النجدية
|
بين أصابعهم شمس ( قراءات خاصة عن الـ مسفر الدوسري )
ضوء : عبد الله فللاح
مدخل :
" قل لنا يا لهب الحاضر , ماذا سنقول "
اودينس .
المكان :
لماذا ما زال هناك من لا يستوعب " تجربة " باذخة صارخة يحملها بحر يدعى " مسفر الدوسري " ؟
قبل فترة , كتب مسفر " نصل " من وين يدخلنا الحزن ؟
تحمل أمواجه لغة راقية و جميلة و منتقاة جداً منبعثة من تلقائيته , كان النص كالصعقة المدهشة , لكل من لا يعي ماهية الشعر و قوته و عذوبته أيضاً , إذ استطاع هذا ال مسفر أن يضع الشعر في قالب السؤال , من وين يدخلنا الحزن ؟
إن هذا السؤال عندما يضئ أول مرة يجعل العقل و الجدار متشابهان في ما يحويان و يكون العقل أقرب شبه من الجدار في محتواه , إذ أن هذا السؤال لا يدفع الشخص للتأمل بشكل جيد , و استطاع مسفر أن يعيد تشكيله شعراً ليفتح نوافذ كثيرة للتأمل في كل ما يدور حولنا و ما تحمل الأشياء التي نشاهدها منذ الساعة السابعة صباحاً إلى ما بعد منتصف الليل . حتى "فنجان القهوة "لم يسلم من هذا السؤال , لذا كان مسفر عميقاً أكثر من العمق ذاته من طرحه لهذا السؤال شعراً . ولأنه متفرد استطاع أن يضع ملامح للإجابة على هذا السؤال الصعب. و لأنه يعرف تماماً كيف يستخدم أدواته و فكره السامي , عقب النص بصفعة أخرى أكثر ادهاشاً مما سبق ليدع أبواب التأمل مشرعة للعقول . عندما أنهى نص ببداية أخرى و هي :
" من وين تداهمنا الكتابة من السؤال و لا الإجابة ؟! "
صفعة مدهشة أليس كذلك ؟ و هنا سأغلق باب ذاكرة النسيان!!
مخرج:
مسفر الدوسري , كلما فتحت نافذة الذاكرة يضئ هذا الاسم , ويدفعني للتساؤل , هل أنا منحاز جداً لهذا المسفر ؟
أم أن مسفر شاعر لا يعنيه أولئك الذين يمارسون الركض خلف " البارحة "
أم أنه شاعر لا يمكن استيعابه إلا بعد عدة أعوام؟ لأنه أكبر من الوعي !
أم ,.... لاأعلم !!
و لكن يبقى مسفر أحد المتفردين رغم أنف التفرد !
ضوء: فهد عافت
عندما تقول : " نص عامي متقن " فأنت تعني أن كاتبه أحد عشرة أسماء في الخليج من بينهم مسفر الدوسري "
وعندما تقول " نص عامي متقن و ساخن مثلما يليق بـ " أم تنتظر وحيدها " فأنت تقول أنه لأحد سبعة شعراء خليجيين من بينهم مسفر الدوسري "
وعندما تقول "نص عامي متقن و ساخن مثلما " أم تنتظر , و منذور لـ ... اللامتناهي فينا " فأنت تحصر تفكيرنا في من هو صاحبه بين خمسة شعراء من بينهم " مسفر الدوسري "
فإن أضفت للعبارة السابقة " وهو نص لا يستسلم لسكون القارئ ولا يساوم في انتمائه للاحتمال " فإن ثلاثة أسماء من بينهم " مسفر الدوسري " لابد وأن يكون صاحبه .
لكن إن قلت " نص عامي متقن , ساخن مفعم بالحليب و الأرغفة , بالأجساد و الفواكه , بالأسئلة المعلنة بأنه منذور لـ ... اللامتناهي فينا أبدا .. نص لا يستسلم الا لحركته و لهاثه , اللذين لا يساومان بدورهما , أي مسافة , وأي درب .. الذي تراوده الاحتمالات عن نفسها , فتهم به , ويهم بها , فلا ينشق قميص الصهيل من دير " فأنت تقول : هذا نص لـ " مسفر الدوسري " لـ " مسفر الدوسري " فقط !!
من وين يدخلنا الحـزن ؟
" من وين يدخلنا الحزن ؟ "
ليس هذا أول النص ، ولكنه آخره ، وهو أيضاً ليس سؤالاً، لكنه إجابة !
يتأكد الشاعر من غلق كل الأبواب، يسد كل النوافذ ، يرتق ما تشقق من السقف ، ويتأكد من إحكام غلق الشبابيك .. ثم يجلس وحيداً ..
يضغط زر المسجّل ، يسمع أغنية .. ، يدخل المطبخ ، يفرك الولاعة بإبهامه مرتين أو ثلاث مرات حتى تقدح الشرارة ..
يفتح الجريدة، لا يكمل قراءة الموضوع، فالقهوة جمحت، وخرجت عن نص الفنجان ..
يصب القهوة، يضع رِجلاً على رجل، يود لموضوعه الذي قطعه قَبل قليلٍ ليكمله .. ، يرمي الجريدة جانباً .. ، يفكر في فرش أسنانه، تصدمه المرآة بعينين حزينتين ..
يتمضمض بسرعة، يغلق صنبور الماء، ويعود مسرعاً للتأكد من أن الأبواب والشبابيك وكافة النوافذ مغلقة وبإحكام .. إذن :
( من وين يدخلنا الحزن ويسكن سواد العين ؟ )
من وين يدخلنا الحزن
ليس هذا تكراراً للسؤال، ولكنها إعادة للتلفت ..
( من ليل أغانينا) ؟، ويتغير ..المكان: ( أنا مش سودا بس الليل .. سوّدني بجناحه .. ) تلك الأغنية التي توضأ بها حزن مسفر الدوسري ذات قصيدة : ( حبيبة قلبي مو سودا .. بس الليل ) !!
( أو من جرايدنا ) ؟ هذه التي لم تترك لنا فرصة الابتهاج بغادة شعاع حتى صدمتنا بتوقف نبضات قلب ( بلند الحيدري ) بعد أكثر من خمسين سنة من تدفق الشجر والسهر، القوافي والمنافي ، ..
ليست ( الكلمات ) مفردة ( الكلمات ) جملة : الكل .. مات !!!
( أو .. ويل أمانينا ) ... ، تُرى لماذا تؤدي بنا الأغاني إلى الليل، والأماني إلى الويل ؟!
( قفانبكِ ) .. من هنا دخل الشعر العربي، ومن يومها ونحن ( بسقط اللوى)..
( يدخل من الجرح ) !
الدوسري مسفر، أشد الناس فطنة في الكلام، والحمام والغمام : ليست الجراح هي ما يحزننا، الأحبة الذين يدخلون منها إلينا هم من يتسببون لنا بالحزن، لكنهم ضيوفنا : نحطب لهم حطب الضلوع، ونمرر لهم الإجابة بصيغة السؤال : ليس من اللائق أن نجرح ضيوفنا بإجابات قاتمة !!
( أو قهوة الصبح ) ؟!
إذن لا ( ليل أغانينا ) بريء مما يحدث لنا، ولا قهوة الصبح، أعلى من الاتهام، لكننا لا نمتلك أدلة قاطعة .
كل شيء عندنا قاطع ما عدا الأدلة !!، لماذا ؟ لأن الكلمات لم تعد ( عُرياً ) صارت الكلمات ثياباً، وليتها ثياب جيدة، أو جديدة، وليتها ثياب مهتزئة أو رديئة، هي ثياب مزورة فقط ! ، كيف نمتلك الحقيقة مماهو مزوّر؟ .. السؤال بلغة الشعر : ( من بعض الحكي المشقوق ) !
سأتوقف الآن عن القراءة ( والكتابة أيضاً ) ، لأنني بدأت أكتشف حيلة مسفر الدوسري :
يوهمك بقدرتك على قراءة النص، وما إن تشرع في ذلك حتى تكتشف أن النص هو الذي يقرؤك .. !
ثمة مقولة تؤكد : ( للنص قراءات بعدد قرائه ) مسفر الدوسري يؤكد : (للقراء نص بعددهم ) !!
مسفر التلمذة
لن أقول " بعيداً عن علاقتي الخاصة والمليئة بالمودة والحب والعرفان لمسفر الدوسري سأتحدث " ، لن أحاول عزل عاطفتي وكأنها ذنب علي التبرؤ منه أو التخلي عنه، أو كأنها زيُّ يمكن لي ارتداؤه وخلعه عن جسدي متى شئت ..
سأتحدث عن مسفر، شاعري وصديقي وحبيبي وأخي، وأحلم بتقبلكم لهذا الحديث دون اتهامه بالعاطفة ، لأن هذا لا يليق بكم أيها الناس : الحب ليس تهمة، والمحبة ليس عيباً أو وصمة عار ..
عرفت مسفر منذ سنين طويلة، كنت قرأت له قبل أن ألتقيه بفترة قصيرة جداً، وكنت من أشد المعجبين به .. لعله من حظي وحظ مسفر مع هذا القارئ الذي هو أنا ، أنني أتيته وهو في حالة نضج، لازلت أحفظ أول مقطع قرأته لمسفر: " أحبك حب ..كأنك أول بنيةَّ .. وكأني آخر العشاق ..أحبك حب .. يخلي كل حكي عادي .. قصيدة حب " !
أما رائعته " يمّه أرضك " فقد كانت ولا تزال تمثل بالنسبة لي واحدة من أجمل القصائد العامية وأنبلها وأكثرها قدرة على التغلغل في الوجدان ..
قبل هذه الكتابات ، كان لمسفر الدوسري ديوانان لم أطلع عليهما، وحتى حينما أطلعت عليهما فيما بعد لم يروقا لي بشكل كير، وفضلتُ نسيانهما ..
ولا أدري لماذا لم يقم مسفر الدوسري حتى الآن بطباعة ديوان ثالث، يمكنه إعطاء صورة حقيقية عما وصلت له قصيدة مسفر من نضج، في العاطفة والتكنيك واللغة، وخصوبة الأفكار ..
من وجهة نظري ، مسفر الدوسري هو أفضل ا لشعراء في الخليج، ولاأخص شعراء العامية فقط، بل أنني أحسّ بظلمي لمسفر عندما أحدّد هذه الأفضلية بالخليج فقط، إذ أنه من أفضل الشعراء ا لعرب الذين ظهروا في العقدين الآخرين، وأطن – بل أكاد أجزم – أن الساحة ظلمت نفسها ولا زالت تمارس ظلماً فادحاً في حق شعرها ونتاجها، بتجاهلها شعر مسفر الدوسري، وعدم جديتها في حرث كلماته وقراءتها قراءة لائقة، وفاعلة .. هل مسفر الدوسري مظلوم ؟ ، اسأل وأجيب بـ " لا .. !!
في الشعر لا ظلم يقع عليك إلا منك، ومسفر كان ولا يزال من أعدل الشعراء وأكثرهم إنصافاً لنفسه ..
هو لا يفهم الجمهور فهماً سطحياً .. يعرف مسفر الدوسري أن الشاعر ليس سياسياً دبلوماسياً عليه دائماً كسب أكبر قدر من الأصوات، هو ربما يعرف أن الشاعر عكس ذلك تماماً : عليه التخلي عن كل الأصوات والإبقاء على صوته مفرداً منفرداً متفرداً ..
"لا تفتح عيونك" ، " الأسبوع خمسة أيام ودائرة مغلقة " ، " إنسان بسيط"، " شكراً على أيام هواك " ، " منفوحة " ، " الحبل " ، وغيرها كثير ، كلها قصائد متقدمة كثيراً في تكنيكها وتقنيتها وصفاء الزاوية الملتقطة منها، والعين الملتقطة لها، ومغايرة لما يُطرح سواء السائد منه أم غير السائد ..
نفسُه الخاص وفرادته، وخصوبة معانيه .. ووحدة نصّه، وجرأته في الطرح المغاير : شكلاً ومضموناً ، تجعلني أنحني أمام شاعريته طويلاً ..
وعندما أرفع جبهتي أقول : مسفر الدوسري لم ولن يكون أستاذاً لأحد .. إنه أكثر الناس حباً للتلمذة، وأكثر الناس تحبيباً بها ..
هذه كتابة سريعة، أعرف أنها لا تفي شاعري حقه، وأعرف دائماً أنني مقصرة تجاه هذه التجربة الأكثر من رائعة، لكنني أعد نفسي أولاً وأعدكم أولاً أيضاً أنني سأعمل على كتابة مطولة عن مسفر الدوسري .. وشعره الذي يشبهه تماماً .. الآن أفضل التوقيع بالشكل التالي ..
تلميذ التلمذة الدوسرية ..
فهد عافت
ضوء : روعــــــــــــــــــــــة يونس:
مسفر الدوسري العشق يرفع قبعته للفراق
ولماذا لم أختر عنوانا آخر طالما أن الأمر يتعلق بالشعر الشعبي اللابس غترة و عقالاً ؟
إذا كان رفع القبعة يرمز للتقدير والاحترام , وارتداؤها يرمز حقاً للحداثة و الرجل الجنتلمان , فهذا بالضبط ما قصدته.
ويبدو لي أن " مسفر " بفتح السين و تشديد الفاء كما يحلو لي تسميته , فيهرع صديقه الحميم فهد عافت ليصحح لي ,. ومعه حق فالمعنى الأصلي للاسم يدل على الجلاء والوضوح .
وأنا أيضاً لدي شئ من الحق لأن الاسم بتسكين السين لابفتحها لا يمنحنا الدلالة على سفر شاعرنا وتوغله في كون الفراق , ويبدو أن هذا هو واقع الدوسري قبل ومع وربما بعد عام 1996 . وقد شاء أن تكون قصائده ( الفراقيات ) بمثابة اعتراف ليس بالفراق بل بما هو أنبل .
لقد اعتاد القارئ ومنذ عصور على تقبل ما يبثه الشاعر العاشق من لواعج الحرمان والشكوى والانتظار, لدرجة يتشابه هذا الغرض أو اللون الشعري ( الفراق ) لدى الغالبية العظمى من الشعراء قديماً وحديثاً , ولم تفدني مطالعاتي المحدودة ولا مطالعات زملائي الرحبة ولا كتب أساتذتي الأدبية التي درستها أكاديمياً بأن هناك قصائد عشق ترفع القبعة للفراق , بل كل القصائد تشتم الفراق وتقبح وجهه " وتلعن والديه "
وكل الشعراء اشتكوا منه وعليه , وتلازمت الشكوى حصراً مع كل قصيدة فراق .
أما مسفر الذي قابلته إنسانيا على الورق مراراً , جاءنا في كل قصائده المنشورة في " قطوف " عام 1996م ( جميعها عن الفراق ) بالسكَّر يرشَّه فوق مرار الفراق صباحاً ثم يذهب بعد أن يغسل له الوجه إلى الحديقة ليتذاكر الانتظار و يتذكر السالفات ثم يصحبه إلى منضدته حيث يعمل ويعود معه لتنتعش الآهات المكتومة وجبة غذاء كريمة تشتاق أصيل البحر الذي لايغادر قبل مصافحة الليل .
ضوء: محمد مهاوش الظفيري:
من الأمور الغريبة و العجيبة التي كنت اتبناها بقوة هي رفضي الشخصي لقصائد مسفر الدوسري .
ظل هذا الهاجس يلازمني سنين لايفارقني , لكنني بعد
أن بلغت مرحلة من النضج الشعري و المعرفي , وأصبحت اطلع على كتابات هذا الرجل أدركت عمق هذا الخطأ الفادح الذي كنت واقعاً فيه , الآن عندما أقرأ قصائد مسفر الدوسري أشعر و كأنني جالس في غابة مليئة بعصافير الزينة , عندما أمد يدي للإمساك ببعض منها تتطاير من أمامي بشكل اسطوري خلاب رائع . وعندما أمسك ببعضها الآخر تتفلت من بين أصابعي فأصر على الإمساك بها من جديد , فلا أستطيع .
هكذا تبدو لي قصائد مسفر الدوسري , وهكذا أشعر عندما أقرأ قصائده في كل مرة .
أما قصة ذلك الخطأ الفادح , فأمره يعود في حقيقة الأمر إلى اولئك الشعراء الذين كنت متصوراً أنهم " عظماء " عندما كنت اتلقى منهم التعاليم الشعرية كالوحي المقدس النازل من السماء .
ضوء: سعيد المنصور
مسفر الدوسري أو الدوسري مسفر هذا الإنسان المزود بالحب في كل مكان يتواجد به .. إنني احترم هذا الإنسان من قبل أن أعرفه وبعد أن اقتربت منه قليلاً خفت من شعاع ذلك الحب العظيم ولكنني رأيت شمس ذلك الحب في ليلة شتاء من أجمل ليالي الكويت والتي بث فيها مسفر الحب قبل الشعر في أمسيته التي نظمتها مدرسة خليفة برفقة صديقه ناصر السبيعي .. لقد وجدت محبة مسفر على كل محبيه وفي كل ابتسامة وداخل كل قلب .. مساؤك جميل وصباحك أجمل أبا عبد الله وكم أنا فخور بمعرفتك .
عندما نتحدث عن الساحة الشعبية الجميع يتفق على أنها ساحة حرب تكال فيها الشتائم وعندما نتحدث عن المجلات الشعبية كأننا نتحدث عن ملجأ للأيتام أو دار للعجزة لماذا كل هذه النظرة للشعر و الشعراء و المسؤولين عن الصفحات الشعبية والمجلات الشعبية لماذا لايكون الحديث عن الشعر أجمل وأسمى وعن الشعراء بالزهو والفخر .. كيف كانت سيرة الشعر والشعراء من مدة وكيف أصبحت هذه الأيام ؟ لابد من وقف بعض الحروب الكلامية التي تطالعها بين فترة وأخرى أين الحب الذي كنا نجده في البعض هل مرت من فوقه غيمة كادت أن تخنقه كادت أن تقتله وترميه للأبد ملقى على ذلك الشاطئ البعيد .
لايختلف اثنان على أن المثالية في التعامل هي أساس النجاح ولكن كيف تصبح إنسانا مثالياً كيف تستطيع أن تجعل الأنظار تتجه إليك بنظرة الإعجاب ؟
وكيف تستطيع أن تجعل البشر يحكي عنك بما هو جميل .. كل هذه الأمور نجدها عندما تكون ذلك الشخص المثالي في تعامله في أخلاقه وسلوكه يحب للناس ما يحب لنفسه يمضي وقتاً طويلاً دون أن يكل أو يمل للوصول لحاجز النجاة ولكن بالطرق المشروعة و المباحة .
أجمل كلام قبل الختام .. للشاعر محمد الشمالي :
قارنت بين الخميس و ليلة الجمعة
لافرق لا فرق بين اليوم و البارح
الحزن نفس الحزن و الدمعة الدمعة
والجرح مازال والجارح هو الجارح
ضوء: عواض العصيمي
" الحبل " قصيدة لاعلاقة لها بما يكتب في الساحة
○ هذا الــ مسفر الدوسري ..
○ الشاعر الذي تغنيه راود الشعر والكلمات .
تبنيه مسفرا مسفرا في الدهشة .
○ الصمت مثل قاع المحيط الملئ بكنوزه .
الــ .. متباهي بأوراقه و آفاقه وأخلاقه وصمته الذي يهندس زجاج الصخب في ورقة من الشعر تصلنا مثقلة به حد الغرق فيه .
○ في نص " الحبل " رأيت ما لايرى في الساحة الشعبية وقرأت ما لاتتصور أن تكتبه هذه الساحة الصفيح .
○ أنثى – رجل – بئر – حبل .. من هذه الكلمات الأربع من يستطيع أن يكتب هذا " الــ . . حبل " أو يفتله بكتابه السحر؟
○ كلمات أربعة قام عليها مثل حصان وحشي نص شعري لم أقرأ مثله بما في هذا " المثل " من ندرة و اختلاف .
يبدأ المأزق من
○○○
" يوم ما طاحوا سوى في البير القديم "
ومن هذا المأزق .. من وطأة الاحساس بالأسر والارتهان إلى ظلمة البئر وما يفرضه حيزها الضيق الخانق من قيود , نشأت بين الأنثى و الرجل حوارية فلسفية بدلالة الحبل وما يمثل من علاقة تربط بين قاع البئر بما في هذا القاع من ظلمة وضيق وخنق للأنفاس .. وبين وجه الأرض بما يحمل من دلالات ومضامين مقابلة ومناقضة لعالم القاع الضيق .. فالحبل بالنسبة إلى من وقع في البئر هو الوسيلة الوحيدة للنجاة ..
الحبل هنا لايحمل دلالة القيد التي يجسدها الأسر, ولا يحمل دلالة الموت التي يجسدها النقيض تماماً .. الحرية والحياة .. الحرية من قبضة البئر .. والحياة بصفته وسيلتها الأساسية المحسومة للعودة إلى الأرض .. نستفيد من هذا النص أن الحبل انقلب هنا على التناول التقليدي لمفهومه الذي يمارسه البعض حيث جعله إما رمزاً لمحدودية الحركة و التفكير أو رمزاً للموت .. الحبل في هذا النص يهدم هذا التناول التقليدي و يؤكد قيمته الذاتية بالنسبة إلى اثنين وقعا في البئر و يبحثان عن " حبل " يعيدهما إلى الأرض .. من هنا نشأت حوارية النص و تفرعت كالحبال في جسد القصيدة فالحوار أساساً كان عن الحبل .. فالأنثى ذكرت الحبل ست مرات و الرجل ذكره خمس مرات , وهذا يؤكد ليس فقط قيمته المادية ووظيفته الآلية في الانتشال والإنقاذ , وإنما يؤكد أيضاً أهمية الإحساس به .. أهمية تصوره و التشبث به في الخيال وترديد لفظه لكونه الوسيلة التي تخفف وطأة الإحساس بالأسر ...ومن هذه الحوارية التي ترددت في النص عن الحبل :
1. حبل .
2. حبل يشبه اللي نبنيه وندوره .
3. مثل اللي قبله مهتري .
4. أو دوري لنا حبل ما يكون قصير .. أو مهتري ..
بالنسبة إلى الرجل الذي يمثل طرف الحوار مع الأنثى التي تردد :
1 . حبل .
2 . حبل .
3 . حبل .
4. مثل اللي كان بعده قصير .
5. إيه .. والحبل .
هذه الحوارية التي تتركز على الحبل وتفلسف حضوره المتعدد في إشارات متعددة, نلاحظ أنها عمقت العلاقة بين طرفي الحوار . . بمعنى أن الحبل توغل أيضاً بين الطرفين وأصبح كأنه وسيلتهما الوحيدة في البقاء أحياء عبر الحوار ذاته .. إذن حضور الحبل هنا يتجاوز وظيفته الآلية في الانتشال , وأهمية الإحساس به وتصوره , إلى ما يمكن أن يمثله من اتصال وتواصل بين شيئين أو بين الشئ وذاته :
رجل : ( من داخلك ! محد يعرف كثرك أبد .. مداخلك )
هذه الحرارة التي توحشت بها كينونة الحوار كان لابد أن تتم لكي يصل الطرفان إلى نقطة التفكير المشترك في الخروج من المأزق .. لابد أولاً من فهم الآخر .. لابد أولاً من الخروج من بئر الانغلاق على الذات لكي يتسنى للاثنين الخروج من حفرة .. ولذلك فإن الخروج من البئر مرهون بمجئ : " اللحظة اللي كلهم يبونها .. "
ولذلك فإن الرجل يؤكد .. " صدقيني راح نلقى حبل " ولكن متى ؟
أرجو إعادة قراءة نص الــ " الحبل " مرة أخرى ولكن بطريقة النص في توظيف مفردة الحبل لبناء علاقاته الداخلية ونسج عوامله المدهشة بحبل اتصال قوي مع النص "ما يكون قصير أو مهترئ " نستطيع فهمه.. وإلا فإن البئر: يخنق النفس .. ضيق .. عميق .. كل السواد فيه احتبس "
فمن يتقدم ؟
ضوء: عبدالمحسن يوســــف
مسفر الدوسري.. ذلك الأبنوسي الجميل
○ هذا الابنوسي يأتي إلى
القصيدة هادئا
يكتب كلماته البسيطة عن
البسطاء الطيبين
يفتح لهم قلبه أولاً ,
ليستريحوا قليلاً من قيظ الحياة
واختناق المدن الاسمنتية ..
( تلك المدن التي تبدو للانسان
- في ظلالها الضخمة – ضئيلا
وذابلاً.. )
ثم يدفع ضيوفه المغسولين بماء الألفة
إلى بهو قصيدته ,
ليمارسو بوحاً صريحاً في صحوها الجميل ..
●●●
ذات مساء ناحل .
حضرت له أمسية شعرية جانبية ..
قرأ بضع قصائده في قاعة صغيرة غصت بعدد من المشغوفين بالشعر..
بالشعر فقط ..
بغض النظر عما إذا كانت القصيدة
تمتطي صهوة حصان لغوي منيع
أو عربة شعبية يجرها حيوان أليف ومهادن...
●●●
شرع ذلك الابنوسي الهادئ
يقرأ قصائده بمنتهى العفوية , وبمنتهى الصدق ..
لايتكلف في الالقاء ..
ولاينتقي جلسة طاووسية
متعالية..
شعرت وهو يقرأ قصائده
أنه طالع من أنفاسنا..
وأنه يشبهنا.
وأنه واحد من ساكني حينا ..
وأنه وجه أليف
لكل من حضر تلك الأمسية
المتقشفة..
على الرغم من أنني وكثيراً من اولئك المنصتين لم نحظ بمعرفته قبلاً ..
وأن معرفتنا به كانت على الورق فقط .
●●●
في ذلك المساء.. شرعت قصائد مسفر الدوسري
المكتوبة بعامية جميلة ,
تطرق أبواب القلوب
من دون استئذان..
بل كانت تدلف بكامل وهجها
وطيبتها وبساطتها العميقة
إلى غرفها السرية
●●●
قرأ قصيدته الشهيرة
" منفوحة "
فألفيت نفسي أصفق اعجاباً ..
يومها كان بجواري الصديق
"فايز أبا" ..
حينما شاهد انفعالي
مال علي قليلاً, وهمس:
معك حق ..
أنه شعر جميل..
وإنه شاعر حقيقي ..
●●●
حين قرأ مرثيته الرائعة
في رجل بسيط مات في حادث
دهس في الشارع العام ..
ذلك الذي حين فتشوا جيوبه..
وجدوها محشوة بأوراق كثيرة . .
و " فواتير !!
أقول حين قرأ تلك المرثية
المكتوبة بدموع الفؤاد ,
ساد القاعة حزن عريض
وغرق المنصتون في مزيد
من الحزن و الانصات اليقظ .
●●●
حين انتهت تلك الأمسية الجميلة
صعد عدد وافر من الحضور
للسلام على الشاعر ..
الذي وقف بكامل البساطة يرد
التحية بخجل واضح ..
وكان لايكف عن ترديد جملة:
"أهلا.. استاذي " –
على مسامع كل من قام بمصافحته ..
بتواضع جم وحقيقي..
تواضع قل أن نلمسه لدى
عدد غير قليل من شعراء الساحة الشعبية
الذين تضخمت ذواتهم.
فطفقوا يخلعون على أنفسهم
نعوتاً عالية
من دون أن تمتقع وجناتهم
بحمرة الخجل ..
●●●
مسفر الدوسري
يكتب القصيدة الشعبية
المنحازة
للناس العاديين
لحفاة المدن..
معتمداً لغة تنتقي كائناتها الأليفة
من مفردات الشارع..
لكنه يبدع في شحنها
بحرارة أعماق الفنان الصادق ..
ذي الحس الرهيف ..
شاعر يحمل رؤية و موقفاً
وهو ليس كشاعر يظن أن
منتهى طموحه كتابة قصيدة
غزل بائسة
تكفي لتدير نحوه أعناق " المليحات "
سعيد السريحي
يامسفر ... يامسفر ... يامسفر..
فرغت الآن من قراءة قصيدتك "مرثية الحي"،
بدأتها كما أبدأ نص أجيزه للنشر..
بجأتها لأجيزها..
فأجازني نصّك
يامسفر .. بكيت وأنا أقرأ نصك ...
أقسم أني بكيت ... أنا وريث البدو الذين لايبكون،
بكيت نفسي ... بكيتني .. بكيت موتاي جميعاً..
بدءً من أبي آدم ... حتى آخر جدٍ لي مات قتيلاً
وهو يدافع عن حدود أرضه ..
يامسفر .. لم أقرأ لك شيئاً قبل، وبعد أن قرأتك..
أحسست كأني لم أقرأ أحداً من قبل ...
لك تقديري
ضوء: محمد الرفيدي:
هيكلة واقع الحي في "منفوحة" الدوسري ..
مقاربة تناصية في الشعر الشعبي
في الواقع أنني أخذت من همي الكثير كي أقع على همي، بحثت في تنايا البؤس وعالم الارتزاق، وكرست جهدي أن أكن أكثر انصافاً لشعب طالما غفل عنه الكثيرين، فكن كأرخص سلعة في سوق ( حراج الخرد ) .
وفي الواقع أنني تلككت كثيراً كي أخرج من دائرة الكلام إلى دائرة الذات الشعور، كي أقول للزملاء في العمل وكل الذين سمعوني وأنا الهج بصوت عال (منفوحة) أن هذا النص من أعظم نصوص العامية التي قرأت مؤخراً، كي أقف بهم عند حدٍ بهيج وضعنا عنده مسفر الدوسري في قالب نصي أكثر بهجة في قالب نصي أكثر لرؤانا ، في قالب نص أكثر شكوى وأكثر تفاصيل، مسر هذا القارء لا وراق الزمن ، لأوراق المدينة، لكافة أوجه الإنسان البشرية، هذا المجهول حد المعرفة، المعروف حد الجهل، مسفر صدق فهد عافت حينما أشار إلى بنانه الصغير فظن أن تهديفه أياك أمر من السهولة بمكان لكن الأمر الأكثر صعوبة ان يصدق الناس ذلك ؟! .
وفي الواقع أخيراً أن على الناس أن يصدقوا، كيف لا وأنت يا مسفر يزرع من البياض اللا متناهي، كافة من شرعوا منا في كتابة الشعر لا يستطيعون تحديد الجهات التي تحددها أنت!! وبالتأكيد فأنت لم تتعمد ذلك، ذاكرتك المملوءة بالعفاف والرقة والجمال شعرك الملطخ بأزرق العود ونكهة البرفانا الجميلة هي التي كتبت كل ذلك!! .
مسفر وقليل قليل جداً من الإنصاف في قراءتي هذه / أحب أن أكتب، وسأكتبك بقناعة حتى يعلم كل كتاب النص العامي، أن القصيدة شاعر وليست إبداع تتعمد، الإبداع يأتي تباعاً لذلك، كما حصل لمسفر الآن في نصه ( منفوحة)، وكما يحصل في الواقع دوماً له، أشرت قبل ذلك في حديث شفاهي بيني وبين الأستاذ الشاعر / فهد عافت، أنني أنوي كتابة قراءة لأحد نصوص مسفر المنشورة ( قطوف) قبل حوالي أكثر من أربعة إلى خمسة أشهر، غير أني كما كتبت مقدمة قراتي المزعومة تلك رأيت أنني أتضاءل أمام حجم كبير وعظيم كمسفر، فرحت أمزقها وأكتب الأخرى وهلم .. حتى أنني أيقنت مؤخراً أن الكتابة عن مسفر مغامرة لابد من أخذ الحيطة والحذر معها !
ومبدئياً تعالوا نفتش تفاصيل أكثر دقة في بنائية النص الشعري لدى مسفر الدوسري، وهيكلية البائية لديه، والتي بالطبع لا تخضع لرسم معين كما أشرنا سلفاً، غير أن التناص الشعري يجعل منها صورة عكسية لما أراد مسفر كتابته أو بالأحرى هي نص آخر غير أنه لا يقرأ بل يواجه فقط أولئك الذين أنعم الله عليهم، وأسال ا لله أن أكون منهم انتبهوا إلى :
هذي الأصوات المبحوحة .
هذي النظرات المقروحة .
هذي الجدران المجروحة .
أسرار الناس اللي فالخلف .
ألوان الناس اللي فالخلف .
منفوحة الناس التعبانة
منفوحة الناس الغلبانة
منفوحة الناس العدمانة
وبيوت الطيب الشقيانة
هذي السكيك الوسخة
هذي الألفاظ الوسخة
هذي اللغات الكثيرة
هذي الأشكال الكثيرة
هذي الحيرة .
هذي اللفتات الشريرة .
فمن ثلاث عبارات كما في ( هذي الأصوات المبحوحة)، إلى عبارتين كما في (اسرار الناس اللي فالخلف)، إلى أربع كما في ( منفوحة .. الناس التعبانة ) إلى عبارتين كما في هذي السكيك الوسخة، إلى أربع كما في هذي اللغات الكثيرة ) .
كل ها البناء في التناص الشعري هو في الواقع هيكلة لواقع الحي الصغير (منفوحة فهذه الفوضى في البنائية هي فوضى واقعية في منازل وأشخاص الحي نفسه، وكان مسفر يريد أن يقول أن ( منفوحة) حي غير مرتب هي في الواقع شيئين أو ثلاثة أو أربعة، هي ترتيب لأشكال هندسية غير مرتبة وشخوص بشرية غير مرتبة، فهي :
أصوات ثلاثية – أسرار ثنائية – أناس رباعية – ( سكك .. ألفاظ ) ( لغات – أشكال – حيرة – لفتات ) .
وقليل من النظرة المتأنية في ( أصوات – أسرار – أناس – سكك – ألفاظ – لغات – أشكال – لفتات ) .
كل ذلك صيغة جمع ومعناه أن مسفر يريد أن يقول أيضاً أن هذه المجموعة (ثلاثية أحياناً – ثنائية أخرى – رباعية مرات .. الخ )
إذن ماذا يريد مسفر بالضبط؟!
هو يريد صوت واحد وسر واحد وأناس موحدون وسكة ( معنوية) واحدة ، ولغة واحدة، وشكل واحد، وحيرة واحدة، ولفتة أيضاً لماذا الآن مسفر يرى أن هؤلاء جميعاً بأشيائهم هذه هم نتاج نظرية اجتماعية واحدة هي (منفوحة) فلماذا لا يكن ما يريده مسفر واقعاً مفروضاً تحتمه السياسة المحلية لدينا؟!
ولعل اختيار مسفر أصلاً لشكل كهذا شعري هو تعبير أولي وشعور مبدي لواقع ملخبط، واقع يرى مسفر أن الشكل ا لشعري أيضاً يفرضه وأن التعبير ا لبالغ في العامية يحتمه، أقرأوا مرة أخرى :
السكك الوسخة – الشياب اللي تقعد .. منفوحة السل وناس ( وذبان ) – تسرق دكان – أغاني .. مزعل فرحان كل العبارات السابقة تكريس لصورة ( منفوحة ) في شكل غاية في الإفراط اللهجوي!
لماذا يريد مسفر ذلك ؟!
مسفر ليس ( مصوراتي) ولا صاحب استوديو، ولا هو ربما فناناً تشكيلياً يستطيع رسم منفوحة كما يريدنا أن نعلم، هو شاعر لكن الألوان الزيتية التي يريد استخدامها في نقل صورة منفوحة القصية يجب أن تكون غاية في الإفراط اللغوي كما يصح لنا أن نعبر، لماذا ؟
لأن مسفر يريد أن ينظف منفوحة حينما يقول : وناس وذبان وحينما يقول أيضاً : السكيك الوسخة، ويريد أن يطهرها من الأمراض والأوبئة حينما يقول : منفوحة السل، ويريد أن يعقمها من الجريمة حينما يقول : تسرق دكان، ويريد أن يرفع مستوها الثقافي حينما يوقل : تسمع أغاني .. مزعل فرحان، مسفر أيضاً يدعو إلى مزيد من المساعدة لشخوص الحي ( منفوحة) حينما يقول :
وهي اللي .. يسأل دايم
متى بتجي ..زكاة العيد ؟
وهي اللي مقطوع الأيد !
ومسفر يزعم في نهاية النص أن اللوحة قد اكتملت فهل صح ذلك ؟! الواقع أن هذا غير صحيح، فمسفر رسم لنا أكثر من لوحة وأكثر من مشهد هو عرض لنا مسرحية ( منفوحة) غير أنه لم يتمها لا أدري لماذا ؟!!!
ربما لأنه يتعمد أن لا نفوق من سكرة النص، وربما لأن اغماءاتنا تجاه نص كهذا أمر في غاية الكذب، أو ربما أننا لا نريد من مسفر أن يقطع علينا لذة المشاهدة،وقد يكون لأن بياض مسفر ذاته كان سبباً في إجهارنا فلم نر شيئاً حتى الآن ؟!!!
وربما أكثر وأكثر وأكثر، غير أن الحقيقة أن مسفر ممتع، وما يجعله ممتعاً أكثر أنك تتقافز ( قارئ العزيز) في نصه كما لوكنت أنت كتابة، فهل ثمة متعة أعظم من هذه .
ضوء: مقبل الزبني
مسفر الدوسري:العاشــق الذي يأخذك إلى عــدوك
عندما يكون الفراق مغموساً في وجع الحب . ويكون العذاب ملكاً يأمر وينهي على القلب ويكون القلق طفلاً تداعبه مراجيح الظلم والأسى .. فإنك حينها قد هيأت نفسك لاحتضان الوجه الآخر لمسفر الدوسري .. ذلك العاشق الذي يأخذك دون أن تدري من خلال هذا النص إلى أسوأ ما في الحبيب عندما يذكرك دون أن يشعر بعدوك .. ولكن حسنة العدو في مسفر أنه زرع قلبه بالذكرى الطيبة التي انبتت شجرة السكر أعني " الشكر " على تلك الأيام الجميلة والتي أبت لحظة الفراق إلا أن تقطفها وبكل أسى :
ها اللحظة مكتوبة تكون ..
آخر محطاتي معاك !!
وبكل حميمة غارقة بلحظة قدر الفراق – الذي سكن مسفر طوال ثلاثة أعوام سابقة – يتجرع الحسرة ويكمل :
ودي أقول ..
شكراً على أيام هواك .
شكراً على أ حلى عمر .. قضيته ياعمري معاك !!
هذا العمر الحافل بكل ما يسعد الروح ويثير بهجتها منذ ذلك اليوم التي دخلت به "المودعة " حياة شاعرنا المبدع ليعترف وبكل صدق تشبه كثيراً طيبة هذا العظيم:
خليتي وقتي من ذهب ..
خليتي أحلامي ذهب ..
خليتي كلماتي ذهب ..
ليأتي الحق محتجاً وينصف الذهب – مسفر – الذي يمنح كل شيء يحيط به بريقاً فما بالك بعطر أو شعر يخرج من شفتي منبع الذهب :
مسحتي عن عين النجوم ..
في ظلمتي كل التعب ..
خليتني موتي في الحياة أمر أنكتب ..
وأصبح جديد ..
خليتي كل لحظة .. تصير في عمري عيد ..
هنا يأتي أصبح وهو يمسح عن عينيه غسق الليل محاولاً اخفاء دهشته في فنجان قهوة الجمال التي يحتسيها الشاعر " لينصت " بكل " أم عينيه " و " يشاهد " تلك الغيمة البيضاء بقلب " أم أذنيه " وهي تواصل الهطول :
أهديتي لعبوني الفرح ..
وكان الفرح قبلك بعيد ..
شكراً على أني عرفتك في الزمن ..
لو ليلتين
شكراً على أني بقيت ..
أنا أحبيبك فالهوى
لو لحظتين .
يالعظمة .. مسفر يشكر الزمن بينما يؤمن الأخير أنه لا يزال بخير طالما أنه يركض بين عقاربه عطر يشبه وجه الحزن كثيراً .
شكراً على أيام هواك.
وياك عرفت .. أروع مواعيد الوصل .
رديت معاك .. بعدي طفل ..
أطارد أسراب الحمام وما أمل ..
خليتي حلمي يكتمل !!
هنا يتمرد الواقع على نفسه ليقول وبكل حب أن أسراب الحمام هي التي تطارد مسفر وأنه هو الذي يرتب وصل المواعيد ..
وأبوعبدالله هو أيضاً الذي يعيدنا أطفالاً لا نفسنا لنستمتع بتلك اللحظة الباذخة !
ولنكتشف نحن الطريقة المثلى لتناول خبز التنور وهو ينشد :
وياك عرفت وشلون يصير قلب الثواني من حرير .
وأنسى وأسامح الزمن
على اللي صار قبل هواك
واللي بيصير .
عفواً .. مسفر نحن الذين يجب أن نتوصل للزمن لكي يسامحنا على تقصيرنا بحقك :
شكراً على أيام هواك..
صار الفرح ينام تحت رمش العيون.
صار القدر وياي حنون ..
تصوري !!
ها اللحظة مكتوبة تكون ..
آخر محطاتي معاك ؟!
لست أدري ما هو الشعر الذي أكتنف " اللحظة"لحظتها ولكنني على يقين أنها كم تمنت لو أن الزمن قد مسحها من خارطة وجوده لتنعم بلذة الموت قبل أن يتمتم قلب مسفر :
بس هم أقول ..
شكراً على أيام هواك ..شكراً على أحلى عمر ..
ياللي العمر بعدك فداك !!
حينها ذبل كل شيء شاهد تلك التلويحة بنار الوداع وأحرقت النار نفسها في كل مرة تحاول بها أن تطفئ خيبة أمل الحب وننهظ نحن نصفق لشاعر عظيم نتمنى ألا يبرحه الفراق حتى لا يبرحنا نحن الجمال ويفقد المكان ميزة دهشته عندما تسير به رائعة للمسافر في قلوبنا وفي ذائقة العطاء المثمر ..مسفر الذي سكن بجوار القمر وعطر العمر برحله وداع لن تتكرر في " هوى " سافر بنا وسافرنا به.
|