مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 16-07-2002, 22:51   #1
مصوت بالعشا
عضو
 

دعوني أتحدثُ عن هذا الرائع !



لا أدري لماذا أنا مشغولٌ حتى النخاع بهذا الإنسان بدر بن عبدالمحسن ، أو قل : هذه الظاهرة الحضارية ! ..

أشعرُ أنه جاء مبكراً ؛ ولأنه كذلك ، فهو يكتب الشعر بشروط المستقبل ، ولأناس لم يولدوا بعد ، و لحضارة لم تطأ قدماها صحراءنا حتى تاريخه ..

لم نوفه حقه ، ولم نعرف ماذا يكون ، ومن يكون ... تماماَ كالظواهر التاريخية ، التي تمر على معاصريها مرور الكرام ، ليكتشف أهميتها التاريخ فيما بعد..

هو تماماً كأبي تمام ، عندما قال عنه معاصروه :" كأنه أتخذ على نفسه عهداً أن يقول ما لا يُفهم !" . لم يفهمه معاصروه ، لأنه تماماً كالبدر ، جاء مبكراً ، وبقي ـ رغم الدهر ـ عَـلمٌ يريفرف في كل عصور الشعر العربي ..

قالوا : إنه شاعرً عامي ، والعامية لا ترقى بصاحبها إلى العالمية والتاريخ . ونسيوا أن "الإلياذة " ، أهم نص شعري في تاريخ الأدب العالمي، كانت عامية اللغة . كما أن أمرىء القيس لم يكن في حينه إلا شاعراً عامياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، حيث أن لغة إمرىء القيس ، وكل الشعراء الجاهليين ، فضلاً عن صدر الإسلام ، التي ينظمون بها شعرهم هي لغة تخاطب العامة ، ولم يكن ثمة لغة أرقى ، أو أعلى في الفصاحة ..

الشعر هو الشعر ، أما اللغة فوسيلة . والشاعر العظيم هو الذي يكتب الشعر ، ويخلق اللغة . وبدر يكتب الشعر ، ويصنع اللغة ..

والشاعر العظيم هو أول من يعرف أنه عظيم . لا يهمه ما يقول الآخرون ، و لا يعنيه أن يكون ما يكتب مواكباً للذوق السائد ، لأنه يرى أن أهم منطلقات رسالته الشعرية أن يصنع " الذوق الجديد "، لا أن يكتب تلبية لماهو سائد أو مألوف أوُ مجتر ..

والشاعر إذا لم يكن " واثق في شعره " حتى الغرور والنرجسية، لا يمكن أن يكون شاعراً متميزاً ، ناهيك عن أن يكونَ بدراً في سماء الشعر . لذلك كتبَ بدر :

ياسيدي ، والله ما اشوف الانداد
أنا وحيد الشعر ، ما خلق ثاني !

ولم يجانب الصواب فيما قال . فرجلً كتب ذات ليلة مفعمة بكل ماهو جميل :

الصدق..
ما ينقش العصفور ..
في تمرة العذق..
وما وشوش الدبور ..
في زهرة الرمان..

والصدق ..
مازاعت أرض جوفها
بركان..
وما يحفر الأظفر في جلدة المجدور ..
وش يخفي الإنسان .. الطيب .. المغرور ! ..

وكتب :

إنتي عيونك هالمدى... بحر وطيور مهاجرة ..
تركت في شطه صدى .. صوتٍ تجرح آخره..
ليتك سمعتي صرختي .. بالحيل كانت صادقه..

وكتب :
المـا عيـوني أظهـريني مـن المـا
وأنـا غريـق الدمع والريق يابس

ظميـان من مثلي من النـاس يظما
وأنـا علـى أحلى الينابيع حارس

وكتب :

الحمل ماهو اللي تشيله كتوفي
الموت لا صارت كتوفي هي الحمل !!!!

وكتب :

وقتنا دايم يجي
فـ الزمان اللي يروح ..
وان سألتيني أحبك ..
كثر ما تشفى الجروح ! ..
اشطبيني الف ذكرى .. واكتبي ..
اللي يتذكر .. غبي
واللي ما ينسى غبي
ودي اشوفك .. باقي لحظه
هذا كل اللي أبي ..

وأخيراً .... أليس من يكتب هذه الروائع جديرً بكل إستحقاق أن يقول : ( أنا وحيد الشعر ما خلق ثاني ) ؟؟ ..




التوقيع: يا مجدّله شعرك نفود .... وعالي جبينك هالنجود
وقلبك هضابٍ بينها .... أطهر مكانٍ في الوجود !
مصوت بالعشا غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس