مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 16-08-2008, 04:19   #12
بابل
أديب
 

صدرٌ يتنفّسُ وجهَ الرّيحِ ؛


؛

بعدَ قليلٍ سوفَ تَهزّ وسطَها؛
لكي تتقلّصَ ملامحي, خلفَ غبارها الكثيف
ويتفتّت اسمي, داخل حُجرتِها المُتورِّمة
كالعادة..
ستهزّ وسطّها؛
من أجلِ أنْ أشعرَ بالنّعاسِ
كالعادة..
ستُمسكِ بيدي؛
لنذهبَ مَعاً
فأنامُ على خدِّها, قبل موعدي المُحدّد

أُحبّها حدّ الهوس
لكنّها كالعادة أيضا..
لا تعترفُ بأنّني ابنها البار
أو أنّني مطرٌ يطيرُ فوقَ السّحابِ
فما فتِئت, تعتبرُني مُجرّدَ صرخة بُؤس
كلقيطٍ, يُحدِّقُ في سقفِ مسجدٍ؛
ينتظرُ سُوءَ الظّن
كابنِ باغية يركضُ في الأزقّةِ المُعتِمة؛
يُفتّشُ عن كرامةِ أجداده

ترفضُ وفائيَ لها
كما لو أنّني عدوّها
الذي لايحفظُ العهدَ
لن تَعترفَ بأنّني أحد أبنائِها
تلك هي اللغة....
التي ترفضُ الانتحارَ بين شفتيّ
اللغةُ التي تغصُّ في فمي
فيتساقطُ تاريخي من صدرها, حرفا حرفا
فوق أكتافِ الغُرباء
الذينَ لن يلتفتوا نحوي
يرحلونَ كالطفولة
لم يأْبَهوا يوماً
بحُزنِ تراب الوطنِ التّافه

لذا سوف أكتب للغرباءِ
وإلى وجهِ الرّيحِ وأبي
سأكتب دونَ أنْ أُحرّك لساني
فأنا مُنذُ ولادتي ثابتٌ, كالظّلم
تائهٌ, كالحقيقة
لم يعد بإمكانيَ أن أعثرَ عليَّ
فأنا المنفيُّ المُتردّد,
ككلمةِ حقِّ أمام سلطانٍ ساخط

ولأنّني أنتظرُ شيئاً لا أفهمه
باتتْ كآبتي كمسافةٍ بلاحد
تمتد
من صدري المُتّقد بالماضي
إلى موتي, الذي نسيني, ونام بعمق
لست أدري؛ لمَ أنا هنا؟!
وحدي ثابتٌ, كالأفق
في هذا الكون السّائر على عجل
في طُرقٍ مُتداخلة، مليئة بالثّغراتِ
ومثقوبة الأطراف
فكيف ليَ أن أرحل؛
وأنا لا أعرفُ أين طريق الموت؟!

لكنّني سأكتب للغرباءِ
وإلى كلِّ من لم تلده الفاجعة بعد
.......
سأكتبُ أنّي
راوٍ تجلى
امتطته قصيدة
وعبء النصائح
فصار ضجيجاً
بركْبٍ عديدة

ويصرخُ شعراً
يُحذّرُ أنّ السّماءَ ستسقط
فوقَ رؤوسِ العُصاة
وقلّما قال:
بأنّي أشكُّ
وبعد زمانٍ تبنّاهُ شكٌ
فكيفَ اصطفاه؟!

قد زارهُ صمتٌ يحثُّ الحِياد
فحبَّ الرّحيلَ ومقْتَ البلاد

وذاكَ أنا
وهذا المساءُ
ككلِّ مساء
وليس اعتباطاً؛
نسيتُ الهروبَ
والاختِباء

نسيتُ تقبيلَ
جبينَ الحنين النّحيل
جبينكِ أُمي
لأنّ شفاهيْ؛
تواري السرابَ
وأمضغُ حيناً
كلامَ الرّحيل

وأرفضُ أنّ هُناكَ زِحام
أوَدُّ الذّهابَ
إلى قبرِ جدّي
وظلِّ الخيام

لكنّني أنسى طريقَ الرجوعِ
وإنّيْ نسيتُ
صوتَ الأنين
وخطوتيْ ضاعتْ
تحتَ ركامِ السّنين

نسيتُ الهروبَ
وشكل الغيابِ
و ماذقتُ يوماً
دموع الإيابِ

ومازلتُ عارٍ, إلا من تُرابي
فمن يتبرّع
يُعيد إليَّ ثيابَ شبابي

أعيدوا إليَّ
حبل حِذائي
ولون الحقائب
أوَدُّ الذّهابَ إلى رأسِ جدّي
لكي أنسى أنّي
ربيبُ المصائب



أيّها الغرباء, هل أبي بينكم؟
أُحبّ أن أخبرَه
بإنّني حقاً تنتابُني رغبة بالرحيل, والاندثار
لكن
وقبلَ أن أختلَّ, كقلبي
وقبل أن أتبخرَ, كطموحي
وقبل أن أضمحلَّ, كسيجارتي
بل قبل أن أتلاشى كُليّاً
بودّي أن أخبرَ أبي, إن كان بينكم
بأنّني لم أُنفّذ وصيّتَه

أبي لم يسمعني طوال وفاته
لكنّه نطق
قبل أن ينام
تحت جناحِ ضوءِ الغرباء
قال:
يابني.. اِحذر أن تتعلّم الصّدق
ثُمَّ إنّ بالكذبِ نجاتك
وإيّاكَ أن تلمسَ نور الشّمسِ براحةِ يدك
ستحترق يابني .. فإيّاك أن تفعل

أبي ماتَ باهتمامٍ بالغ؛
لكي يثبت لأسياده أن قوافل الوجل تَتَدفّقُ من قلبِه
أبي الذي رحل دون أن يعلم
أنّي نسيته؛ قبل أن يحلمَ بي
وأنّ اللغة أعلنت بمكبرات الموت, بأنّي كابوسٌ مُزعج
وأعلنت, أنّها سوف تلعنُني للأبد
وهذا ليسَ مهماً
فأنا أؤمن أنّ الصّباح ينامُ في عينيّ
لذا عليّ أن أفعلَ المُستحيل
سأركض باتّجاهٍ ما
في يومٍ ما
كإشاعة
لأهربَ بعيداً عن فمي
وحلم أبي
لعلّي أنعتقُ ببطء
من كوني إهمال
يشعرُ بالخوف



..

بابل غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس