الموضوع: حَـكَـايـا
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 18-10-2006, 20:32   #17
ثامر الشعيفان
شـــاعر
 

رد : حَـكَـايـا رمَـضَـانِـيِّة




أكد المحققون والباحثون العرب بأن منهج الرومان في الشعر هو " أعذب الشعر أكذبه " أما منهج العرب فـ " أعذبه أصدقه " اخترتُ لـ نفسي ولكم من أصدق الشعر أعذبه

من روائع المراثي
جزءٌ من محاضرة ( من أعذب الشعر ) للشيخ : ( عائض القرني )

التهامي شاعر عجيب، مات ابنه وهو في الرابعة عشرة من عمره، وهذا السن عجيب الرابعة عشرة والعاشرة وما حولها، أحسن سن للشباب، ولذلك تجد أهل المصائب إذا أصيب بابن في هذا السن، يبلغ ببعضهم -إن لم يمده الله بالصبر- أن ينهار.

رثاء التهامي لابنه

هذا لما مات ابنه نظم قصيدة رائعة من أروع القصائد، بديعة، يقول فيها:

حكم المنية في البرية جاري......ما هذه الدنيا بدار قرار
إني وترت بصارم في رونق.......أعددته لصلابة الأوتار
جاورت أعدائي وجاور ربه.......شتان بين جواره وجواري



يقول: أما أنا فبقيت مع أهل الدنيا وأهل النكد، وأما هو فأخذه الله إلى جواره:
جاورت أعدائي وجاور ربه.......شتان بين جواره وجواري
يقولون: رئي التهامي في المنام فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، فقالوا: بماذا؟ قال: بقولي:
جاورت أعدائي وجاور ربه.......شتان بين جواره وجواري

يقول ابن القيم : لله در آسية عليها السلام امرأة فرعون يوم قالت: إِذْ قَاَلت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] قال: فقدمت الجار قبل الدار؛ إِذْ قَاَلت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] لم تقل: ابن لي بيتاً في الجنة عندك، وإنما قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] فقدمت الجار قبل الدار، وهو جوار الله عز وجل، ونسأل الله عز وجل أن نكون من جيرانه في دار النعيم.


رثاء زوجة لـ جرير

رثاء الزوجات وارد، وهذا لمن يكون بينه وبين أهله ألفة، توفيت زوجة جرير فرثاها بمرثية، يقول:
لولا الحياء لهاجني استعبـار.......ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولقد نظرت وما تمتع نظرة.......في القبر حيث تمكن المحسار
صلى عليك الله ما سنح الدجى.......والصالحون عليك والأبرار
أبيات طويلة، لكنها من أعظم ما قيل في رثاء الزوجات.



متمم بن نويرة

دخل متمم بن نويرة على عمر رضي الله عنه، ومتمم شاعر من شعراء العرب، فقال عمر : يا ليتني يا متمم كنت شاعراً، فأرثي أخي زيداً ، وزيد أسلم قبل عمر واسمه زيد بن الخطاب ، أسلم قبل عمر ، وهاجر قبل عمر ، واستشهد قبل عمر في اليمامة ، وكان عمر كلما ذكر زيداً يقول: [[والله ما هبت الصبا من نجد إلا جاءتني بريح زيد ]] والصبا الريح، التي تهب من المشرق وزيد قتل في اليمامة في جهة نجد ، فكان عمر يبكي دائماً يقول: يا ليتني كنت شاعراً، فأرثي زيداً .

ومتمم هذا قتل أخوه مالك بن نويرة ، قتله خالد بن الوليد ، فلما قتله بكى متمم على أخيه حتى ذهبت إحدى عينيه، يقول:

وكنا كندماني جذيمة برهةً.......من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا.......أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً.......لطول اجتماع لم نبت ليلة معا


يقول: ما كأنا عشنا ليلة.

الفراق عند العرب من أعظم ما يكون، وأشد شيء على النفس الفراق، قيل لـجعفر الصادق رضي الله عنه وأرضاه: لماذا لا تصاحب إخوانك؟ قال: خوف الفراق؛ كأنه يقول: أستوحش إذا فارقتهم، ولذلك أتركهم من أول الطريق، وكان الحسن البصري إذا ودع إخوانه يبكى حتى يخاف عليه.

ويقول:
وخفف وجدي أن فرقة واحد.......فراق حياة لا فراق ممات

وكان المتنبي يوم فارق سيف الدولة وهو غضبان عليه يقول:
فراق ومن فارقت غير مذمم....... وأم ومن يممت خير ميمم
رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى.......هوى كاسر كفى وقوسي وأسهمي



يقول متمم في أخيه مالك وكان إذا رأى قبراً بكى:
لقد لامني عند القبور على البكا ....... رفيقي لتذراف الدموع السوافك
فقال أتبكي كل قبر رأيته ....... لقبر ثوى بين اللوى بالدكادك


كلما مر بقبر بكى لتذكره قبر أخيه، والله المستعان، أخوه قبره كان بعيداً في بادية من بوادي العرب، لكن إذا رأى أي قبر بكى، قال:
فقال أتبكي كل قبر رأيته....... لقبر ثوى بين اللوى بالدكادك
فقلت له إن الشجى يبعث الشجى.......فدعني فهذا كله قبر مالك



رثاء أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي

والرثاء عند العرب جميل، كان أحد قواد العرب واسمه محمد بن حميد الطوسي في عهد المعتصم العباسي يقاتل الكفار من صلاة الصبح حتى غربت الشمس ثم قتل، أتدرون كم كان عمره؟ يقولون: ما يقارب السادسة والثلاثين، فكان شاباً قوياً، وكان مؤمناً بالله، لبس أكفانه من الصباح، وأخذ يقاتل بالسيف حتى تكسرت سيوفه، فقتل مع الغروب، فلما قتل قال فيه أبو تمام الشاعر قصيدة يرثيه بها، فلما سمعها الخليفة قال: والله الذي لا إله إلا هو لوددت أني قتلت وأنها قيلت في.

وكان كلما كسروا سيفه أخذ سيفاً آخر، فيكسرونه، فيأخذ ثالثاً حتى وصل الغروب، وقد كسرت يده فقتلوه، يقول أبو تمام :

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر....... فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
توفيت الآمال بعد محمد ....... وأصبح في شغل عن السفر السفر
فتى كلما فاضت عيون قبيلة ....... دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر
تردى ثياب الموت حمراً فما دجا ....... لها الليل إلا وهي من سندس خضر
ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة ........ غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر


يقول: حتى الأرض كانت تتمنى أنها كلها قبر لك
وما مات حتى مات مضرب سيفه ....... من الضرب واعتلت عليه القنا السمر

يقول: لم تمت حتى تكسرت السيوف وتقصفت عليك الرماح:
وقد كان فوت الموت صعباً فرده.......عليه الحفاظ المر والخلق الوعر
ونفس تعاف الذل حتى كأنه ....... هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
عليك سلام الله وقفاً فإنني ....... رأيت الكريم الحر ليس له عمر


إلى آخر ما قال، وهي من أبدع ما قيل.



جرير يرثي بشر بن مروان

يقول الحسن البصري : دخلت على بشر بن مروان أخي عبد الملك بن مروان ، والي العراق ، يقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق........من غير سيف ودم مهراق


قال: فدخلت عليه فوجدته غضاً سميناً، عنده الأطباء، وعنده الحشم، وعنده المغنون، وعنده الشعراء، قال: ثم خرجت وجئته في اليوم الثاني، وإذا هو مريض في سكرات الموت، قد نزل من سريره، وكشف فراشه، وهو يتقلب على التراب، ويبكي ويقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29].

انظر بالأمس كيف كان، وكيف هو اليوم، أمس على سريره وعنده الوزراء والأمراء والشعراء والأدباء والمغنون، والآن على التراب يقول: ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانيه، قال: والله ماخرجت من قصره حتى مات، قال: فحملناه إلى المقبرة، فأتى الفرزدق الشاعر فقال:
أعيناي إن لم تسعفاني ألمكما.......فما بعد بشر من عزاء ولا صبر
ألم تر أن الأرض بعدك أظلمت ........ وأن نجوم الليل بعدك لا تسري



ذكر الذهبي أن محدثاً من المحدثين رحمه الله كان في سكرات الموت، فسمع أحد طلاب الحديث يقول: حدثنا فلان، عن فلان، وهذا المحدث على حافة عالم الآخرة، ولكن تذكر مجالس الحديث ومجالس العلم، فبكى كثيراً ثم قال: أجلسوني، قالوا: أنت في وضع خطير، قال: أجلسوني، فأجلسوه، قال للطالب: أعد قول حدثنا، فأعاد فقال:

سقوني وقالوا لا تغن ولو سقوا ........ جبال سلمى ما سقيت لغنت


البيت هذا لرجل من العرب أسروه، ثم شرب الخمر فغنى ورفع صوته، قالوا: لا تغن تسمع الأعداء، قال: تسقوني الخمر ولا أغني، ولذلك الخمر والغناء شريكان، وهما طريقان إلى النار، وإنما ذاك يقول: أسمع الحديث ولا أجلس، وأنا روحي في الحديث.
أحد المحدثين يقول في الرسول صلى الله عليه وسلم:
من زار بابك لم تبرح جوارحه........ تروي أحاديث ما أوليت من منن
فالعين عن قرة والكف عن صلة ........ والقلب عن جابر والسمع عن حسن


هؤلاء الرواة ولكن هو حولها إلى أسماء، يقول:
يا رسول الله من أتى إلى بابك أصبحت جوارحه تروي ما أمليت من هذا العلم، وقرة العين توافق اسم قرة بن شريك من المحدثين، والصلة توافق اسم صلة بن أشيم المحدث، وجابر القلب توافق اسم جابر بن عبد الله ، وحسن السمع يوافق اسم الحسن البصري ففي البيت تورية، فالكلمات كأنها أسماء الرواة وهو يقصد معاني أخرى.



المصدر : تسجيلات الشبكة الإسلامية
http://audio.islamweb.net


اخر تعديل كان بواسطة » ثامر الشعيفان في يوم » 18-10-2006 عند الساعة » 20:37.
ثامر الشعيفان غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس