مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 06-03-2007, 03:30   #1
عبدالإله الأنصاري
كاتـب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ عبدالإله الأنصاري
 

عُراة ، يكنسهم القَدر

استيقظت متأخرا على غير العادة ، وهذا نذير شؤم
يعني بأن يومي سيستكمل ساعاته المتبقية وحالة القرف في أعلى وتيرة لها!
أن أغذي داخلي بهذا الوهم المقلق يعني أني سأبقى رهين مزاج سيء جدا
الأجواء في الخارج تشاكس مزاجيتي المضطربة ، وتسعى لتطويعها ، وعنادي يكابر بمعصيته ، ويرفض الانصياع لها
لن أجعل هذا اليوم يتغلب علي بحبوره وصفاء روحه ،ويحيلني إلى كرة صوف يعبث بها كيفما شاء !
دام أني نذرت نفسي للضيق ؛ فإني عازم على بِرِّ ذلك هذا اليوم ! أنا من يطوّع الوقت لا هو ، ويحتم عليه أن يأتِ كما أردت له لا كما ينوي ، أولئك الإمعات هم من يقعون تحت سلطة الآخرين ؛ يُسيّرون كيفما شاء غيرهم ، وأنا أجاهد نفسي كي لا يسيرني – حتى القدر – إلا أن كان أزمع لي الموت ؛ فهذا شأن لا قبل لي به ؛
اللعنة ! لماذا يكثرون هذه الأضواء التي تظهر من المساوئ أكثر مما تخفيه العتمة التي تمنيت أن تعم جميع ما حولي ودوني ! ليت الزمن يعود إلى عصور الفوانيس حيث تكثر الأقمار كل مساء وخلف كل قمر شيطان رفيق لا يضمر لؤماً أو نذالة وخسة !
الآلام تعتصر جسدي وأشعر بالقطران ينهش عروقي ، ولكن سأغلبه بإشعال سيجارة أخرى على الريق كما فعلت مع الأولى التي تواطأت مع القدر الذي يخبئ لي نهاية مأساوية ؛ فها هي تهيّج القرحة علي ، وأرجو أن تفتك السيجارة الأخرى بها حتى لا تكرر عبثها معي ، الألم يكاد يفتك بي ومع ذلك سأقاوم وأسكب عليه قنينة عَرَقٍ يتآكل معها بقاياه الأخيرة ، أشك أنه كفيل بسد رمق وحشيته التي تنهش أمعائي !
لو أنني – فقط – أحمل أسفاري وحدي دون أن يقتحم عزلتي قريب يعتقد أن الدم الذي يجمعنا يعطيه الحق في فرض وصايته ، أو غريب يظن أن علم الاجتماع أوكل إليه مهمة التدخل بنية التكافل والإخاء الإنساني ! لو أني أغيب قليلا في رشفة هذا السم الملعون الذي يخدر عقلي وروحي ويشعرني بأني أسكن ملكوتا غير الذي يرتجونه أولئك الحمقى !
أن تحقق لهم كل ما يرجونه منك يعني أنك قاصر ومسلوب الإرادة ، وكأنك تعيش من أجلهم وكأن عمرك هبة جاد بها أحدهم عليك و يجدر بك أن تتصرف كما يريد أن يراك هو لا كما تشتهي وتريد أنت ، هكذا كانت الخمرة توسوس لي تلك الأثناء ويبدو أني استعذبت وساوسها الحنونة التي عرّت انفعالاتي ، حينها عزمت أن أكون ما أريد – أنا - حتى لو أغضبت كل القمم أعلاي وأخمصي ، فارتكبت كل الموبقات التي – كما يسمونها في أحاديثهم – ظاهرها وباطنها ( سكرت ، ضحكت بأعلى صوتي ، همشت صلواتهم ، فكرت أن أبول واقفا مستندا إلى سيارة أحدهم ، شتمت أحد العابرين بجواري ، غنيت بصوتي الأجش رافعا عقيرته لأقصى ما تستطيع حباله ، تحسست مؤخرة فتاة كان تغادر محلا لبيع الأقمشة ولم اكترث لصفعة كفها التي نالت من خدي الأيمن بل ضحكت كثيرا، وأشياء أخر طمسها الشراب ولم أعد أتذكرها )

@@

في اليوم التالي كانت علامات الحزن المرتسمة على صفحات وجوه معارفه تشي بإصابته بتليف في الكبد وأكثر من ذلك ؛ ارتحل وغيبوبة لا يُعلم متى يفيق منها !

@@

بعدها بأسبوع كانوا يصلون عليه الفجر في يوم صحو يرسم ابتسامة انتصار وتشفٍ على روح الفقيد الذي يبدو أنه أعلن انهزامه أمام القدر للمرة الأخيرة !

التوقيع: لم أصل
albasha123@hotmail.com
عبدالإله الأنصاري غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس