مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 17-02-2009, 21:37   #1
(اوطــااانــ)
عضو متميز
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ (اوطــااانــ)
 

12 زيد الحرب و فهد بورسلي


الأزمنة والأمكنة - يعقوب الغنيم ( جريدة الوطن )

مقارنة بين شاعرين ( زيد الحرب، وفهد بورسلي )





لا أمل معاودة قراءة شعر زيد الحرب، ولا شعر فهد بورسلي فكلاهما شاعر من شعراء الشعر النبطي الجيدين، وكلاهما له قراء ومحبون أثناء حياتهما وبعد مماتهما. وقد رأيت في قراءتي للديوانين اللذين ضما شعريهما ما يغري بالمعاودة، بل بالمقارنة بين هذين اللذين شغلا الناس في فترة من الفترات، وأعجب الجميع بما جادت به قريحتهما من شعر حفظ ذكرهما، فنحن اليوم نقرأ هذا الشعر وكأنهما يعيشان بيننا، ويشاهدان ما نحن فيه على الرغم من أن شكوانا أعظم من شكواهما، وهذا هو الأمر الذي سوف يطلع عليه قارئ هذا المقال.



***



كنزان من الشعر النبطي تركهما لنا شاعران من شعراء »الوطن« كانا سجلا لوقتهما ومحط أنظار الناس. ولما كانت بدايتهما في وقت خلا من أدوات الإعلام التي بدأت تظهر في أواخر أيامهما، وتتزايد نمواً وانتشاراً بعد وفاتهما فإن شعرهما كان هو الأداة الإعلامية السائدة وبخاصة في أربعينيات القرن الماضي وأوائل خمسينياته، وكان الكل يتطلع الى ما قاله زيد الحرب وفهد بورسلي في مناسبة عابرة، أو في تعليق شعري على حادث عارض.


كان شعر الأول منهما معبراً تعبيراً صادقاً عن شخصيته ناماً عن إمكاناته القوية، ولقد كان وصف الأستاذ أحمد البشر الرومي له من أصدق ما قيل فيه على الرغم من قصر الكلمة التي كتبها عنه في أوراقه الخاصة، فهو يقول مؤخراً لوفاة الشاعر: »في صباح يوم الاثنين بتاريخ 1972/2/21م، توفي صباحا الشاعر المشهور زيد الحرب، وشيع جثمانه في الساعة الثالثة بعد الظهر، وزيد الحرب صديق، وهو شاعر باللهجة العامية رغم أنه أمي لا يجيد القراءة والكتابة ولا التهجي، وقد كان بصيراً، وقبل 25 سنة كف بصره، ولم يفد به العلاج، وزيد الحرب يحفظ قصائده، وينشدها بلهجة رجولية. وهو بعدُ عاقل، ومميز، ويحترم أصدقاءه«.



إن اللهجة الرجولية التي أشار إليها أحمد البشر هي التي ميزت شعر هذا الشاعر إضافة إلى ما أضفته من تميز على شخصيته. ولذا فأنت تجد شعره معبراً بقوة عن كثير من الأمور لا يتردد في الانقاد إذا وجد ما يستحق ذلك، ولا في الإشادة إذا وجد ما هو جدير بالإشادة، وهو في حياته وفي شعره بعيد عن الإسفاف وعن التزلف.


أما فهد بورسلي فقد كان حديث الأستاذ البشر عنه حديث عارف به، قريب الصلة منه، فقد كانت له جلسات مع هذا الشاعر يستمع فيها إلى شعره، ويعرف من خلالها أخباره، وهو الذي جمع قصائده، وأعد ديوانه للنشر، وهو ما نعرفه حق المعرفة.


كتب الأستاذ أحمد البشر الرومي مقدمة جيدة لديوان الشاعر تحدث فيها حديث العارف به المحب له، ومما قال فيها: »أما شاعرنا (فهد بورسلي) فهو أول الشعراء الشعبيين الذي اهتم بمشاكل حياتنا الاجتماعية، وكانت قصائده الانتقادية على أخطاء سياسة الدوائر الحكومية؛ بمثابة الصحيفة الناطقة عن الضمير الشعبي، العاكسة للأوضاع الاجتماعية والسياسية والإدارية داخل البلاد، ومجريات الاحداث السياسية داخل الوطن العربي وخارجه، في الوقت الذي لم تكن تصدر فيه بالكويت أية صحيفة، وكان فهد بورسلي ينظم أكثر قصائده عفو الخاطر، وكانت هذه القصائد تنتشر بسرعة وبعد ساعات من نظمها، فتُردد في مجالس أصدقائه، ويتناولها الرواة عن الرواة«.

هكذا أجمل لنا الأستاذ الرومي أغراض الشعر التي تطرق لها فهد بورسلي، وطريقته في النظم وتعلق الناس به.



***



كتبت عن الشاعر فهد بورسلي كثيراً، ولكني هنا في مجال مقارنة بينه وبين شاعر آخر من جيله هو الشاعر زيد الحرب. وليس ما يمنع هنا من التذكير بشيء عن حياة بورسلي حتى يكتمل العمل الذي أعرضه للقارئ الآن.



ولد الشاعر فهد بورسلي في سنة 1918م، وكان والده من كبار رجال البحر، وكان تاجر لؤلؤ يمتلك عدداً من السفن التجارية. درس شاعرنا القرآن الكريم واللغة العربية والحساب في الكتاب كغيره من أقرانه، وكما هي عادة هؤلاء في الدراسة في تلك الأيام الماضية. وقد أضاف فهد بورسلي إلى دراسته هذه دروسا خاصة تلقاها من المرحوم علي المجرن، وكان والده محبا للشعر النبطي يحفظ منه الكثير، ويردده بينه وبين نفسه ولكنه لم يؤثر عنه أنه نظم من ذلك النوع من الشعر شيئا. وكان خال الشاعر وهو المرحوم علي الموسى شاعراً مجيدا، يُعدُّ من أكبر شعراء الكويت النبطيين في زمنه، وبعض شعره لا يزال موجوداً ولكن أكثره قد أحرق بيد من لا يعرف قيمة الشعر. وقد أورد له الشيخ عبدالعزيز الرشيد قصيدة في كتابه »تاريخ الكويت« وجهها إلى الشيخ مبارك الصباح أثناء معركة الصريف المشهورة، هذا وللشاعر فهد بورسلي أقارب آخرون يقولون الشعر النبطي، وُيُعرفون بذلك حتى يومنا هذا.


هيأت هذه البيئة للشاعر الفرصة، فتعلق قلبه وفكره بالشعر النبطي والشعبي، واكبَّ عليه حتى برع فيه، وتميز، وظل بارزا في فنه حتى توفي في الخامس والعشرين من شهر ابريل لسنة 1960م. اهتمت مجلة البعثة منذ صدورها في سنة 1946م بشعر هذا الشاعر، وقدمت له الكثير من القصائد، وتحدثت عنه وعن المحن التي مرت به في بعض أعدادها، وكتب عنه الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري منوها بقدراته الفنية في كتابه »الشعر العربي بين العامية والفصحى«.



***



وكما قلنا آنفا فإنه بتاريخ الحادي والعشرين من شهر فبراير لسنة 1972م، انتقل إلى رحمة الله شاعر كويتي مجيد؛ هو الشاعر زيد الحرب. وهو شاعر مبدع سلك في الشعر النبطي مسالك كثيرة وأبدع وأجاد وشارك الكثيرين من شعراء زمانه في محاورات ومراسلات شعرية عديدة، وجاهد في حياته، وصبر على كثير من المشاق التي عبر عنها في شعره، ولد الشاعر زيد بن عبدالله الحرب في سنة 1887م تقريبا، في منطقة الشرق من العاصمة الكويتية، وكان يجيد نظم الشعر النبطي، وله قصائد معروفة تتردد بين الناس، ونُشرت له قصائد في عدد من المجلات الكويتية، كما أذيعت له قصائد أخرى من خلال الإذاعة والتلفزيون؛ إذ كان لا يمتنع عن الحضور إلى هذين الجهازين المهمين لكي يلقي عبرهما أشعاره التي ينتظرها محبوه وعاشقو شعره.


عمل زيد الحرب في البحر بمجاليه الغوص، والسفر، وشارك في معركة الجهراء (1920م) وفي بناء سور الكويت الثالث (1920م) وعندما بدأت عمليات استخراج النفط في البلاد التحق بإحدى الوظائف المتعلقة بأعمال الشركة المختصة بذلك. وفي سنة 1952 كُفَّ بصره، فانقطع عن العمل. وكان رجلا شهما نبيلا محبا لوطنه، متفانيا في خدمته، يحمل لأمته العربية ودا لا حد له. ذكر في أشعاره العديد من الأحداث التي مرت بالعرب في أثناء حياته، وشارك قومه في أفراحهم واتراحهم، ولم تمر مناسبة وطنية بالكويت إلا وهو يشارك فيها، معلنا بأناشيده الوطنية عن اعتزازه بوطنه، ودفاعه عنه في شتى المواقف.


تجد في شعر زيد الحرب أثر عمله في الغوص، وشاعت له قصائد جيدة في وصف حالة العاملين في هذا المضمار المهم بالنسبة للكويت بعد أن توقف العمل جزئيا في السنوات التي سميت سنوات الكساد، ولم يكتف شاعرنا بوصف الحالة بل إنه عتب على التجار الممولين لرحلات الغوص لأنهم لم يلتفتوا إليه وإلى رفاقه في هذه الفترة العصيبة ولم يمدوهم بما يسد حاجتهم. وتجد في شعر زيد الحرب - كما أشرنا - أثر محبته لوطنه الكويت، ولأمته العربية، وله في ذلك قصائد كثيرة معبرة. ويكشف شعره - كذلك عمق صلاته مع أبناء وطنه ولاسيما الشعراء منهم، فهو يرسل القصائد إليهم مشاركا وهو يرد على قصائد الشعراء، والقصائد المتبادلة في ديوانه كثيرة لا مجال لتعدادها هنا.


لزيد الحرب ديوان مطبوع صدر بعناية ابنته الشاعرة غنيمة زيد الحرب، وضم عددا كبيراً من قصائده.



***

التوقيع:
-:[ الأصدقـاء أوطـانٌ صغيرة ]:-
أملي ديكنسون
(اوطــااانــ) غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس