.
.
الأخ الشاعر نويحي..
الحداثة كمصطلح تشير إلى أكثر من معنى..
هناك الحداثة بمعنى الحديث (الجديد) المتجاوز للقديم..
وهناك الحداثة بمعنى الحديث (الجديد) الذي يلغي القديم..
وحسبما فهمت من الأخت الشاعرة نوره العجمي فلعل المقصود من سؤالك هو الحداثة في القضية الشعرية فقط.
بداية أنا ضد الحداثة التي تريد أن تخلق صراعا غير موجود مع الدين.. أي دين..
وأيضا ضد أن نحمل القصيدة تأويلات دينية لا يحتملها النص الشعري..
هناك قصيدة جيدة، وهناك قصيدة سيئة.. والدين بالتأكيد ليس المعيار الذي تقاس به جودة القصائد..
امرؤ القيس وعنترة من اهل الجاهلية الأولى ولا أحد يستطيع أن ينكر شاعريتهما..
وكثير من الشعراء المعاصرين بلغوا القمة رغم رقة الدين الظاهرة في حياتهم الخاصة أو حتى في بعض ما طرقوه من موضوعات في شعرهم.
لكني أؤمن بالحداثة بمعنى التجديد الشعري..
التجديد في موسيقى الشعر، والابداع في صوره، والابحار في أخيلته..
ومع أن يسعى الشاعر دوما للبحث عن المختلف في ذاته وذوات الآخرين..
ومع محاولة التجريب مرة بعد مرة.. وليست كل تجارب الشعراء موفقة بل لا بد من خطأ يُبنى عليه صواب قادم.
لكن..
لنتذكر أن لكل فن قواعده الخاصة به..
وأن تغيير القاعدة بالكامل أو الغائها سيؤدي إلى اختلاف شكل الفن الذي تقدمه.
الشعر هو موسيقى وصورة وخيال..
والموسيقى تحديدا هي ما يفرق بين الشعر والنثر في كل آداب الدنيا شرقا وغربا..
والموسيقى هي تتالي الرتم على مسارات الزمن ويعبر عنها عروضيا بالتفعيلة ولها أصول وقواعد..
هذه قابلة للتطوير والتجديد حتى وإن قيل أن الأذن العربية مثلا تعودت على ستة عشر وزنا فلا شيء يمنع أن تتعود على عشرين وزنا أخرى إن اتيح لها من يقدمها فنيا وشعريا بصورة مغايرة وجميلة تقبلها الاذن العربية.
قدرة الشاعر على استحضار الصورة الجميلة والخيال الموحي موهبة في الغالب..
لكنها موهبة مقرونة بطول ا لتجربة والبحث والاستكشاف والبيئة الخاصة..
كل ذلك يصقل الموهبة، وهو بالتالي يرتقي بحس الشاعر وذوقه وقدرته على الابداع الجميل.
نعود مرة أخرى إلى (شعر) الحداثة..
للشعراء أن يقولوا ما يعتقدون أنه شعر..
وللقارئ الناقد أن يختار منه ما يروقه دون أن يصادر حرية أحد، ودون أن يتهم أحدا بالمروق على قانون الشعر..
وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح المتوافق مع ذائقة الجمهور العريض، ليس في جيل واحد، بل في أجيال متعاقبة قد تتعامل معه كقديم متجدد كما نفعل نحن اليوم مع الشعر الجاهلي مثلا.
تحياتي لك..
وشكري لشاعرتنا الأنيقة التي أوضحت لي مقاصدك..
وأتاحت لي قراءة ومتابعة بعض شعرك الجميل..
.
.