الموضوع: خارطة الطريق!
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 22-05-2010, 21:33   #13
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : خارطة الطريق!



.



تراسل الحواس!

الشعر كائن حيّ, له صفات النمو والتقدم والحياة, كما للإنسان تمامًا. فمنذ فجر التاريخ الأول, وحين عرف العرب خاصية الغناء والإنشاد بالبطولات والأيام المجيدة وفوارق الحياة المؤلمة, كانت المعاني تأخذ سبيلها من التقدم تدريجيًا, والصور تلبس واقعها المعاش تبعًا للزمن, شيئًا فشيئًا, حتى كانت الدراسات الموثقة والبحوث المحققة الراصدة للحركة الشعرية من زمنٍ إلى زمن. فو تأملنا بدايةً, حين بكى الشعراء القدماء على الأطلال, جاء أبو نواس بإعلان القطيعة والرفض, بقوله: ما لي بِدارٍ خَلَت مِن أَهلِها شُغُلُ. وهو إذ ذاك يحاكي واقعه الحقيقيّ. أيضًا حينما تحول قالب الشعر العمودي ـ بعد آماد سحيقةـ إلى قالب الشعر الحرّ (التفعيلة), تطورت الموسيقى الشعرية في القصيدة العربية, إلى ما تبع من قصيدة النثر (رغم الضجة العارمة آنذاك). ومع هذا التقدم الملحوظ في خارطة الشعر, كان موازيًا تمامًا التقدم القرائي النقدي الذي يرصد أبعاد هذه التحولات الفنية (لغةً ومضمونًا), والإحداثيات الخاصة التي تحدد وسائل التطور في هيكلة الشعر والشعراء. من هذا المنطلق الاستقرائي, ظهر نقديًا ـ ضمن منظومة التطور الطبيعي في واقع الأدب ـ مصطلحٌ معاصر يعرف أدبيًا: بتراسل الحواس, ومعناه كما جاء مقاربًا عند كثير من النقاد: وصف مدركات حاسّة من الحواس بصفات مدركات حاسّة أخرى؛ فنعطي للأشياء التي ندركها بحاسة السمع صفات الأشياء التي ندركها بحاسة البصر، ونصف الأشياء التي ندركها بحاسة الذوق بصفات الأشياء التي ندركها بحاسة الشَّمِّ، وهكذا تصبح الأصوات ألواناً، والطعومُ عطورا. وبصورةٍ أعمّ وأشمل نضفي على الأشياء صفات جديدة لم تكن بها. هذه الرؤية النقدية العميقة, التي وافقت متغيرات كثيرة, لم تحظَ بتقدير كثير من قرّاء القصيدة الكلاسيكية القديمة, ولأن اللغة الفصيحة والعامية, وسيلتان تتفقان في خاصية تفريغ المشاعر الجيّاشة, ظل السؤال والاستنكار, مع كلّ مرحلة تجديد وحداثة, يكبر ككرة ثلجٍ متدحرجة, كان منها ما بعثته نظرية تراسل الحواس. بعد هذه المقدمة لحكاية التطور التي طرأت على خارطة الشعر (شكلاً ومضمونًا)، وكيف أنها ـ مع كلّ تجديد ـ تواجه صدامات الرفض والقبول بدرجات متفاوتة تعتمد على ثقافة الآخر أولاً وأخيرًا. نأتي إلى نظرية تراسل الحواس، حيث يكون وصف الأشياء مختلفًا وجديدًا عن المألوف والمعتاد. على سبيل المثال: «شمّيت صوتك يوم ناديتي تعال!» بمعنى كيف للصوت أن يُشم؟ واقعيًا لا يمكن أن يحدث هذا بلا شكّ, لكن الشعر كثيرًا ما يتزين بلغة المجاز وما يتبعها من محسنات ومصطلحات نقدية متجددة. يقول نايف عوض في قصيدة عُرضت في بداية تصفيات شاعر المليون (النسخة الثالثة):
مسافر..في يدي شنطة دموع ودفتريـن اعـذار
خذي واحد..وواحد لو رجعـت اقطعـه وابتـل !
كأنا حزمتينٍ مـن حطـب والعـام الاول نـار
والى البارح وحنا من رمـاد الذكريات..انطـل !

هذان البيتان فيهما من براعة المعنى وحرارة المشاعر, ما يوجب التماهي في لغة القصيدة وتكنيكها البديع حقًا, عند هذا الشاعر الذي يكتب بمدادٍ يفتح نافذة شاسعة للتأمل في بكارات المفردة الشعرية الحقّة. وما ظني بالشاعر حمد السعيد حين تعجّب من الأبيات ـ وهو شاعرٌ تقليدي بحت ـ إلا أنّه لا يعرف تكنيك اللغة الحيّة البعيدة عن مطالع:
راكب اللي طلّعه عقب ما استوفى الرسوم
مستغيضٍ من كراج البشر والكاظمي
مرسيدس هو منوة اللي يبي يقضي لزوم
ما صنع في ديرةٍ تحت سلطه خاتمي



.

التوقيع:
ما أشدَّ فِطام الكبير!
مالك بن دينار


:
:
الموقع الشخصيّ

.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس