مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 03-08-2006, 21:58   #1
عبدالرحمن السعد
أديـب و شــاعــر
 

سَيّدَةُ الفَرَح


(....... ثم أنني نمتُ وحلمتُ بأنني للمرة الألف أصارع الأرق، ثم صرخت بك: لن أتعود الأشياء ولن تتعودني!)
هي مبدعةٌ مختلفة، تشبهنا جميعاً، كثيراً. تكادُ تعرف نبضنا، كلنا. تخترقُ الوجع وتواسيه، وتوقظ الفرح بصوتِ/خطوِ أمّ.
تتقنُ خلق الصلة، تتشبث بالاحترام والثقة والصبر. تبثّ سحابات الودّ في البهوِ المبتهجِ بعطرها. لا تعرفُ الإساءة، تبحثُ لقاذفي حجارةِ السوء عن عذرٍ وتكتفي بعباراتها الأليفة... ثمّ تتمنى لهم "كل الفرح".
تُحسنُ رصفَ الممراتِ المتصدعة. تجيدُ عبور المساراتِ الوعرة.
لكن، هي، في القرارِ الحكمة والصلابة. لا تهادنُ الخطاءين، وتهتف بالحقّ. تعي الزيفَ وتقف مع الحقيقة.
تكتبُ القصة القصيرة بأسلوبٍ لا يُصدّق. عمقُ ماركيز، دهشات همنغواي، انهمار صُنع الله إبراهيم. و"فانتازيا" ألف ليلة وليلة.
تكتبُ الخاطرة بتفرّدٍ يهتفُ باسمها هي. لا غير.
تسمو بها إلى عوالمَ سحرٍ أشبه بالشعر. وحين يكتبُ هذا، ترفضه. ترفضُ دائماً نعت حرفها بالشعر. بالرغمِ من طقوسِ القصيدِ الغامرة:
(تأبى إلا اتهامي بالتلبس وشيطان الشعر! هذي أنا فقط، ليس من نسقٍ يؤطرني وليس لي ادعاء الشعر إذ تكتتبني الحروف زمانا آخرا للآه، للتعبير عن مجاورتي الجوى اللا عائد مني إلى العالمين.
لو كنت أفتعل الكلمات، أو أدور في فلك التفعيلة، أو أحرص في جنوحي قليلا في حضرة المفردة لنسبت هذا إلى نفسي. إلا أنها -ذاتي- تأبى أن تحمل وزر مديحٍ لا أستحقه وإطارٍ تأتي صورتي مهلهلة فيه.)

تجيدُ صياغة الأسطورة بلغةِ اليوم. تستدعي ذاكرتها الحاضرة وترسلها في البياضِ حروفاً من سحر، أجنحةَ نسورٍ بحجمِ الفضاء ترفّ في جانبيكَ وأنتَ تيمم شطرَ قلاعِ شهريار.
في عطرِ المناجاةِ تستلّ روحك شيئاً فشيئاً، أو ربما مرةً واحدةً، عنوة! أو بمشيئةٍ متأنيةٍ واعية! تقرأها فتهوي في نهرِ العشق المنهمر. وتكادُ تستسلم للجنون. حرفها يصل. لا بدّ من وصول. أياً كنت، وكيفما جئت. وتكادُ لا تنفذ منهُ إلى حيث كنت.
هو -في تصنيفٍ ما- فخّ الفؤادِ العابر دونَ رأس! أو بنصفِ رأس، أو برأسٍ لا يستيقظ من وسن النصّ!
وأستطيع أن أقول أنها عانت كثيراً من ذلك! هي تعي بعمق معادلة النص/القارئ
لكن، هنالكَ من لا يعي. هنالكَ من يموجُ بعصائر النرجس! يقول لهُ جنونهُ وسحر النصّ: "أنا العاشق الوحيد"! "هي تومئ لي"! صدقوني قرأتُ ذلك مراراً وتكراراً وستوقنون! وأثقُ كثيراً بأن "هنا" من يعرفُ ما أحاولُ قوله، وعايشهُ أو يعايشه.
..
تدهشك حينَ تشاءُ خلق صورةٍ في الأمام، امتدادُ الطريق السريع، مزقُ قماش متسوّل، أو حلقةُ عمّالٍ وقت غداء.
(الورق المصقول يجرح القلم إن عانقه.
هكذا تعلمت الأصابع أن تغمس أطرافها في العروق النابضة لتستعذب الألم المصاحب للكتابة، للتبتل في معبد الحرف النبيل.
**
يحمل العمال حاويات غذائهم الذي ادخروه من جسد إفطارهم ذاته،
يفترشون بقعة ظليلة. يتناولونه في صمت مهيب.
إن مر بهم المغني وعزف، لن يلتفت منهم أحد.
**
الباب كان شجيرة سدر عاقر. من جذور تاريخه تعلم أن يوارب.
لا تستند أبداً على ظلفته الواهية. إن وقعت، اسقط وحيدا في الفراغ
وان نزفت، أكتب بدم الوقت أغنية
وحاول أن تهادن.
**
كانوا هناك في الصباح.
أوقفوني في صف لتفتيش النوايا
صادروا هاتفي المعلق كتميمة،
فتشوا الأوراق والأصداف والبحر المجاور،
قالوا بصوت واحد متميز: لا. لن تغادرنا ورأسك فوق كتفك.
**
قال الرجل المقيد في عجلات كرسي جديد أن القيد إن لم تصنعه لنفسك
سيأتي أضيق بكثير من مقاس الرسغ، من هواءك. ابدأ بالحدادة وانصهر.
قبل الرحيل سأترك للقبيلة عرفاً أخيراً:
ابدءوا بإعادة أمجاد القبور المتربة، واوئدوهن فرادى حتى لا تختلط الذنوب.)

هي لا تتعوّد الأشياء ولا يمكن للأشياء أن تتعودها.
لأنها "أنفس"
..
هنيئاً لنا رفقة الحرفِ الأكثر سموّاً من محاولاتنا وبعضِ شرودنا وما يعترينا من "أنا" ومنّةٍ بسطرٍ أو أقل نبهج بهِ كتابةً وهبتنا شيئاً
الأنقى من زهوٍ لا نكادُ نستحقّ بعضه.
الأقرب للأرض
الأكثر ولها بتراب الوطن
والوطنُ حقّ
وهي حقيقةُ تنتمي لجذر وطنٍ يسكنُ في الخلودِ ويبني غده
"ندى الخليجِ الحبيب، جمال الشرق، يلثمُ نخلَ الرياض"
و...هي نبض الكتابةِ الأكثر قرباً من الأبجدية.
هي موسمٌ يستحقّ حفل المواسم،
ومواسمُ تستحقها.
..
شكراً سيدتي نجـدية. لكلّ شيء.
لي شرفُ التقديم. لا أكثر. لا أقل!
وليس إلا.
..
أخوكم
عبدالرحمن

إشارة: النصوص المقوسة من إبداعِ سيدة الفرح

التوقيع:
يَا امْرَأةْ
بَيْنَنَا قَدَحٌ صَامِتٌ
كَيْفَ أَعْبُرُ هَذَا الفَضَاءَ السَّحِيْقَ
لِكَي أَمْلأَهْ
محمّد الثبَيتِي
عبدالرحمن السعد غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس