مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 10-09-2008, 17:31   #2
منى العبدلي
عضو شعبيات
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ منى العبدلي
 

رد : القصة القصيرة بين النشر الورقي والنشر الالكتروني ...روتين أنموذجا

الجزء الثاني:


«روتين - صور قصصية» بين يدي النسخة الورقية الصادرة في مطلع هذا العام للقاص عبدالواحد اليحيائي وعن دار المفردات للنشر والدراسات في إحدى وعشرين قصة قصيرة و «105» صفحة من القطع المتوسط وكانت منشورة قبل ذلك في عدة منتديات الكترونية، وبين عالم الورق والعالم الإلكتروني كان مبدعها يخضعها للكثير من التغييرات والتي سوف نستعرض أبرزها وأهمها ومعرفة أسباب هذه التغييرات ودواعيها ومستوياتها.

وستكون معايير المقارنة كما يلي:
أولا: في البناء والنسيج ويشمل ذلك:
* اللغة وتراكيبها النحوية ومعانيها الجمالية.
* الأسلوب السردي والحوار.
* مسؤولية الحرية والرقيب.
* نقاد الواقع وقراء الشبكة الإلكترونية.

اللغة هي المادة الأساسية التي تصُنع منها النصوص، والمادة الأهم في محاولة التعبير عن شيء ما إرادة كاتب النص، وهي وسيلة لإيصال الغايات والأفكار للمتلقي والقارئ، لذلك كان حرص الكاتب على التحديد والدقة والعناية بجمال نصوصه القصصية فقد اعتنى عناية شديدة بشكل التعبير وأساليبه واستخدم لغة باهرة ومفاجئة، وهو بالتأكيد كان ذلك أحد هواجسه حين أراد مخاطبة القارئ الورقي الذي يحتل المرتبة الأولى عنده، ذاك القارئ ذو الطبيعة الخاصة في التعامل مع الأعمال الإبداعية.

والأمثلة التالية التي سأوردها ستكون كفيلة بتوضيح الغاية والقصد من الكلام:

• المثال الأول: تغيير نحوي واستبدال اللهجة العامية بالفصيحة:
من نص تقمص في نسخته الإلكترونية: « أمسك بي بين إصبعيه بهدوء، تأملني واجماً وتأملته متعجبة .....»
نفس النص ولكن من النسخة الورقية « بهدوء أمسك بي بين إصبعيه، وواجماً نظر إلي ومتعجبة تأملته ....»

كلمة «بهدوء» والتي جاءت في المثالين السابقين، كانت في منتصف العبارة ثم استهل بها الكاتب الجملة في النسخة الورقية، وهي صفة في ذاتها وكان تقديمها أكثر بلاغة ودلالة للمعنى الذي أراد الكاتب إيصاله للمتلقي.
«تأملني» استبدلها بـ “نظر إلي”.

• المثال الثاني: تغيير جمالي بلاغي:
بعض التغييرات التي يحدثها المبدع على نصوصه يكون لغرض جمالي بلاغي في محاولة لمنح القارئ متعة في تلقيه للنص، كحذف عبارة لا تضر بسياق الحدث أو إضافة جملة تثري النص وتزيد من جماله ولا تربكه أو تخل في توازنه وبنيته كما في الامثلة التالية:
في نص روتين أضيفت عبارة في المقطع التالي: «.. رغم انجليزية لغة الاجتماع ورغم الريح والإعصار.....» والعبارة التي اضيفت هي «ركبت ظهر الأبجر حصان عنترة وتقلدت سيف ربيعة بن مكدم .....» وفي رأيي أنها اضافة غاية في الجمال اثرت النص وزادته عمقاً.
لا يسع المجال لذكر الكثير من الأمثلة المشابهة، فالمؤلف وإن قام بالتغيير في اللغة من خلال اللعب بالكلمات بتغيير مواقعها أو حذفها تماماً أو بالاشتقاق منها أو بالاضافة عليها، إلا أنه بقي ملتزما بضوابط وقواعد اللغة والنحو ونظمها الخاصة مع عدم إغفال القول إنه بنى أنساقاً لغوية عليها بصماته الخاصة والشخصية.

ثانياً: الأسلوب السردي والحوارات:
لكل كاتب ومبدع الحرية في اختيار تقنيات السرد التي تناسبه، وتفضيل أحدها على الاخر حسبما يراه مناسبا لطبيعة احداث القصة، وهنا سأتناول نص “حصة” كمثال على ذلك، فالاسلوب السردي لهذا النص وفي نسخته الإلكترونية كان يعتمد على الراوي من داخل الحدث وكجزء من كيان القصة وبنائها وعبر السرد الذاتي « ضمير المتحدث أنا « مثال:
«في الثامنة عشرة من عمرها كانت أختي الوحيدة تعيش حالة حب، وفي مجتمع محافظ كالذي نعيش فيه، وفي بيت تُراعى فيه التقاليد والأعراف كبيتنا، ويُكثِر أفراده الحديث عن الأخلاق والآداب والقيم، كان لا بد لأي حديث عن القلب والحب أن يخضع للسرية الشديدة، وأحيانا للخجل المربك، ويصبح الإعلان عن المشاعر الخاصة والحميمة أمرا مستهجنا دون وجود مبرر مقبول لهذا الإعلان، وفي حالة الحب الذي تعيشه بخوف وخجل كانت آخر عناقيدنا تعلم أن إظهار الحب لا بد له من موافقة مبدئية ثم إعلان رسمي.» انتهى.
غير أن الكاتب فضل تغيير ذلك في النسخة الورقية واستخدم اسلوب الراوي ذي الشخصية الحيادية، حيث يقوم بالتعليق على احداث القصة عن بعد وعبر السرد الموضوعي « ضمير المتحدث هو»: «في الثامنة عشرة من عمرها كانت حصة تعيش حالة حب، وفي مجتمع محافظ وبيت تُراعى فيه التقاليد والأعراف، ويُكثر أفراده الحديث عن الأخلاق والآداب والقيم، كان لا بد لأي حديث عن القلب والحب أن يخضع للسرية والخجل، ويصبح الاعلان فيه عن المشاعر الخاصة والحميمة أمرا مستهجنا دون وجود مبرر مقبول لهذا الإعلان.» انتهى.
وبالرغم من أن السرد الذاتي والاسلوب الروائي من داخل الحدث كفرد منها يتأثر بأحداثها ويؤثر فيها يضفي على النص الالفة ويجعلها أكثر صدقاً وقبولا لدى القارئ وبالتالي إقناعه، إلا ان رؤية الكاتب وتأثير البيئة الاجتماعية المحيطة به قد تجعلة يختار أسلوبا سردياً معيناً وتحتم عليه أن يبقى الراوي ناقلا للاحداث فقط حيث تجري المشاهد أمام عينيه.

ثالثا: مسؤولية الحرية ومقص الرقيب:
كنت قد ذكرت سابقاً أن غياب الرقيب وتوفر مساحة من الحرية في التعبير والكتابة مما يعد من ميزات النشر الإلكتروني، والكاتب والأديب/ عبد الواحد اليحيائي، يمارس هذه الحرية في عالم النشر الإلكتروني ولكن بمسؤولية وتوظيف ذكي، وكان ذلك واضحاً في بعض نصوصه التي تناولت موضوعات مختلفة وحساسة إلا انه اختار ان يجري تغييراً يكاد يكون جذرياً لبعض هذه النصوص تجنباً لتدخل الرقيب الاعلامي وحرصاً منه على خصوصية القارئ الورقي ورغبته في الوصول إلى شريحة اكبر من القراء جعلته أكثر حذرا في اختيار ما يتناسب مع مساحة الحرية الممنوحة واقعاً وكمثال على ذلك نص «التزام» فقد حذف الكاتب بعض العبارات التي قد تسيء للذوق العام أو تخدش الحياء أو بمعنى آخر أنه استبدل النص الصريح المباشر بنص يترك للقارئ استنباط ما يناسب من معانٍ، وهنا تكمن حرفية الكاتب في أن يعطي للمتلقي الحرية في تخيل المعنى وتأويله حسب رؤيته الخاصة. كذلك استثنى الكاتب تماما احد نصوصه القصصية ولم يدرجها مع بقية النصوص التي نشرها ورقيا كنص « غطاء « ونص « بلووتووث « وهذه حرية للكاتب ووجهة نظر خاصة به.



رابعا: نقاد الواقع وقراء الشبكة:
من خلال النشر الإلكتروني يستطيع المبدع أن يتواصل مباشرة مع القراء، وحين يدرج نصاً قصصياً يحمل في ثناياه شيئا من الإثارة أياً كان نوعها فعليه ان يتقبل كل الآراء التي تأتيه مهما كانت، وعليه ان يتداخل معهم في نقاش وجدل حتى يصل أو يصلون الى تقارب في وجهات النظر أو اتفاق على تعديل أو تبديل في هذا النص، لكن هذا الامر لا يحدث مع قراء الواقع لذلك يقوم الكاتب بالتعديل في نصه قبل إصداره ورقياً متحاشياً بذلك ردود الفعل التي قد تصدر أو الهجوم غير المبرر على افكاره كما فعل في نص «حين أحبتني» حيث حذف كلمة أشارت الى فئة معينة من الناس وجعل العبارة غير محددة المكان ، وهو امر يحسب له حينما يريد توثيق الصلة بينه وبين القارئ الورقي وهذا يدل على احترامه لعقل المتلقي.

خامسا: أسباب أخرى للتغيير:
بعض الافكار في بعض النصوص تكون محدودة الصلاحية أو تكون صلاحيتها في الشبكة الإلكترونية فقط لذلك تم استثناء نص «بلووتوث» من ادراجه في المجموعة الورقية وعوضاً عن ذلك بقي نصا الكترونيا فقط. وأخيراً فإن النشر الإلكتروني مثله مثل النشر الورقي ومثل أي عمل آخر يحتاج إلى همة عالية وذوق خاص ينم عن صاحبه وخبرته، وذكائه في تسخير أدوات النشر بكل أنواعه في مصلحة العمل الذي يقدمه، وقيمة الكاتب لا تتحدد فقط بما يبدعه من أعمال وكتابة ولكنها تتحدد أيضاً بما يتقنه من هذه الأعمال وعلى الوجه الأكمل والأجمل.

المراجع:
1. روتين صور قصصية “النسخة الورقية”
2. النصوص القصصية المنشورة في المنتديات :
http://www.sh3byat.com/vb//showthread.php?t=11970
http://www.sh3byat.com/vb/forumdisplay.php?f=82
3. بحث للكاتب والباحث العربي احمد فضل شبلول : الكاتب والمستقبل 2005م القاهرة
4. صحيفة عكاظ « آفاق ثقافية»: مستقبل الطباعة الورقية أمام واقع القراءة الإلكترونية .. الكتاب يتفوق عربيا. 1428هـ
5. النقد الرقمي ومواصفات الناقد الرقمي د. السيد نجم.



المصـــــدر

منى العبدلي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس