقت .
شعرت بشيء من الخجل . هل كان ينتظر أن أصدقه ؟ وهل ما يقوله يحتاج إلى مصادقتي ؟
لم يطول انتظاري ، فقد بادرني بسؤال وكأنه يعلمني طريقة جديدة من طرق الحكمة والأدب :
هل العشق ضرورة أم ترف ؟
فالتفتّ بطريقة لا تخلو من تسرع ، فقال : لا تُجِب . إن كان ضرورة فلما لا يعشق الجميع ؟
وإن كان ترفاً فلما يعشق المُعدمون
ازدادت حيرتي ولأول مرّة أشعر أنه يجهل شيئاً وأنا لا أستطيع على مجرد التفكير
مددت يدي بفنجان القهوة والتي تعبق برائحة الهيل والزعفران ونكهة القرنفل والزنجبيل
أخذ الفنجان وهو يقول : كفاك حيرة ، فأصعب الأسئلة تناسبه أسهل الإجابات
دعنا نقول لا ندري ، وإن حاولنا أن نعرف فسنفسد الحب كما أفسده الفلاسفة من قبل
وبعد صمتٍ قليل سألني وهو يبتسم كعادته : هل عرضت عليّ قبل قليل أن تأتي بفراشي ؟
فقلت : نعم قبل ثلاث ساعات فقط ابتسم مدركاً كم مضى من الليل وكم بقي
وما كدنا ننام ساعة إلاّ وعبدالله يجهر بالأذان لصلاة الفجر
لنصلي ونشعل النار من جديد نرقب فجراً جميلا وربيعا مختلفا وكلاما لمحدثي أروع من حديث المساء
.


اخر تعديل كان بواسطة » ابونوت في يوم » 11-02-2004 عند الساعة » 19:48.
ابونوت غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس