مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 31-07-2009, 02:38   #13
سمـا خير
عضو متميز
 

رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع

رسالة إلى سيدتي القصة القصيرة



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيدة القديرة / القصة القصيرة المحترمة،،،
تحية طيبة خالصة من عند الله
أما بعد ،،،
بداية يا سيدتي أحب أن أخبرك بحبي الجم لك ، حب مكنون في صدري منذ الأزل ، غرسته جدتي في أعماقي منذ كنت أنام في حجرها الدافئ ، فتلاعب بأصابعها الرقيقة خصلات شعري ، وتقص علىّ قصصاً من بهائك – الشاطر حسن ، الذئب والغنم ، وأحياناً العم جحا ، وأمنا الغولة – والآن وقد كبرت وكبر معي الشاطر حسن ،وانتهت أحلامه ومغامراته ،تزوج من الأميرة التي عبر من أجلها البحار ولاقى الأهوال ، و هرم الذئب فلم يعد يقوى على أكل اللحوم ، فقد حظره الطبيب من الإكثار من الدهون لأنها – ستلبك - معدته الضخمة ، والالتزام بأكل الخضروات المسلوقة، مات حمار جحا ، والآن لا يجد ما يركبه هو وابنه ، فقدت الغولة هيبتها وأصبحت هي التي تخاف من الشياطين الصغار ، انقلبت الآية اليوم يا سيدتي ، وأصبحت الصور باهته ، اختلفت الآراء حولك ولا أقدر على سماع النميمة في حقك ، ماتت جدتي وفقدت حجرها الحنون ، فأين أجدك اليوم وسط هذا الزحام ، حاولت أن أصل إليك وحدي ، كما أوصلتني إليك جدتي – رحمها الله- في صغري فلم أجد إلا القلم ، ولكن علني أنجح في الوصول إليك ، وصولاً يرضيك ، فأنا أكتبك كالتالي يا سيدتي وأريد أن أعرف منك هل أسير على الدرب الصحيح ، الذي يجسدك ، تجسيداً يليق بك :

1- مولد الفكرة : وهذه هي الخطوة الأولى في ظهور القصة للحياة ، بل تعتبر الفكرة هي النطفة والنواة التي يتكون منها جنين القصة القصيرة .
2- تحديد الزاوية : وهذه الخطوة الهيكلية في تكوينك ، ولابد من وضوح هذا الهيكل ، ونموه أن يختمر في عقلي ، ويظهر أمامي بشكله الكامل الواضح ، لأن هذا الهيكل هو الذي سأغلف به الفكرة ، ولا يمكنني أبداً الإمساك بالقلم إلا بتحديد هذه الزاوية أمثلة: " ساحة محكمة ، عيادة طبيب ، حافلة ركاب ، منزل " .
3- الزمن صفر : وهو الزمن الذي يسبق كتابة القصة مباشرة ، فلابد من اختيار زمن مناسب لبدء الكتابة ، ولابد وأن يكون الزمن صفر مناسباً للحالة المزاجية للكاتب ، بحيث يستشعر الكاتب قدرته على مواصلة السرد .
4- البداية : والبداية هي اللحظة التي ينتهي عندها لزمن صفر ، وهي الشرارة الأولى للاستغراق في الكتابة ، ولابد وأن يحدد الكاتب استراتجيه البداية ، بحيث يختار بداية قوية ، تدفع القارئ إلى الاستمرار ، فالاستهلال هو عنوان ثان للقصة بعد عنوانها الرئيسي .
5- اختيار اللغة : منذ البدء في كتابة القصة القصيرة ، أو أي عمل أدبي يجب علينا اختيار اللغة المناسبة لجو النص ، فلا يمكننا أن نختار لغة تزغرد مع نص يعج بالبؤس والشقاء ، ولا يمكننا أن نختار لغة تولول مع نص يعج بالفرح والسعادة ، والقصة القصيرة لابد وأن يتم اختيار لغتها بطريقة مباشرة ودقيقة ، ودون تركيب أهداباً زائدة للحروف ، وذلك تمهيداً للعنصر التالي .
6- التكثيف : وهو أهم ما يميز القصة القصيرة ، ولكن للتكثيف درجات ، فيزداد مع النصوص الرمزية ، ويقل مع النصوص الواقعية ، وقد عرف الكثيرون التكثيف بأنه عملية ضغط ، وبسطره للأحداث والشخصيات ، واللغة ، للوصول للنهاية بأقرب الطرق .
7- التنوير : وهو لحظة الفهم وكشف الغموض عن النص ، ويعتبر التنوير هو معالجة لعنصر التكثيف ،وهناك نوعين من التنوير :
أ – تنويراً زمنياً :
وهو أن يشير الكاتب إلى حقبة معينة في قصته ، تميزت بسمات معينة قد تكشف عن الهدف من القصة .
ب – تنويراً لفظياً :
وهو أن يشير الكاتب إلى ألفاظ معينه يلقي بها وسط النص ، قد تكشف للقارئ عن الهدف والغاية من النص ، وتوضح الفكرة .
8- الشخصيات : لا توجد قصة بدون شخصيات ، بداية من شخصية الراوي ، الذي يسمح له أن يكون جزءاً من النص أو شخصية منفصلة عنه ، فإما أن يعبر الكاتب عن كتابته بضمير المتكلم ، فيتلاحم مع النص ، أو انه يعبر عن الغائب فينفصل عنه ، وبالقصة القصير من المستحب ألا تزيد الشخصيات عن ثلاث شخصيات أساسية ، وشخصية أو شخصيتين ثانوية ، وذلك في النصوص الواقعية ، أما في النصوص الرمزية ، فمن المستحب ألا تزيد عن ثلاثة شخصيات ، سواء حوت شخصيات أساسية أو شخصيات ثانوية .
9- الأحداث : الأحداث بالقصة القصيرة لابد وان تأتي أحداثاً أفقية ، أي أنها تسير في اتجاه واحد نحو النهاية ، سواء استخدم الكاتب السوابق الزمنية أو اللواحق الزمنية وسط الأحداث ، المهم أنها تسير في اتجاه واحد ، ولا تدخلنا في حجرات وتخرجنا من دهاليز . وداخل الأحداث عنصراً هاماً لا يظهر ولكنه إن لم يوجد فلا وجود لقصة وهو عنصر الحكي ، وهو المكون الاساسي للقص ، ولكنه يأتي متخفياً داخل الاحداث ، ولو جاء صريحاً لكانت القصة قصة بدائية ( كان يا ما كان ، ويحكى أن ) .
10- الخاتمة : تأتي النهاية بالقصة القصيرة كالعدسة المحدبة ، تلملم كل ما كتبه الكاتب في بؤرة واحدة ، ومن أجمل النهايات النهاية التي تعتمد على عنصر المفاجأة ، وبالطبع هناك أنواعاً كثيرة من النهايات سأذكر منها وليس على سبيل الحصر : النهاية الموعظة ، النهاية المفتوحة ، نهاية الاسترجاع ، النهاية المغلقة ، النهاية الجامعة المانعة ، النهاية المفاجئة ) ولكل منها شرح وافي . ومن العيوب التي يمكن ان يقع فيها الكاتب أن يجعل للنهاية ، ذيلاً يفسرها .
11- العنوان : قصدت أن آتي بهذه الخطوة بالنهاية ، لأنها خطوة إبدالية ، فمن الممكن أن يسيطر اختيار العنوان على الكاتب قبل كتابة النص من الأساس ، أو أن العنوان من الممكن أن يأتي ويحدد الفكرة للكاتب ، و من الممكن أن يختاره الكاتب بعد كتابة النص ، ولابد للعنوان أن يوظف مع النهاية ، بحيث يجعل القصة تشبه دائرة ، يبدأ رسمها من العنوان ، وينتهي رسمها بالخاتمة ، وغير المستحب أن يأتي العنوان تقليدياً ، أو مباشراً بحيث يحرق فكرة القصة ، ما أجمل أن يكون العنوان بين بين ، بين الغموض والواقعية .
وبالنهاية يا سيدتي أتمنى أن تصلك رسالتي ، وأنت في أحسن حال ، دعائي لك بدوام البقاء ، وكثرة الأقلام ، وفي انتظار الرد .


المخلص لك :
محمد سامي البوهي

سمـا خير غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس