الموضوع: خارطة الطريق!
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 22-05-2010, 21:25   #5
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : خارطة الطريق!

.

السابقون السابقون

نقل الجاحظ شيوع الفكرة بين الناس بقوله:« وقالوا: لم يدع الأول للآخر معنىً شريفًا, ولا لفظًا بهيًا إلا أخذه.» واستنفاد المعاني وشيوعها, قديمة قدم الشعر. لكن, هناك من الأفكار ماهو رائد فريد, يشعر القارئ لها باحترافية نادرة, وهناك ماهو مطروق مبذول بمجانية لا تحتاج إلى مقارعة الفكر والتأمّل. من هنا كان الحديث مع أحد الأصدقاء المقربين إلى القلب, عن فكرة أبيات الشعر وقضية السبق فيها. فإنّي أرى أنّ إشكالية الأفكار الجميلة التي تنمّى أو تطوّر مفتوحة كفضاءٍ رحب, وقد أُسلّم للشخص الذي بذل جهد التجديد وتوسيع نطاق الفكرة بما لا أسلمه لمن يشير ولا يفسر أو يشاهد دون رصد. ولعلّ أهم ما تجب الإشارة إليه, أن ملكية الفكرة دون اجتهاد لتفعيلها عقيمة جدًا, ولا تؤتي أكلها بما يجب أو بما يفترض للأفكار المفيدة. كالشاعر.. تخطر بباله الفكرة التي قد تؤرخ بيتًا تسير به الركبان, لكنه يغض الطرف عن تدوينه في قالب شعرٍ بديع, ممّا قد يفوّت تخليد ذكره! وبمعنى آخر, نستطيع حصر قضية السبق في عرض مثالٍ يبيّن أحقية السبق وأولوية ذلك لمن بادر بالتفعيل والممارسة لا بالتفكير الصامت وطول التأمل الذي لا حراك به. وسيكون المثال أو الشاهد على الشعر, الذي بدوره يفضي إلى ما أشرت إليه من حدود الأسبقية ومن يستحق لقب السبق في الفكرة.
سئل أبو عمرو بن العلاء: أرأيت الشاعرين يتفقان في المعنى ويتواردان في اللفظ لم يلق واحد منهما صاحبه ولم يسمع شعره؟ قال: تلك عقول رجال توافت على ألسنتها، وسئل ـ أيضًا ـ أبو الطيب عن مثل ذلك فقال: الشعر جادة، وربما وقع الحافر على موضع الحافر. في هذا المثال يتبين لنا أن أهمية السبق في التقييد والإنشاد, لا الانكفاء على فرحة العارض في جنح ليل من خواطر وأفكار لا تتعدى أرنبة أنف المتأمل. لأنها قد تذهب ـ بحكم التخاطر ـ لمن هو أهلٌ للتمحيص والدراية والاستطلاع والإبانة والإعلان. ويكون السبق والفضل لصاحب البداية الذي نشر وعرض فكرته, حتى وإن اتفق بعده من اتفق!



.

التوقيع:
ما أشدَّ فِطام الكبير!
مالك بن دينار


:
:
الموقع الشخصيّ

.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس