مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 19-03-2009, 21:58   #1
نفع القطوف
عضو
 

البدر .. عندما طاح (جفن الليل)



هناك الكثير من الشعراء ممن تشهد لهم ساحة الشعر
وتخصهم بالإبداع كنتيجة حتمية
لما قدموه من شعر راقٍ يجيُر لصالح الساحة الشعرية

والبدر أحد الدعائم الأساسية التي يرتكز عليها الشعر
فقصائده .. اعادت الشعر إلى نصابه الصحيح
ومكانته الغائبة .. وهيبته

كلمة صدق .. بحق هامة الشعر ومهندس كلمته
فالبدر لا ينتمي لزمن أختلط به حابل الشعر بنابله
وذلك عطفاً على جميع التعليقات التي تشير دائماً إليه
ولا تزال الحروف .. تشيد به مدرسة للشعر

وللمكانة التي تحتلها قصائده .. وددت أن أطرح قراءة
لقصيدة أثيرة .. ورد إعتبار لكلماتها حين رد

وكلي تطلع .. لنيل إستحسانكم لمشاعري التي كتبتها

(قصيدة .. جفن الليل)


يقول البدر :
1- يطيح جفن الليل واهز كتفه .. نجمٍ يشع وباقي الليل مطفي

الليل رفيق الوحدة .. وصديق الإنسان منذ الأزل
وشاعر كالبدر يرى في قدوم الليل أمر مخالف لما يراه الناس
فعندما يسدل الليل جفنه يكون إيذاناً ببدء وقت النوم
ولكن البدر .. يوقظ الليل بهز كتفه كي ينبهه ليستيقظ

وهو تصوير بالغ الدقة والجمال يتمثل في جعل الليل إنسان
له جفن وكتف .. وحسبه من هذه الإستعارة التي منحها لليل
كي يكون صديقاً له يحاوره ويناجيه بمكنونات صدره
ويسامره لأنه يراه صديقه في وحدته

أيضاً البدر .. رسم الليل الحالك السواد شعراً بصورة من أروع الصور
ويتضح ذلك من وجود بعض النجوم التي تضئ السماء
ليؤكد قلتها .. أمام باقي الليل الذي تعمه الظلمة الحالكة

2- واحاكي الجدران عن وصف غرفه .. ماتشبه الجدران ويطول وصفي

عندما يتكلم عن محادثته للجدارن .. هو دليل على الوحدة
وليس هناك من يصغي إليه وينصت إليه سواها
يروي لها حكاية شئ يشبه الغرفة .. وإن أختلفت الجدران

فهو يحدثها عن غرفة قلبه .. وجدران قلبه المغلقة
على هموم لا يراها غيره ولا يشعر بها سواه

3- وتملني الجدران واظهر لشرفه .. تحت السما واسكر الباب خلفي

هذا البيت يحتوي على خصلة فريدة .. ويندر حدوثها
إلا لمن يمتلك مثل ذلك الحدس/والحس في قراءة الآخرين
والشعور بأحاسيسهم

والبدر هنا .. اتصف بميزة الشعور والأحساس بالأخرين
فما كان منه سوى الكف عن الإسترسال بالحكي خشية
ممل من يحادثه .. وإن كانت جدران تفتقد الإحساس لأنها جماد

4- ريحٍ تهب وتسكن العظم رجفه .. وتموت ريح وتسكن اوراق نزفي

أنها رياح الذكريات .. تعصف بالعظام وتدع الرجفة تسكن بها
تلك الرجفة التي تشعر بها سائر عظام الجسد .. فهي رجفة ألم الحنين

لا تغادر الروح حتى تهدأ وفي الهدوء سكنة وراحة لنزف طال الروح
فهي كالأوراق عبثت بها رياح أقوى من الإحتمال .. لأنها رياح
ذكريات مازالت تسبب النزف .. وكم للماضي من حنين مؤلم

5- على الروابي تهطل دموع وطفه .. وتصب لمع بروقها وسط طرفي

في هذا البيت .. يتجلى المقصود من البيت الذي يليه
فقد عمد الشاعر إلى خياله الخصب .. لربط لأبيات
فذكره للروابي وهطول سحابتها على الروابي
رسمه الشاعر بخياله وتصوره
فالوطفاء هي سحابة محملة بتباشير المطر
ويصاحبها البرق .. حال هطولها
فمتى ما هطلت تلك السحابة فهو يرى .. برقها اللامع بطرفه
دليل على إنهمارها على الروابي وإن كانت المسافة بعيدة بينه وبينها

6- ياطاري الغدران والعمر رشفه .. مع قلها ياليتها يوم تصفي

البدر له مبرر لذكره الغدران ففي هذا البيت تظهر براعته
في ربط البيت السابق بهذا البيت فهطول السحابة على الروابي
يجعله يذكر ماء الغدير ليكون الصحيح أنه يعني بقوله
(وعلى ذكر الروابي) أو عندما طرت على باله الغدران
جعله يذكر شرب ماء الغدير وهو بالكاد يكون
ماء صافي القراح صالح للشرب مالم يعكره الطين
لإنسيابه وإختلاطه بالماء
وهو هنا يشبه العمر بتلك الغدران التي لا يصفو ماؤها إلا قليلاً
فهو يتحين أن يصفو له الزمان يوماً ما
كي يهنأ فأيام المحب يصاحبها كدر وعدم صفاء
وليس أمامه أمنية سوى أن يتمنى أن تصفو يوماً

7- الحب واجد مير الاقدار صلفه .. والأرض واجد لكن الحلم منفى

يذكر بأنه قد يجد الحب لدى غيره .. ولكن قدره في حب يجده
في مشاعره لإنسان آخر تقف دونه الأقدار القاسية

فالحب ليس إختيار يصنعه بإرادته .. لأنه مشاعر وإحساس قلب
ليس هناك .. سبيل له عليه .. ولا يد

وكذلك يجد أن حلمه (والأماني حلم) .. لا ينتمي لأي أرض
بل هو حلم رحل بعيداً إلى أرض من يحب
شعور يتوافق مع (ماخترت أنا أحبك .. محدٍ يحب اللي يبي)

البدر قادر على إيجاد مرادف للكلمات
لتتوافق مع المعنى الذي هو بصدده
فالمقصود بكلمة الأرض .. ليست الأرض
المعنية بالأرض الترابية
وبنظرة دقيقة إلى معنى الأبيات .. سنجد مايوحي إليه البدر

فالحب .. والأرض .. معطوف ومعطوف عليه
ومن ذلك سأذهب إلى تفسير معنى الارض
بأنها هنا هي القلب أو المشاعر
وبالتالي الأقدار والحلم .. تتوافقان تماماً مع ماكتبه البدر

8- واللي اعرفه راح ماعاد اعرفه .. ولاظن يذكرني الى أقبلت مقفي

في هذا البيت .. تأكيد حتمي لنتيجه شعوره بالألم
فعندما يكون الجفاء أكبر من إحتماله
جعله ينكر معرفة من كان له حبيب
ليكون الخطاب معبراً عن حالته هو فقط
وكأنه يريد أن ينفي وجوده
وأنه لم يعد يعني له حبيب .. أوأنه هو من أحبه

ويأتي البدر .. بصورة جداً رائعة .. عندما يذكر
بأن ذلك الحبيب لن يذكره كما كان يشعر به من قبل
بل سينكر معرفته لتغير إحساسه نحوه
لأنه سيرى الفارق بين ماكان يكنه له من محبة
وإختلافها عن السابق
لذا سيكون مقبلاً بشخصه .. ومقفياً أو مبتعداً بشعوره

9- ماهو حبيبي مورد القلب حتفه .. ولا هو حبيبي يفرح بوقت ضعفي

البيت السابق .. كان يحدث نفسه حديث واقعي
والجميع يلجأ إلى ما لجأ إليه
فالتساؤل أردفه بإجابة واضحة .. لأنه تساؤل إستنكار

فالحبيب لا يسعى لإيصال قلب من يحبه إلى حتفه/موته
ولن يفرح بهزيمة مشاعر من أحبه .. أو ضعفه
وليس الحبيب من يكون سبباً في تعاسه محبوبه

فكان البيت هذا إستنكار .. وإحتجاج
على فعل معاكس .. ومغاير لفعل المحب تجاه محبوبه

10 مر ثمر هالليل وأمر قطفه .. يالحنظل اللي قمت اذوقه بكفي

هنا .. يتحدث عن حقيقة لا عن حلم
ومحال أن يكون هناك سبباً في تداعيات الحلم

فالليل عندما يأتي .. يكون محملاً بثماره المختلفة عن أي ثمار
إنها ثمار الذكرى والتذكر .. التي تطوف على البال
ومرارتها لكونها ليست مستساغة الطعم لديه

فكانت أمرَّ مذاقاً من الحنظل/الشري حينما قطف ثمار الذكريات

وهو تصوير خيالي أبدع فيه البدر بأن جعل هناك
ترابط بين الليل والذكريات المصاحبة له
وذكره للحنظل جاء ليقر بحقيقة فعله
فهو ترك العنان لفكره كي يقطف من ثمار الليل أمرَّ الذكريات
مقارنة بتناوله للحنظل بيده .. وتذوقه بإرادته لا رغماً عنه

11- متى الشوارع تجمع اثنين صدفه .. لا صار شباك المواعيد مجفي

هي أمنية محب .. عندما تكون هناك إستحالة في تحقيق الأماني

البدر .. يشبه المواعيد التي أصابها الجفاء بالشبابيك المغلقة
والصدفة التي هو بصددها .. ماهي سوى ترجمان للأمنية

12 يابنت تو الليل ماراح نصفه .. وياليل بعض اللي مضى منك يكفي

في هذا البيت .. خطاب موجه لشخص بعينه
فهو يحادثها بأن كل تلك المشاعر وتلك الأحاسيس
التي تواجدت بالليل .. كانت فترتها لم تتجاوز منتصفه
ومع ذلك كان ألم مرور الذكريات كبيراً

ويخاطب الليل .. بأن مامضى منه من وقت .. كان كافياً
ولا يريد أن يستمر .. وكأنه بهذا الخطاب
يتمنى أن يأتي الفجر سريعاً
فالليل كان منهكاً لتفكيره .. ومؤلم في وحدته
وفي الفجر .. إشراقة لصبح يرى به كل سكينة وإرتياح


مودتي


نفع القطوف





اخر تعديل كان بواسطة » نفع القطوف في يوم » 19-03-2009 عند الساعة » 22:17.
نفع القطوف غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس