مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 19-06-2009, 22:31   #9
يعرُب
 

رد : بعض الحكايات لا تنتهي ..!


10
أجبرني وجود الايطالية في العمارة إلى ترتيب شقتي التي تحمل سمات كثيرة مني ، بها الفوضى ، وأنا فوضى هذا الكون الدقيق في ترتيبه وتوازنه ، لعلي ذلك الخلل الوحيد في جمال الكون ، الأشياء لا تبلغ الكمال مهما اجتهدنا في أن تكون ، أنا تلك البقعة التي تشوه صفاء البياض على ريش حمامة ، تقف على نافذتك في أول الصبح تغنّي لك عن الأمل .


طلبت من حارس البناية أن يحضر أحد الفتيات لتنظيف المكان الذي أنام وآكل فيه ، وبعد أن قامت بذلك ، وجدت أني كنت أعيش على أحد الأرصفة في حي مهجور ، ولكن هل كل إيطالية ممكن أن تغير نظرة شاب للحياة ؟ الحق أني لا أعلم ، وما أنا متأكد منه الآن هو شعور الفرنسية جارتي الذي يخترق عظمي في صعود ونزول ، ترمقني بنظراتها الساخرة الحاقدة ، كل ما حاولت تقديم المساعدة لجارتي الجيدة التي تسكن فوقي ، لذيذة هي الحياة حينما تجد من يجددها لك ، حتى وإن كان شخصاً لن تنال منه أطماعك ، لكنه موجود .

آخر ما قلت لجارتي الفرنسية بعد أن أرهقني وقوفها على باب شقتها في طلوعي ونزولي " لو جربتيني " بعدها لم أشاهدها بكثرة ، لعلها تعيش في الحسرات .

خرجت في الظهيرة مع جمايكا لجلب مكونات البيتزا ، وعدنا زوجها أن يقوم هو بصنعها ، وأنه يجيد ذلك ، أخذ يحدثني عن المطعم الذي عمل فيه أول حياته وكيف أن بيتزاه مميزة وأن سكان البلدة التي يعيش فيها يصنفونه الرجل الأول في عملها ، غير أن داخلي يقول أنه يكذب ، وسوف ينجح في كذبته لأني لا أعرف مذاق البيتزا من مصدرها الأصلي " إيطاليا " لم أكن مهتما لكل ما يقول فقط كنت أحرضه على عملها ، من أجل أن أخرج مع زوجته لجلب محتوياتها ، فهي جديدة على المكان تحتاج إلى مرشد يتجول بها في شوارع وأزقة العاصمة .

ركبت معها خلف التاكسي ، تمنيت أن لو كان حجمه من النوع الصغير إذ أنك تحتاج أن تلتصق بالشخص المجاور لك ، لكن المسافة على المقعد واسعة بيننا ، لم نتحدث كثيرا كانت تشاهد المناظر بتعجب ، تلفت عنقها للأطفال الذين يجرون خلف السيارة كل ما أبطأنا في حركتنا ، بين كل زمن ترمي بسؤال حول اسم المكان الذي نحن فيه ، أو اسم الشارع ، أو تستفسر عن مجسم تاريخي ، قابع في ميادين العاصمة .
وأخيراً سألت عنّي ..
- من أين أنت ؟
- ماذا تعرفين عن البلاد العربية ؟
- أعرف مصر فقط
- أنا أقيم بجوار مصر في الجزيرة العربية يفصل بيننا بحر

ثم انتقلت من جديد للعاصمة وضواحيها ، حتى وصلنا إلى مركز العاصمة حيث يكون هناك السوق الكبير ، خرجنا نتجول في بداية الأمر وأنا أراقب تعجبها لكل شيء تشاهده وتقف عنده ، هكذا الحال لكل غريب ، الفضول يقتله في بداية الأمر ، وحب إشباع النظر بكل ما هو غريب عن البيئة التي كان يسكنها يكون شغله الشاغل في بدايات تواجده حتى يصيبه الملل من كل شيء وتصير الأشياء تصيبه بالإحباط ، حينما يشعره كل شيء حوله أنه يعيش في العالم السابع ، وأن هناك حضارة في مكان آخر منه ، يتزامن تطورها مع سير عقارب الساعة ، ففي كل لحظة يختلف الوضع عن ما هو عليه ، وأنت في مكانك تتأخر مئة سنة مقابل كل دقيقة تمر هناك ، لاشيء سوف ينقذك من هذا المكان غير أن ترحل عنه .

أخذنا ما نحتاج وعدنا إلى التاكسي ، وقبل أن نصعد في وضع متقابل يفصل بيننا التاكسي سألتني ..
- منذ متى وأنت هنا ؟
- ثلاث سنوات
- وما هو عملك ؟
- تموين السفن
- هل أنت سعيد بتواجدك في هذا المكان ؟
- يمكن الآن نعم

قطع حديثنا صوت صاحب التاكسي المتذمر من هذا الوضع ، يعلم أنه لن يغلبني في الأُجرة ، لذلك هو يحاول أن يخلص منّا في أسرع وقت ممكن ليواصل كسب رزقه .


التوقيع:
مرحبا ان كان ديني جاهلية



يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس