مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 29-11-2007, 01:07   #1
ريما الجاسر
كاتبة
 

ديبـاجـة الغرفـة رقم 203


.


.




الغرفة رَقم ٢٠٣ تتشـبَّعُ بِـي , بَينـَمَا أَنـتـَظِـرُهَا لـتَـسْتَـفِـيقَ مِـن غـيـَبـُوبَتِـها ......
تَـسْـتَيـقِظُ وَتُـحَاوِلُ إقصَـاؤكَ عـنيّ , فـأَحْمِـلُكَ فـي أعـمَاقِي وأشـتريَ لكَ ٢٠٣ مُسْـتَشفَـيَات ..
وأَعْجَزُ أن أشـتَريك ْ
أُهدِيـكَ بَسَـاتِـينَ , وأفـرُشُـهَا تَـحتَ قَـدَمَـيكْ , و أُسَخـِّرُ العَـبـيـدَ والـجَـوَاريَ تَـحـتَ إمرتِـكْ ..
وأَعْـجَزُ أن أُطَـوِّعُ السِّنِـينَ لأجـلكْ ..

ظَنَنتُ أنَ المِصبَاحَ مُفِـيدٌ تَحتَ سَقفِ النَهَار !

وإنْي لـَمَدِيـنَة ٌ لَكَ بِـسَخَائِـكَ في حَـالاتِ عُـسرِي ..
يَا وَيحَ ضِيـقَِ ذَاتَ يَدي ، و يَا وَيحَ تَـقـتيرِي وشحّـي عَن إدَانَتِـكََ بِضعَةَ أيامٍ مِن عُمري ..‏

مَرَ اليومُ حـولٌ كَامَلْ ..
حَـولٌ وأَنَا أُنَبِّـشُ عَنكَ في لَحدِك وأنتَ أقـرَبُ إَليَّ مَن حبلِ الوَتـين ...
حـولٌ تـَوقَـفـْتُ فِـيهِ , لأركُـضَ خَـلفَكَ , وألهثُ , وأكـبُر
وأتساءل : كم عُـمْرُكَ الأن ؟

حـولٌ كاملٌ أحـشُوهُ بالأملِ , ويُرضِعَني اِسـتيعاب :
لا عودةَ لميّـت .

ويُحَاوِلُ فِطَامِي عنكَ , ولا يُـسدِيَ ليَ البَديلْ ...
فأبحثُ عَنكَ بديلْ ..
لا بديلَ لكَ غيرُكْ .

اقرأُ الفًاتِحَةَ على رُوحِي في الخَامِسَةِ مِن فَـجرِ أيَامِي المنفيّـةَ ، لأتملَّص مِنَ الخَرَس...

وينتهي يومي ..
لتبتدئَ معي ..

حـولٌ كاملٌ وهَاتِفِي يُضَاجِعُ وِسَادَتِي ..
ولا ينبِسُ لَهَا بـِبَنتِ شَفة ..

فَـتَسْتجلِبني الذكرى بـفظاظة , تـقـُدُّ نِيَـاطَ قـلبي , تَقـودُ ذاكِرَتي طوعاً وكرها ...
أتَمـرَّغُ بِهَا ، فَـتغتسُلني ولا أغسِلُها ، فـالشهيد لا يغسّل ....
وتدفِنُني مَعكْ ...


الليلة ذَهَبتُ لرؤيةِ غريمتي.. الغرفة رقم ٢٠٣
لـنستَرجِعَ معاً مَراسمَ الاِستلامِ والتسليم ..
فـشاهدتُها تَجُوُد بـابتلاعِ أحدِ ضحاياها على غفلةٍ منه !
يغشى أقاربهُ الوَجدْ , يحُفُونَهُ , ويُطَمئنِوُنَهُ بـأكَاذِيبهِم !

أختَلِسُ السمـع : لا تَخَف ستكونُ بخير , نَعِدُكَ بِهَذَا .........!!!!!!!

وفي قرارةِ نفسي سخريةٌ لا تـُحصى ..
كفـاكُم هراءاً , سَيَرحلُ بِكُم أو بِدُونِكُم ..
سَيَرحَلُ فلتوَدِّعُـوهُ , أو فَـلتَلزَمُوا حُدُودَ تـَرَهَاتِكُم .

هذه الغرفةُ ستـُغدِقُ عليكم أقسى الدروسْ ، درسٌ غيرُ قابلٍ للاستذكارِ والامتحان
غيرُ قابلٍ للنسيانْ ..
سَـتَرتَقُونَ سلـَّمَ الظُـنون ..
سـتوصُِلكمُ هذهِ الغرفَة ُ للدَرَجَاتِ العُليا مِنَ الألمْ , سَـتَجِدُونَنِي في اِنتظارِكُم , وسَـنتقَاسمُ كؤوسَ الأسى , سـتـُرغِمُنَا على اِرتِوَاءِهَا , وَ سَـتشُحُّ عَلينا بعبارةِ : في صِحَّتِكْ !

لا مكان للصحة فيها ...

وسَـنَنتَشي , حتى وإن لم يَكُن الليلُ لباساَ , سَـنخلَعُ كُلَ ما يَستُرُنَا , وسَـتُشَرِّحُنا في عيَادَتِهََا ..
تـُمَـزِّقُـنا ..
وتُـبقِي جِرَاحَنَا بِلا خِياط ..
وعن طيبِ خاطرٍ سنحزن ..

... ستعتادونها فلا تقلقوا ..



غَادَرتـُها , بلا أملٍ في رُؤيَتِهَا مِن جَديد ..

وعَاوَدْتُ طُقـُوسي ...
واَنتَظَـرتُـكَ في مَطارِ هَادمِ اللّذات , مُصطَحِبِةً ً جوقة موسيقية عَزَفَت لحنَ ندبٍ و نياحة حتى ساعاتِ السَّجى ..
يَئِسَتْ حَنَاجِرَهُم , فنَذَرَتنِي أستقبلُ وِحدَتي ..
أتـَّخِذ ُ الزواياَ مأوى , وأتقوقع ..
أحفِرُ على ساعدي اِسمك
و ثلاثة َ أرقام : ٢٠٣

أُقِيـمُ مَأتَـمَاً و أَرقـُبُ السماء ..
تتشابَكُ غيمَتان ِ وَترحَلان ِ سَوِيَةً ً, يُهَروِلُ القَمَرُ خلفَهُمَا ...
يترنّحُ الشَـفَـق ..
وتـَحضُرُ الشمسُ بـِلا دَعوة !
وتصبحُ رابع ثلاثةٍ يحضُرُونَ بـِلا دعوة : الحب , الذكرى ,والموت .

وأُحـضِرُ يميناً وأُقسم :
أن لا أضايقكَ بِـمِثقالِ ذرهٍ من مُـزاح ....
وهذه المرةَ لن أُحنِثَ قَـَسَمِي كالماضي ..

أتَذكُـرَ خَاتَمَكَ الذي لم يَـرُق لي , و وَعَدتَنِي بـشراءِ غيره , بعدما أخفيـتُـهُ عنك ؟؟؟
أصبحَ ظاهرٌ للجميع ..
حاصَرَتهُ سلسلة ٌ طوَّقَـت رقبتي ..
ليتها تشنُقُـنِي ...

أُعلِنُ توبَتي عَن بَعثَـرَةِ كُـتُبِك , ونـَهبِ أقلاَمِك ...
عن اِستفزَازِك ...
لن أُعيِدَ الكرّة إن حييتَ لي ..

أتذكُرُ ساعة َ ذهبنا لقارئة الفنجان ؟ أتذكر ما سَكَبَتهُ على مَسَامِعِنا ؟

قالت انَـكَ سَتُـصبِـحَ ذا شأن ٍ في عَمَلك وانَـكَ سَتُـنجَـبُ ثلاثة َصُبيانَ وفتاتين
و اَنكَ سَتَعيش طويلاً !!!
وأعَادَتها مرارا ...
بينما رَفَضْتُ أنَا شُـربَ القهوة , ليسَ شّـدَةَ إيمانٍ بــ (كذب المنجمون ولو صدقوا ) ,بل مهابة ًمن سَمَاعِ طالعي , فكلُ ما أسمَعُـه عنّـي يسَتوطنُ مُخيِّـلَتي ، على عكسكَ ,هذهِ الأمورُ لا تعدو عن كونِها تسلية ً لا أكثر..

أتذكرُ عندما دَسَسْنا لها ثـَمَنَ مَا أخبَرَتكَ بـِهِ وما لم أمنحَ لأذني فرصة َ سماعِه ..
وخرجنا ...
أنت تضحك ، و أنا أعددُ لكَ أسماء ذكـورَ وإناث , تاركة ً لكَ حُـريّـة َ الخَـيار ..
وأعاود مُـشَـاكَـسَتك ....
وأصرخ ُ في وجهك : يا أبَ الثلاثةَ و الاِثنتان يا أب َأصابعِ اليدِ الوَاحِـده , هل سيكون أكبَرَهُم صبيٌ أم فتاة ؟ ما رأيك بتسمِـيَتِـهـِم : خـُنصر, بُـنصر, وُسطى ....
أظُـنُـهَا كافيةً لأبنائكَ الخمسة ْ؟
ماداموا خمسه فأني أعلنُ براءَتي مِن أمُومَتِهِم ...
يكفِنِي ابن ٌ واحدٌ فقط ..
فلتبحث لكَ عن أخرى وَلود ....


كنتَ تـُطَالِبُـنِي بالصمت بينما أقابـِلُ مطلَبَـكَ بـِالاِستِرسَال , تـَطُـولُكَ ثـَرثـَرَتِي فـَتغضبُ , وتـَشُـدُ عَلى يَـدي .... و لا ترحل .

بينما رَحَلتَ قبلَ حول ٍ وأحَلْـتـَني إلى عرّافـة ..
أُعَاودُ تـَفسـيرَ أقاويلِ قارئةِ الفنـجان و أتبـين كم أعمَتني حماقَـَتي عن فِهمِهَا

انِجَلَت غَـشـاوَة ُالكلام , ولكن بعدَ فواتِ الأوان و أيقنتُ ما رمت إليـهِ تلكَ العجوز ...
أيقـَنتُ بـِأنـَهَا قـَلَـبَتِ الحـديثَ كما قـَلَـبَتِ الفِـنجَانَ !

فالاثنان و الثلاثة ماهما سِوى رَقمَان ِ َبارِزَان مَصلُوبَان ِ على بابِ غرفه , يتوسَـطـهُمَا الصفرُ كدلالةِ على ما تبقى لكَ من أيام , أو ساعات , أو حتى ثوان تـُعـِيدُكَ إلى الحياة !

كيفَ تـَعُودُ وأنتَ حـيٌ فـي دواخـلي ؟!

حولٌ كاملٌ وإيمانِي بــ ( كذب المنجمون ولو صدقوا ) يتضَخـَّمُ بـِمقدارِ أيـّامي المُـنسَـلّه ُ مِن بين ِ يَـدَيَ ..

فما كانَ طالِعُـكَ سِوى رميـة ُ طائِـشة ٌ من غيرِ رامٍ , تَـبَـنَّـتـْها عَجُوزَ خَرِفَة
فها أنتَ أمامي , ألحَـظـُكَ في كُل ِ شيء ...
في ليلي إذا عسـعس , وفي صُبحي إن تـَنـَفـّس ..
وفي كل وقتي وأمكِـنـَتِي أراك ..
وأعلَمُ أنـَكَ تلحَظُـنِي وتـسمَعُني ....

حولٌ كامل أرضَعَنِي استيعاب :
لا عودة لميّـت ..

و أبَـيتُ الفِطام ..
فــلَـتَعد أو فـلـتأخـُذَني مَعَك .



.


.



4 - 1 - 2007
الرياض


ريما الجاسر غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس