الموضوع: خارطة الطريق!
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 22-05-2010, 21:32   #12
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : خارطة الطريق!


.


النبطيّ أم الحُمَيْنيّ؟

فقد اللسان العربيّ لغته الفصيحة؛ بسبب كثرت الفتوحات الإسلاميّة, وتوافد موجات شتّى من الأجناس والألوان التي تحمل مزيجًا من اللغات في جزيرة العرب. وكان من ذلك التجارة والمصاهرة والاختلاط, حتى انقرض الجيل الذي رسخت ملكة الفصحى على ألسنتهم, فداخل اللسان ما داخله من عجمة, ظهر من واقعها الشعر البدويّ الملحون.
كان ذلك ـ في أول أمره ـ مع قبيلةٍ وفدت من أحد الأصقاع اليمنيّة التي تسمّى (حمن), وذلك في القرن الثالث الهجريّ, ثمّ استقرّت في الحجاز, وأنشدت هذا الشعر المنسوب لهم بالحميني كتصغير لكلمة حمن. وقد عقد خير الدين الزركلي في كتابه
(ما رأيت وما سمعت), فصلاً للشعر الحمينيّ, بقوله:" أهل البادية يقسمون الشعر إلى نوعين, الأول: الصحيح الأوزان واللغة ويسمونه (القريض), والثاني: الشعر البدويّ المتخلف في لغته وأوزانه عن الشعر الفصيح, ويسمونه (الحُمَيْني) بضم الحاء وفتح الميم. وهذا ما أكّده ـ أيضًا ـ محمّد سعيد كمال في مقدمة كتابه ( الأزهار النادية من أشعار البادية).
قال صاحب (تاج العروس) مرتضى الزبيديّ, نقلاً عن صاحب القاموس بعد أن أضاف:" والحمنان صقعان يمانيان, والحميني: ضرب من بحور الشعر المحدثة (المولدة)". ولعلّ من الأدلة التي تؤكد على ظهور اللحن بصورة كبيرة في القرن الثالث الهجري, ما قاله العلاّمة/ عبد الله بن محمّد بن خميس, في ورقته التي قدمت في بحوث المؤتمر الأوّل للأدباء السعوديين بعنوان ( الشعر النبطيّ امتداد للشعر الفصيح), من أنّ :" عرب الجزيرة ظلوا يتشبثون بسليقتهم وملكتهم, رغم مغالبة زحف العجمة إلى دارهم, حتى القرن الثالث الهجريّ" ومن هنا نستنتج أن المسمّى الأول للشعر البدويّ هو الحمينيّ. وهذا دليل على أنّ مسمّى النبطي أتى في عهدٍ قريبٍ جدًا, وأن رموزه الذين عاصروا فترته (النبطيّة) أمثال راشد الخلاوي أو ممن ينتسب لقبيلة بني هلال؛ لم يكونوا أصحاب السبق في الإبانة عنه إطلاقًا. والفرق بيّنٌ وواضح من استقراء القرون التي تحطم عامٌ منها على عام!
هذا وتجدر الإشارة إلى أن اختلاف البحر والوزن في الشعر الحميني (اليمني) عن الشعر النبطي ليس متوجه غرضنا, بل إن الحديث عن هذا الجانب يميل عن سنن الكلام وموضع البيان, ذلك أن الغاية المقصودة تكمن في إثبات أسبقية الشعر الحميني (البدويّ) في الظهور كشعرٍ ملحون وبلهجةٍ شعبيةٍ دارجة.
ولعل من المفارقة العجيبة لما يتضمنه معنى كلمة "النبطي" أنّه منسوبٌ لقومٍ قيل أنهم سكنوا وادٍ اسمه "نَبَطا" أو "نَبَط" يقع بناحية المدينة المنورة قرب حَوْراء التي بها مَعْدِنُ البِرام. وقيل نسبة إلى جيلٍ قدموا من بلاد فارس من العرب المستعربة, ونزلوا بالبطائح بين العراقين, يعرفون بالأنباط وهذا شعرهم, وقيل غير ذلك الكثير من التأويلات التي تتوسع دون أن تفيد. على الرغم من تأكيد العلاّمة ابن خميس ـ وناهيكم به ـ أنهم ليسوا بعرب, بل وأنهم ـ يقصد الأنباط ـ أشبه بالنَّوَر والصلب, من حيث ألوانهم الشعبية, وألحانهم التي يطربون بها الناس؛ طمعًا في استجلاب نوالهم.!

.

التوقيع:
ما أشدَّ فِطام الكبير!
مالك بن دينار


:
:
الموقع الشخصيّ

.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس