مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 27-06-2008, 11:40   #1
نايف الجنيدي
شاعر
 

من أجمل ماقرأت في الرثاء العربي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أعود لشعبيات بعد غياب ألزمتني به الظروف الصحية العائلية والتي هي في طور الزوال بإذن الله , وهذا تواجدي الأول هنا في هذا القسم , راجياً من الله أن يكون موفقاً بينكم .

هذه قصيدة أعجبتني وهي من وجهة نظري أجمل قصائد الرثاء في الشعر الفصيح لسبب أنها مرتجلة من الشاعر لحظة رؤيته للموقف الذي استدعاها . وقصتها:

أنه في عصر دولة البويهيين كان هناك وزيرا للسلطان البويهي وكانت كنيته (( ابن مقلة )) وكان ابن مقلة محبوبا من العامة لكثرة بذله وعطاءه لهم من أمواله الخاصة حتى قيل كأن العامة أبناءه , مما أشعل نار الحقد والكراهية في نفس السلطان البويهي , فقام بتدبير مكيدة للإيقاع به ونجح في ذلك وكان عقاب تلك المكيدة هو الصلب فصلبه على جذع شجرة ومنع الشعراء من أن يرثونه بقصائد أو أن يبكونه العامة وقام السلطان بإشعال النار حول ابن مقلة ليلا كي لا يقترب منه أحد ووضع عنده حراس ليردوا من حاول الاقتراب منه وكان الناس يرونه من بعيد ويبكونه.
وكان الشاعر أبي الحسن الأنباري خارج بغداد أثناء هذه الحادثة ولم يعلم بها , وكان من أعز أصدقاء ابن مقلة - الوزير المصلوب – فكانت تربطهم علاقة صداقة متينة , فعندما دخل بغداد ووجد الوزير مصلوب بكى بكاءً شديداً وتوجه إليه مباشرة رغم منع السلطان من الاقتراب منه ووقف تحته وأنشد ( ولكم أن تتخيلوا جمال التصوير في الأبيات ) :



علـوٌّ في الحــيــاة وفـي المــمــات = لحقٌ أنت إحــدى المعــجزات
كأن النــاس حـولـك حـيـن قـامــوا = وفـود نِــداك أيــام الـــصلات
كــأنــك قــائـم فـيـهــم خـطـيــبـــاً = وكــلــهـــم قـــيـــام للـصــلاة
مــددت يــديــك نـــحوهم احـتـفاءً = كـمـدهـما إلــيـهـم بـالـهـبــات
ولما ضاق بطــن الأرض عن أن = يـضـم عــلاك مــن بعد الوفـاة
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا = عــن الأكـفـان ثـوب السـافيات
لعظمك في النفوس تبيت ترعى = بــحــراسٍ وحــفــاظٍ ثـــقــات
وتــوقد حـولك الـنـيـران لـيـــلاً = كــذلـك كـنـت أيــام الــحـيـــاة
ركـــبــت مــطيــة من قـبـل زيد = عــلاها في السـنين الماضيات
وتــلــك قــضــيــة فـيـها تـــأسٍ = تــبـاعــد عــنــك تـعـيـير العداة
ولم أرى قبل جذعك قط جذعــاً = تـمـكـن مـن عنـاق المـكرمات
أسأت إلى الـــنوائب فاسـتثارت = فأنـت قـتـيـل ثــأر الـنـائـبــات
وصـيـر دهـرك الإحـسـان فـيه = إلـيــنا مـن عـظيـم الـسيـئـــات
وكــنــت لـمـعـشـر ســعــد فلما = مـضـيت تـفـرقوا بالـمـنحسات
غـلـيـل بـاطـن لـك فـي فـؤادي = يــخــفـف بالـدمـوع الـجاريات
ولـو أنـي قـــدرت عــلـى قـيام = بـفرضـك والـحقـوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي = وبـحـت بـها خـلاف الـنائـحات
ولـكـني أصـبّـر عـنـك نـفـسـي = مـخـافـة أن أعـد مـن الـجـنـــاة
ومـالـك تـربـةٌ فـأقـول تُـسـقـى = لأنـك نـصـب هـطل الهاطلات
عـلـيـك تحـية الـرحـمـن تـترى = بـرحـمـات غــوادٍ رائـحــــات






وكان نصيب الشاعر بعد هذه القصيدة أن غضب عليه السلطان لعصيانه وقيامه برثاء ابن مقلة , فأمر بفيلة كانت عنده وأحضر الشاعر وقيّد وأمر بأن تقوم الفيلة بالسير على الشاعر حتى مات.
ويذكر عن السلطان أنه وبعد زمن طويل قال أنه تمنى لو كان هو المصلوب وهذه القصيدة قيلت فيه لشدة إعجابه بها ولانتشارها بين الناس ولشجاعة شاعرها ومدى حبه لذلك الوزير .



..

نايف الجنيدي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس