مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 14-04-2006, 13:08   #1
إبراهيم الوافي
وريث الرمل / شــاعــر وأديب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ إبراهيم الوافي
 

قراءة في نص ( آخر أمل ) لثامر الشعيفان

آخر أمل ..
شعر / ثامر الشعيفان

يعني كذا؟! .. ما عاد به شي يمنعك !!
................ تنهي على آخر أمل في رجوعك؟!

يا قسوتك !! .. وشلون قلبك يطاوعك؟!
................. تنسى غرامٍ ساكنٍ في ضلوعك؟!

وشلون تنسى ليلةٍ كنت أنا معك ؟!
.................. فيها ظلام الليل غطى شموعك !!

كنت انت تهمس .. وإتلامع مدامعك !
.................. ويحلي الصوت الطفولي خضوعك

تقول:"أحبك موت" .. وأقول: ما أسمعك
................... لجل أحرجك ... حلو الخجل في طبوعك

ويورّد التفاح بالخد .. وأجمعك
.................... إلين ما تطبق ضلوعي .. ضلوعك

وأروي ضماي بصافيٍ من منابعك
.................... وتربّع بصدري حبيبي زروعك

تقول: "خايف لا إتغير طبايعك "
.................... وأقول: " واللي ميّزك بد نوعك "

يا علني للموت مانيب بايعك
.................... وشلون أبيعك وإنت قلبي بطوعك !!

وأذكر حبيبي وقتها جيت أودّعك
..................... جفّت على صدري بقايا دموعك !!

ومن غبت عنّي والأماني ترجّعك
..................... وأقول: " تِشرق .. لو تأخر طلوعك "

أتخيلك جنبي .. "هنا" وآتمتعك
...................... وأسلي جروح الغياب بـ رجوعك

لكن ثـلاث شهور ما بان مطلعك!!
...................... والعين تضمى ... والمحاني تجوعك !!

ياخي .. كفاية بُـعـد تعبتني معك
...................... يا علّ شوق (ن) لاع قلبي يلوعك

لا لا .. تغيب وتترك البُـعـد يقنعك
...................... إشتقت لك .. يا غايب (ن) عن ربوعك

لا ما فقدت الحلم في "ضمّ" أصابعك
....................... رغم إنّك .. "إغتلت الأمل" في رجوعك

وراء كل شاعر مبدع ..منهج شعري خاص .... فضلا عن انعكاس عملية التوحّد الرؤيوي بين المنهج التأملي والآفاق الشعرية الخاصة به...
أعلم يقينا أن نص ( آخر أمل ) ليس أجمل ماكتبه الصديق ثامر الشعيفان .. لكن منهجه الرؤيوي القائم على اللغة الحوارية الذاتية .. وجمع كل المتعلقات الرؤيوية في سلة واحدة بحيث تجتمع فيها القرائن والنتائج معا في اتساق حواري ينتج عتابا منطقيا لايخلو من الأبعاد الاستعطافية الحميمة تارة ، من خلال التغلغل في حيثيات الحدث ، والتوجه للعتاب عبر بسط جميع المتعلقات به تارة أخرى ، كل ذلك شكّل صورة حية للتجربة الإبداعية لديه على مستويات متعددة أهمها الشعر .. وأكثرها وضوحا المداخلات المتعددة على النصوص أو القضايا المثارة ، والتوجه مباشرة لمناقشة الفكرة بعد بسط أبعادها و الوقوف بزواياها المتعددة ...
في نص ( آخر أمل ) حيث نقف معه .. لم يترك لنا المبدع ثامر وقتا طويلا لتتبع هذا المنهج الإبداعي .. حينما فاجأنا بمباشرته .. بجملة استفهامية عفوية .. سبَّاقة للنتاج قبل بسط القضية التعبيرية .. هكذا تماما ( يعني كذا ..؟! ) ثم يتبعها بالحالة التي اشتمل عليها اسم الإشارة المركب (ما عاد به شي يمنعك !!
................ تنهي على آخر أمل في رجوعك؟! )
فالتوجه للنتاج مباشرة اعتدادٌ بالذات .. ومفاجأة المتلقي بالهم التعبيري قبل الخوض في تفصيلاته إمعانا في إثباته بقرينة إشارية متطورة جدا ..مع الوضع في الذهن من أننا لايمكن أن نغفل العمق التلقائي والأبعاد العفوية فيها مما يجعلها تركيبا شعريا معقدا ببساطته وقدرة الشاعر فيه على نسف المعجم الشعري السائد وماينطوي تحته من مفردات شعرية ومفردات غير شعرية .. وذلك من خلال إدخال هذا التركيب المحكي في مجرى الشعر ليدخل النص كله عبر نفقه إلى نفس المتلقي حد تلبّسه ، والحقيقة أن هذا التركيب العفوي الذي مهّد له ككل جاء مفتاحًا إبداعيّا متطورًا ومميزًا فيه .. فقد استطاع الشاعر ببراعة أن يبني عليه رؤياه الشعرية في كامل النص .. فكل ما عقب هذا التركيب ( العفوي البسيط ) من تفصيلات .. لم يعتنِ الشاعر بإقناع المتلقي بثبوتها .. وهي عند غيره ربما كانت ستجيء محور النص حين جاءت عنده عبارة عن صور مؤثرة مكملة للحكاية ، تدخل المتلقي مباشرة دائرة شجن الشاعر بدون تمحيص أو تشكيك وذلك عبر منهج شعري خاص اعتمد على تقديم ( الحال ) ( كذا ) .. والإخبار عنها بما هو كائن قبل التوجه إلى حيثياتها .. وهو منهج بلاغي إقناعي متطور .. لايختلف كثيرا عن البعد البلاغي الذي يعتمد على الإخبار بالماضي لما هو مستقبل لبيان حتمية الوقوع ، كما جاء في مواضع قرآنية متعددة من مثل قوله تعالى ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) ...
والحقيقة أنني أطلت كثيرا في هذه الجملة العفوية البسيطة جدا عند البعض ..حين كانت بالنسبة لي ( المسوّغ ) الأساسي لوجودي هنا تحت هذا النص الذي وسمه الصديق ثامر بعنوان ( آخر أمل ) ولو كان الأمر بيدي لقلت إنه نص بعنوان ( يعني كذا ؟! ) .. لأنه يعكس بالنسبة لي المنهج الكتابي عند الصديق ثامر الذي يعتمد في رؤياه دائما علبى بسط ماهو كائن ثم ينطلق بمناقشة الحيثيات والنتائج والاستشراف .. ولمست هذا بوضوح من خلال مداخلاته معي عبر الحوار الالكتروني هنا في شعبيات ثم تتبعته في كل متصفح يقف به هذا الثامر الشجي ...
إذًا كان لابد من هذه الإطالة لتبيان المنهج الإبداعي عن الصديق ثامر قبل الدخول التفصيلي في الأبيات .. والتي بصدق تفاوتت نسبيا .. وإن كان أقلها تميزا يبدو لنا مميزا مع غيره من النصوص .. لكننا حتما لايمكن أن نغفل هذا التفاوت النسبي .. ففي الوقت الذي جاء المطلع بهذا التركيب العفوي الذائب في الكلام .. جاء التكلف النسبي من خلال ضرورة تسكين العين بشكل متكلف من أجل تفعيلة الروي في قوله :
وشلون تنسى ليلةٍ كنت أنا ( معْك ) ؟!
.................. فيها ظلام الليل غطى شموعك !!

على أن الشاعر أجاد كثيرا باستخدام الحرفين الأخيرين في كل من الصدر والعجز مع التغيير في التفعيلة بين تسكين ( العين ) في صدر الأبيات وفتحها في عجزها ، وخلق بذلك تناغما شفيفا ساعد كثيرا في ولوج النص لروح المتلقي مباشرة عبر ذبذبات موسيقية حميمة وشفيفة ...
وكما وقع البيت السابق في ( التكلف النسبي ) جاء هذا البيت :
ومن غبت عنّي والأماني ترجّعك
..................... وأقول: " تِشرق .. لو تأخر طلوعك "
بأبعاد إبداعية متطورة ( مجازيا ) حينما استخدم الأسلوب النموذجي للاستعارة ، حيث اكتفى بصفة المشبه به .. دون ذكره فمفردات ( تشرق / طلوعك ) هي من المفردات الملازمة للشمس .. فجاء التشبيه هنا ضمنيا وبصورة متطورة إبداعيا .. وهذا البيت كمثال إبداعي مقارنة بالبيت الذي تعرضنا للتكلف اللغوي فيه ..تعكس لنا حجم التفاوت الذي سبق وأن أشرت إليه في النص ..

على أنني بالفعل أحب أن أشير لظاهرة إبداعية تكشّفت لي من خلال هذا النص .. إذا بدا لي أن الصديق ثامر الشعيفان لايهتم كثيرا بالنقد الذاتي لشعره .. وهو يشبه بذلك كثيرا من الشعراء الفطريين الذين يكتفون بالنص في حالته الشعرية فلا يتداخلون معه نقديا .. وهي تهمة كثيرا ما وُجهت إلي ولا أنكرها .. ولعلني أشبه ثامر في هذا حين نكتفي بالنص بريئا من النقد منتشين به كما جاء في حالته الشعرية .. على أنني أثق يقينا من أن الصديق الحميم ثامر لو أنه وقف بهذا النص وقفة ناقد بعد اكتماله لتدخّل كثيرا في بعض أبياته .. أو تخلى عن بعضها فثامر شاعر قادر ونادر .. وصاحب رؤيا تأملية متميزة .. وأعترف يقينا أن في ديوانه هنا في شعبيات نصوص متعددة على مستوى متطور جدا جدا على مستوى الساحة المحكية عامة .. لكنني آثرت الوقوف بهذا النص لأنه يكشف لي بوضوح الذكاء الفطري عنده من جهة ، وانعكاس الرؤيا الإبداعية عامة عليه .. خلافا من كونه نص اشتمل على أبيات متعددة بألف بيت مما يكتب الآخرون ...!


للجميع مودتي



التوقيع:


أنا لم أصفعِ الهواء..
كنتُ أصفّقُ فقط ..!
https://twitter.com/#!/ialwafi




اخر تعديل كان بواسطة » إبراهيم الوافي في يوم » 15-04-2006 عند الساعة » 13:58.
إبراهيم الوافي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس