الموضوع: خارطة الطريق!
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 22-05-2010, 21:30   #10
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : خارطة الطريق!


.


من صيد الخاطر

(1)
كلّما أعملت النظر في هبات الألقاب التي تمنح للشعراء, بُعيد كلّ مسابقةٍ شعريةٍ متناسخةٍ, وفي فترةٍ لا يمكن لها أن تسبر غور التجربة بالشكل الذي يضمن معنى الاستحقاق لمثل هذه الأوسمة والألقاب؛ حتى وإن كانت تجارية عابرة في أضابير موسم صيفي! تعنّ في بالي مسألة بسيطة قد تدخل في حيّز التفسير, فحينما ينظر الشاعر الناشئ بخبرته الصغيرة إلى المتبهرج في الإعلام شعرًا ولقاءات صحفية, لا يزيد إلا أن يصفه بالفطحل العظيم ومنقطع القرين في الشعر. وهنا يكون اللقب. وحينما ينظر الجاهل الذي يفتقد أولى درجات المعرفة, للمتعلم علمًا بسيطًا يراه أستاذ قبّة الأدب وراعي تلعات العلم. وهنا يكون اللقب. وحينما ينظر الفنان صاحب الحنجرة الصغيرة الخجولة إلى ضجة ملايين الحناجر نحو صوتٍ مزعجٍ بليد, ترتفع رئتاه إلى حلقه من هيبة المنظر, ظانًا ومعتقدًا أن هذا الصوت هو سيد الغناء الأوحد بلا شكٍّ وريب. وهنا يكون اللقب. بمعنى أن الألقاب قد تنشأ بوجود الجاهلين لا العالمين!


(2)
حينما تختلف آراء الناس حول أفضلية شاعرٍ على شاعر, فهذا أمرٌ مطروق منذ أبد الآبدين, لكن عندما تثور ثائرتهم على أن الشاعر الفلاني هو النابغة والمتنبي وصناجة العرب في الشعر ومنبتهُ في شاهقٍ متمنّعٍ, وكلّ من دونه ماهم إلا كاشحين ومبغضين ولايفقهون في الشعر شيئًا, فهذا من التعصب الممقوت والتصرف الأهوج الذي لا يخضع لسطان العقل والتدبر. وهو ماكان ـ بعد مسابقات الشعر الحميني الملحون ـ في الكثير من نوافذ الإنترنت ومسجات قنوات الشعر الفضائية, الأمر الذي أبقى جذوة النعرات والعصبيات تضطرم وتصرخ بين لهبٍ واشتعال: هل من مزيد؟


(3)
أجد المقارنة تكاد تكون متشابهة فيما يحدث من ضحكة مكبّرة, سواءً جاءت في حلّة الفصحى أو في أسمال الشعر الحميّنيّ الملحون. وذاك حين يفتل الشاعر ـ طيلة مسيرة حياته ـ في الذروة والغارب, يحاول ترك ماوسعه من بوحٍ وشجنٍ وغناء, ثمّ إذا سبق عليه الأجل قبل أن ينال مراده, جاء التكريم والاحتفاء وتأبين المسيرة الحافلة بالعطاء والإبداع, فتجد المنشورات في سبيل إبراز مسيرته, وتجد دعوات المقربين من أجل طباعة إنتاجه, وتجد كلّ ماهو مألوف ومشاهد من مفارقات الحياة الضاحكة الباكية. الأمر يشبه تمامًا مايحدث في مسارح الشعر المهيبة, فلا نكاد نسمع عن شاعرٍ صغيرٍ أو كبير, يحضر لهذا المكان, إلا وانهالت عليه ـ بعد البرنامج ـ الدعوات والأمسيات والمهرجانات, وكأنه قبل ذلك لم يكن شيئًا مذكورا!


(4)
الثورة الرهيبة في الاحتفاء بالشعر الحميني الملحون غير مستساغة أبدًا, بل هي أول إسفين دُقّ في ضياع الشعر الحقيقيّ ـ وهذه وجهة نظر شخصية ـ؛ لأن القليل الذي ينفع الناس خير من الزبد الذي يذهب جفاء.. ولعل المتأمّل الذي رقّ ذهنه وصفا خاطره يدرك أن حرص الاهتمام بالموروث ـ في مشاهد كثيرة ـ خالطه ماخالط بعض رغبات المضاربين في سوق الأسهم السعودية, وعند جهينة الخبر اليقين!


(5)
أتعجب كثيرًا من جانب الثقافة الهائلة (كما تحاول أن تبدو) التي تسكن قصائد بعض الشعراء وهم يعتلون منابر الشعر اليومية, وكمية الأساطير البائدة والمعلومات الواسعة التي تتحرك بتاريخٍ مرتب القافية والوزن, هذا بالإضافة إلى تضمين حاشية مطولة الشرح والتفصيل عند التدوين والكتابة. أقول: أتعجب, لأن هذه الثقافة التي تنبجس في القصيدة لا تكاد تسيل على شخصية الشاعر في حضوره المرئي والبعيد عن الشعر بشكل عامّ, بل النصّ فقط, ثمّ لا شيء, والشعر صناعة!


(6)
تابع للفقرة رقم (5) . الكتابة الوجدانية المؤثرة إلهامٌ ووحي, ينزل جرّاء موقفٍ شخصيّ أو منظرٍ يراق على جوانبه التعب. لذلك, لا يستطيع الكاتب أن يكتب ـ في أي فنٍّ كان ـ دون هذا الشعور النبيل! اللهمّ إلا إذا أراد الشعر التعليمي أو الاستعراضيّ!


(7)
الملاحظ ـ قبلاً ـ لبرنامج شاعر المليون في نسخته الأولى والثانية, يجد حنكة الإدارة المشرفة على تفعيل كلّ الوسائل التي تعود بالنفع لخزينة أصحاب الفكرة والمكان, وأقول: بالنفع, لأن تقييم الشعر بالقسط والميزان بعيدٌ كلّ البعد, جرّاء الغاية الميكافيليّة الواضحة.
وشواهد هذه الغاية أشبعت حديثًا وتعليقًا. الآن, وعلى مشجب الموروث والحرص على التراث الذي بات يتوزع بين قنوات أخرى أكثر إغراءً وملايينًا, أعلنت هيئة أبو ظبي للتراث والثقافة رفع قيمة جوائز المسابقة للشعراء الخمسة الأوائل إلى 15 مليون درهم إماراتي، حيث يحصل صاحب المركز الأول والفائز بلقب شاعر المليون على خمسة ملايين درهم إضافة لحصوله على بيرق الشعر، بينما يحصل صاحب المركز الثاني على أربعة ملايين درهم، والثالث على ثلاثة ملايين درهم. إضافة لمنح الفائز الرابع مليوني درهم، والخامس مليون درهم في الدورة الجديدة.. والصبح بيّنٌ لكل ذي عينين!


(8)
من صميم الخاطر..بتّ أخشى مع انفجار قنوات الشعر, التي باتت تتفاقم وتستشري استشراء دودة القطن, أن يصل حال الشاعر العاميّ لما وصل إليه صاحب الحكايات والنوادر بهلول, حينما كان يغني بدرهم, ويسكت بدرهمين!



.

التوقيع:
ما أشدَّ فِطام الكبير!
مالك بن دينار


:
:
الموقع الشخصيّ

.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس