- لكن الرواية لا تقدم ثقافة..
- ومن قال لك أني أقرأها بحثا عن الثقافة؟ أنا أقرأها للمتعة فقط، هي شيء يعيدني إلى طفولتي، حين كنت أنام على حكاية، وأشغل نفسي بالتفكير في حكاية، حكاية تجعلني بطلا مثل علاء الدين أو سوبرمان أو حمزة البهلوان، لاحقا تطورت إلى نوعيات أخرى من الأبطال، وتعرفت على أماكن وأزمنة أخرى لكن بقي هاجسي بالمتعة أكثر من بحثي عن الثقافة.
- تقصد أن الرواية شيء يشبه المخدرات، تحولك إلى شبيه لأولئك الذين يتابعون الأفلام الهندية وهم غارقون في مشاكل يومهم، لكن تخيلهم أنهم في مكان البطل أو البطلة أو حتى الدخول في مكان الحدث وزمانه يجعلهم يشعرون بشيء مختلف، شيء أجمل مما يعيشونه، وهذه بحد ذاتها قيمة سواء جاءت من رواية أو من فلم.
- نعم، الرواية عمل ترفيهي ومن الظلم تحويلها إلى عمل ثقافي..
- أنت تظلم الرواية، تعرف كم رواية أثرت في قارئ وجعلته يتخذ قرارا مفصليا في حياته وربما في حياة أمته، وربما في حياة العالم كله، ألم تقرأ كيف أثرت قصة العنبر رقم ستة في لينين، أو عودة الروح في جمال عبدالناصر؟
- نعم، هي هنا عمل تحريضي، لا عمل ثقافي..
- وما الفرق؟
- الثقافة معلومة تتحول إلى أسلوب حياة، الأعمال التحريضية تشبه العصا والجزرة حين نلوح بهما في وجه إنسان لنرهبه من عمل شيء، أو نرغبه في عمل شيء.
- لكن الرواية تحتاج إلى ثقافة حين نكتبها..
- نعم، لكنها لا تحتاج إلى مثقف حين نقرأها..
- لعلها إذن تصنع مثقفها، نعم لنقل: أن الرواية تصنع المثقف الخاص بها.
- ربما، لكن لا أرى أن قيمة هذا المثقف الذي تصنعه الرواية توازي قيمة المثقف الذي تحركه العقيدة.
- أنت تخلط.
- كيف؟
- أنت تتحدث عن قيمة التأثير وليس عن الثقافة المقدمة، وهنا أيضا سيخذلك الفكر مجردا بقدر ما ستنصرك الرواية مقروءة، الجماهير العريضة يؤثر فيها الفكر المكتوب على هيئة رواية أو قصة قصيرة أكثر مما يؤثر فيها الفكر مجردا في مادته السقراطية أو الأفلاطونية البحتة. وكل المذاهب الفلسفية سعت إلى القارئ العادي عن طريقة المثل وهو أصغر صور الحكاية قبل أن يتطور الإنسان ليصل إلى القصة القصيرة والرواية.
- درجة التأثير!! ربما على القارئ العادي لكن ليس على القارئ النخبوي، أيهما أثر فيك أكثر: طه حسين أو نجيب محفوظ؟ إبراهيم البليهي أو عبده خال؟
- يعني ترغب في معرفة ما إذا كنت قارئ عادي أو نخبوي؟...
-
- إذن سأقول لك، أن لا علاقة بما يقدمه الكاتب في هذا المجال بقدر ما يستطيعه القارئ.. ولاحظ أن ما يستطيعه هي غير ما يقرأه؟
- تقصد أننا نقرأ ما يهمنا غالبا.. وما يهمنا هو ما نستطيعه؟
- نعم، وثمة جانب آخر، هو أننا نقرأ أحيانا على سمعة الكاتب وشهرته لا على مقدار ما لدينا من ثقافة أو استطاعة.
- ربما.. لكن لنقرأ، وعسى أن تأتي ثقافة، أو متعة، أو هما معا.. فذاك أجدى من أن لا نقرأ.
-
- .