الموضوع: حبّات قمّح ..!
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 04-03-2012, 16:57   #1
يعرُب
 

حبّات قمّح ..!

تخبرني أن العصافير تقفز ولا تمشي ، وحين حاولت ذلك سقطت وفي كل مرة تسقط ، فـ أحطت خصرها بيدي وأنا خلفها وهي تقفز ، حتى وصلت عند حبات القمح المبعثرة على الأرض بالقرب من نافورة في ساحة المنزل ، قلت لها هل تستطيعي الآن أن تلتقطي الحب بفمك ؟ وتأكدي أنك لن تسقطي طالما أني مازلت ممسك بخاصرتك ، ضحكت وهي بين يدي ، بكفّيها تخلصت من يدي المحيطة بخصرها النحيل ، تقدمت وخلفها نحوي ، حتى استدارت وجلست على طرف جدار النافورة .

لحظة صمت مبعثرة لم تثبت على صورة واضحة يمكننا أن نبدأ بها حديثنا ، نعم كنت أنتظر منها أن تقول ، لا أعلم في ماذا تفكر لكن ملامحها تدل على أنها تريد أن تقول شيئا ، لذلك كنت أنتظر ..

لكنها لم تتحدث بالحديث الذي كنت أنتظره ، قالت هل ستبقى هكذا وأنا أحكي الحكاية ؟
قلت لها توقعت أنك في استراحة من بعدها نكمل التقاط الحب ، أخبرتني أني وغد أطمع في ملامسة جسدها بشكل مريب ، ثم ما الذي سوف أتحجج به لولدي لو خرج علينا وأنا التقط الحب بالطريقة التي أنت تريدها ؟ قلت خبريه أنها إحدى الطقوس التي تستعيدين بها ذكرى والده .
في أحد فنادق المدينة التي أسكنها كانت لدي دورة أحضرها كطالبة ، برغم أني في عملي تجاوزت مرحلة المعلمة بكثير ، كنت أحمل وظيفة مرموقة في التعليم ، في ذاك المساء ، كان أكثر قُرباً منّي ، برغم أن اجتماعنا كان على شاشات الكمبيوترات .
استطاع أن يدخلني في عالم التوصل الحقيقي من خلال الأحرف التي يكتبها وتظهر أمامي ، كان يحدثني بكل شيء أفعله وأنا في الغياب ، حتى أن أعطاني طريقة ونبرة صوتي التي قلت له بها " تعال " ، قلتها بالطريقة التي وصفها وبنبرة صوت دافئة ، شعر بلسعاتها .
أخبرني أنه يستطيع أن يخرجني من بين تسع سيدة يحضرن معي الدورة ، كل ما طلبه هو تحديد الوقت الذي نحضر فيه ، كانت الساعة الخامسة من بعدها نتقاطر بأوقات مختلفة ، لا تتجاوز الخامسة والنصف .
دخلت من بوابة الفندق ، وجسدي يلملم بعضه خوفاً من شعور اجتاحني ، أن يداً سوف تلمسني من الخلف ، ما إن اجتزت البهو ، سمعت من يهمس خلفي بـ جملة كنت أرددها دائماً عليه " الطيور لا تغرد في المساء " ، ثم اختفى .


توقفت عن سرد الحكاية وأخذت تنظر لحبات القمح المبعثرة حول حوض الماء الذي تجلس على جداره ، تلعب بيدها داخله ، ثم تغرف منه بعشوائية تروي بها شقوق الأحجار المدكوكة على أرض المكان ، رجعت بنظرها نحوي وعيونها مليئة بالحيرة ، قالت سوف ألتقط الحب بالطريقة التي تريد لو أخبرتني ما اسم بائعة الكبريت ؟

المسافة التي تفصلني عنها لا تزيد عن ثلاثة أمتار كنت أستند لأحد أعمدة الحديقة ، خرج علينا من بوابة المنزل ولدها أحمد يسألها عن كتاب التاريخ ، وهو يقترب حمل معه كرسياً وتوجه به نحوي ، قال عمو أجلس ، ثم أمطرني بسؤال يشبه سؤال أمه ، من يكتب لنا التاريخ ؟
وضعت والدته يدها على فمها بطريقة من يحاول أن يغششك بصوت موجّه غير مسموع لمن هم حولك بطريقة مازحة ، وهي تقول ليست بائعة الكبريت ، ليست بائعة الكبريت تكررها بلغة الهمس وهي تبتسم ، نادته حبيبي عمو مشغول بحبات القمح يريد أن يزرع منها نخلة ، أرشدته إلى مكان كتابه ، تقدم بخطواته نحو الباب الذي يُخرجه من الحديقة إلى المنزل وقبل أن يضع أول خطواته نحو التعبة الأخيرة ، بصوت المنتصر قلت " إنهم الأقوياء يا أحمد " ، لم يلتف فقط رفع يده ملوحاً بها مثل الذي يقول أخذت وقتك وزيادة ، ثم أغلق الباب علينا .


حين تنكح الحياة بمتعة تُنجب لك " حياة " .
ما الذي سوف يحدثه لك شرب فنجان قهوة بسكر خفيف أو متوسط مع سيجارة في صباح شتوي ، غير أن تشعر بالمتعة واعتدال المزاج ، هل القهوة صحيح تعطيك هذا الأمر أم كل ما في الأمر مجرد شعور يحاول الكثير أن يضع نفسه بداخله أحياناً كثيرة بنوع من الغباء .

الوهم يزيّن الأشياء ويجملها في عيون الناس ، وعيون الأنثى لا تشبع أبداً ، هي تختلف عن جسدها ، الذي قد يجد الارتواء ، لمن يجيد تحريك الساقية .

في ذلك اليوم وهو تقريباً الثالث في الدورة ، أخبرني أن قادم برسالة ، وأنه سوف ينتظرني في الدور التاسع ، هناك في الممر يوجد زاوية للعابرين يستريحون فيها ولمن ضاقت به غرفة الفندق ، يستطيع أن يخلو بنفسه فيها أو يبحث عن من يتحدث معهم من القاطنين في هذا الدور ، أحياناً نبحث عن أشخاص لا نعرفهم لنسكب لهم قليلاً من حياتنا في أكواب صغيرة ، ذلك لا يمنحهم غير مزيداً من العطش ، إلا أنه يخفف من كؤوسنا ، كلما حاولت أن تنضح بشكل قد لا تتوقف فيه .
قٌبيل المغرب كان هناك ينتظر ، خرجت خلسة والناس منشغلة بحديث الدكتور ، توجهت إلى المصعد ، وحين وضعت إصبعي على رقم الدور ، شعرت بلذة الهروب من أجل رجل ، أبحث معه عن حكاية لفتاة ، تُخبرها صديقاتها في تجمع صغير يمارسن فيه بعض الشقاوة .


- في ممرات الدور التاسع -
هكذا كتبت ذات مرّة على رأس صفحة بيضاء أردت أن يكون عنواناً لقصة أو رواية ، لكن الصفحة بقيت بيضاء ، لأني لم أحصل على تفاصيل كفاية لكتابة قصة أسردها تحت اسم مجهول أو كما يقولون مستعاراً تخفيفاً ، فهي أكثر لُطفاً من مجهول ، البيئة وواقعها يجعلنا نخفي تفاصيلنا الصغيرة ، لكن الكبيرة تظهر ، لذلك لا نملك الكثير منها ، فغالباً ما نسمي حكاياتنا تلك بالصغيرة ، لأننا نستطيع أن نضعها تحت معاطفنا ونمشي بها ، نتنقل بها داخل ظلمة ونتحدث بها أيضا في الظلمة ، في لحظة ما ، تمنيت أن لو أنني صنعت لي ذكريات في تلك الممرات أكثر من مجرد حديث لم يتجاوز الدقائق ، حتى أننا لم نكمل خلوتنا تلك إلا في المصعد ونحن بين صعود وهبوط مرات عديدة ، لمسني فقط من أعلى ظهري حينما خرجت في أحد الأدوار كي نفترق ، كل واحد يذهب في طريق ، هكذا هي أبرز مظاهر التخفي التي نمارسها ، أن نأتي منفردين ونفترق بطريقة فيها تمويهاً ، هي كذلك أو هكذا نظن .

توقفت قليلاً وبقيت تراقب صورتها المتكسرة في حوض الماء وكلما استقرت لتتكون ملامح صورة لسيدة تنظر لنفسها على سطح الماء تبعثرها من جديد ، اجتهدت أن لا أرى عيونها ، علها تكشفها وتخرج سرها بين يدي ، هل هو حنينها للماضي ، أم أن قلبها مازال يرتعش كلما تذكرت حياتها مع رجل لا تملك صورة واضحة لملامحه ؟ معه لا تعرف كيف تلملم نفسها ولا أفكارها ، تسرق من الزمن لحظات سريعة تريد أن تثبتها في دفاتر ذكرياتها ، تريد أن تقلب صفحات دفترها حين لا تجد من يتحدث معها ، أو في زمن قد يسلبون منها كل شيء ، وتبقى معها تلك الذكريات التي تستعرضها في مخيلتها ، لا يهم أن تتكرر ، الكثير منّا يكرر مشاهدة أحداث فلم مرة ومرتين والزمن كفيل بأن يجعلها مرات عديدة .
وهي شاردة مع الغريب بالنسبة لي ، أجريت اتصالاً مع صديق أسأله عن اسم بائعة الكبريت ، قلت له أبحث عنها ، أمامك وقت طويل أن تضعه في رسالة على هاتفي .

أطلقت ضحكة مثل تلك التي نشاهدها في الأفلام المصرية لمن تحاول أن تتغنج ، لحظة صمت لم تستقر أكثر من الزمن الذي تحتاجه لتنتقل بعيونها من النظر لعيونها المشوهة على سطح الماء إلى عيوني التي تنتظر حديثاً يُفسر أسباب تلك الضحكة .
وحياة المرحوم ، إن وصلت رسالة صديقك قبل أن تنتهي العشر دقائق القادمة سوف أعلّمك كيف تغرس سنبلة ليست قمحية ، بل من تلك التي تجدها في الأسواق مع البائعة على عربة خشبية صغيرة يقلبها لك على الكانون ، يطلقون عليها اسم ذرة ، هل تذوقتها من قبل ؟ هكذا سألتني وهي تبتسم ، عرفت أن وراء سؤالها مكيدة شيطانية ، لذلك قلت لها أكره الحبش الطري وأكره البوشار ، في كل مرة أنظر للجوال عل رسالة أتت ولم أسمع رنتها ، لكن لو أتت هل سوف أفتحها أم أجعل العشر تنتهي ومن بعد أفتحها ، ربما في فعلي ذلك نوع من المخادعة لها لو قمت به ، هو تصرّف قد تعشقه وقد تكون ردة فعله عليها جيدة بحيث استطيع أن أُخرج رجل الفندق من عقلها ولو أثناء وجودي فقط ، لم تصل رسالة وانتهت العشر .

ما هو السّر الذي تكون أنت فيه كل الأطراف ؟
ثم تركت جدار الحوض الذي كانت تجلس عليه واتجهت نحو طاولة كانت تضع عليها جوالها ، ثم طلبت رقماً وأخذت تتكلم بصوت مسموع ، لكنه حديث لم أفهم منه إلا كلمات غير مرتبة ، بعدها كانت تُكثر من كلمة طيب طيب ، وآخر كلمة كانت " على الموعد " ثم وضعته مثل ما كان ، وعادت نحوي ببصرها ، هل عرفت سرك ؟ لم أتبع فضولي في هذه اللحظة بل قلت لها متى سيأتون ؟ الساعة تقترب من العاشرة صباحاً ولم يظهر أحد منهم .
هناك من يأتي على أجزاء وهناك من ينتظر ولا يأتي بسهولة ، ثم يأتي كُله وهذه يضع نفسه في خطورة المغامرة ، لأنه لم يترك لنفسه جزء يعود له حين لا يجد من ذهب من أجله ، وفي الغالب تكون الخيبات لهذا الصنف من الذين يأتون بكلهم ، لأنهم لا يجدون أحد منتظرهم .
لذلك أبحث عن أجزاء ممن تنتظر مجيئهم في أركان وزوايا هذه الحديقة قد تجد ما يعنيك ، وأنهم بعثوا بتلك الأجزاء التي تسبقهم ، هي علامات يرسلونها لتدلل على أنهم قادمون ، فـ نعيش على الأمل .

في أحد أيام الصيف ، أيام الإجازة ، كان حديثي معه في اغلب الأوقات بدايات الصبح حتى نقترب من الضحى ، بعدها أسمح له بالذهاب لعمله ، أخبرته عن كل شيء خاص بحياتي ، حتى بلوغي تطرقت له ، وأول يوم من دخلتي ، لم أترك شيئا إلا وحدثته عنه ، هل تعرف كيف هو الشعور، أن تجد شخصاً لا يعرفك ولا يلزمك بشيء أكثر من حديث ليس له منه إلا الاستماع ثم يرحل ، شخص ترمي له بكثير من أسرارك وهمومك التي لا تستطيع أن تتحدث بها لمن يعرفوك حتى لا يلاحقوك بها في حال أن وقع بينكم ما يجعلهم يستخرجون أوراقك القديمة والتي تحدثت بها أثناء ضعف مرّ بك في زمن ما ، الحديث مع الغرباء جيد حين تتأكد أنهم يستحقون أن تتحدث معهم ، أهم ما في الأمر أن لا تقترب منهم كثيراً ، تُبقي حاجز الغربة موجوداً على الدوام وتلزم نفسك به ، سنتين ونحن نتحدث ، كان أصغر منّي سناً بقليل ، وضعت لعلاقتنا ثلاث أخطاء نرتكبها ، لو زادت من بعدها يتوجب الفراق ، أول خطأ تم ارتكابه كنت السبب فيه ، كان ذلك كما خبرتك في أول حديثنا ، في أحد أيام الصيف ، كنت أتحث معه وأنا على سريري ، كان الوقت تقريبا التاسعة صباحاً ، تحدثنا فوجدت نفسي أحمله معي نحو جسدي ، بدأت نبرة صوتي تتغير وتثقل لساني شردت في سكرة خفيفة معه ، لم تمنعني من تمرير يدي على جسدي ، في خيالات بعيدة رحلت معه ، لكن صمته وربما ذهوله ، أخرجني من تلك السكرة التي عشت بداياتها فتوقفت ، وتوقفت عن أحاديثي معه ما يقارب الشهرين ، هو كان في سفر وكنت أعاقب نفسي ، ليت هو من أغواها .


قالت حين تطرق الباب ماذا تفعل بعدها ؟
قلت أنتظر

- ثم ماذا تفعل ؟
- أنتظر أيضاً أن يأتي شخص ويقول مين أو نعم أو أنا جاي أو يفتح مباشرة بدون أن يقول شيئا
- ولو وقفت بجوار الباب بدون أن تطرقه ؟
- لن يأتي أحد لـ يقول مين .. الخ أو يفتح الباب مباشرة
- لكنه قد يُفتح الباب أثناء وقوفك
- كلامكِ صحيح قد يحدث ذلك ، ربما يفتح من الداخل لشخص ينوي الخروج أو شخص قادم للمنزل
- عندها لو سألوك ماذا تفعل هنا ما هو جوابك ؟
- سأقول أني أنتظر العدس .




التوقيع:
مرحبا ان كان ديني جاهلية



يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس